ترامب وتطوير استراتيجيا متكاملة لسورية/ رضوان زيادة
لم تختلف سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سلفه باراك أوباما في ما يتعلق بسورية خصوصاً لجهة تجاهل سقوط الضحايا المدنيين بالعشرات يومياً واعتبرها مجرد حرب أهلية تقع «بعيداً منا» ولسنا معنيين بل يجب أن لا نتدخل فيها، إذ إن التدخل هناك أو «دس أنفنا» كما عبّر أوباما مرة، في حروب الآخرين الأهلية هي عبارة عن ضاع لمواردنا من دون أي عوائد سياسية أو استراتيجيا أو اقتصادية، لذلك تم ترداد عبارة «Poor Syrian» والتي تعني بالعامية باستمرار «هؤلاء السوريون المثيرون الشفقة» وتعني من بين ما تعنيه أن لا أحد يكترث بهم بل يجب أن لا يكترث أحدٌ بهم، القضية الوحيدة التي تعنينا هنا وأعني الولايات المتحدة هنا هي أن لا يستخدم السلاح الكيماوي بكثرة حتى لا يسبب الكثير من الضحايا وهو بالتالي يعني خرقا للاتفاقيات الدولية وللقانون الدولي عندها يجب علينا أن نقوم بشيء ما، وإن كان هذا الشيء غير ذي معنى أو لن يحدث أي تغيير حتى لجهة استخدام السلاح الكيماوي مجداً ومرة تلو الأخرى كما أثبت الأسد دوماً تحديه في استخدام السلاح الكيماوي مهما كانت الأسباب أو التكاليف.
ومنذ وصول الرئيس ترامب إلى السلطة في كانون الثاني (يناير) 2017 حملت كل جمله وعباراته الخوف من التورط في الأزمة السورية بسبب تعقيدها وبسبب التدخل الروسي هناك، وحتى في خطابه الأخير هذا الشهر الذي أعلن فيه قراره بتوجيه ضربات صاروخية ضد أهداف في سورية يتم فيها تطوير السلاح الكيماوي أو تخزينه في برزة في دمشق وفي حمص وفي غيرهما من المناطق، أضاف في الجزء الثاني من خطابه أن سورية هي جزء من «المناطق المضطربة» وهي عبارة جديدة على المصطلح الدارج لوصف منطقة الشرق الوسط من قبل السياسيين الأميركيين وهي «ان الشرق الاوسط في حالة فوضى» وليس من مصلحتنا التدخل هناك وأننا سنزيد هذه الفوضى ولن نفلح في عمل أي شيء مفيد أو في تغيير أي شيء على أرض الواقع.
وبقي هذا مبدأ رئيسياً للرئيس أوباما في تعامله مع المنطقة. لذلك أكد أكثر من مرة أن الأولوية هناك هي لمحاربة التنظيمات المتطرفة مثل «داعش» و «القاعدة» وغيرهما فقط وليس لنا أي طموح في بناء استراتيجيا للمنطقة تنتهي بها إلى تحقيق الاستقرار والرفاه والأمان لأبنائها.
وهذا هو السبب الذي دفع ترامب في أكثر من مرة الى أن يقترح التنسيق مع روسيا من أجل «إنهاء الأشرار» هناك، وبعدها بدأ يقترح أن تنتشر قوات عربية في سورية أو أن تتحمل دول الخليج وعلى رأسها السعودية تكاليف وجود القوات الأميركية.
بعدما أصبح ترامب رئيسا ظلت نفس القضايا في سورية كما كانت في عام 2016 مع الفارق الوحيد وهو أن الأسد يتجه أكثر فأكثر وبمساعدة روسيا إلى قضم المزيد من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المعارضة ويقوم بشكل منهجي على طرد وتهجير المزيد من السكان من بيوتهم ودفعهم للجوء بأي شكل كان.
