بيان بخصوص المسألة الكردية في سورية
إلى ثوار سورية على امتداد تراب الوطن :
نحن جزء صغير من شباب سورية الثائر , نحن جزء منكم لا يجمعه أي تنظيم أو هيكلية سياسية و لا يعمل تحت مظلة فرد أو جماعة , و لا تجمعنا عقيدة سياسية واحدة و لا رأي واحد دائم في كل ما يحصل من تطورات , لا نصفُ أنفسنا إلا بأننا متظاهرون سلميون منذ بداية الثورة , اجتمعنا على رأي واحد بخصوص ما حصل في مؤتمر المعارضة المنعقد في اسطنبول بتاريخ 27 – 3 – 2012 من انسحاب لبعض القوى السياسية السورية ( الكردية ) من المؤتمر , و قررنا أن نقول هذا الرأي علَّه يُسمع فينفع .
لقد أثبتت ثورتنا العظيمة خلال عام كامل أنها أكبر من كل توصيف و مقدمة تعدد تضحيات أبناءها و انجازاتهم و مآثرهم , و أنها أكبر من كل النمطيات الايدلوجية و القوالب السياسية و الأساليب الخطابية , لذا فإننا نخاطبكم خطاب الشهيد للشهيد , خطاب السوري المحاصر الصامد للسوري المحاصر الصامد , نخاطبكم في أحرج و أصعب اللحظات التي يمر بها شعبنا و وطننا الغالي .
لقد قامت ثورتنا في وجه طغمة فاسدة مجرمة امتهنت كرامة الوطن و المواطن على مدى أربعين عاماً , و مارست شتى صنوف العنف ضد المجتمع و ضد الدولة , و نكلت بشعبنا و اختطفت حقوق أبناءه دون أن تفرق في الظلم بين الطوائف و الأعراق , فتساوى الجميع أفراداً و جماعات عضوية أمام السلطة في القمع , و لم تكن هي نفسها مصطبغة بلون طائفي أو عرقي واحد , لم تجمع هذه العصابة إلا عقيدة النهب و مذهب الاجرام .
و هي لم تألو جهداً في بث القلق الطائفي و العرقي كلما سنحت لها الفرصة لذلك , ليستتب لها الأمن و تحكم بناء على توازنات التوتر كما تعتقد , و نحن إذ ثُرنا فإنما ثُرنا و إياكم لقلب ما ظن المجرمون أنه استقرار لهم , و لنسف كل توازناتهم المشوهة على كل الصعد , و لانتزاع حقنا في بناء الدولة السورية الحقيقية , دولة المواطنة و التعددية الديموقراطية التداولية , الدولة التي لا ينتهك فيها كرامة و لا يسلب فيها حق لفرد أو جماعة , دولة يتساوى فيها جميع أفرادها بالحقوق و الواجبات , لا مكان فيها لمصطلحات النسب ( أكثرية , أقلية ) , و لا انتماء فيها فوق الانتماء لسورية الشعب و الأرض .
و لقد عانى السوريون الناطقون باللغة الكردية و الحاملون للإرث الثقافي الكردي من ظلم نظام الأسد الأب و الابن , كون المظلمة الكردية ابتدأت في عهد الاستبداد البعثي عام 1963الذي يشكل الجذر لنظام الأسد العصاباتي , حيث سُلبوا آنذاك مواطنتهم السورية و لا يزالون كذلك في زمن الأسد الذي سلبها حتى من الناطقين بالعربية و إن كان هؤلاء يحملون بطاقة شخصية شكلية .
لقد عمد نظام البعث منذ بدايته على فرض عقيدته و أفكاره بالقوة و فرز السوريين على أساس عرقي زائف , فضلاً عن انتهاكه للحريات العامة و حقوق الانسان و اختطافه الحياة السياسية في سورية , و جاء رد السوريين الأكراد على هذا الإقصاء – دفاعاً عن وجودهم – بأن يعملوا وفق مبادئ القومية العرقية الكردية الضيقة , و التزم آخرون منهم بسوريتهم كهوية حضارية وطنية جامعة , مطالبين باستعادة مواطنتهم , هذه المواطنة الممتدة لآلاف السنين في عمق التاريخ .
