صفحات العالم

تداعيات ما بعد تفجير الأمن السوري


محمد السعيد ادريس

رغم كثرة الأسئلة التي تشغل المراقبين منذ لحظة تفجير مقر “الأمن القومي” السوري بدمشق صباح الأربعاء الماضي (18 يوليو/تموز الجاري)، ورغم أهمية تلك الأسئلة، فإن السؤال عن المسارات المحتملة للأزمة السورية بعد هذا التفجير الذي أنهى حياة أركان مؤسسة الأمن السورية: وزير الدفاع داوود راجحة ونائبه آصف شوكت صهر الرئيس السوري، ومدير مكتب الأمن القومي هاشم اختيار، ورئيس خلية الأزمة حسن تركماني، إضافة إلى إصابة أشخاص آخرين لهم وزنهم ودورهم المحوري بإصابات متفرقة .

قبل ساعات من هذا التفجير كان القتال العنيف بين الثوار وعناصر الجيش السوري الحر من ناحية، وبين القوات النظامية السورية، قد امتدت إلى أنحاء متفرقة من العاصمة السورية، في مشهد غير مسبوق استهدفت فيه مناطق بعينها واستخدمت فيه القوات النظامية المروحيات والمدفعية الثقيلة إضافة إلى الدبابات والعربات المدرعة، في حين أعلنت القيادة المشتركة ل “الجيش السوري الحر” عن بدء عملية “بركان دمشق – زلزال سوريا” نصرة لحمص وحي الميدان في كل المدن والمحافظات السورية .

كان هذا التصعيد هو التطور الأول ضمن ثلاثة تطورات بارزة سبقت ذلك التفجير الهائل في تداعياته، أما التطور الثاني فكان تأكيد الصليب الأحمر الدولي، في تصريحات متلاحقة وعلى مدى يومين، بأن المعارك الدائرة الآن في سوريا “حرب أهلية” وفقاً للتوصيف القانوني، وكان هذا التوصيف قد جرى تأصيله لأسابيع عدة بسبب تعقيدات الوضع الدولي وحساسيات الأطراف في مجلس الأمن . هذا التوصيف وصدوره من الجهة الدولية الوحيدة المخولة قانوناً، من شأنه أن يفتح أبواب الأزمة السورية لسريان مفعول “القانون الدولي الإنساني”، بما يعنيه من التعامل مع طرفين للأزمة يتقاتلان ضد بعضهما بعضاً، الأمر الذي يرتّب مسؤولية قانونية على الطرفين، من دون استثناء، باعتبارهما “أطرافاً متنازعة” تنطبق عليها قواعد احترام القانون الإنساني بما يعنيه من تأمين حماية المدنيين وكل الفئات غير المشاركة، لكن الأهم هو أن هذا التوصيف سيدخل منظمة الصليب الأحمر الدولي طرفاً فاعلاً في الأزمة السورية . يأتي التطوّر الثالث محصلة لمجمل التفاعلات الساخنة للأزمة داخل سوريا وخارجها وهو اتساع دائرة الانشقاق داخل الدائرة الأكثر اقتراباً من الرئيس السوري، وهذا ما دفع إلى توصيفها ب “انشقاقات الصف الأول”، خاصة بعد انشقاق العميد مناف طلاس وهروبه إلى فرنسا، وهو من أقرب الأشخاص إلى الرئيس وابن وزير الدفاع السوري الأسبق العماد مصطفى طلاس، وكذلك انشقاق اللواء عدنان سلو والسفير نواف الفارس سفير سوريا في العراق، انشقاق هؤلاء وغيرهم بقدر ما ينتقص من قوة الرئيس ورموزه، يضيف إلى المعارضة وصدقيتها، ويؤثر في مجمل التفاعلات الداخلية على الصعيد العسكري والسياسي والإعلامي .

هذه التطورات الثلاثة جاءت متلاحقة ومتزامنة قبيل انفجار مقر “الأمن القومي” السوري ومقتل أربعة من أهم عناصر أركان أمن النظام، في وقت كان التنازع السياسي بين روسيا والغرب قد وصل إلى ما يمكن تسميته مفترق طرق بعد “تلاسن” غير مسبوق من جانب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عندما اتهم الغرب بممارسة الابتزاز، معتبراً أن استخدام المراقبين الدوليين كورقة مقايضة، أمر غير مقبول . وفي معرض رفض بلاده تأييد مشروع معروض على مجلس الأمن لفرض عقوبات جديدة ضد النظام السوري، وهو ما حصل بالفعل حيث استخدمت موسكو وبكين الفيتو، أكد أن “الرئيس السوري بشار الأسد لن يرحل، لأن قسماً مهماً من الشعب يدعمه” . وقال في مؤتمر صحفي عن الأزمة السورية مع المبعوث الدولي – العربي كوفي عنان “نسمع تعليقات مفادها أن مفتاح الأزمة في يد روسيا، وعندما نطلب توضيحات، يقال لنا إن ذلك معناه أنه علينا إقناع الرئيس السوري بمغادرة الحكم بنفسه”، وقال: “هذا غير واقعي إطلاقاً، والأسد لن يرحل، ليس لأننا ندعمه بل، وبكل بساطة، لأن قسماً مهماً من الشعب السوري يدعمه” .

الوزير الروسي عرض في مقابل هذا التعقيد، خطة مفادها إدخال فكرة منح المراقبين الدوليين الفرصة للقيام بالتنسيق بين الحكومة والمعارضة على مشروع القرار الروسي، مع وضع خطة محددة لوقف النار وسحب القوات من جميع المناطق السكنية، وقال: “يمكن فقط وقف النار في وقت واحد، يليه سحب القوات في وقت واحد: القوات الحكومية والجماعات المسلحة من المناطق السكنية، ولتحقيق ذلك يجب منح المراقبين فرصة للتنسيق بين الأطراف بوضع خطة محددة لكل منطقة سكنية تجري فيها اشتباكات مسلحة” .

هذا الموقف الروسي كان محاولة لتبرير رفض موسكو إلى مشروع القرار المعروض على مجلس الأمن تحت الفصل السابع، وهو ما دفع وزير الخارجية الفرنسي السابق آلان جوبيه إلى التنديد بالموقف الروسي، ورأى أن “روسيا متعنتة وترفض أي تدخل للأمم المتحدة في سوريا” .

الأمر بات مختلفاً تماماً الآن من الجوانب كافة والأرجح أن تزداد الأزمة تعقيداً في ظل ما هو متوقع من تداعيات على مسارات ثلاثة أساسية:

المسار الأول والمهم، هو المسار العسكري – الأمني، فالنظام يبدو الآن كالوحش الجريح، وربما يأخذ من عملية التفجير التي توصف في الإعلام السوري بأبشع التوصيفات، ذريعة لتصعيد عسكري من دون سقف محدد، أي تصعيد مفتوح مستخدماً كل أنواع الأسلحة، لدرجة أن البعض يتمادي في تقديراته إلى درجة توقع استخدام النظام أسلحة كيماوية ضد المعارضة . على الجانب الآخر فإن المعارضة حتماً سوف تعدّ ما حدث فاتحة خير وبشرى لاقتراب موعد سقوط النظام، ولن تقبل بأي محاولة لنزع السلاح، بل سوف تصعّد وستسعى إلى الحصول على أسلحة، وستسعى أيضاً إلى إنهاء الجدل الدائر عن التسليح وتصعيد العمل العسكري ضد النظام . هذا يعني أن الأزمة في سوريا مقبلة على تصعيد دموي غير مسبوق .

المسار الثاني، هو المسار الشعبي، فالانشقاقات التي حدثت في صفوف الجيش السوري يمكن أن تتزايد على ضوء أهمية إسقاط رؤوس أركان النظام الأمني من ناحية، وعلى ضوء ما هو متوقع حدوثه من مجازر وحشية سوف يرتكبها النظام، وعلى ضوء النجاحات التي ستحققها المعارضة، كل هذا سيكون بمنزلة حوافز لقيادات عسكرية إلى الانشقاق عن النظام والانضمام إلى صفوف المعارضة .

المسار الثالث، فعلى المستوى السياسي – الدولي سوف يزداد الاستقطاب الدولي حول الأزمة السورية حدة، خاصة بين كل من روسيا والغرب، وسوف يمتد الأمر إلى كل من إيران وحزب الله من ناحية، ودول عربية أخرى من ناحية ثانية، فردود الفعل العصبية كانت القاسم المشترك في مواقف روسيا وإيران وحزب الله، في حين تراجع تردد أطراف عربية كثيرة في دعم الثورة السورية واتخاذ مواقف حاسمة من النظام، وربما يجري التعبير عن هذه التحولات في كل من جامعة الدول العربية ومجلس الأمن .

التصعيد سيستمر، والنظام سيسعى إلى تثبيت بقائه، لكنه سيواجه تهديداً حقيقياً عندما تبدأ الأجهزة العسكرية والأمنية التابعة له بالتخلي عنه، وهذا لن يحدث بسهولة إذا لم تصل هذه الأجهزة ومن يديرونها إلى يقين بأنه سيكون لها دورها في سوريا الجديدة بعد إسقاط نظام بشار الأسد، ما يعني أن المعارضة والقوى الداعمة لها مطالبة بإحداث اختراقات حقيقية في صفوف النظام وتأمين هذه الأجهزة، وهذا لن يحدث قبل أن توحد المعارضة صفوفها .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى