ترامب و… مئة يوم على الخيبة/ وائل السواح
يوم السبت الماضي، احتفل الرئيس الأميركي دونالد ترامب والترامبيون في أميركا وأوروبا والشرق الأوسط بمرور مئة يوم على تسلمه مقاليد الأمور في البيت الأبيض. ومنذ الرئيس فرانكلين روزفلت، بدأ في السياسة الأميركية تقليد اسمه المئة يوم. وهو تقليد يقدم من خلاله الرئيس الجديد إنجازاته خلال المئة يوم الأولى من تسلمه الحكم.
وقد أنجز الرئيس روزفلت الكثير عندما بدأ بانتشال بلاده من مرحلة الركود العظيم الذي أصاب الولايات المتحدة في 1929. بعده، تفاوت أداء الرؤساء المتعاقبين على البيت الأبيض، بيد أن أسوأ أداء حتى الآن هو للرئيس دونالد ترامب، الذي لم يفشل فقط في أن يحقق تقريباً أياً من وعوده التي قطعها على نفسه أيام الحملة الانتخابية، بل إنه لم يقم بالأشياء الأساسية التي يتعين على أي رئيس إنجازها قبل استلامه الحكم، مثل تعيين المسؤولين الأساسيين في إدارته.
ولربما لم يكن موضوع المئة يوم ليلعب دوراً مهماً في الإعلام وفي صفوف الأميركيين لو أن الرجل لم يصرّ على ذلك في حملته الانتخابية، فقد استسهل المرشح وقتها ترامب إغداق الوعود الشعبوية لمخاطبة غرائز الأميركيين الغاضبين على المؤسسة السياسية في واشنطن، وأعلن أنه في المئة يوم الأولى سوف يبدأ ببناء الجدار مع المكسيك، ويلغي ويستبدل الرعاية الصحية المعروفة باسم أوباما كير، ويصدر قانوناً بالإصلاحات الضريبية، ويؤمن موازنة لإصلاح البنية التحتية، ويفرض تعريفة جديدة على التجارة، ويصم الصين بأنها متلاعبة بالعملة.
لم يتحقق شيء مما سبق، بل إن الحكومة كانت على وشك الإغلاق بسبب عدم تأمين الموازنة اللازمة من الكونغرس. ولو أن ذلك حدث لجعل ترامب أول رئيس تغلق حكومته، فيما حزبه يسيطر على البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس معاً.
إن جردة سريعة بإنجازات الرئيس ترامب تبين لنا حجم الفشل الذي تعاني منه إدارته.
فعلى الصعيد التشريعي، لم يحرز ترامب تقدماً يذكر مع الكونغرس. ففشل مشروعه لإلغاء التأمين الصحي الذي أقرته إدارة الرئيس أوباما والذي يكفل التأمين لعشرين مليون أميركي تشارك الحكومة في دفع تكاليف تأمينهم في مجلس النواب. ولا يجد مشروع بناء الجدار بين المكسيك والولايات المتحدة متعاطفين كثيرين في الكونغرس. وحتى اليوم، لم يستطع ترامب إصلاح النظام الضريبي كما وعد، فكل ما فعله في هذا المجال هو خطوط عريضة جداً.
حتى أوامره التنفيذية ملغاة أو مجمدة، فقد أوقف قاض أميركي أمره التنفيذي المعدل لمنع مواطني ست دول إسلامية من دخول البلاد، وجمد قاض آخر قراره بحجب التمويل عن المدن التي تعتبر نفسها ملاذات آمنة للمهاجرين من دون أوراق ثبوتية.
وبالمقارنة بينه وبين رؤساء سابقين، نجد أن جورج بوش الابن ورونالد ريغان كليهما استطاعا تأمين تخفيضات كبيرة في مجال الضرائب على الشركات الكبرى، أما باراك أوباما فاستطاع في المئة يوم الأولى إصدار قوانين مهمة تتعلق بالتعليم والبيئة.
