بكر صدقيصفحات سورية

تركيا: انتخابات مكررة بنتائج مكررة في ظروف متغيرة/ بكر صدقي

 

 

باستثناء شركتي استطلاع رأي محسوبتين على الحكومة والحزب الحاكم، تشير توقعات جميع الشركات الأخرى إلى نتيجة متطابقة على وجه التقريب: لن تختلف نتائج الانتخابات المزمع إجراؤها يوم الأحد في الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عن نظيرتها التي جرت في السابع من شهر حزيران/يونيو الماضي. وإذ تتوقع بعض نتائج الاستطلاع تحسناً طفيفاً في شعبية حزب العدالة والتنمية (بنسبة نقطة واحدة أو نقطة ونصف النقطة) فلن تكون هذه الزيادة كافية لحصول العدالة والتنمية على الغالبية المطلقة التي تؤهله لتشكيل الحكومة بمفرده. كما لن يكفي تراجع حزب الشعوب الديقراطي بنسبة نقطة واحدة (من 13% إلى 12%)، وفقاً لتوقعات شركات السبر نفسها، لإخراجه من البرلمان.

هاتان النتيجتان المتوقعتان هما الأمر الحاسم في الانتخابات القادمة من حيث أثرهما المتمثل بنهاية حقبة حكم حزب العدالة والتنمية منفرداً بالسلطة منذ ثلاثة عشر عاماً. أما حزب الشعب الجمهوري، وريث التركة الكمالية، فقد تحسنت شعبيته، في الآونة الأخيرة، وفقاً لاستطلاعات الرأي، وبات يحلم بنسبة 28% من أصوات الناخبين، مقابل تراجع طفيف في شعبية حزب الحركة القومية.

ومن المرجح أن تتقاسم الأحزاب الأربعة نفسها مقاعد البرلمان الجديد، مع احتمال ظهور حزب خامس يمثل يمين الوسط قد يتشكل من نواب منشقين عن «العدالة والتنمية» و»الحركة القومية» بعد دخولهم البرلمان على قوائم الحزبين المذكورين.

هذا التكرار في المشهد السياسي لا يعني، بأي حال، أن عقارب الساعة ستعود إلى السابع من حزيران، كأن شيئاً لم يكن بين موعدي الانتخابات. فبين التاريخين جرت مياه كثيرة وخسرت تركيا الكثير. المفاوضات التي كانت واعدة بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني تحولت إلى حرب مفتوحة بين الطرفين؛ وحدثت مجزرتان رهيبتان في تفجيرين انتحاريين في سروج وأنقرة، بلغ مجموع ضحاياهما من القتلى أكثر من مئة وثلاثين، من المرجح أنهما من تدبير خلايا داعش التركية النائمة؛ وازداد سجل الحكومة في مجال حقوق الإنسان قتامةً، سواء بسبب مواصلة الحكومة تضييقها على وسائل الإعلام أو بارتفاع لافت في عدد المتهمين بتحقير رئيس الجمهورية، بمن في ذلك أطفال تحت السن القانونية. وإذا كان «العدو الرئيسي» لـ»حزب الرئيس» اليوم هو حزب الشعوب الديمقراطي الذي كان السبب الرئيسي لحرمانه من التفرد بالحكم، وحرمان الرئيس، تالياً، من النظام الرئاسي الذي كان يحلم بالحصول عليه، فهو لم يتوقف عن محاربة خصمه السابق ـ الدائم جماعة فتح الله غولن. وكان أحدث فصول الحرب المستمرة على هذه الجماعة هو اقتحام مكاتب مجموعة «كوزا إيبك» الإعلامية التي تملك صحيفتين ومحطتين تلفزيونيتين، وهي متهمة من قبل الحكومة بـ»دعم الإرهاب» والمقصود انحيازها إعلامياً لجماعة غولن. وقد تم وقف بث المحطتين بقرار قضائي، ووضعت المجموعة تحت وصاية حكومية.

ولا تقل التغيرات التي طرأت في الشؤون الخارجية عن تلك الداخلية أهميةً وخطورة. ويأتي في مقدمة تلك التغيرات ما يتعلق منها بسوريا. فقد وافقت الحكومة التركية، بعد طول مماطلة، على فتح القواعد الجوية الموجودة على أراضيها أمام طيران التحالف الدولي لمحاربة داعش، ويمكن اعتبار التدخل الروسي المباشر في سوريا لمصلحة النظام نوعاً من الرد الروسي على ذلك القرار، إذا نظرنا إليه من زاوية نظر الحكومة التركية (مطار حميميم لروسيا مقابل قاعدة إنجرلك للحلف الأطلسي)، مع ما يعنيه التدخل الروسي من نهاية التطلع التركي لإنشاء منطقة آمنة أو منطقة حظر طيران في شمال سوريا.

فمع التدخل الروسي بات هناك حظر طيران معكوس فرضه الروسي كأمر واقع، ولم يبخل بتوجيه رسائل مباشرة بذلك إلى أنقرة من خلال التحرش بالطائرات التركية، فوق الأجواء التركية، ثلاث مرات في غضون أيام قليلة.

وكأن التدخل الروسي لم يكن كارثة كافية على السياسة التركية في سوريا، جاءت الكارثة الثانية، دائماً من وجهة نظر الحكومة التركية، من الحليف الأمريكي الذي زود مقاتلي «وحدات حماية الشعب» التابعة للفرع السوري لحزب العمال الكردستاني بخمسين طنا من السلاح والذخيرة تمهيداً لتحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش. الأمر الذي ردت عليه أنقرة بمزيد من التورط في استعداء حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتمتع بشعبية كبيرة لدى كرد تركيا، وذلك من خلال توجيه ضربات مدفعية عبر الحدود لمواقع «وحدات الحماية». وهذه سابقة خطيرة في العلاقة «غير الودية» بين الجانبين، فضلاً عن تعارضها الحدي مع السياسة الأمريكية التي تعتبر وحدات الحماية ذراعها الميدانية في الحرب على داعش.

الخبر الوحيد الجيد من وجهة نظر الحكومة التركية، هو عدم استبعاد أنقرة من مشاورات فيينا الرباعية حول سوريا. ولكن حتى في هذا المحفل ما الذي يمكن لتركيا أن تفعله أمام توافق شبه تام بين واشنطن وموسكو حول إعطاء دور لبشار الكيماوي في «مرحلة انتقالية» لا يعرف أحد متى تبدأ، ويطالب الروس بمدها لثمانية عشر شهراً، مقابل توافق تام بين القوتين العظميين على أولوية «محاربة الإرهاب» الذي يشمل، من وجهة النظر الروسية، فصائل تدعمها أنقرة (وواشنطن)؟

ربما حققت أنقرة إنجازاً وحيداً تمثل في الضغط على أوروبا من خلال تدفق اللاجئين عبر حدودها، إلى درجة أرغمت معها المستشارة الألمانية أنغيلا ميريكل على زيارة العاصمة التركية على وجه السرعة لتلقط صورة تذكارية مع رجب طيب أردوغان، ستشكل موضوعاً لانتقادات لاذعة في الرأي العام الألماني والتركي على السواء.

تحت ثقل كل هذه التطورات السلبية، من وجهة نظر الحكومة التركية، يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع ليفرضوا إرادة الشعب على الطبقة السياسية.

فإذا تحققت توقعات معظم مراكز استطلاع الرأي بشأن نتائج الانتخابات الوشيكة، هل يستمر الفراغ في السلطة من خلال فشل الأحزاب السياسية في تشكيل حكومة ائتلافية، كما حدث بعد انتخابات حزيران/يونيو، أم يتغير المشهد السياسي تماماً بدخول حزب جديد شريكاً في السلطة؟ هذا ما سنعرفه بعد أيام قليلة.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى