ترحيب بالخطاب وانتقادات من معارضي الداخل… وتظاهرات أيضاً
رأى معارضون سوريون في دمشق عدة إيجابيات في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد، أهمها تعهده بإجراء تعديلات دستورية، وتكريسه مبدأ الحوار وسيلة لحل الأزمة، واعترافه بأن العفو كان ناقصاً، بينما لفت آخرون من الخارج إلى أنه سلبي، ولا سيما أنه أبقى الحل الأمني مفتوحاً
غسان سعود
لم يكد الرئيس بشار الأسد ينهي الخطاب، حتى خرجت في عدة أحياء دمشقية تظاهرات مؤيدة أسعدها الخطاب، فيما نظّم المعارضون للنظام مسيرات احتجاجية في بعض المدن والبلدات السورية، كان أكثرها كثافة في محافظة أدلب، وأكبرها في بلدة داعل في محافظة درعا، قدرت «لجان التنسيق المحلية في سوريا» عدد المشاركين فيها بألف وخمسمئة شخص فقط. وكان لافتاً إحجام المعارضين عن تحديد خطواتهم الميدانية المقبلة رداً على الخطاب، مقابل إعلان المؤيدين للنظام حصولهم على الترخيص للانطلاق اليوم بمسيرتين واحدة من ساحة سعد الله الجابري في مدينة حلب والثانية من ساحة الأمويين في مدينة دمشق.
وقد عكست ردود فعل المعارضين على الخطاب التفاوت في نظرة المجتمع السوري إليه. فقد رأى الناطق باسم التجمع الوطني الديموقراطي حسن عبد العظيم، في اتصال مع «الأخبار»، أن الخطاب يحمل عدة نقاط إيجابية جداً، أولاها تعهّد الرئيس بإجراء تعديلات دستورية وانتخاب هيئة تأسيسية لوضع دستور جديد والتلميح بالتالي إلى إلغاء المادة الثامنة من الدستور. وقال عبد العظيم، الذي يرأس تجمعاً لستة أحزاب السورية معارضة للنظام، إن الرهان الآن على إمكان إجراء انتخابات حقيقية وتكريس التعددية الحزبية. ويؤكد أن حديث الرئيس عن الحوار اتّسم بالإيجابية رغم غموضه، ولا بدّ من تأكيد ضرورة الموازنة بين الحوار في المحافظات مع المحتجين، والحوار المركزي مع الأحزاب والشخصيات التقليدية.
ويرى عبد العظيم إيجابية ثالثة في الخطاب تتمثل في اعتراف الرئيس بأن العفو كان ناقصاً، وإيعازه إلى وزير العدل بالقيام بالخطوات الضرورية لإصدار قرارات عفو إضافية. لكنه رأى أن السلبية الكبرى تكمن في إبقاء الرئيس، من خلال خطابه، باب الحل الأمني مفتوحاً.
وفيما اعتذر المعارض السوري ميشال كيلو عن التعليق على الخطاب قبل التمعّن في تفاصيله، رأى المعارض السوري عبد العزيز الخيّر، في اتصال مع «الأخبار»، أن الخطاب أبرز محاولة من الرئيس لملامسة بعض المطالب الشعبية. لكن لا يمكن التعويل على المواقف الإعلامية، ولا بدّ من انتظار الممارسة العملية لاكتشاف حجم إيجابية هذا التطور.
وتوقّع الخير بالتالي أن تستمر الاحتجاجات، معتبراً أن اللجنة التي أُلّفت للحوار لا تحظى بموافقة من يفترض أن تحاورهم، لضمّها أشخاصاً لهم طابع وتاريخ أمنيان لا يمكن محاورتهم، فضلاً عن أن ما رشح عن الحوار حتى الآن يوحي بأنه سيكون مع أهل البيت وبعض جيرانهم. وعدد الخيّر أربع ثغر أساسية في الخطاب: أولاها، عدم إعلان الرئيس الإيقاف الفوري للعنف والانتهاء من المعالجة الأمنية للاحتجاجات. ثانيتها، عدم تطرق الرئيس بأي كلمة إلى الممارسات الوحشية لأجهزة الأمن. و ثالثتها، عدم الاعتراف بوجود أزمة سياسية عميقة يراها الشعب والقوى السياسية بوضوح. وآخر ملاحظات الخير أن الأسد حاول التخفيف من جدية العامل السياسي للأزمة القائمة، عبر إبراز العاملين الاجتماعي والاقتصادي المطلبيين.
