بين المجلس الوطني وهيئة التنسيق
عبدالله إسكندر
الثابت في كل مراحل الازمة السورية هو استمرار قتل المتظاهرين، والذي أضيفت اليه منذ فترة مواجهات مسلحة يخوضها جنود منشقون ضد القوات الحكومية بكل تشكيلاتها، وذلك -رغم كل شيء- بدءاً من الاعلانات الرسمية لإصلاحات، مروراً بالوساطات الخارجية وصولاً الى الجهود السياسية للمعارضة بكل فئاتها.
ومنذ ان أطلقت المبادرة العربية، ورغم موافقة الحكم السوري عليها، استمر واقع القتل من دون ان يتأثر بترحيب من طرف معارض هنا او رفض من طرف آخر هناك، ليتأكد ان اختلاف الاجتهاد والرؤية للمرحلة الحالية بين وجهتي نظر معارضتين، لم يصل الى مرحلة التأثير في الاحداث، وهذا يعني ان وجهتي النظر هاتين، الممثلتين بهيئة التنسيق الوطني والمجلس الوطني، في شأن الحوار والتدخل الخارجي، لا تزالان سابقتين على اي موقف فعلي قادر على التأثير. ما دام الحوار الحقيقي ما زال غير مطروح على نحو جدي. وما دام الكلام عن التدخل الخارجي، خصوصاً المادي منه، ما زال يحتاج الى كثير من الظروف التي لم تتوافر بعد.
وفي حين استغل الحكم السوري هذا الخلاف سياسياً، خصوصاً بعد التصدي الأرعن لوفد هيئة التنسيق في القاهرة، يجدر بالطرفين التوقف عند معاني عنواني خلافهما، اي الحوار مع الحكم والحماية الدولية. وتزداد حالياً ضرورة هذا التوقف من اجل وضع حد نهائي لاحتمال العودة الى قبل اندلاع الاحتجاجات. وهذا ما يجمع عليه جميع المعارضين.
ويمكن الظن ان هذا الخلاف ناتج عن رغبة لدى هيئة التنسيق باستنفاد السبل السياسية، وتالياً عن تكتيك سياسي، من جهة. ومن جهة أخرى، عن قناعة عميقة لدى المجلس الوطني ان الحكم لن يتنازل طوعاً عن اي من ممارساته الحالية، وتالياً ينبغي الانتقال الى إسقاطه فوراً، بما يؤشر الى توجه الى حرق المراحل.
ثمة مسألة اخرى تتعلق بشخصنة الحكم السوري، إذ ان رفض الحوار يعني، في ما يعنيه، رفض الحوار مع الرئيس الحالي. في الوقت الذي يكتسب هذا الموقع حالياً معنى رمزياً فائق الاهمية، لارتباطه بالانتماء الطائفي. وكلما زادت اللغة تشنجاً في رفض الحوار، يُفهم منها اقصاء فئة سورية عن عملية الحوار، او على الاقل ثمة مصلحة للحكم في ن يظهر الامور على انها كذلك، ليستغلها في حملته الدعائية والسياسية والميدانية.
وفي حين ان المطلوب اعادة تركيب الحكم مع كل فئات الشعب السوري، لا تتساوى الحساسية ازاء هذه المسألة بين هيئة التنسيق والمجلس الوطني، نظراً الى الخبرة الميدانية المختلفة لدى مكونات الجانبين.
حق الاختلاف والتوجه لا نقاش فيه، ما دام ثمة اجماع على استحالة العودة الى الوراء وعلى تغيير النظام واقامة دولة القانون وحكم مدني تعددي ديموقراطي، لكن شخصنة الخلاف الى حدود اتهامات العمالة والخيانة، تعني ان للحكم الحالي اقامة مديدة، او على الاقل ان نهاية عملية القتل لن تكون قريبة.
سمعنا تصريحات من هنا وهناك، وشعارات تطرح في التظاهرات، وهي لا تزيد من حدة الخلافات بين اركان المعارضة فحسب، وانما تتجاهل تاريخ الحركة المعارضة السورية كله. فلا أركان هيئة التنسيق، الذين دخلوا السجون السورية وحرموا من حرية الكلام والحركة وتعرضوا للتهديد بأشخاصهم وعائلاتهم، عملاء للاستخبارات السورية وخونة للقضية، ولا اركان المجلس الانتقالي الذين حرموا من بلدهم وحق الاقامة فيه، بعدما سجن بعضهم قبل التشرد، والذين ساهموا فكرياً وسياسياً بتفكيك آليات الاستبداد وممارساته، عملاء للاجنبي وخونة للقضية الوطنية. واذا غابت هذه البديهة عن علاقات هيئة التنسيق والمجلس الوطني، فذلك يعني ظلماً ومعاناة مزدوجين للحركة الاحتجاجية.
الحياة