تجني لافروف!
طارق الحميد
لأول مرة أستمع إلى وجهة النظر الروسية تجاه سوريا، وذلك عبر المقابلة التلفزيونية المهمة التي أجراها الإعلامي الأميركي تشارلي روز مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وهي مقابلة مليئة بالتجني، وليّ عنق الحقيقة، ناهيك بالقراءة الخاطئة للأحداث في سوريا، من قبل وزير الخارجية الروسي، والنابعة عن موقف روسيا الخاطئ بدعم بشار الأسد.
لافروف الذي أجبر المحاور الأميركي العريق على المقاطعة كثيرا، ومحاولة الاستيضاح أكثر، كان يقول إن موقف بلاده قائم على رفض التدخل في سوريا، أو قبول المطالبة برحيل الأسد أولا، بسبب أن «القاعدة» و«الإخوان المسلمين» هما من يقومان بالأعمال المسلحة، وبدعم دول أخرى، مما يعني أن لافروف يقول، إن «القاعدة» و«الإخوان»، ودول الخليج، وفرنسا، وبريطانيا، ومعهم أميركا، أصبحوا حلفاء لـ«القاعدة»، وهذا حديث لا يصدر إلا عن وليد المعلم، أو جهاد المقدسي، ليس لعلمهما النافذ، بل لأن هذا الحديث يتطلب أشخاصا فقدوا الأمل في الحياة تماما، وربطوا بقاءهم ببقاء الأسد، فهذا حديث لا يقوله عاقل أو سياسي محترف، خصوصا وهو يرى قرابة الثلاثين ألف قتيل سوري على يد قوات الأسد!
والغريب أن لافروف يقول، إن مقاربة بلاده حول سوريا تقوم على أولوية واحدة وهي وقف القتل، لأن الأبرياء السوريين يقتلون، والحقيقة المعروفة أن من يقتلهم هو نظام الأسد، هذا أولا، أما ثانيا: فمن خوّل الروس حق التحدث عن السوريين، وخصوصا تحديد أولوياتهم ما دام السوريون، وطوال تسعة عشر شهرا، يقولون: يسقط الأسد، ويسقط النظام؟ والأدهى في تلك المقابلة أن لافروف يقول حول التدخل الإيراني في سوريا، إنه مجرد تقارير إعلامية تتطلب التدقيق، وألقى باللوم مطولا على الإعلام بخصوص سوريا، لكن لافروف تناسى، أو تجاهل، أن من تحدث عن الوجود والدعم الإيراني في سوريا هو قائد الحرس الثوري الإيراني، وأمام عدسات الكاميرات، وليس بتصريح صحافي مكتوب، مما يظهر أن الإيرانيين أكثر مصداقية حين يدافعون عن الأسد من لافروف!
وعجائب من سميته ذات يوم «الملا لافروف» لا تقف عند هذا الحد، بل هو يلوم أميركا والغرب على مواقفهم تجاه كل من ميلوسوفيتش في يوغوسلافيا، وصدام حسين، ومعمر القذافي، فهل هناك أسوأ من هذه السياسة المدافعة عن أسوأ الطغاة في العالم؟ لافروف كان يتحدث في تلك المقابلة التلفزيونية ليس بتجنٍ على السوريين فقط، بل إنه أدان السياسة الروسية ككل، وفضحها بشكل مذهل بدفاعه الضعيف، والمتجني، عن الأسد؛ فوزير الخارجية الروسي لم يقم بتشويه سمعة الثورة السورية فحسب، بل إنه يتهم، وهذا هو الأدهى، جزءا من الجيش السوري الحر بأنه قام بتوجيه دعوة علنية لـ«القاعدة» للتعاون معهم في معركتهم ضد الأسد، وهذا أمر لم نسمع به، ولم يقل به أحد إلا الأسد، ولكن ليس بالشكل الفج الذي تحدث به السيد لافروف، وهو أمر غير صحيح!
وختاما، فإن حديث لافروف المستفز ما هو إلا مؤشر حقيقي إلى أن موسكو قد باتت مقتنعة بصعوبة بقاء الأسد، وإلا لماذا تلجأ للتجني وتشويه الحقائق بهذا الشكل الفج، وعلى لسان وزير خارجيتها؟!
الشرق الأوسط