تحديات المسألة السورية
د. صالح عبد الرحمن المانع
عقد في المنامة الأسبوع الماضي منتدى حوار المنامة، وقد طغت على مداخلاته ومناقشاته المسألة السورية بكل أبعادها الدبلوماسية والسياسية والعسكرية. وكان هناك تخوف من بعض المشاركين من احتمال تكرار التجربة العراقية في سوريا، بحيث يتم حلّ الجيش السوري وأجهزته الأمنية في أعقاب انهيار النظام القائم، وتتحول سوريا إلى جهات وجماعات متقاتلة على غرار ما هو حادث في الصومال، أو ما حدث في العراق في أعقاب الاحتلال الأميركي للبلاد.
غير أنّ التطمينات التي سمعت من قبل ممثلي الائتلاف الوطني السوري الجديد، جاءت لتطمئن الحاضرين بأنّ الائتلاف يشعر بخطورة الوضع المستقبلي، وأنه بصدد وضع تصور لحكومة مؤقتة ومجلس عسكري أعلى ينسّق بين الفصائل المقاتلة على الأرض، وأنّ مثل هذا الإعلان تقرر أصلاً صدوره خلال اجتماع أصدقاء سوريا في مراكش الذي عُقد يوم الأربعاء الموافق 12 ديسمبر الجاري.
وطرح بعض المشاركين أسماء بعض الحركات الإسلامية المقاتلة على الساحة السورية مثل «جبهة النصرة» وغيرها من الحركات الإسلامية، وكان هناك تخوف من أن تهيمن مثل هذه الحركات على المعارضة السورية. إلا أن آخرين رأوا أن أخذ الائتلاف السوري الموحد للمبادرة من شأنه أن يعطي بعداً شعبياً أوسع لقطاعات المعارضة المختلفة بحيث تمثل بحق معظم فئات المجتمع السوري.
ولذلك، فإنّ مسألة مساندة الائتلاف السوري الموحد الذي أُعلن قبل شهر واحد في الدوحة باتت ضرورة ملحة للمجتمع الدولي الذي يسعى جاهداً إلى جمع شتات المعارضة السورية ودعمها عبر صندوق مقترح يبلغ قوامه حوالي خمسة مليارات دولار، كان قد جرى الحديث مؤخراً عن إمكانية الإعلان عن تشكيله من قِبل مجلس التعاون وأصدقاء سوريا في اجتماع مراكش.
وقد بدأت الدول الخليجية والأوروبية في العمل بشكلٍ مكثف لوضع تصورات لفترة ما بعد الأسد، ومن ذلك بناء الهياكل الإدارية لحكومة ديمقراطية تخلف نظام الأسد، وتدريب أفرادها على إدارة السلطة، وتقديم المساعدات للشعب السوري، خاصة اللاجئين منهم، الذين وصل تعدادهم في الداخل إلى ثلاثة ملايين شخص، بالإضافة إلى حوالي خمسمائة ألف لاجئ في الخارج.
ومثل هذه الأزمة الإنسانية التي تداعت إليها الدول المحيطة بسوريا، يمكن أن تستثمر لاحقاً لمساعدة الحكومة الوليدة اقتصادياً وسياسياً وإدارياً في المرحلة اللاحقة لسقوط نظام الأسد.
كما أنّ مثل هذه المرحلة تتطلب كذلك إصدار عفو عام عن جميع من شارك في القتال من الجنود ذوي الرتب المنخفضة، بل والتأكيد على بقائهم في الخدمة العسكرية بشكلٍ أو بآخر، وتحت إمرة جديدة.
ومسألة تمثيل الأقليات في أي حكومة مستقبلية استحوذت بدورها هي أيضاً على اهتمام المشاركين. وأكّد ممثلو الائتلاف السوري، أنّ الأقليات ورجال الأعمال يساهمون بشكلٍ رئيس في الائتلاف، وأنّ عدداً منهم قد أصبح يمثل بلاده في الدول التي اعترفت بالمعارضة الجديدة. فسفير الائتلاف السوري الموحد في فرنسا، على سبيل المثال، ينتمي إلى الطائفة العلوية. وبمثل هذه الإشارات الرمزية والفعلية يمكن للائتلاف أن يطمئن الدول الكبرى، على أنّ الأقليات ستلعب دوراً مهماً في مستقبل سوريا.
كما أنّ حواراً وطنياً يسعى إلى التسامح ونبذ الفرقة وفتح صفحة جديدة من تاريخ البلاد، ورسم خطط واضحة لذلك منذ الآن من شأنه أن يشجّع فئات أكبر من المجموعات الملتفة حول النظام السوري الحالي، أنّ تقفز من السفينة وأن تلتحق بركب المعارضة.
على أننا يجب ألا نعتقد أنّ سقوط الأسد بات قاب قوسين أو أدنى. فمعركة دمشق ربما تكون قد بدأت بالفعل، ولكن القوة العسكرية التي بيد النظام، وعدم وجود رادع أخلاقي أو سياسي يمنعه من تكرار المجازر التي حدثت في درعا وحلب وغيرهما من البلدات السورية، يمكن أن تجعل النظام يميل إلى استخدام أسلحة غير تقليدية، مثل السلاح الكيماوي، في ساعات اندحاره الأخيرة. ولا يكفي أن تعلن الدول الكبرى ويعلن حلف «الناتو» أنه لن يسمح بمثل هذه الأعمال، بل المطلوب أن تكون هناك خطط جاهزة يمكن اللجوء إليها في حال نقل النظام لمثل هذه الأسلحة من مستودعاتها إلى ميادين القتال، أو حتى البدء في تجهيزها للاستخدامات العسكرية الفعلية. وبمعنى آخر، فلن يكون الكثير من الوقت متوافراً قبيل أي تدخل عسكري حاسم في حال وجد النظام نفسه محاصراً داخل دمشق، أو أحد أحيائها، وبات السلاح الكيماوي هو سبيله الأوحد إلى النجاة.
ويبدو أن تردد الدول الكبرى في تزويد المعارضة السورية بما تحتاجه من أسلحة للدفاع الجوي وحماية المدنيين من قصف الطائرات السورية لا يزال قائماً، وربما تتحرك الأمور بشكلٍ أسرع في أعقاب مؤتمر أصدقاء سوريا في مراكش الأخير.
وعلى رغم الدعم الدبلوماسي والإنساني الذي تقدمه بعض الدول، إلا أنه لا يزال هناك تخوف من إمداد المقاتلين في المعارضة بأسلحة دفاع جوي، يمكن أن توثر فعلاً في سير المعارك، وتنهي جزءاً من سيطرة قوات الأسد الجوية. وكل ما نشهده الآن من إسقاط لبعض الطائرات يتم من قِبل المعارضة باستخدام أسلحة سورية تمّ الاستيلاء عليها من بعض المنشآت والمستودعات السورية نفسها.
والحرب السورية التي راح ضحيتها قرابة أربعين ألف شخص، وجُرح فيها حوالي مائتي ألف آخرين، لا زالت مستعرة، وإنه لمن العار لبعض الدول مثل روسيا أن تظل مناصرة لنظام الأسد ومعطلة لقرارات محتملة من مجلس الأمن. وفي هذا الصدد، صرّح مسؤول خليجي كبير بأنّ الدول العربية ربما تلجأ إلى الجمعية العامة لاستصدار قرار «التجمّع من أجل السلام» الذي يشبه ما تمّ إبان الحرب الكورية، ويسمح بموجبه القانون الدولي بتشكيل قوات حفظ سلام وحماية للمدنيين في سوريا، على غرار قوات حفظ السلام في كوسوفو.
والراهن أن مستقبل سوريا لا يزال مليئاً بالآلام، وطالما كان المجتمع الدولي منشقاً على نفسه، فسيجد نظام الأسد أنه يستطيع قتل المزيد من أبناء شعبه، وستزداد ضراوة القتال وسيسمح ذلك لجماعات عسكرية متشددة بأن تأخذ زمام الأمور بيدها.
واليوم مطلوب من المجتمع الدولي كله أن يقف بشكلٍ قوي وينهي مأساة الشعب السوري الذي يتطلّع للسلام والحرية والمستقبل.
الاتحاد