تحولات سوريا ومصر: مصير صراعين كبيرين
رفيق خوري
الجامعة العربية ودمشق تلعبان في الوقت المستقطع. لكن ما يدور بينهما ليس اللعبة الحاسمة في مصير الأحداث في سوريا. فالمبادرة العربية تبدو يوماً كأنها ميتة ويوماً آخر كأنها حيّة. والمجلس الوزاري العربي المستنفر يطلب من دمشق توقيع بروتوكول المراقبين اليوم الجمعة، ويكشّر عن (أنياب اقتصادية) يومي السبت والأحد. والكل يعرف أن السيناريو أبعد من القرارات والخيارات في هذه المرحلة. فلا توقيع البروتوكول يعني ان طريق الحل العربي بات معبّداً. ولا عدم التوقيع يفتح فوراً باب التدويل الذي تغلقه روسيا والصين. ولا الحل السوري بقي على مستوى التطورات.
ذلك أن المسألة الجوهرية تدور وتدار حول صراعين في (الربيع العربي). الصراع الاستراتيجي بين المحاور الاقليمية والدولية في الشرق الأوسط وعليه. والصراع الاجتماعي والثقافي على أبعاد الثورة وبنية الدولة والقوى التي تريد رسم نظامها والتحكم بالسلطة فيها. مصير الصراع الأول يتوقف على ما تنتهي اليه الأحداث في سوريا من ثوابت أو متغيرات على الخارطة الجغرافية – السياسية للمنطقة. والصراع الثاني مرتبط بما يحدث في مصر وما يستطيع شباب الثورة تحقيقه في اتجاه دولة مدنية ديمقراطية تواجه مخاطر الدولة الأمنية عبر العسكر ومخاطر الدولة الدينية عبر التيارات الدينية.
ومن هنا أهمية العودة الى ميدان التحرير. عودة شباب الثورة الي إكمال ما بدأوه بعدما كاد يضيع في اندفاع قوى (الثورة المضادة) للإمساك بالوضع. ففي الميدان نبض مصر. وفي نبض مصر نبض العالم العربي. اذا تمكن شباب الثورة من اعادة الاعتبار الى عمق الثورة الاجتماعية والثقافية الديمقراطية، فإن ثورات (الربيع العربي) تصبح على مستوى الانقلاب الجذري في لحظة تاريخية هي لحظة (التحول الكيفي السريع الذي أدى اليه التراكم الكمي البطيء) حسب قانون الماركسية. واذا تمكنت قوى (الثورة المضادة) في مصر من مسخ الثورة والاستيلاء عليها، فإن ثورات (الربيع العربي) تصبح ضحية الأنظمة وقوى (الثورة المضادة).
وأخطر ما يحدث في مصر هو التحالف بين العسكر والتيارات الدينية تحت المظلة الأميركية. فالمجلس العسكري لا يعطي شيئاً إلا تحت ضغط الثوار، بحيث تبدو القصة معه مثل قلع أضراس. وهو لم يؤيد الثورة لكي تصبح جذرية، بل لأنه استخدمها لأخذ السلطة الآن وخلق واجهة مدنية في المستقبل. والتيارات الدينية ترى أن فرصتها جاءت لتحقيق ما عجزت عنه. والبوليس هو البوليس في كل الفصول. فكل شيء يجري بعقلية نظام مبارك. ولا شيء يقطع مع عقلية النظام سوى (استرداد) الثورة من جانب الشباب.
الأنوار