و لم يكن بقاء الاستبداد و الفساد السياسي و الاجتماعي لخمسة عقود بالأمر الهين على الشعب السوري , إذ أنه أدى إلى ما أدى من ترسيخ الردود الدفاعية السريعة الضيقة التي استهدفت البُنى العضوية , و تم تبرير هذه الردود و إقامة هيكليات سياسية على أساسها , سيما و أن مؤسسات المجتمع المدني قد سحقت و أصبحت البلاد ثكنة عسكرية في عين الطاغية , و هذه الأخيرة هي ما دفعت بشباب الثورة اليوم لمحاكاة الهيكليات التنظيمية المدنية بتشكيل التنسيقيات , و دفع أيضاً بما بقي من أحزاب المعارضة إلى تصدّر الجناح الممثل للثورة سياسياً و إعلامياً . و بقي للأسف الكثير من هذه الأحزاب يعمل و ينظّر بعقلية ايديولوجية ضيقة في زمن الربيع العربي , و منها طبعاً بعض – نقول بعض – الهيكليات السورية الكردية , و إن ظهرت بحلة شبابية , و من هنا ننظر إلى الانسحاب المفاجئ و الغير مبرر الذي حصل في المؤتمر الصحفي .
لم يكن رفع العلم الكردي في المظاهرات دلالة على أمر ما من وجهة نظرنا , فالثقافة الكردية الحضارية كالعربية : إحدى الأعمدة الأساسية في صرح الثقافة السورية , بلغتها و أعلامها و رموزها و طقوسها و تقاليدها و شخوصها , بل و كانت تسمية جمعة ( آزادي ) مبكراً ضربة موجعة للنظام , و لم يكن أثناء سنة من الثورة أي فصيل من فصائل المعارضة السورية الكردية عائقاً أو عقدة في أي عمل , بل على العكس ,و يشهد بذلك الجميع , و لكن ما بدأ يظهر مؤخراً في تصريحات بعض القوى السياسية السورية الكردية من تبطين لبعض الشعارات و الذي ترجم عملياً بانسحاب بعضهم من المؤتمر , نراه عصاة لا مصلحة و لا مبرر لأحد بدسها في العجل الدائر .
لم تكن هذه القوى أساساً واضحة في طريقة انسحابها و هدفها منه , إذ إنها لم تنسحب أثناء كتابة البيان الختامي مثلاً , بل أثناء المؤتمر الصحفي قاصدة ضربة إعلامية مفاجأة لا تليق بمن يفترض به أن يمثل سياسياً ثورة قدمت ما قدمت من التضحيات و الصمود .
و لم نرَ في البيان – المتسق مضمونه مع البيانات السابقة و المشروع السياسي للمجلس الوطني – ما يدعو لاعتراض تلك القوى إذا علمنا أنها بررت الانسحاب بخلو البيان المتلو في المؤتمر من أي إشارة إلى ( حقوق ) ( الشعب الكردي ) , فالبيان أعلن ضمانات الثورة و دعوتها لبناء دولة مدنية ديمقراطية لا مكان فيها لسيادة أكثرية على أقلية أو العكس , و دعى إلى منح السوري , و السوري قطعاً , حقه في الوصول لأعلى المناصب في الدولة المرتقبة مهما كان دينه و مهما كانت لغته .
لقد جاء هذا الانسحاب و بهذه الطريقة في لحظة كانت عيون السوريين معلقة لتحقيق وحدة المعارضة التي من شأنها أن تكون خطوة نحو إنهاء المعاناة و انتصار الثورة . و لكننا لم نكن لنكتب ما نكتب الآن لو اقتصر الأمر على انسحاب من مؤتمر , فقد قامت هذه القوى برفع شعارات المطالبة بـ ( ضمانات ) لـ ( الشعب الكردي ) كشعب له ( الحق ) في تقرير مصيره , و الاعتراف بحقه في الحكم الذاتي أو ما يسمى بالفيدرالية بعد سقوط النظام , و رفعت لافتات ( الفيدرالية مطلبنا ) , و قامت هذه القوى بتسمية جمعة ( خذلنا المسلمون و العرب ) باسم ( حقوق الشعب الكردي ) تحدياً لرافضي هذه المعمعة الغير مبررة و الخطيرة .
