تحذير الثورة السورية من أخطائها
الياس ورده
في هذه اللحظات التي بدأ فيها «الجيش الحر» في تحرير «الشهباء» وريفها من قبضة النظام السوري، كنت أرغب وأفضل، العمل فقط، على ما أعتبره المهمة الأولوية، في تعزيزه ودعمه ومساندته، لكني وجدت أيضا أن التحذير مما يهدد سلامة الثورة والوطن وتحديد بعضها وتقديم الأفكار والمقترحات لتجنبها وحلها، جزء مهم من هذا العمل وواجب أعبّر به عن حرصي المطلق على نجاح الثورة والوصول بالوطن إلى برّ الأمان المنشود.
كل وطني لا يقر بوجود خروقات خطيرة لمبادئ الثورة السورية هو مثالي حالم بثورة افتراضية. لقد أصبحت هذه الخروقات بدرجة من الخطورة حتى بدأت تطغى في نتائجها أحيانا على محاسن الثورة، وجمالياتها والآمال المعقودة على ما ستأتي به من حرية طال انتظارها وكرامة طال زمن هدرها، وحق مواطنة وسيادة قانون وعدالة اجتماعية ورفاه اجتماعي.
إن هذه الظواهر الخطيرة أصبحت تهدد ليس الثورة وحدها، بل وجود الوطن نفسه، ووحدة ترابه وشعبه (وخاصة إذا أضفنا لها ظواهر التعصب القومي والمذهبي وربما السياسي أيضا لبعض فصائل من مكونات المجتمع السوري)، وأصبح الانتباه لها وحصرها ومعالجتها بالطرق والوسائل الناجعة قبل تفشيها الكامل في المجتمع والوصول إلى «صوملته»، جزءا لا يتجزأ من العمل الثوري والنضالي، ولا يقل أهمية عن النضال الشعبي المدني، أو القتال مع الفصائل الوطنية الشريفة.
وحرصا على الموضوعية والوضوح في تحديد المسببات والمسؤوليات، فإني أحمّل السلطة الحاكمة مسؤولية ما آلت إليه البلاد من مخاطر الصوملة نتيجة سياساتها المافيوية والطائفية التي انتهجتها قبل الثورة، والعنف الدموي الممنهج والمنظم الذي مارسته بعد قيام الثورة، مع استمرار لعبها على الورقة الطائفية.
إن الخروقات المتمثلة بالسرقات والخطف، أحيانا وفقا لما تظهره الهوية، والقتل والاغتصاب والسلوك المافيوي والطائفي عند الكثير من الجماعات المنظمة والتي يرتبط بعضها بأجهزة النظام وتنظيماته المافيوية المستقلة، أصبح سهلا، من قبل المجرمين التقليديين وضعاف النفوس، ولكن أيضا من بعض الزمر والمجموعات التي تعمل وتخدم أجندات خارجية وداخلية، ولكل من يريد استغلال ظروف الوطن الحرجة، لحسابات سياسية ومصالح خاصة تتعارض كليا مع أهداف الثورة في بناء دولة الحرية والمواطنة وحقوق الإنسان.
ان جزءاً من ظاهرة إعطاء كتائب «الجيش الحر» تسميات تستغل مشاعر الإيمان الدينية عند الغالبية العظمى من شعبنا الطيب والمؤمن، في وقت يستغل به النظام الورقة الطائفية، عوضا عن إعطاء تسميات تخلد شهداء الثورة والوطن السوري، بدءاً بالبطل الوطني يوسف العظمة ومرورا بالشهيد حمزة الخطيب، وقائمة شهدائنا طويلة، لا يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية ـ شرط لازم ولكنه غير كاف لنجاح الثورة ـ ليست غريبة عن هذه المداخلات التي حصلت وتحصل والتي تهدف إلى حرف الثورة عن أهدافها، وهي بذلك تلتقي بنوع من التحالف الموضوعي مع النظام وتخدم مصالحه.
إني أرى أن تجنب هذه المخاطر التي تهدد ثورتنا الوطنية ووطننا يتطلب حالا ما يلي:
ـ تنظيم فصائل «الجيش الحر» وتوحيدها تحت قيادة عسكرية وطنية.
ـ تشكيل لجان أمن داخلي محلية للقيام بمهمات الأمن الداخلي.
ـ تنظيم صفوف المقاومة الشعبية المدنية تحت قيادة واحدة لتنظم عملها في كل أرجاء الوطن.
ـ العمل حالا لتعزيز المجالس الشعبية ولجان السلم الأهلي والتي سبق وشُكّلَت، وتعميمها على كل أرجاء الوطن.
ـ تعزيز النضال المدني السلمي بإنشاء منظمات المجتمع المدني من نقابات وتنظيمات وأحزاب.
ـ عدم الاندفاع وراء المزاودين بالثورية والوطنية، والذين لا همّ لهم إلا ضرب الثورة أو الالتفاف عليها.
ـ وجود قيادة سياسية واحدة للثورة تضم ممثلين عن كل كتل المعارضة الوطنية السورية وبنسبة الثلثين من المشاركين في الحراك الثوري في داخل الوطن والجيش الحر وتكون بمثابة «مجلس وطني لقيادة الثورة» حتى إسقاط النظام والبدء بالمرحلة الانتقالية.
إن النضال من أجل تمكين الثورة من بلوغ أهدافها يقتضي عملا متكاملا، براغماتيا، منظما، ومنهجيا على الجبهات الثلاث: المدنية الشعبية، العسكرية والسياسية والاستعداد لقيادة المرحلة الانتقالية.
إن مستقبل الثورة السورية ونجاحها وعدم انحرافها عن أهدافها الوطنية سيقرر ليس مصير سوريا وحدها بل مصير المنطقة العربية وربيـعها الثوري.
دكتور دولة في العلوم الفيزيائية، والفيزياء النووية ـ جامعة باريس
السفير