صفحات العالم

تحييد مخيمات سوريا مصلحة وطنية


معتصم حمادة

ليست مجزرة حارة الجاعونة في مخيم اليرموك هي المرة الأولى التي تتعرض فيها المخيمات الفلسطينية في سوريا لما يتعرض له الجوار السوري في ظل الأحداث الدموية. فلقد سبق للمخيمات في درعا  واللاذقية وحماة، أن أصيبت بنيران معارك الجوار. ما يميز اليرموك أنه الأكبر، ومقر القيادات الفلسطينية، ومركز قرارها، بما يشمل عموم الحال الفلسطينية في سوريا.

ما أعطى هذه المجزرة أبعاداً خاصة، أنها الأكبر من حيث الخسائر (حوالي 25 قتيلاً و65 جريحاً)، ووقعت في خضم نقاش فلسطيني حول الموقف من الحدث السوري، بعد أن وصلت النيران إلى بوابات المخيم. وكذلك صدور بيان باسم “اللجنة الشعبية لمخيم اليرموك”، غير موجودة أصلاً، وبعد لحظات من وقوع المجزرة، حمل عناصر الجيش الحر في حي التضامن مسؤولية المجزرة، في خطوة قرأها الكثيرون محاولة  لا تخدم سياسة تحييد المخيمات، وإبقائها خارج الصراع.

فصائل منظمة التحرير، ومنذ بدء الأزمة في سوريا، دعت إلى مثل هذه السياسة، بما يبقي المخيمات، بعيدة عن الاستهدافات العسكرية، منطقة أمان واستقرار. الأحداث اللاحقة أكدت صحة هذه السياسة، حين تحول اليرموك، إلى ملجأ لمئات العائلات السورية والفلسطينية الفارة من المناطق الساخنة. فضلاً عن إبقائه مركزاً تجارياً، يمد المناطق المجاورة بحاجتها اليومية من الخبز والمواد الغذائية.

فصائل “التحالف” جاهرت بتأييدها للنظام ضد المعارضة. التطور الأبرز في موقفها حين وزعت، في الأيام الأخيرة، السلاح على مئات الشبان في مخيم اليرموك بدعوى منع الجيش الحر من التسلل إليه، ما أخلّ بالوضع الداخلي للمخيم، وبموقفه من الصراع، الدائر بسوريا. إذ ليس سراً القول إن مشاعر الشارع الفلسطيني ليست موحدة إزاء الحدث السوري، ومع ذلك بقي التباين في الموقف محاصراً في حدود لا تخترق سياسة التحييد وتجنيب المخيمات ويلات الزج في الصراع.

من المشروع أن يتخوف الفلسطينيون من سياسة توزيع السلاح في بلد صار السلاح فيه هو اللغة السائدة. فقد عانوا كثيراً ويلات الحروب العربية في الكويت والعراق وليبيا وغيرها، ما يضعهم أمام الخيار الوحيد الذي يبقيهم خارج الصراع السوري، كما يبقيهم مشدودين إلى قضيتهم الوطنية.

مثل هذا الخيار يفترض جهداً فلسطينياً لإلغاء المظاهر المسلحة في اليرموك، وسحب السلاح الذي وزع مؤخراً، وصون دور المخيم، منطقة هدوء وأمان واستقرار، مفتوحة للفارين من ويلات الحرب والقتال، مشدودة بكل مشاعرها نحو قضيتها الوطنية، ونحو رؤية سوريا معافاة من أزمتها، تستعيد وحدتها واستقرارها ووفاقها السياسي.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى