بوتين عندما ينتقد الاسد
رأي القدس
عندما يعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن اسفه لان الرئيس السوري بشار الاسد لم يقم بالاصلاحات السياسية المطلوبة، وانه لو فعل لكان جنب بلاده الحرب الاهلية الحالية، فانه يصيب كبد الحقيقة، واسفه في محله، فادارة النظام السوري للازمة في بدايتها لم تكن موفقة، واتسمت بسوء تقدير للاوضاع على الارض وحجم الغضب الشعبي على وجه الخصوص.
لا احد يستطيع اتهام الرئيس الروسي، وهو يدلي بهذه التصريحات الانتقادية القوية، بانه شخص معاد للنظام في سورية ورئيسه، فما قدمته روسيا بوتين من دعم لهذا النظام في مواجهة التحالف القوي الذي يريد اسقاطه، لا يمكن نكرانه او التقليل من شأنه.
النظام السوري لم يخطئ فقط في ادارة الازمة بالشكل المأمول عندما كانت المظاهرات الاحتجاجية سلمية تطرح مطالب اصلاحية مشروعة ، وانما في عدم البدء في الاصلاحات السياسية، وتقليص او انهاء القبضة الحديدية التي تحكم بها البلاد من قبل الاجهزة الامنية منذ تولي الرئيس بشار الاسد الرئاسة خلفا لوالده قبل 13 عاما تقريبا حيث وعد الشعب في خطاباته الاولى بهذه الاصلاحات.
نحن نتفق كليا مع الرئيس بوتين في قوله بان الرئيس الاسد لو تصرف بشكل مختلف لما كان حصل كل هذا، ويقصد بذلك، ودون ان يقولها صراحة، مقتل اكثر من مئة الف انسان وتدمير معظم سورية، وغرق البلاد في الحرب الاهلية المستعرة منذ عامين وشهرين.
ومع كل هذا نعتقد ان الحديث عن الماضي، واستعمال كلمة ‘لو’ واظهار الندم والاسف، وجلد الذات، كلها امور لن توقف سفك الدماء، واستمرار حرب تهدد بافناء الشعب السوري، وتدمير ما تبقى من عمرانه، وتقسيم البلاد على اسس طائفية وعرقية، والمهم الآن البحث عن كيفية انقاذ البلاد وباسرع وقت ممكن وتقليص الخسائر اذا لم يتأت وقفها.
الرئيس الروسي سيحل ضيفا يوم الاحد المقبل على رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون للبحث في كيفية تسريع الجهود المبذولة لعقد مؤتمر جنيف الثاني، وتهيئة الاجواء للتوصل الى حل سياسي يشكل مخرجا مقبولا للازمة السورية.
نجاح المؤتمر او فشله، يعتمد بالدرجة الاولى على السوريين في السلطة والمعارضة، ورغبتهم في تقديم تنازلات متبادلة مثلما يعتمد ايضا على عزم القوتين العظميين، اي روسيا والولايات المتحدة على ممارسة ضغوط عليهما لتقديم هذه التنازلات.
المعارضة السورية المفككة والمتعددة الايديولوجيات والولاءات السياسية رفضت بشكل مبدئي المشاركة في المؤتمر طالما انه لا ينص على تنحي الرئيس الاسد كشرط مسبق، بينما سارع النظام الى استغلال هذا الموقف الرافض بالاعلان عن تكليف السيد وليد المعلم شيخ الدبلوماسية السورية رئيسا لوفده الذي سيشارك في المؤتمر.
استعادة النظام السوري لبلدة القصير وجوارها بمساعدة قوات تابعة لحزب الله اللبناني، ربما تؤدي الى ‘تليين’ موقف المعارضة المشاركة في المؤتمر، وتخليها عن بعض الشروط المسبقة، خاصة بعد ان شعرت بخذلان حلفائها لها، وعدم تزويد قواتها بالاسلحة المتقدمة التي يمكن ان تعزز وجودها في ميدان القتال.
بالامس طرح تيار بناء الدولة الذي يعتبر احد فصائل المعارضة في الداخل ‘افكارا’ يمكن ان تصلح ارضية للمناقشة في مؤتمر جنيف، ابرزها اعطاء حقيبة الداخلية للمعارضة وان تكون الاجهزة الامنية تحت سيطرتها، فيما تعطى وزارتا الدفاع والخارجية للسلطة، والمالية لاحد فصائل المعارضة، في اي حكومة انتقالية يتم الاتفاق عليها مع التشديد على عدم ترشح الرئيس الاسد في اي انتخابات رئاسية قادمة.
هذه افكار يمكن ان تطرح على طاولة المؤتمر الى جانب افكار اخرى من النظام او فصائل المعارضة الاخرى ويتم تبادل وجهات النظر حولها جميعا، لعلها تكون البداية للخروج من هذا النفق الدموي المظلم.
القدس العربي