وعلى صعيد ملء الشواغر الرئيسية في إدارته، لم يعين ترامب حتى اليوم سوى خمسين موظفاً كبيراً من أصل 553 في الحكومة. وثمة 90 في المئة من الوظائف الأعلى في الحكومة لا تزال خالية، بل إن الرئيس لم يرشح أحداً لها حتى الآن. والمشكلة في هذا المجال تعود إلى كسل الرئيس الذي يمضي كل عطلة نهاية أسبوع في لعب الغولف، من جانب، وإلى التنافس بين رجال الأعمال الكبار على تقاسم هذه المناصب من جانب آخر.
وأما المناصب التي نجح في تعيينها فهي معيبة حقاً. فقد عين بيتسي ديفوس وزيرة للتربية وهي العاطلة من أي خبرة في هذا المجال، وستيفن منوتشين الذي حقق ثروة هائلة من خلال تسببه في كوارث الانهيار الاقتصادي عام 2008، وزيراً للخزانة، وعين جراح دماغ وزيراً للإسكان، وسياسياً كان تعهد بإغلاق وزارة البيئة وزيراً لها.
أمــا وزيـــر العـــدل فيتساءل بصفاقة كيف يمكن لقاض في جزيرة في المحيط الهادي أن يوقف قراراً لرئيس الولايات المتحدة، في إشارة ازدراء إلى ولاية هاواي.
ولكن الأمر لا يتوقف هنا، فالرئيس محاط بمشاريع فضائح لا تنتهي، وما إن يخرج من واحدة حتى تبرز له أخرى. وأسوأ هذه الفضائح من دون شك هي التحقيق في الاتصالات التي تمت بين كبار مستشاريه ومساعديه أيام حملته الانتخابية وبين الحكومة الروسية التي تتهم بأنها قد تدخلت لإنجاحه في الانتخابات.
وليس للرئيس ترامب سياسة خارجية واضحة ومحددة. وهو يبدل مواقفه السياسية كما يغير قمصانه. فالصين التي كانت «متلاعبة بالعملة» صارت صديقة ستلعب دوراً حميداً مع كوريا الشمالية، أما كندا فأصبحت تلعب دوراً غير شريف في الاقتصاد لأنها تخفض أسعار منتجاتها. ولا يشعر حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا بأنه يمكنهم الاعتماد على أقوال ترامب، فالرجل لا يمكن أن يرتبط بوعد أو تعهد.
وقد أدى كــــل ذلك الــــى تدهور في شعبية الرئيـــس. ووفق استطلاع أخير لصحـــيفة وول ستريت جورنال وشبكة NBC، فــإن 40 في المئــــة فقط من الأميركيين يحبذون أداء الرئيس خلال المئة يوم الأولى مقابل 54 في المئــــة، وفي هذا تراجع عن الاستطلاع السابق للمؤسستـــين نفسيهما عندما كانت النتيجة 44 و48 في المئة على التوالـــي. وتنزل هذه النسبة أكثر في أوساط المستقلين إذ بلغت 30 في المئة فقط، مقابل 54 في المئة لا يحبذون أداءه. وبالمقارنة، فإن شعبية أي رئيس أميركي في الأيام المئة الأولى لم تقل عن 53 في المئة من أيام روزفلت. أما أوباما وريغان وجونسون وآخرون ففاقت شعبيتهم 60 في المئة.
ناحية واحدة رفع فيها ترامب أسهمه وهي الضربة التي وجهها إلى نظام بشار الأسد في دمشق، عندما قصف بالصواريخ مطار الشعيرات الذي كان قاعدة انطلاق طائرات القتل للمدنيين السوريين. فزادت نسبة مؤيدي الضربة عن 70 في المئة من الأميركيين.
وستظل سورية نقطة اختبار للرئيس ترامب، يمكنه إن أحسن استغلالها أن يعدل في موازين قبول إدارته. ولكنه يحتاج من أجل ذلك إلى فريق غير الفريق الذي يعتمد عليه من أقرباء وأثرياء ورجال أعمال يعتقدون أن الإدارة الأميركية دجاجة تبيض ذهباً.
* كاتب سوري
الحياة