لا نريد هنا الدخول في جدل حول استقلالية ( الأكراد ) كعرق , و الدخول في ما إذا كانوا يشكلون ( أمة ) بحد ذاتها , فهذا الكلام سيدحضه أي يافع يقرأ و يكتب , و النتيجة هي ما يعرفه السوريون جميعاً بما فيهم الناطقين بالكردية و هي أنهم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري , و أن الثقافة و اللغة الكرديتين هي ثقافة سورية بامتياز , و هي أصلاً إحدى المكونات الأساسية للهوية السورية التي يحملها السوري العربي , لا يتميز الأكراد إلا بأنهم ورثوا أكثر منا هذه الثقافة بفعل التفاعلية السكانية التوزعية عبر التاريخ التي لا مجال للحديث عنها في هذه العجالة , و لا مجال أيضاً لسرد دلالات تداخلهم و دورهم بالتاريخ الوطني السوري في حركة تحرر هنا و حرب هناك , فهذا بات معروفاً .
ما نريد قوله أن المشكلة التي تتلخص في أنها رد فعل على الإقصاء البعثي تتكفل الثورة المشتعلة حالياً بحلِّها , و لا يجب الاستمرار فيها , لا يجب الاستمرار برد فعل خاطئ إذا بَطُل الفعل الخاطئ و انتهى , نعني هنا أن الثورة ستعيد للسوريين الناطقين بالكردية حق المواطنة المسلوب حتى من الناطقين بالعربية .
فلا مبرر إذن لطرح شعار كشعار الفيدرالية , هذا إذا لم نذكر أن هناك خطأ فادحاً في مضمون الشعار , فالفيدرالية عبر تعاريفها و نماذجها و تاريخها في كل أنحاء العالم , استخدمت لتجميع المقسَّم و ليس لتقسيم الجسم الواحد , هي طريقة اضطرارية لبناء دولة لا يمكن جمع أجزاءها لشدة تباين أجزاءها جغرافياً و سكانياً , و ليس لتقسيم دولة تعبر عن شعب متآلف منذ آلاف السنين , هي قالب لعقود اجتماعية أكثر من أن تكون نظام حكم سياسي في دولة . إلا من أراد أن يذكر العراق مثالاً فعلينا تذكيره بأن ذلك جاء حصيلة و نتيجة لأعنف و أكثر الاحتلالات همجية في التاريخ .
إن حل هذه المسألة الوحيد و الواضح و الحقيقي هو باستعادة المواطنة التامة لكل السوريين في دولة التعددية السياسية , المواطنة التامة لكل السوريين بكل طوائفهم و أعراقهم , دولة الحياة الجامعة لشعب واحد على تراب واحد .
و إن السوريين الأكراد لهم خصوصية ثقافية بحتة – و ليست سياسية – في لغتهم و أدبهم و تقاليدهم و أعيادهم , لهم الحق في إحياءها و تكريسها و ممارستها , و لنا الحق منهم بتعميمها على كل السوريين و الافتخار بها . و إننا لن نقبل أن يظلم و يكبت فرد أو جماعة و يسلب حقه في اعتقاده و ثقافته , و لكننا لن نقبل أبداً و مهما كان الثمن بأن يقسم التراب السوري بأي طريقة صريحة أو التفافية , و لن نقبل بتقسيم الشعب السوري العظيم و وضع حواجز زائفة بين أبناءه , هذا لن يحصل أبداً , و لن نقبل بأن تعرقل ثورتنا مهاترات منابر وقتيّة على حساب دم شهدائنا و معاناة معتقلينا و مهجرينا و ذويهم , لذا فإننا ندعو القوى الوطنية السورية الكردية المنسحبة أن تعيد النظر بمواقفها الأخيرة , و ندعو معها كافة أطياف المعارضة السياسية كتلاً و أحزاباً و شخصيات أن يكونوا في أدائهم على مستوى تضحيات الشباب الثائر و صموده .
عاشت ساحات سورية عامرة بشبابها الأحرار
4 – 4 – 2012