تجمع وليس حزبا
ميشيل كيلو
أثار انضمامي إلى تجمع اسمه ” سوريون مسيحيون من أجل الديموقراطية ” موجة من الانتقادات تبناها ” بصورة خاصة علمانيون “مزعومون ، توهموا أنني دخلت بانضمامي إلى التجمع في حالة طائفية ، وربما كنت اريد تأسيس حزب طائفي ، وأنني شجعت آخرين على تقليدي والمبادرة إلى تأسيس أحزاب طائفية . أما الدليل فهو مؤتمر سيعقد قريبا في القاهرة هدفه تأسيس “حزب علوي” .
لن يكون ردي طويلا ، لأن التهم لا تستحق الرد . يصير المرء طائفيا عندما يرى وطنه وشعبه بدلالة طائفته ، التي يجعل منها حالا خاصة يجب إخضاعهما لها ولمصالحها ، ولا مفر من ترجيح كفتها على أية كفة أخرى . بالمقابل ، عندما يرى المرء الجماعة التي ينتسب إليها بأعين وطنه ، ويعتبرها جزءا من جماعة وطنية اعم يجب ان تتفق معها في المصالح والهوية والثقافة والعيش المشترك والأهداف ، فإنه لا يكون طائفيا بل ضد الطائفية ، ويكون التجمع الذي ينتسب اليه مناهضا للطائفية ، يكسر النزوع الذي قد يكون موجودا إليها ويناهض القوى التي تتبناها .
لا يكون تجمع ما طائفيا لأنه مسيحي أو علوي أو درزي أو اسماعيلي أو سني أو شيعي ، بل يكون كذلك إن رأى العمومية المجتمعية من خلال خصوصية ما يدعيها لانتمائه ، تضعه خارج هذه العمومية ثقافيا ومصلحيا .فإن نظر إلى نفسه بعين العمومية المجتمعية وأراد التكييف والتطابق معها ، كان تجمعا مناهضا للطائفية بريئا منها .
ونحن ، في تجمع ” سوريون مسيحيون من أجل الديموقراطية” اصدرنا ميثاقا ينفي وجود خصوصية مسيحية في سوريا يجب رؤية المجتمع من خلالها، يدعو الى التحاق “المسيحيين كافراد ” بالثورة الوطنية التي يقوم بها شعبهم باعتبارهم جزءا تكوينيا منه وليسوا ولم يكونوا يوما طائفة قائمة بذاتها .
وبما إن وجدت قطاعات واسعة من المسيحيين لم تلتحق به ، فإنها مدعوة للمبادرة إلى ذلك ، وإلا كان موقفها طائفيا ومناهضا للجماعة الوطنية التي تنتسب إليها ، ويجب أن ترى نفسها بدلالتها ، لأنها جزء لا يتجزأ منها . لم يطالب التجمع ب”حقوق” مسيحية خاصة ، بل أدان موقف قطاع مسيحي واسع من الثورة باعتباره طائفيا، وركز على حتمية تبني المواطنين مسيحيي المولد المطالب الوطنية والمجتمعية العامة التي يضحي شعبهم اليوم في سبيل تحقيقها ، وعلى رأسها مطلب الحرية ، الذي يستحيل أن لا يكون جامعا ومناهضا للطائفية بدوره ، فمن واجبهم الانخراط في النضال من اجل الحرية ، عبر التحاقهم ببرنامج ديمقراطي قائم على المواطنة ، التي لا تنظر إلى الانسان من زاوية مذهبية بل تراه كإنسان له حقوق مساوية لحقوق غيره ويتعين بحريته ، وليس بدينه او بمذهبه . هل يتعارض كون المرء مسيحيا مع العلمانية ؟. إذا كانت هذه تعني إخراج الدين من المجال السياسي والعام ، وحصره في المجال الخاص ، فالانتماء الشخصي إلى دين بعينه لا يتعارض مع العلمانية ، وقد يكون تجذره في الشخص تعبيرا عن عمقها وتجذرها في الحياة العامة والخاصة ، وتعبيرا عن تحققها. أما حين يصير الانتماء المذهبي الشخصي معيار الموقف العام من الآخرين، ومقياسا تضبط بواسطته ومن خلاله المواقف والعلاقات معهم ، فإنه يصير طائفية ونقيضا للعلمانية . هل التجمع الذي يخاطب المسيحيين كافراد ، ويراهم بعين الجماعة الوطنية وبدلالة مصالحها ، ويريد لهم تبني مواقفها والالتحاق بكثافة ووضوح بها ، والتعين بدلالات غير مذهبية وغير دينية ووفق أسس مبدؤها المواطنة والحرية ، طائفي ؟. من الضروري أن يكون المرء غبيا إن لم ير أنه نقيض الطائفية وآليات إنتاجها.
هل التجمع حزب او في طريقه لأن يصير حزبا؟. كلا ، لأن الحزب سيكون طائفيا ما دام عمله سيتركز على مصالح المسيحيين الجزئية بما هي مصالح خاصة بالمقارنة مع مصالح بقية المجتمع ، على غرار ما تفعله الأحزاب الطائفية القائمة اليوم في سوريا ، وأشهرها جماعة الاخوان المسلمين، التي لا تضم غير السنة ولا ترى المجتمع إلا بأعينهم وبدلالة معتقداتهم ومصالحهم ، بحجة تجافي الفكر الديمقراطي هي أنهم أغلبية السوريين .
لا زال عقلنا العام في عتبة ما دون سياسية ، هي عتبة الغوغائية والسطحية والجهل والغباء. إن ثورتنا لم تغير بعد هذا الواقع المحزن والمؤسف ، الذي لعب دورا خطيرا بالامس في وصول البعث إلى السلطة، ويسهم اليوم بفاعلية في بقاء نظامه رغم مرور عامين على الثورة المجتمعية العامة ضده !.
المدن