لقد أدى استخدام حكومة الأسد للسلاح الكيماوي في خان شيخون في شباط (نيسان) 2017 إلى ظهور ترامب آخر مختلف عما كان عليه في الحملة الانتخابية، صحيح أن السبب في أنه كان عليه أن يفعل ذلك هو أن يميز نفسه عن «الخط الأحمر» الشهير للرئيس السابق أوبـاما الذي لم يـنفـذ وعـوده أبداً على الرغم من أن النظام السوري قد تجاوز هذا الخط الأحمر في آب (أغسطس) 2013، ولكن أوباما قرر عقد اتفاق مع روسيا لارغام الحكومة السورية على التخلي عن جميع ترسانتها الكيمياوية مقابل عدم ضرب المواقع التي يعتقد أنها أدت إلى المأساة التي نعيشها في سورية اليوم.
أعاد الأسد استخدام السلاح الكيماوي مجدداً في الغوطة الشرقية بعد عام تقريبا من استخدامه في خان شيحون ما استلزم رداً عسكريا آخر من قبل ترامب، هذا الرد كان أوسع، لكنه كان محدوداً أيضاً لدرجة أنه لم يوصل اية رسالة سياسية والأهم انه ينم عن غياب كامل للاستراتيجيا الأميركية في الشرق الأوسط وفي سورية تحديداً، وهو ما جعل روسيا تستقبل هذه الضربة بوصفها لحفظ ماء وجه القادة الثلاثة: ترامب لأنه وعد بأن يكون مختلفاً عن أوباما في تنفيذ الخط الأحمر، والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي كرر أكثر من مرة أن فرنسا سترد ولو كانت وحيدة على تجاوز الخط الأحمر متمثلاً في استخدام الأسد للسلاح الكيماوي ، وأخيراً رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي التي أرادت الرد على روسيا بسبب تسميم أحد العملاء الروس السابقين على الأراضي البريطانية، وبالتالي كانت الضربة محدودة في جزء منها كحفظ لماء وجه هؤلاء القادة الثلاثة وبنفس الوقت لضمان الحد الأدنى من منع «تطبيع» استخدام السلاح الكيماوي في الحروب، النظامية كانت أم الأهلية وهو ما يعد تجاوزاً خطيراً للقانون الدولي الذي يحظر استخدام السلاح الكيماوي وفقاً لاتفاقيات جنيف ولاهاي.
لذلك وبمجرد انتهاء الضربة عاد ترامب لتغريداته ضد أعداءه «الديموقراطيين»، وخصوصاً التحقيق الذي يقوده روبرت مولر، وعاد الرئيس الفرنسي الى حل مشكلة فرنسا المستعصية مع البطالة والاضرابات التي لا تتوقف، أما رئيسة الوزراء البريطانية فعادت للبحث عن حلول لمشكلات بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، أما الأسد فعاد إلى استراتيجيته المتمثلة في الاعتماد على روسيا في سحق المعارضة عسكرياً مع الترداد الأجوف للكلام عن الحل السياسي ومهما كانت التكلفة أو الثمن بحق المدنيين الذي لا وجود لهم في الحسابات الروسية أو السورية أو في أحسن الأحوال يتم تهجيرهم أو طردهم من بيوتهم.
يبدو إذاً أن روسيا والنظام السوري هما الوحيدان اللذان لديهما خطة استراتيجيا تقوم على الشر المطلق أما أصحاب النيات الطيبة إذا صح التعبير كالولايات المتحدة والغرب عموماً فليس لديهم استراتيجيا لسورية فحسب وإنما ببساطة لا يريدون تطوير أي استراتيجيا تلزمهم بالقيام بأي شيء. فالأفضل إذا عدم تطوير هذه الاستراتيجيا، وكما في لعبة الشطرنج من يحسب عدد الخطوات مسبقاً ضمن استراتيجيا أوسع هو من يربح المعركة، وهو ما يبدو أن روسيا تقوم به ببراعة ببساطة لأن لديها أكبر عدد من أبطال الشطرنج في العالم.
* كاتب سوري
الحياة