تدمير قطاع النقل السوري/ مروان أبو خالد
يعتبر قطاع النقل شريان الحياة الرئيسي لمختلف أنشطة الاقتصاد السوري، حيث يشكل ما نسبته 14% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به قرابة 374 ألف عامل. وبعدما بلغ حجم هذا القطاع قرابة 120 مليار ليرة العام 2010، انخفض حالياً لحدود 12 مليار ليرة، بسبب الحرب التي أشعل فتيلها النظام، وما نتج عنها من دمار كبير في البنى التحتية للنقل والمواصلات.
فقد أشارت الإحصاءات الحكومية إلى أن الخسائر المباشرة التي لحقت بقطاع النقل بلغت نحو 4 مليارات ليرة، منها 5ر2 مليار ليرة للسكك الحديد، في حين تجاوزت قيمة الخسائر غير المباشرة 13 مليار ليرة، وبلغ مجموع الخسائر والأضرار التي لحقت بقطاع النقل البحري قرابة 4.693 مليار ليرة، في ظل انهيار حقيقي يعانيه النقل البحري بسبب الفساد والبيروقراطية وظروف الحرب. فمن أصل 500 باخرة يملكها سوريون، لم يبق منها في سوريا سوى 50 باخرة فقط، وما تبقى قد هرب خارج البلاد. أما مكاتب شحن ونقل البضائع في كل من إدلب وحلب فقد منيت بخسائر كبيرة قدرت بحوالي 2.241 مليار ليرة. مع العلم أن هذه الأرقام أولية وتقريبية لأن الخراب الحاصل في قطاع النقل يزداد يومياً بازدياد حدة العمليات العسكرية في البلاد.
وبالسياق، تعتبر أزمة المواصلات أحد أبرز هموم الحياة اليومية للمواطن السوري. إذ يعاني المواطنون من الازدحام الشديد الذي سببته الحواجز الأمنية لاسيما في دمشق، وإغلاق بعض الطرقات والمناطق. فالمسافة التي كان يتم قطعها خلال نصف ساعة، تحتاج اليوم لأكثر من ساعتين، وذلك في ظل فوضى كبيرة في أماكن وقوف وحركة باصات النقل، ونقص أعدادها حيث يوجد في دمشق 3 ألاف ميكرو باص صغير، و700 باص نقل داخلي فقط لا تلبي كلها معدلات تنقل السكان في العاصمة. هذا بالإضافة للشلل التام في وسائل النقل العامة والخاصة في المناطق الساخنة عسكرياً، والتي منعت أعداد كبيرة من المواطنين المضطرين لمغادرة مناطقهم من النزوح بسبب عدم توفر وسائط النقل.
كما يعاني المواطنون من الفوضى الحاصلة في تسعيرة ركوب وسائط النقل، فمعظم الباصات العاملة لم تلتزم بالزيادة الحكومية لتعرفة ركوب السرفيس وباصات النقل والتي بلغت 50%. كما أصبح استخدام التاكسي رفاهية مفرطة يصعب على المواطن السوري تحمل تكلفتها بعد أن زادت الأجرة بمقدار 200% بالحد الأدنى عما كانت عليه سابقاً. وذلك في ظل غياب الرقابة الحكومية الملزمة، بحيث تبدو الجهات الحكومية وكأنها مسرورة لما يجري من تجاوزات في تعرفة الركوب والتي تؤدي يومياً لمشاحنات بين السائقين والمواطنين، ولكل منهم حجته المقنعة. فالمواطن يرى في ممارسات السائقين تجاوزاً ونهباً علنياً لدخله المحدود، بينما السائق يرمي باللوم على ارتفاع أسعار المحروقات وقطع التبديل وغلاء المعيشة. يقول حسن، وهو أحد سائقي السرفيس في دمشق، لـ”المدن”: “أصبحنا كسائقين مكسر عصا لبعض المواطنين، وكأننا من يقف وراء أزمة المواصلات. وفي حين يتجرأ الكثيرون على شتمنا وتحميلنا مسؤولية الفوضى الحاصلة في أسعار وطرق النقل، فإنهم لا يبدون الجرأة ذاتها في تحميل الحكومة مسؤولية ما يجري، فلتتفصل الحكومة ولتسهم في خفض أسعار السلع والمحروقات وتكاليف المعيشة ولتطبق القانون بحزم، وعندها لن يجرؤ أي سائق على تجاوز السعر الرسمي”.
كما أدت أزمة المواصلات إلى استفحال البطالة. فغلاء أجور النقل والازدحام الخانق، دفع بأعداد كبيرة من العاملين في غير مناطقهم للتوقف عن الذهاب للعمل، لأنهم عاجزون عن الوصول للعمل ضمن الوقت المحدد للدوام، بالإضافة إلى أن أجورهم المتدنية لن يتبقى منها ما يكفي للمعيشة بعد اقتطاع أجور النقل المرتفعة. يضاف إلى ذلك أن أزمة المواصلات لعبت دوراً أساسياً في ارتفاع الأسعار بسبب نقص المعروض من السلع الصناعية والزراعية، والتي ردها التجار لغياب وسائط النقل وارتفاع أسعارها إن وجدت، في ظل عجز الحكومة عن توفير بدائل لنقل هذه السلع إلى السوق.
أزمة المواصلات الراهنة يمكن تلخيص أسبابها في ثلاث نقاط أساسية: الحرب، والحاجة إلى تمويلها، وجشع تجار الأزمات. فالحرب أدت الى دمار هائل في البنى التحتية لقطاع النقل وخلقت ظروفاً أمنية صعبة عمقت من أزمة المواصلات. والحاجة لتمويلها دفعت بالحكومة لزيادة أسعار المحروقات لتجني إيرادات أكثر. ما أدى لارتفاع تكلفة ركوب وسائط النقل. وتجار الأزمات حلفاء الحكومة، استغلوا ظروف الحرب لرفع تعرفة وسائط النقل التي يملكون بشكل عشوائي لجني أرباح إضافية. كل ذلك على حساب المواطن وحقه في العيش ضمن الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة.