صفحات العالم

تربية الوحش


أيمن جزيني

القتلى في سورية قاربوا العشرة الآف قتيل. هل ثمة قرية بعد لم يسقط فيها قتلى وجرحى؟ هل ثمة عائلة سورية واحدة لم تتضرر من هذا العنف المتوحش؟ وعليه، هل ثمة أحد بعد يصدق أن الرئيس بشار الأسد قادر على الاستمرار حاكما لبلاده ورئيسا محبوبا من شعبه؟

لم يعد ثمة للشكوك مكان. الرئيس السوري دخل، على ما يقول الرئيس الأميركي باراك اوباما، في أتون الوقت. الوقت فقط هو ما تبقى له. ولم يعد يستطيع الاستمرار رئيسا. جل ما يستطيعه، إن توافرت رغبة دولية جامعة بذلك، أن يبقي بلاده تخوض في حرب أهلية لا قاع مرئيا لها. وهذا في حد ذاته ما تخشاه الدول المحيطة بسوريا أولا وسائر دول العالم من دون شك ما عدا بعض الدول القليلة التي تتغذى من التوترات في منطقة غنية بالنفط والأزمات كروسيا على سبيل المثال والحصر.

حتى إيران لا تستطيع أن تستمر في منهجها الداعم بشكل مطلق لنظام الأسد. ذلك أن هذا الدعم المكشوف يؤلب عليها ما تخشاه فعلا. ذلك أن الاستمرار في السياسة والنهج اللذين يتبعهما الرئيس الأسد لا بد وأن يجعل الحرب الأهلية بين السنة والشيعة في عموم المنطقة أمرا واقعا.

لندع جانبا كل خرافات التصدي لإسرائيل والتركيز على العداء للإمبريالية الأميركية، وأحاديث المؤامرات على سوريا لأنها قلعة الممانعة والصمود. المسألة اليوم تتلخص في هل يستطيع العالم أن يسرّع سقوط نظام الرئيس الأسد ليجنب نفسه، أي العالم، احتمال وقوعه في حروب ومجازر لا حصر لها من مشرق الأرض إلى مغربها؟

أما الحديث عن تخوف أوروبي وغربي من صعود حركات إسلامية سنية متطرفة تولد وتعيش وتستقر في سوريا بعد الأسد أولا، فهو حديث لا قيمة معرفية له، وإن كان يملك قيمة سياسية من نوع ما. ذلك أن استمرار الاضطراب بعد بابا عمرو وقبل درعا والحراك، هو في معنى من المعاني تأكيد لمن لا يريد التأكد بعد، أنه بصرف النظر عن الجهد الذي يبذله الباحثون السياسيون ورجال المخابرات للكشف عن هوية المعارضة السورية، وتفحص إن كانت إسلامية أم لا، فإن هذه المعارضة بصرف النظر عن هويتها الأيديولوجية استطاعت أن تصمد هذا الصمود العجائبي أمام أكثر آلات القمع والقتل عتوا في العصر الحديث.

والحال، إذا كانت هذه المعارضة على هذا القدر من الإصرار وعلى هذا القدر من الاحتضان الشعبي لها لتتمكن من الصمود كل هذا الوقت، فيجدر بالسياسيين والخبراء أن يقتنعوا أن منع انتشارها وانتصارها في نهاية المطاف أمر مستحيل.

على أي حال، يجدر بمتابعي شؤون الشرق الأوسط وأحواله أن ينتبهوا لحال لبنان تحديدا. إذا كان الإسلام السني السياسي المعتدل، متمثلا بتيار المستقبل في لبنان هو خصم النظام السوري وحزب الله قبل الثورة السورية وبعدها، فإن من شأن هذه الخصومة تغذية التيارات السنية الأكثر تشددا، في لبنان وخارج لبنان.

والمعنى من هذا أن النظام السوري وحليفه الإيراني هما اللذان يجاهدان لخلق خصوم من طينتهما المتطرفة، وإن لم يتحرك المجتمع الدولي لإيقافهما عن سياسة الابتزاز التي يعتمدانها، فلن يتمكن في ما بعد من إيقاف التشدد في الجهة المقابلة ولا منعه من الانتشار كنار في هشيم.

لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى