صفحات العالم

تحية تقدير لهؤلاء الصحافيين


محمد كريشان

كوكبة من الصحافيين الغربيين تستحق أن يقول لها العالم كله: شكرا جزيلا. منهم من قضى نحبه في سوريا مغطيا مأساتها في ظل نظام لا يرحم، ومنهم من جرح وأجلي من هناك بشق الأنفس، ومنهم من كان محظوظا فتمكن من العودة سليما معافى.

كلهم نقلوا هول ما يجري في حمص وباب عمرو للعالم كله إلى درجة دفع حياتهم ثمنا لذلك وهما الأمريكية ماري كولفن مراسلة ‘صاندي تايمز’ والمصور الفرنسي الشاب ريمي أولشيك، فيما أجلي الصحافيان الفرنسيان أديث بوفييه المصابة وويليام دانييلز في عملية معقدة شارك فيها عدد من السوريين الأبطال الذين دفع بعضهم حياته ثمنا لها في طريق عودتهم. أما المصور البريطاني بول كونري والصحافي الإسباني خابيير اسبينوزا فقد تمكنا من الفرار من جحيم القصف على المدنيين الذي استمر لأيام وليال.

من مات من هؤلاء الزملاء إنما نقل بذلك قمة مأساة ما حدث، فيما لم يتردد من نجا منهم في الإدلاء بتصريحات لا تزيدهم إلا احتراما وتقديرا فسبينوزا يقول إن الجيش السوري كان يقصف المباني في بابا عمرو ‘بشكل عشوائي وكان يستهدف هناك أي جسم يتحرك’. أما كونري فيقول إن ما غطـاه بعدسته في سوريا ‘لم يكن حربا بل عملية ممنهجة لإبادة الشعب’ وأنه ‘كان من الضروري وجودنا هناك وإلا فإن هذه المذابح كانت ستحصل من دون أي شهود’ وذلك قبل أن يرميها صراحة: ‘التاريخ سيحكم على قصف النظام السوري محافظة حمص على أنه مذبحة تضاهي ما حدث في رواندا أو سريبرينتسا’.

بمرارة إذن نسجل أن بعض الصحافيين الغربيين وصلوا في حبهم لمهنة البحث عن الحقيقة الى حد الذهاب الى سوريا خلسة لتغطية ما يجري هناك. أما بعض صحافيينا العرب فذهب لا لنقل مشاهداته وإنما لنقل ما تريده السلطات له أن ينقل.

الأوائل وصلت بهم تغطية قصة الموت اليومي في سوريا إلى أن يصبحوا هم جزءا منها. الآخرون لم يكتفوا بتجنب التغطية وإنما اعتبروا ما ينقله الاعلام العربي والدولي تضخيما وتهويلا بل وفبركة.

الأوائل نقلوا معاناة الناس وعذاباتهم في المدن السورية مع أنهم ليسوا بأخوة لهم لا في الدم ولا الدين ولا الجـيرة. الآخرون يجمعهم بالسوريين كل شيء لكنهم بدوا وكأنهم يلومون هؤلاء على أنهم جعلوا نظام بشار الأسد يقتلهم.

الأوائل لا يهمهم كثيرا مقاومة الرئيس بشار أو ممانعته لإسرائيل بقدر ما يهمهم ما يجري على الارض من قتل يومي للنساء والأطفال. الآخرون لا تهمهم تحديدا سوى هذه الممانعة والمقاومة المفترضتين حتى وإن أباد الأسد شعبه بالكامل.

الأوائل لا يعتبرون أنفسهم هم القصة وإنما ما ينقلونه ولا يفتون في السياسة ولا يطرحون أنفسهم منظرين استراتيجيين لمعادلات المنطقة والكون. الآخرون لا يهمهم من معاناة السوريين شيئا لان الأهم هو أن يكتبوا مقالا هنا أو يظهروا في مقابلة تلفزيونية هناك للحديث عن المؤامرة الدولية الكبرى التي تتعرض لها سوريا.

ستنتهي معاناة السوريين قريبا… ولن يبقى في أذهان أصحاب المهنة الغيورين سوى أن الأوائل انحازوا للحقيقة والآخرين لحسابات السياسة والمصالح الشخصية. أما السوريون فلن يذكروا بعد أشهر أو سنوات سوى أن هؤلاء اصطفوا مع الضحية وأولئك مع الجلاد… وشتان بين الموقعين في ميزان الله وعباده والتاريخ.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى