بيان جماعة الإخوان المسلمين في سورية حول تقدير الموقف 28/4/2011
المركز الإعلامي
أيها الإخوة الموطنون..
يدرك كل مواطن سوري أن ما تمارسه أجهزة النظام على الأرض السورية هو حرب إبادة، تستهدف روح الانعتاق التي تمثلها انتفاضة الشباب الوطني المتطلع إلى الحرية والكرامة. يدرك كل مواطن سوري أن جميع ما تطرحه أجهزة إعلام النظام عن المؤامرة والفتنة والمندسين والإرهابيين وأعمال العنف.. هو محض اختلاق لا أساس له. وأن المصدر الوحيد للعنف هو النظام وأجهزته، وأن القاتل الوحيد هو الأجهزة الأمنية وملحقاتها، من قوات الحرس الجمهوري والشبيحة والملثمين.. وأن هذه الانتفاضة الشبابية هي جزء من الحراك القومي الذي انطلقت شرارته في تونس عابرة الحدود العربية.
يثق كل مواطن سوري بلهجة الصدق في لغة الشباب وهم يرفعون شعاراتهم الوطنية الرافضة للطائفية ولأي تدخل خارجي، والمتمسكة بخيارها السلمي الرافض للعنف بكل أشكاله، وبمطالبهم الأساسية المتجسدة في الحرية والكرامة. ولا تغيب عن وعي المواطن سياسات التفتيت التي يتبعها النظام بضرب أبناء الوطن بعضهم ببعض من أحاديث عن الإمارة الإسلامية، والسلفية، والأصولية..
يرفض الضمير الوطني كل محاولات الخداع والمناورة للالتفاف على الإرادة الوطنية الحرة، ويتوقف الجميع عن قبول وعود الإصلاح الزائفة. يدرك المواطن السوري أن وضع الحريات العامة قبل تعليق حالة الطوارئ كان أقل سوءاً مما هو بعدها!! وأن قانون تنظيم التظاهر قد صادر عمليا حق المواطنين في التظاهر إلى الأبد.
يعتقد المواطن السوري أن المؤشرات الأولية للتحول الحقيقي في صدقية النظام إنما تتجلى في أمور منها:
– في توقف إعلام النظام عن الكذب والافتراء، واختلاق الوقائع، وفبركة الاتهامات.. والانتقال إلى الموقف الوطني في تغطية الواقع بطريقة مهنية واقعية صادقة..
– في الاعتراف العملي بحرية الرأي والتعبير، بشفافية تتيح للإعلام الحر أن يغطي الواقع السوري بكل مستجداته، دون تقييد ولا اتهام..
– في التوقف الفوري عن سياسات المداهمة والملاحقة والاعتقال على خلفيات النشاط المدني، والإقلاع عن التستر وراء الذرائع الوهمية في اعتقال المدنيين والناشطين.
– في الالتزام الحاسم بوقف إطلاق النار على المتظاهرين، والامتناع عن قتل الشباب الوطني، وإذلالهم على نحو ما جرى في البيضا ويجري هذه الأيام في درعا وإذرع ونوى..
– وقف سياسات التدمير، وهدم البيوت، واجتياح وانتهاك المدن والبلدات والقرى المعبرة عن تطلعاتها إلى الحرية والكرامة..
إن الالتزام العملي والمباشر بهذه السياسات بلا وعود ولا مناورات.. سيكون تعبيرا عن حسن نية في انتهاج سياسة إصلاح يمكن أن تقنع المواطنين بأن هناك سعياً حقيقياً للإصلاح المنشود، الذي لا يمنع أن توضع قواعده في ظل حراك شعبي وطني سلمي، حارس وداعم.
أيها الإخوة المواطنون ..
تحية إكبار وإجلال لمنتسبي الجيش والقوات المسلحة، أفراداً، وصف ضباط، وضباطاً، الذين امتنعوا بشرف وإباء عن إطلاق النار على مواطنيهم الأبرياء. نرفع إليهم جميعا تحية الإكبار والإجلال ونحتسبهم جميعا شهداء عند الله. نترحّم عليهم، ونتقدم بالعزاء إلى أهليهم وذويهم. وسيفتح لهم وطنهم سطرا في سجل الخالدين.
يدرك المواطن السوري بحسه ووعيه، أن قتلى القوات المسلحة إنما تمت تصفيتهم برصاصة من الخلف، على أيدي قادة عصابات النظام، لرفضهم الانصياع لأوامر إطلاق النار على مواطينهم، وأن هؤلاء الشهداء إنما يقتلهم النظام عمداً، ليجعل منهم شاهدا على وجود أعمال عنف مضاد لرجال الجيش . (ساء ما يصفون)
نكرر النداء على رجال الجيش العربي السوري، أفراداً، وصف ضباط، وضباطاً، وقيادات.. مؤكدين أن دور الجيش هو الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين. ونصرّ على إبقاء مؤسسة الجيش في إطار وقارها ومهمتها الوطنية الأساسية، والامتناع عن الزجّ بها كعامل قمع للإرادة الوطنية المتطلعة إلى الحرية والكرامة.
أيها الإخوة المواطنون..
لقد أثخنت عمليات القتل المستهتر، والإذلال المشين الضمير الوطني في سورية. ومن هنا جاءت هذه الاستقالات الوطنية من حزب البعث العربي الاشتراكي. شهادة من أهلها على نهج السلطة الذي تجاوز في عسفه كل الحدود..
إننا في جماعة الإخوان المسلمين في سورية إذ نعرب عن تقديرنا لهذا الانحياز الحيوي إلى الوطن والشعب.. نرفع التحية للرجال الشجعان الذين قرروا أن يمدوا جسرا نحو سورية المستقبل التي نريدها جميعا حرة وقوية ومنيعة يسودها العدل والمساواة..
ندعو كافة البعثيين الشرفاء، وجميع الذين يشغلون مواقع المسئولية في بنية النظام، وفي سلطات الدولة الثلاث – القضائية والتشريعية والتنفيذية – وكذا كل المنخرطين في أجهزة الدولة على المستويين الرسمي والشعبي.. إلى موقف وطني مماثل، يقرع ناقوس الخطر، ويشارك في وضع حد لغطرسة أجهزة الأمن، التي ما تزال ترتكب الفظائع في حق المواطنين الأبرياء..
ونعلن للجميع أن الصمت عن الدم البريء المسفوك وعن المدن المنتهكة، وعن الظلم المتمادي، تعلّلا بوعد بإصلاح لم ير المواطنون له شبحاً ولا ظلّا، هو من الشراكة في القتل والظلم والإثم، وأن المعادلة الوطنية لم تعد تحتمل صمت الصامتين، ومداراة المدارين، ومداهنة المداهنين. (ستكتب شهادتهم ويسألون).
أيها الإخوة المواطنون..
إلى أهلنا من قيادات العرب والمسلمين..
ما يزال الموقف العربي الرسمي والشعبي، وموقف الجامعة العربية، والمنظمات والهيئات والدول الإسلامية، من شلال الدم الذي يجري دفاقاً في سورية.. لا يزال هذا الموقف يثير الريبة، ويدفع إلى التساؤل، ويحمل على الإدانة؛ أين استحقاقات الأخوّة الدينية؟ ووشائج النسب؟ ووحدة الحاضر والمستقبل والألم والأمل؟ أما يزال بعد ست مائة شهيد؟ وبعد سياسات الحصار والانتهاك والتجويع، والحرمان من الماء ومن الدواء، وقتل الجرحى على أسرة المستشفيات.. مجال للصمت والتخاذل واللامبالاة؟!
إلى أصحاب الضمير الحر في هذا العالم أجمع..
يتساءل الشعب السوري كشريك حيوي في الأخوة الإنسانية، والحضارة البشرية، عن سر الصمت الدولي عن معاناته، وعن حرب الإبادة التي تُشَنّ عليه. لا يزال المجتمع الدولي متردّداً في اتخاذ المواقف الحاسمة لتنفيذ مضامين المواثيق الدولية، لحماية المدنيين من خطر جرائم الحرب التي تمارسها عصابات النظام ضد أبناء شعبنا.
إن شعبنا الذي رفض وسيظل يرفض أيّ تدخّل عسكري في شأنه الوطني الداخلي.. يتساءل: أين هو العزل الدبلوماسي لنظام القتل كمدخل للضغط الحقيقي؟ لماذا لا تسحب الدول الموقعة على وثائق حقوق الإنسان سفراءها من دمشق؟ لماذا لا تجمد الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية؟ لماذا لا تتخذ القرارات بتشكيل لجان التحقيق الكفيلة بالكشف عن حقيقة الجريمة التي تنفذ على المجتمع السوري؟! لماذا لا يرفع الغطاء عن هذا النظام الذي يشنّ على شعبه حربَ إبادة؟
وفي السياق نذكر حكومة روسيا الاتحادية الوارثة للدور السوفييتي في العالم أن الاتحاد السوفييتي كان دائما إلى جانب حركات التحرر في هذا العالم، وأن ما يجري في سورية اليوم هو حركة تحرر، تقابَل بعملية قمع تهلك الحرث والنسل. إننا لا نظن أن القيادة الروسية قد درست موقفها المستقبلي جيداً مع الشعب السوري، الذي سيكون قريباً مالكاً لقراره، والذي سيبني علاقاته مع الآخرين على أساس وفائهم للمبادئ التي يتحدثون عن إيمانهم بها، والمواثيق التي يقومون بالتوقيع عليها.
في تقدير الموقف:
إن شعبنا الذي طال أمد معاناته، وتاقت روح شبابه للحرية والكرامة.. سيظل في سعيه الدءوب إلى غايته، مهما اشتد القمع وبلغت التضحيات. لقد آن لسورية أن تستعيد مكانتها حرة أبية عزيزة كريمة.
إننا نعتقد أن الانحياز إلى الموقف الوطني، والانخراط في مشروع الحرية والكرامة بصدق ووفاء هو المخرج الوحيد من المأزق التي حشرت سياسات الاستبداد والفساد الروح الوطنية فيه.
نلتحم بالمشروع الوطني الذي تقوده روح الشباب المتوثب. ونلتحم بالحراك الوطني المعبر عنه، وندعو جميع أبناء الوطن في شتى المواقع إلى الالتحام به للتأسيس لمشروع وطني يحقق للسوريين ما يصبون إليه من تحرر وتحرير وتقدم.
أيها الإخوة المواطنون..
إنها لجولة من جولات الصراع مع الظلم والبغي. فأروا الله من أنفسكم خيرا.. ورب عيش أكرم منه الحِمام.. لا تتركوا النظام ينفرد ببعض أهليكم.
اهتفوا بصوت واحد للحرية وللكرامة.. لقد خلقكم الله أحراراً.. فلا تسمحوا لطاغية ولا لجبار عنيد أن يستعبدكم.. (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد). والله أكبر ولله الحمد.
28 نيسان (أبريل) 2011
جماعة الإخوان المسلمين في سورية