بوتين ومصالح روسيا الحقيقية في سوريا
أمير طاهري
في السياسة، يعتبر الأمر غير الضروري أحمق، هذا بالضبط هو الدرس الذي سيتعلمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما يستعرض طريقة تعامله مع الأزمة السورية.
وسواء أكان هذا الرأي صوابا أم خطأ، فهناك إجماع دولي على قيام روسيا بلعب دور سلبي في الأزمة السورية. ففي الأسبوع الماضي، قام ثلثا أعضاء منظمة الأمم المتحدة بتحميل روسيا ضمنيا المسؤولية عن منع مجلس الأمن من التوصل إلى قرار بشأن سوريا، مما يؤدي بدوره إلى استمرار إراقة المزيد من الدماء في سوريا، في الوقت الذي ذهب فيه الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان لأبعد من ذلك، عندما حمل بوتين شخصيا مسؤولية فشل «خطة السلام» الخاصة به.
من المتوقع أيضا أن يؤكد مؤتمر التضامن الإسلامي الذي سيعقد في مكة قبل نهاية شهر رمضان الجاري هذا الشعور. وحتى الوقت الراهن، أدى موقف بوتين المؤيد للأسد إلى توجيه نظرة ازدراء متزايدة تجاه روسيا من قبل أغلبية بلدان حركة عدم الانحياز، ناهيك عن الغالبية العظمى من البلدان العربية والإسلامية، بينما ألقى هذا الموقف بظلاله أيضا على علاقات روسيا بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
أثارت السياسة التي ينتهجها بوتين عداء أوروبا، الشريك التجاري الرئيسي لروسيا، والشرق الأوسط والشرق الأقصى والأميركيتين. وبغض النظر عن الطريقة التي ستؤول إليها الأمور في سوريا، أدت هذه السياسة أيضا إلى ضخ جرعة كبيرة من المرارة في العلاقات الروسية – السورية لسنوات طويلة مقبلة. أدى الموقف الروسي أيضا إلى وقوع الكثير من الأضرار في أشكال مختلفة، حيث إنها تسببت في شلل مجلس الأمن، مما يشكل سابقة من الممكن أن تستخدمها القوى الكبرى الأخرى التي تملك حق النقض في المجلس في المستقبل. لقد نجحت سياسات بوتين في طمس المكاسب الدبلوماسية التي حققتها روسيا في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأعادت النظام الدولي إلى تلك الحقبة القبيحة في خمسينات وستينات القرن الماضي. وسوف يتساءل الروس كثيرا عن المكاسب التي قد يكونون حققوها من وراء الدعم غير المحدود للأسد.
وكرجل استخبارات محترف، ينبغي على بوتين أن يدرك كيفية قراءة المستقبل في سوريا، حيث إنه يدرك تماما أن غالبية الشعب السوري، بما في ذلك كثير ممن يدعمون نظام الأسد لأسباب مختلفة، قد ضاقوا ذرعا بالأسد.
ساهمت الكثير من الافتراضات المشكوك في صحتها في صياغة سياسة بوتين تجاه سوريا، حيث كانت أولى هذه الافتراضات هي أن سياسة الحكم عن طريق ارتكاب مجازر، التي جربها بوتين نفسه في الشيشان، ربما تنجح أيضا في سوريا. ولكن الشيشان كانت أمرا مختلفا تماما، حيث كان الجيش الروسي يحارب في إقليم لا يوجد به سكان روس. لقد كانت حرب الشيشان حربا خارجية تقليدية حارب فيها الجيش الروسي ضمن الحدود القانونية للاتحاد الروسي، أما في سوريا، فالجيش يتألف من السوريين أنفسهم، لذا فمن غير المحتمل أن يستمر في ارتكاب هذه المجازر، حتى لو أراد ذلك، في ظل الرفض الشعبي لهذه المجازر.
ليس من الضروري أن يتمكن الأسد من تكرار ما نجح بوتين في القيام به في الشيشان، على الأقل بصورة مؤقتة.
أما الافتراض الثاني فيكمن في أنه بالحفاظ على نظام الأسد في سوريا، فمن الممكن أن ينظر إلى روسيا على أنها الحامي لبعض الأنظمة الديكتاتورية الأخرى، بداية من نظام الملالي في طهران ومرورا بسلالة كيم في كوريا الشمالية وحتى نظام روبرت موغابي في زيمبابوي. ولكن، ما الفائدة التي من الممكن أن تعود على روسيا من وراء ذلك؟
وحتى لو افترضنا نجاح بوتين في المحافظة على بقاء مثل هذه الأنظمة الاستبدادية لفترة أطول من الوقت، فسوف تظل هناك دوما حقيقة ثابتة، فروسيا لا تعاني من المشاكل الكبيرة التي تواجهها هذه الشعوب، على الرغم من العيوب الكبيرة الموجودة في ديمقراطيتها الهشة.
أما الافتراض الثالث فيعد أيضا مثيرا للجدل، حيث يزعم بوتين أنه بحماية الأسد سوف يتمكن من المحافظة على بقاء القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس السوري. وعلى الرغم من ذلك، فوجود قاعدة عسكرية في منطقة نائية مضطربة هو أمر ليس له أهمية عسكرية تذكر. وعلى أي حال، فإن لم تكن روسيا في حالة حرب، فسوف يستمر أسطولها البحري بالتمتع بحرية الملاحة في شتى أنحاء البحر المتوسط، أما إذا كانت هناك حالة حرب، فتركيا، بوصفها عضوا في حلف شمال الأطلنطي (الناتو)، سيكون لها الحق في إغلاق مضيق الدردنيل أمام الأسطول الروسي قبل أن يتمكن من الوصول إلى طرطوس.
أما الافتراض الأخير الذي بنى عليه بوتين سياسته تجاه سوريا فيتمثل في اعتقاده أن حماية الأسد سوف تمكن روسيا من منع وصول «الآيديولوجيات المعادية» إلى الحكم في سوريا، التي تتمثل في نظام إسلامي بقيادة جماعة الإخوان المسلمين. أكد يفغيني بريماكوف، وزير الخارجية ورئيس الوزراء الروسي الأسبق، هذا الشعور، عندما زعم أن وصول نظام إسلامي إلى سدة الحكم في دمشق يمكن أن يتسبب في تعميق الاتجاهات الانفصالية بين الجمهوريات الإسلامية في روسيا.
من الصحيح أن بعض المجانين المنتمين إلى ما تسمى «حركة الخلافة» يحلمون بـ«استعادة» السيطرة على بعض الأراضي الروسية، ولكنهم يريدون أيضا السيطرة على كامل شبة جزيرة أيبيريا وحتى روما وجزء كبير من فرنسا. وعلى الرغم من ذلك، فلم تقم جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بإثارة مثل هذه المطالب التحررية ضد روسيا أبدا، (ومن المفارقات أن لديها بعض هذه المطالب ضد تركيا).
قد لا يعلم بوتين أن الدستور الذي وضعه حزب البعث العربي الاشتراكي، الأداة السياسية التي يستخدمها الأسد، يتضمن بعض المطالب الإقليمية التي من شأنها أن تنطوي على تفكيك الاتحاد الروسي، حيث يدعي الحزب أن «الوحدة العربية» هي هدفه الرئيسي، لذا يتحدث عن «أمة عربية واحدة لا تتجزأ» على «حدودها التاريخية» التي تمتد من المحيط الأطلنطي إلى المحيط الهندي.
تتضمن هذه المساحات الواسعة من الأراضي بعض المناطق التي حكمها أو فتحها العرب كجزء من الإمبراطوريات الإسلامية المختلفة، بما في ذلك معظم دولة إثيوبيا والصحراء الأفريقية وجزء كبير من البحر المتوسط وجنوب غربي إيران وجنوب شرقي تركيا وبعض الأجزاء من باكستان. ينظر حزب البعث أيضا إلى المناطق الممتدة من جبال أكتاش (التاج الأبيض) في آسيا الوسطى إلى القوقاز، فضلا عن أجزاء كبيرة من حوض بحر قزوين على أنها مناطق عربية.
أما الأمر الأكثر إثارة للاهتمام من وجهة نظر بوتين، فيتمثل في ادعاء حزب البعث أن الكثير من الجمهوريات الروسية التي تتمتع بحكم ذاتي هي جزء من «الأراضي العربية» التاريخية، بما في ذلك تتارستان وباشكورتوستان وقراتشاي – تشيركيسيا وداغستان والشيشان وأنغوشيا وأوسيتيا وأودمورتيا وغيرها الكثير.
ينبغي على بوتين التفكير مليا للإجابة على سؤال بسيط: كيف يمكن لزعيم يعامل أبناء بلده كأعداء أن يكون صديقا حقيقيا لدولة أجنبية؟
لا ينبغي على بوتين الخلط بين الاستراتيجية الدبلوماسية والحملات الاستخباراتية، ففي الأخيرة يتم استخدام كل أساليب الخداع إذا كانت الأمور تحدث في الخفاء. أما في الدبلوماسية، وبخاصة في عصر الشفافية المتزايدة، فلن يتمكن أحد، حتى بوتين، من إخفاء حقيقة نظام الأسد الوحشي. وعندما يسقط الأسد، كما هو متوقع، فسوف يترك بوتين وحيدا كشريك موهوم بدلا من كونه زعيما صاحب رؤية.
وفي المفهوم الأكثر سخرية في السياسة الواقعية، يعد دعم الأسد أمرا سيئا على سوريا وروسيا والسلام والاستقرار الدوليين.
الشرق الأوسط