صفحات سورية

تركيا والأسد إلى أين ؟


سامي عبد القادر

الحكومة التركية الحالية اعتبرت ذات يوم ان علاقتها مع الاسد استراتيجية للدخول الى المنطقة العربية وعندما بدأت الثورة السورية حاولت الحكومة التركية ان تقنع الاسد بسلمية التعامل معها لكي يخرج بطلا سلميا لكن الاسد مع اصراره على البقاء اوصل العلاقة مع تركيا الى حد القطيعة ثم العداء.

كان الاتراك يريدون الاستمرار في سياستهم المعروفة ـ مشاكل صفر- وكانوا لا يريدون تصديق حركة التاريخ التي لا تستوعب مثل هذه النظريات التي هي اقرب الى الحلم والخيال من الواقع وكانت هذه النظرية تشبه الى حد بعيد قصة المدينة الفاضلة وفي هذا الزحام كانت مشكلة حزب العدالة التركي هي اعادة اقناع جمهوره بان هذه النظرية التي بنى عليها جمهوره ليست خالدة الى الابد.

هناك نقطتان هامتان في حياة قيادة حزب العدالة الحالية وهما مجهولتان لغالبية المثقفين العرب، الاولى ان نشأة غالبية هذه القيادات السياسية قد تمت في اراضي البوسنة او اثناء العمل داخل تركيا فيما يتعلق بالبوسنة والهرسك وبصورة اوضح ان الحركة الاسلامية المعاصرة في تركيا التي استلمت الحكم فيما بعد وكان اخر افرازاتها حزب العدالة والتنمية هذه الحركة الاسلامية نشأت اصلا في ظرف استثنائي هو الواقع الذي عاشته اوروبا اثناء حرب البوسنة والهرسك ودور الاوربيين والغرب في محاولة اطالة الامد لتلك الحرب وافراغها من مضمونها لإبراز قوى اكثر اعتدالا تكون الحرب بالنسبة لها قد اشعرتها باليأس من الاستمرار بالقتال ومثل هذه القوى حال تسلمها السلطة ستكون اكثر تفهما في سير الحياة المقبلة في اوربا، لقد شعر الاوروبيون تلك الايام ان اهل يوغوسلافيا السابقة اثقلتهم سنوات الشيوعية ومع ذلك لم يصلوا الى قناعة تصل بهم لبغض الحرب كما يجب، لكن الغرب كله شعر باليأس قبل ان تفكر الاطراف المتحاربة بالامر.

لقد ساهم الاتراك تلك الايام داخل البوسنة والهرسك بثقلهم المادي والشعبي من خلال منظمات مدنية ومن خلال جيوش المقاتلين التي تسللت سرا الى البوسنة، وعندما انتهت الحرب كان الرأي العام الشعبي والمزاج العام يريد حكومة اسلامية كرد فعل على ما حصل في البوسنة والتي تعتبر بالنسبة للقومية التركية الامتداد التاريخي.

المسألة الثانية تتمثل في استلام حزب العدالة للحكم وخلال هذه الفترة قلب حزب العدالة برنامج تركيا السياسي السابق فقام بإعادة الاف المقاتلين الاتراك الذين كانوا يقاتلون في الشيشان وأفغانستان، وهذه المعادلة الصامتة كانت من خلال برنامج الحزب الذي جاء ليقنع العالم بفكرة الحلول السلمية ونظرية مشاكل صفر.

ان النظرية التركية في السياسة هي ليست اصيلة ثابتة وانما تحكمها طبيعة الظروف ولا تحكمها الايديولوجيات، وبصورة اوضح فالأمور تتجه في سوريا الى غير ما يتوقع الجميع، فالأتراك باتوا يشعرون ان انتصار الاسد او مجرد بقائه يعني هزيمة احلامهم وطموحاتهم في كامل المنطقة ويرون نهاية الاسد هي مسألة لا بد منها لكي تتحرر تركيا في المستقبل من الضغوط الداخلية والمشكلات القومية والاثنية لذلك هزيمة الاسد تعني بالنسبة لتركيا انتصار مشروعها الجديد ونهاية عصر الصراعات الدينية وليس العكس.

فهناك من يعتقد ان تركيا تتباطأ خوفا من انتقال الحرب اليها او تسليح حزب العمال وغيره وهذه نظريات سخيفة لأن حزب العمال ينام في مناطق جبلية لا يستطيع ان يحمل اليها سوى اسلحة بسيطة .

تركيا عمليا طعنتها روسيا بالظهر، فهناك اتفاق تركي روسي غير معروف لوسائل الاعلام قامت بموجبه تركيا باستيعاب ابنائها الذين كانوا يقاتلون في الشيشان عبر مؤسسات ضخمة عملت على هذه الخطوة بمقابل تحسين مستقبل علاقاتها مع روسيا لكن روسيا تصفع اليوم تركيا بقوة.

لقد ادركت تركيا ان الخطة الغربية في سوريا هي تماما ذات الخطة التي كانت موجودة في البوسنة والهرسك وهذه الخطة تقوم على استمرار استنزاف الطرفين ريثما يصبح ضعفهما يتيح تكوينا ثالثا ضعيفا، والاتراك هنا ومن خلال قربهم للحدث يريدون ان يلعبوا بطريقة غير معلنة، فهم يعلمون ان نجاح الخطة الغربية سوف يكون على حساب مستقبلهم وسوف يكون بنظرهم مجرد استخدام للملف السوري لإضعاف تركيا واغراقها بالمزيد من المشاكل.

ان خيار الاتراك في دعم الثورة السورية بكل الامكانات لا بديل عنه فإن لم تنتصر الثورة السورية انتصارا واضحا فسوف يكون مستقبل تركيا بائسا ومأساويا وسيكون دورها الاقليمي ضعيفا وهذا ما تتمناه واشنطن في داخلها خصوصا بعد تمدد الدور التركي في العالم.

‘ اعلامي من سوريا

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى