تأييد الأسد من أجل إيقاف المذبحة!/ علي سفر
بين تضاريس الحرب المعلنة والمستعرة بين الدول العظمى والدول الإقليمية المنضوية في محاورها، في الساحة السورية التي عاشت الأيام الماضية توتراً غير مسبوق، إثر استخدام النظام السوري السلاح الكيميائي ضد المدنيين في مدينة دوما، ما أدى إلى قصف الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مواقع ومراكز حربية تابعة له…
وفي خضم تفاصيل يدرك الجميع أنها سلسلة طويلة مستمرة من الأحداث؛ بدأت في مارس/ آذار 2011، عاش فيها السوريون مآسي شتى، بدأت بقتل المتظاهرين في الشوارع، واعتقال مئات الآلاف، وتغييب وموت عدد هائل منهم في السجون، إضافة إلى الحرب المستمرة ضد المدنيين بحجة إنهاء الفصائل “الإرهابية”، وصولاً إلى استخدام السلاح الكيميائي أكثر من مائتي مرة تحت مرأى العالم ومسمعه، واستخدام دولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن “الفيتو” كل مرة، لحماية نظام الأسد.
على هامش ما سبق، وهو ليس قليلا في العرف الإنساني، ينبري يساريون عرب وأجانب
للدفاع عن بشار الأسد ونظامه وزمرته، وتخوين كل من يطالب بمحاسبته، ليشكل هؤلاء مع الكتائب القومجية شبه البائدة تحالفاً يواجه السوريين عند كل واقعة يحدث فيها ارتفاع في منسوب المواجهة بين النظام وشعبه، أو بينه وبين حلفائه من جهة والقوى الدولية والإقليمية من جهة ثانية.
الأمر أشبه بنكتة، أو واقعة خيالية، لو رويت للقارئ لما صدّقها، لكنها أمست حادثة واقعية لم يرَ العالم مثيلاً لها أبداً. كيف أمكن لليساريين وللقومجيين وللفاشيين والعنصريين وأعضاء منظمات اليمين المتطرّف حول العالم، أن يجتمعوا كلهم في جبهةٍ واحدة، ليدافعوا عن نظام الأسد، تحت حجج متعددة، يحاولون فيها تغطية ارتباطهم بشكلٍ ما بمحور الأسد والمافيا الدولية التي تدعمه. وهكذا بات ممكنا وضع علامات على خريطة العالم، توضح أمكنة حلفاء الأسد الظاهرين وتموضعاتهم، وأيضاً بات من السهل تسجيل قائمة مواصفات طابوره الخامس أو جنوده المخفيين الذين يظهرون في الملمات، ليدافعوا عن “سوريا” كما يقولون، لكنهم يدافعون عن بشار الأسد وفئات نظامه من القتلة والشبيحة، والجنود والضباط في جيشه.
داخلياً، يمكن كشف هؤلاء ببساطة، حينما تراهم يصمتون عن جرائم الأسد بحق السوريين، والتي دمرت نسيج سورية كله، وينطقون حينما يتم الهجوم على النظام، وتسمع أصواتهم وهي تنعى البلد وتبكيه.
يكتبون ليل نهار عن الاحتلال التركي والأميركي والفرنسي والبريطاني، لكنهم يصمتون عن تحكم الإيرانيين والروس بمصير سورية كله، ومساندتها القتلة، منذ سبع سنوات. يتهمون المعارضين الذين يعيشون في دول اللجوء والمنافي ويعارضون الأسد، ويناضلون ضد نظامه، بأنهم عملاء لقطر وللسعودية ولتركيا ولغيرها، لكنهم لا يخجلون من العمل والكتابة في مؤسسات إعلامية ممولة من إيران، ولا مشكلة لديهم في توجيه التحية للجيش الروسي الذي “حمى سوريا من الإرهابيين”!
أوجد هذا القطيع من اليساريين والقومجيين لنفسه، في الأيام الماضية، مساحة كبيرة على صفحات التواصل الاجتماعي، فصرح كثيرون من أفراده بما لم يصرح به في السنوات الماضية، بعد أن أوهموا متابعيهم بأنهم يميلون إلى الثورة وللتغيير، ملتقطين الحجة من هنا أو هناك، ليعلنوا كفرهم بالثورة، وتأييدهم جيش النظام في غزوته ضد الفصائل في الغوطة الشرقية، والتي انعكست موتاً على المدنيين الذين سقط منهم بضعة آلاف، اعتبرهم هؤلاء وغيرهم المعادل الطبيعي لموت عدة مدنيين سقطوا في مناطق سيطرة النظام إثر سقوط قذائف هاون، لم يثبت أنها أطلقت من مناطق سيطرة المعارضة.
يتحدّث بعض هؤلاء عن الرغبة بـ”إيقاف المذبحة اليومية السورية”، لكنهم يغفلون عن أن هذه العبارة فضفاضة، ويمكن أن تتسع لتفاصيل غير أخلاقية كثيرة، فالقتل اليومي يحدث الآن بذريعة إنهاء اعتداء الإرهابيين على المدنيين، وكذلك تدخلت إيران بحجة وجود الإرهابيين القتلة، وكذلك فعلت روسيا التي باتت قوة احتلال رسمية.
لا يمكن أن تقنع أحداً برغبتك في إنهاء المذبحة، من دون أن تحدد من الفاعل فيها، ومن دون
التفصيل والتمحيص في مرتكبيها. وحتى وإن فعلت، فإن الحساسية الإنسانية التي توحي بها لا تبرّر أن يذهب المرء إلى تأييد أحد القتلة، لكي ينتصر على قاتل آخر، ليتم بعدها توقف القتل! فحدوث هذا الأمر يعني أن يستبيح القاتل المنتصر المكان والناس، في فورة نصره، فيمتد فعل القتل أكثر فأكثر.
هنا عطبٌ في التوجه لدى من يمتطون موجة تبريرات وقوفهم المستحدث إلى جانب النظام المجرم، فالمنطق يقول إن تقديس الحياة الإنسانية، وجعلها قيمة فارقة في السياسة والتوجهات، يجعل المعتقدين بها، يحيلون المأساة كلها إلى وجود الظلم الذي يؤدي إلى ردود الفعل ضده، لكن هؤلاء يريدون للظالمين أن ينهوا الاحتجاج على الظلم، من أجل إيقاف إراقة الدماء السورية، فكيف تستوي هذه المعادلة لدى هؤلاء الذين جعلوا من العدالة الاجتماعية هدفاً وشعاراً لحياتهم؟
ربما من الصعب على أي يساري أو قومجي ينتمي للمنظومة الرسمية لهذين التيارين السياسيين والفكريين أن يقتنع بالثورة السورية بوصفها حراكَ شعب يطلب الحرية والعدالة والديمقراطية، فقد جرت تعبئة عقول المنتمين لهما بدوغمائية بدائية، تفترض أن كل من يرفع شعاري الاشتراكية أو القومية العربية ينتمي حقاً لهما. ولكن هل بات من المستحيل حقاً على هؤلاء أن يكونوا بشراً كباقي البشر، يتمتعون بفطرة سليمة، ويتعاطفون مع ضحايا البراميل والقصف الجوي والسلاح الكيميائي؟
العربي الجديد