بيان / الدم السوري ثقيل على أعناق القتلة
اللجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري
يسجل التاريخ السوري يوم الثامن عشر من آذار 2011 يوم انطلاق انتفاضة الشعب من أجل الحرية والكرامة . وكانت الإرهاصات التي سبقت في حادثة الحريقة ، ومظاهرة سوق الحميدية ، والعنف الذي مورس على المعتصمين أمام وزارة الداخلية والاعتقلات الناجمة عن ذلك مؤشراً على اتجاه الأحداث ، تأثراً واقتداء بالثورة الديمقراطية التي تفجرت في غير مكان من الأرض العربية . وليس السوريون أقل حاجة للتغيير الديمقراطي من إخوانهم العرب ، ولن يكونوا إلا بنفس الحكمة والشجاعة في صنعه وعلى نفس القدر من الاستعداد للتضحية من أجل إنجازه .
وعلى الرغم من المبادرات السياسية التي تقدمت بها قوى المعارضة ، ورسائل المناشدة التي أرسلها أكاديميون ومثقفون وقادة رأي مستقلون ، والنصائح التي تلقاها النظام من أكثر من جهة للمباشرة بإجراءات وتدابير تفتح الأفق نحو معالجة الأزمة الشاملة في البلاد ، إلا أن السلطة ظلت مصرة على تجاهل ما يجري في المنطقة ، والاستخفاف بالشعب السوري وطموحاته .
جمعة البداية أعلنتها تظاهرات درعا وبانياس وحمص والجامع الأموي بدمشق . إلا أن درعا الباسلة كانت رافعة هذه الانتفاضة وبؤرتها الأساس . وقدمت من أرواح أبنائها الميامين ودماء شبابها البررة وعزيمة رجالها الأشاوس ما أوقد شعلة الحرية في جميع أنحاء البلاد ، وأسس لكسر حاجز الخوف وخروج سورية من صمتها ، واستحضر قيم الحرية والكرامة والتضحية من أجل العيش الكريم واستعادة حضور الشعب بقوة في المعادلة الوطنية .
لم تتحمل السلطة وعقلها البوليسي خروج الناس إلى الشوارع بشكل سلمي وحضاري من أجل المطالبة بالحرية واستعادة الحقوق ، وتصويب الخلل الفاضح في تهميش الشعب واستبعاده وإبعاده عن قضاياه ومسؤولياته . فأطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين في درعا ، حيث سقط أربعة شهداء . وتتالت المجازر بحق أهلنا في حوران بأسرها ، عندما انتشرت روح الانتفاض والتظاهر ونداءات التضامن . غير أن المجازر التي ارتكبت على مشارف درعا وعند اقتحام الجامع العمري وفي الصنمين تبقى الأشد هولاً والأكثر خزياً للفاعلين ، بغض النظر عمن أصدر الأوامر الفعلية بإطلاق النار . حيث سقط عشرات الشهداء ومئات الجرحى والمفقودين . ومن الواضح أن الهدف من هذا البطش كان تأديب المجتمع السوري بدرعا وبأهل حوران ، وإعادة سورية إلى بيت الطاعة من جديد .
امتدت التظاهرات والاعتصامات في جمعة النصرة إلى العديد من المدن السورية ، وسقط فيها العديد من القتلى والجرحى . كانت اللاذقية المحطة الأصعب فيها ، بسبب تعرض ( شبيحة المدينة المعروفين للجميع ) بالعنف والسلاح للمظاهرات السلمية ، في مسعى محموم لتشويه سمعة الانتفاضة وتحركاتها وأهدافها ، ومن خلال استحضار عصبيات طائفية وبث الشائعات المغرضة والحديث عن المؤامرات الخارجية والمدسوسين ، التي سبق أن استعملت في غير مكان وزمان .
إن المغامرة التي ارتكبت بزج الجيش في أعمال القمع تنطوي على مخاطر فعلية على الجيش والشعب والوطن . يمكن أن تؤثر على تماسكه وانضباطه وروحه المعنوية ، لأنه يزج في مهمة ليست من مهامه ، مثلما يمكن أن تؤذي الوحدة الوطنية للشعب . كما يخشى من أن تطال عقابيلها السلبية بنيتنا الوطنية ، باعتبار الجيش حامي الدولة والشعب والمدافع عن حدود الوطن . وهذا هو باستمرار الدور المألوف والمنوط بجيشنا .
العالم تغيًَر ، وصارت الحرية والديمقراطية من أولى قيم العصر بسقوط كل المعادلات الماضية . والمطلوب من النظام أن يستوعب هذه المتغيرات بعمق ، ويستجيب لحاجات البلاد ومطالب شعبها والاتساق مع المستجدات التاريخية ومنطق العصر . وإلا سيجر البلاد إلى كارثة وطنية وأهوال نحن بغنى عنها ، تحمل مخاطر جدية على سورية وقد تتجاوز الحدود إلى المنطقة . فالمطالب التي عبرت عنها تحركات الشباب السوري بسيطة وطبيعية ، ويستغرب أن يقف أحد ضدها . وهي لا تستدعي مواجهات وصدامات ، لأنها تتم ضمن احترام سيادة الدولة وقيم المجتمع ولمصلحة جميع المواطنين . ولا يتوهمن أحد أن هذه الانطلاقة من أجل الحقوق ستتوقف تحت أي ضغط أو بفعل أي استعراض للقوة . وسوف تستمر على الإيقاع الذي انطلقت منه سلمية وحضارية ، وتبقى عصية على الانزلاق إلى أي موقع من مواقع التطرف والانغلاق . تلتزم بالأهداف الوطنية الجامعة ، وتحترم حقوق جميع المواطنين وتحافظ على الملكيات العامة والخاصة . من هنا يتوجب عدم التعرض للمتظاهرين ، بل تأمين الحماية لهم ، بغض النظر عما إذا كانوا مؤيدين للسلطة أو معارضين لها . فهذا حق دستوري يجب توفيره للجميع .
وجاء إعلان السلطة عن التدابير الناقصة و ” إصلاحاتها ” الموعودة ، ومن ثم خطاب الرئيس لنفس الغرض مخيباً للآمال ورداً باهتاً على احتياجات الشعب المعلنة ومطالب التغيير العميقة .
إن نداء الحرية الذي أطلقه الشباب العربي في جميع البلدان العربية ومنها سورية هو نداء المستقبل المنتصر . وهو لجميع الناس ، لا يعرف الاستثناء والتمييز والمفاضلة على أي أساس وبأي شكل . وهو المؤهل لصنع مستقبل سعيد للجميع . إذ يحرر طاقات الشعوب في معالجة قضاياها والاستحقاقات التي تواجهها . كما يوفر الظروف الملائمة لانتصار الحداثة في الدول والمجتمعات ونجاح التنمية الشاملة والمتوازنة فيها .
تحية لأرواح شهداء الحرية في سورية ، وتحية للشعب السوري المنتفض .
دمشق في 30 / 3 / 2011
اللجنة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري