بين اليأس من أوباما وترقب الإدارة التالية/ عبد الوهاب بدرخان
خاطب وزير الخارجية الأميركي إيران من البحرين، حيث كان موجوداً، ليدعوها إلى «المساهمة» في وقف الحربين في سوريا والعراق. بدا جون كيري كشريك مفترضٍ يحادث شريكاً افتراضياً، وهو يعلم أن إيران لا ترى نفسها بعد في موضع الشراكة هذا.
بل إنه اختار، كما يفعل رئيسه أوباما، العبارات نفسها التي وضعتها واشنطن غداة التوقيع على الاتفاق النووي لإسماع إيران بأن الطريق صار مفتوحاً لعقد شراكة ثنائية في الملفات الإقليمية، رغم أن لقاءه مع نظرائه الخليجيين في المنامة كان في إطار تدعيم وترميم علاقة «استراتيجية» أميركية – خليجية باتت مشوبة بالشكوك.
لدى انتقال «كيري» إلى العراق فإنه لم يجد ضرورة لإطلاق أي مناشدات لإيران، مع أن مجرّد السفر إلى بغداد لدعم حيدر العبادي في مأزقه الحكومي فُهٍم بأنه مؤازرة لتمكينه من الصمود أمام ضغوط طهران وأتباعها.
لكن أميركا وإيران تتعاملان هناك كـ«شريكين» فعليين، فالأول غزا العراق واحتلّه وحلّ دولته وجيشه وتركه نهباً لأزماته، والآخر تسلّمه بعد الانسحاب الأميركي وجعله حقل اختبار للمشروع الإيراني لتسعير الصراعات المذهبية، ويكفي أنه زرع فيه عشرات الميليشيات التي لم يكن لها دور آخر غير تقويض مكانة الجيش الحكومي ومصداقيته، وهو الجيش الذي أعاد الأميركيون تأسيسه.
وسواء اعترف الطرفان أم لا فإن تقاسمهما النفوذ في العراق أعطى نموذجاً عبثيّاً للشراكة طالما أنه قطع أشواطاً واسعة في إضعاف الدولة وإعادة بنائها في العراق كما في تهديد مقوّمات التعايش بين العراقيين، فضلاً عن أنه أظهر نجاحاً باهراً في تأجيج الإرهاب، وبالتالي فشلاً مدويّاً في مكافحته، والواقع أن الحلقة الأكثر وضوحاً في المواقف والسياسات الأميركية، طوال عهد أوباما، كانت ولا تزال في التستّر الأميركي على الدور الإيراني في الإرهاب وتنظيماته.
وإذا كانت واشنطن وطهران مرتاحتين إلى نموذجهما في العراق، رغم انكشاف عيوبه وأمراضه، فمن شأن الأطراف الأخرى في المنطقة، ولا سيما دول الخليج، ليس محاذرته فحسب، بل خصوصاً رفض تعميمه، لأنه ببساطة مجرّد وصفة تخريبية مضمونة.
وفي أي حال جاءت رسالة كيري إلى طهران في لحظة تتسم بشيء من الخصوصية، إذ إن دول مجلس التعاون الخليجي تتدارس احتمالات التحاور مع إيران ومتطلّباته، وكان وزير الخارجية السعودي واضحاً في تحديد العناوين الرئيسية لأي تحاور وتعاون، من «وقف تدخّل إيران في شؤون المنطقة» إلى «دعم جهود الأمن والاستقرار».
فالهدف هو «علاقات طبيعية» بين إيران وجيرانها، ولا يمكن التوصّل إليه، أي لا يمكن التعامل مع إيران، فيما هي تنتهج سياسات غير طبيعية بالمرّة، والأهم أن أي حوار من أجل «حسن الجوار» لا يستقيم مع دأب الطرف الآخر على توكيد أطماعه في البحرين وفي الجزر الإماراتية واستعداده لإشعال الحرائق في محيطه من تعطيل للحلول في سوريا والعراق، فضلاً عن مصادرته للدولة في لبنان.
المعلوم أن لقاء المنامة كان تمهيداً للقمة الخليجية – الأميركية المقبلة في الرياض، وخُصّص لمراجعة ما أنجز في تطبيق مبادرات «الشراكة الاستراتيجية» كما رُسمت قبل عام في قمة كامب ديفيد، والواضح أن هذا الاستحقاق المهم لم يُطرح جديّاً إلا بإلحاح خليجي وبعدما فرضت «عاصفة الحزم» واقعاً جديداً في المنطقة، رغم أجواء «الهجرة» الاستراتيجية الأميركية نحو شرق آسيا.
أما لماذا لم يُطرح سابقاً فلأن واشنطن كانت مهووسة بالتوصّل إلى «اتفاق نووي» مع إيران ولم تشأ تفعيل شراكة كهذه لئلا تنعكس سلباً على التفاوض، رغم أنها طوّرت في الفترة نفسها مساعداتها العسكرية لإسرائيل، حتى أثناء حربها الثالثة على غزة قبل عامين.
لم تكن دول الخليج ضدّ التوصّل إلى «الاتفاق» لسبب جليّ هو أنها ضد أي مواجهة عسكرية كبديلٍ عنه، لكنها حذّرت باستمرار من أن يُستخدَم الاتفاق لإعادة تأهيل النظام الإيراني دولياً من دون وقف انتهاكاته الإقليمية، وهو ما تتيحه أميركا والدول الغربية الآن بعدما ظلّت صامتة، حين استغلّت إيران المفاوضات للقيام بتدخلات خارجية قوّضت جهود استعادة الاستقرار حاضراً وفي مستقبل قريب.
لكن الأخطر أن مواقف أميركا لا تزال خاضعة لحسابات ما قبل الاتفاق، بمهادنتها لإيران رغم عدوانيتها، فما يختصر «عقيدة أوباما» في نظر دول الخليج أنها تعني بخذلان شريك راسخ لمصلحة شريك غير مضمون، ولأنها كانت الأكثر استشعاراً وتأثّراً بـ«العقيدة» فإن ترقّبها للإدارة الأميركية التالية بات ينافس تطلعها إلى القمة المقبلة مع أوباما.
الاتحاد