أما المعارض السوري الذي سبق اعتقاله في بداية الأزمة الراهنة، حازم النهار، فأكد في اتصال مع «الأخبار» ضرورة الإيمان أكثر بوجود تيار داخل السلطة يؤمن ويريد الانتقال بالبلد إلى دولة مدنية وديموقراطية تشهد تداولاً آمناً وطبيعياً للسلطة. وبحسب النهار، فإن القرارات المهمة التي اتخذت لم تبارح بعد الورق، وقد حان الوقت للبدء بالتنفيذ، معلناً تمسك غالبية أفرقاء المعارضة بالشروط الستة للحوار، التي لم يلامسها الخطاب الرئاسي أمس، وهي: 1ـــــ الإعلان رسمياً عن إنهاء الحل الأمني، وبالتالي وقف العنف. 2ـــــ إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، السابقين والذين أوقفوا في الشهور الثلاثة الماضية. 3ـــــ السماح بحق التظاهر السلمي. 4ـــــ إيقاف الحملة الإعلامية عبر وسائل الإعلام الرسمي على المعارضين. 5ـــــ توفير ضمانات قانونية واضحة تؤمن رفع حالة الأحكام العرفية وقانون الطوارئ. 6ـــــ إلغاء المادة الثامنة من الدستور. وكان النهار يأمل أن يرى الرئيس متبنياً خطاباً سياسيّاً حقيقيّاً يظهر فيه أهمية الانتفاضة السورية المطالبة بالتغيير، ويعلن انضمامه إلى مسيرة الشعب.
من جهته، اتّكل المعارض السوري لؤي حسين على «ردّ فعل الذين خرجوا ينددون بمضمون الخطاب بعد انتهائه» للقول إن الشارع السوري غير راض عن هذا الخطاب. وبحسب حسين، فإن الخطاب يفتقد اعتراف الرئيس بوجود شارع متظاهر يفترض مخاطبته من جهة، وعدم التطرق إلى المطلب الرئيسي للمتظاهرين المتمثل في الحرية. وأشار حسين في اتصال مع «الأخبار» إلى أن المشاكل التي تطرق إليها الخطاب لا تمثل أولوية اليوم، ولعل الأمور اختلطت على الرئيس الذي تحدث عن نحو ألف مطلب شعبي.
وكانت «لجان التنسيق المحلية»، التي تقول الوكالات الأجنبية إنها تضم «أبرز ناشطي الحركة الاحتجاجية في سوريا»، قد أصدرت بياناً بعد نحو ساعتين من انتهاء الخطاب، أهم ما فيه إظهاره قدرة هذه اللجان المفترضة على الخروج بموقف موحد خلال ساعتين فقط. وأشار البيان إلى تكريس الخطاب للأزمة، مستغربة تجاهل الخطاب (الذي أدان القتل وعزّى بجميع الشهداء) لجرائم الأجهزة الأمنية التابعة للنظام. ورأت اللجان أن دعوة الرئيس السوري إلى الحوار محاولة لكسب الوقت. وكان لافتاً في هذا السياق إعلان اللجان رفضها «أي حوار لا يكون الهدف منه طيّ صفحة النظام الحالي بطريقة سلمية والتحول نحو سوريا جديدة». وختم البيان بتعهد الاستمرار بـ«الثورة» حتى تحقيق كامل الأهداف.
ونقلت وكالة «يو بي آي» عن المراقب العام السابق للجماعة الإسلامية في سوريا، علي صدر الدين البيانوني المقيم في بريطانيا، انتقاده لعدم تطرق الخطاب إلى «القضايا الأساسية مثل انسحاب الدبابات والجيش من المدن السورية، وعدم إطلاق النار على المتظاهرين العزل، ومحاسبة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم بشعة بحق المتظاهرين السلميين، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور». ورأى البيانوني أن الإخوان المعتقلين «لا يحتاجون إلى عفو لأنهم ليسوا مجرمين»، من دون تحديد الوسيلة لفتح السجون لهم بغير العفو.
الاخبار