بيانات الانتفاضة

بيان لمعارضين جولانيين في الذكرى الثلاثين لمعركة الهوية والإضراب الكبير


أهلنا في الجولان المحتل والوطن الثائر

تمر علينا اليوم الذكرى الثلاثون لإضراب الجولان، الأطول في تاريخ سوريا الحديث، والذي شاركت فيه جميع فئات شعبنا، ممن تبقى من سوريي الجولان، رافضةً محاولات السلطات الإسرائيلية فرض جنسيتها علينا، رافعةً شعار “المنيّة ولا الهويّة” إلا هويتنا السورية، مجسدةً وحدة الصفّ والموقف في تحدٍّ مصيريّ يتهدد انتمائنا إلى وطننا الأم سوريا، بأرضها وشعبها، ومؤكدةً أن المجتمع، مهما قلَّ عديده، عندما تتلاقى إرادة عموم أفراده على هدف يتوافقون عليه ويبذلون كل الجهود والإمكانيات في سبيله، فإنه يستطيع فرض إرادته في صون الحياة والكرامة والهوية.

لأهلنا في الجولان، وفي عموم سوريا، ميراث نعتزّ به، أيام توحّدوا تحت شعار “الدين لله والوطن للجميع” إبّان الثورة السورية الكبرى ضد المحتلّ الفرنسي؛ منه نستمد دأبنا على التمسك بانتمائنا وهويتنا وموروثنا، ومن نزوعنا للحرية نغذي طاقاتنا على مواجهة سياسات الاحتلال. وعلى الرغم من التحديات الصعبة والشائكة التي تكتنف حياتنا، تبقى مواجهة سياسة فرض الأمر الواقع والأسرلة والتضييق وتشويه هويتنا الثقافية، المهمة المركزية التي علينا جميعاً خوضها.

كانت معركة الهوية في الإضراب الكبير للجولانيين، 14-2 وحتى 19-7 عام 1982، الحدث المعزز لمعاني وطنيتنا السورية في ظل احتلال الجولان وفي ظل تغييب قضيته عن وعي عموم السوريين. واليوم، بعد ثلاثين عاماً، تعيد ثورة الكرامة والحرية التأكيد على وطنيتنا السورية وتجعلها أوسع أفقاً وأكثر جذرية؛ تعيد وصل ما انقطع، عمداً ومكراً، بين سوريي الجولان وباقي أبناء سوريا. هنا يتلاقى، من جديد، جوهر انتفاضة الجولانيين لكرامتهم وحريتهم بروح الثورة السورية ضد امتهان الإنسان وإذلاله، ضد التسلط والفساد، ضد تحويل المواطنين إلى رعايا يمجدون الحاكم ويسبّحون بعطاياه ومكرماته ويتمرغون عند عتباته؛ ضد تمزيق نسيج المجتمع السوري وتحويل الفسيفساء الجميل لمكوناته إلى شظايا لا تلتحم، ضد اختزال الوطن في شخصية الحاكم الطاغية ووريثه من بعده.

إن شعور الجولانيين الوطني الأصيل وتجربتهم في مقاومة الاحتلال، جعلت قطاعاً واسعاً منهم يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود منذ الإرهاصات الأولى للثورة، فأطلقوا في اليوم الثامن لبدء الحراك الثوري أولى المواقف الداعمة له عبر بيانهم “أنتم الصوت ونحن صداه”. وها نحن اليوم، نعيد تأكيد انحيازنا الكامل لثورة أبناء وطننا، وإننا على يقين بأن هذه الثورة وحدها، وسوريا الحرة والمحررة وحدها تستطيع تحرير الأرض السليبة واستعادة الجولان إلى كنف السيادة الوطنية.

لن تؤدي المقتلة التي يرتكبها النظام وإيغاله في دم مواطنيه الذين لا ذنب لهم سوى مطالبتهم بحقهم في العيش بحرية وكرامة، واستباحة الأجساد والأعراض والممتلكات واجتياح وقصف المدن والقرى وتأليب مكونات المجتمع السوري على بعضها لإثارة الفتن الداخلية والدفع باتجاه الاحتراب الأهلي… إلا إلى إضعاف سوريا وتبديد مقدراتها البشرية والمادية وتحويلها إلى ساحة مفتوحة أمام تدخلات ومصالح القوى الخارجية، ما يعرض الكيان الوطني للخطر ويضعف تماسكه أمام أعداء البلد! وفوق كل ذلك، لن تنقذ المجازر هذا النظام من مصيره المحتوم؛ فنظام الأسد قد سقط.

هذا الجحيم الذي أوصلتنا إليه آلة القمع والحل الأمني، على امتداد قرابة عام، وعشرات ألوف الشهداء والجرحى والمعتقلين والمفقودين واللاجئين… هذه القرى والمدن المنكوبة وهذه العذابات التي فاقت كل خيال، تضع كل فرد سوري أمام مسؤولياته، في دعم الثورة والانخراط فيها ومؤازرة أبناء الوطن، وتضع القوى والكيانات السياسية للمعارضة الوطنية أمام مسؤولياتها في الالتئام حول برنامج حد أدنى يشمل أوسع حد ممكن من الحراك الشعبي، ويكون لسان حال الشعب السوري وثورته المجيدة.

إن بناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية العلمانية، التي يعيش أبناؤها أحراراً متساويين، وينالون جميعاً حقوقهم القومية والثقافية، ويُرَدّ فيها الظلم، ويسود فيها القانون على الجميع بالتساوي الكامل، تمثل إرادة الشعب وتخدم مصالحه الوطنية العليا وتحقق سيادته على أرضه ومصيره، جديرة بالتضحية من أجلها وقادرة على إطلاق طاقات وإبداع السوريين في مسار بناء الدولة الحديثة وإنجاز الاستقلال الثاني. وإذا كانت الثورة السورية الكبرى قد حمت وحدة سوريا ووضعتها على طريق التحرير والخلاص من الاستعمار، فثورة الكرامة ستنجز تحرير الإنسان وستستعيد الدولة الوطنية المسلوبة من الاستبداد والفساد والدمار.

ألف رحمة على أرواح شهدائنا، صغاراً وكباراً، نساءً ورجالاً، الذين يواجهون آلة القمع والقتل بالصدور العارية، ويضحون من أجل سوريا بأغلى وأسمى الأثمان، يسقطون كل يوم ناثرين دماءهم الطاهرة على امتداد تراب الوطن، معيدين لنا الأمل بربيع منتظر بعد طول شتاء.

عاشت ثورة شعبنا المجيدة، وألف تحية لشبابنا الثائر، وإن النصر لقريب.

الحراك الوطني الديمقراطي

في الجولان السوري المحتل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى