صفحات سورية

تركيا ..والخطوط الحمر السورية/ عبد القادر عبد اللي

 

 

تصريحات المسؤولين الأتراك في القضية السورية، قد تشبه كثيراً قصة الراعي الكذاب، أو ينطبق عليها المثل القائل: “جعجعة دون طحين”. وإذا كانت تركيا قد برزت في هذا الأمر، فإن تصريحات الولايات المتحدة الأميركية أيضاً لا تختلف كثيراً عن تلك التركية في الموضوع السوري. فعند ذكر الخطوط الحمراء التي وضعها مسؤولو البلدين، بات الإنسان يخطر في باله قلب الحب وأحمر الشفاه، أكثر من الخط الأحمر الذي يُمنعُ تجاوزه.

في الفترة الأخيرة يتم تبادل القصف بين طرفي الحدود التركية في منطقتي كلس ولواء اسكندرون “هطاي”، بشكل يومي تقريباً. ولعل عدم الاهتمام كثيراً بهذا القصف من قبل وسائل الإعلام أمر عادي بسبب الحالة النفسية المسماة “الراعي الكذاب” أو “الجعجعة”.

توجِّه السلطات التركية الاتهام إلى النظام السوي و”وحدات حماية الشعب” التي يقودها حزب “الاتحاد الديموقراطي” الكردي، بقصف لواء الاسكندرون، فإن كان القصف من جنوبي اللواء توجه التهمة للنظام السوري، وإذا كان من شرقي اللواء فتوجه التهمة لحزب “الاتحاد الديموقراطي”. وتدعي السلطات التركية أنها ترد “وفق قواعد الاشتباك” بحسب تسميتها. ولكن من غير المستبعد أن تكون نوعاً من الاستطلاع للقوة النارية لدى الطرف الآخر تحضيراً لعمل عسكري أوسع.

أما القصف على منطقة كلس أو محاولات الخرق في تلك الجهة فالمتهم هو تنظيم “الدولة الإسلامية” فقط، ويعمل هذا التنظيم بقوة على فتح جبهة مع تركيا دون معرفة الأهداف الاستراتيجية من ذلك. وآخر هذه الهجمات كانت الثلاثاء، وراح ضحيتها رجل وطفل من مدينة كلّس.

من جهة أخرى، هناك جبهة مفتوحة هي جبهة السيارات المفخخة، وإذا كانت السلطات التركية تتهم الطرفين الكردي والداعشي بتلك المفخخات، فهي كثيراً ما تربطها أيضاً بالنظام السوري. وقد بلغت عمليات السيارات المفخخة التي أحبطت في الفترة الأخيرة بحسب الناطق الحكومي الرسمي التركي 11 عملية. ولم يحدد الناطق طول هذه الفترة. ولكن الملفت أكثر أن السلطات التركية تشير بأصابع الاتهام بشكل غير مباشر إلى روسيا في جميع العمليات. فتركيا تتهم روسيا بالوقوف وراء حزب “الاتحاد الديموقراطي”، و”داعش” أيضاً. وعدا عن التصريحات التقليدية التي يدلي بها الساسة الأوروبيون والأميركيون، حول ضرب روسيا للمعارضة السورية المعتدلة وعدم ضربها تنظيم “داعش”، الأمر الذي يكرره المسؤولون الأتراك، فقد أضيف اتهام آخر غير مباشر أيضاً، وهو أن الروس يقاتلون في صفوف “داعش” ويشكلون أكبر مصدر بشري لهذا التنظيم.

جريدة “أقشام” الموالية للحكومة التركية، نشرت إحصائية حول عدد المقاتلين الأجانب المفترضين الذين حاولوا التسلل إلى سوريا وتم القبض عليهم وسجنهم أو إعادتهم إلى دولهم، منذ عام 2011 تاريخ ما أسمته الجريدة اندلاع “الحرب الأهلية السورية” إلى شباط/فبراير 2016. وبلغ مجموع من تم القبض عليهم 3619 شخصاً، سُجن منهم 983 شخصاً، وأعيد منهم 2896 إلى بلدانهم. بحسب الإحصائية ينتمي هؤلاء إلى سبع وخمسين دولة، ولا تُستثنى إسرائيل منهم. ولكن الملفت في هذه الإحصائية أن الروس يشغلون المركز الأول، وبفارق كبير في عدد المقبوض عليهم، بواقع 519 شخصاً، في حين يشغُل الفرنسيون المركز الثاني بواقع 192 مقاتلاً مفترضاً.

لعل هناك من يقول إنه من الطبيعي أن يكون حملة الجنسية الروسية على رأس قائمة محاولي الانضمام إلى “داعش” لوجود كثير من المسلمين فيها، ولكن ماذا عن أذربيجان التي تحتل المركز الرابع بعد إندونيسيا؟ وخاصة إذا علمنا أن الشيعة يشكلون 85 في المئة من سكان أذربيجان، وحتى إن “مرشد الثورة الإسلامية” علي خامنئي ينتمي إلى القومية الأذرية. لعل ما تريد أن تقوله السلطات التركية من نشرها هذه الإحصائية، إن القوى التي تدير “داعش” و”الاتحاد الديموقراطي” هي ذاتها.

من ناحية أخرى، يعتبر أنصار حزب “العمال الكردستاني” و”الاتحاد الديموقراطي” أن المعارضة المسلحة السورية التي تقاتل النظام كلها “داعشية” على اختلاف انتماءاتها. حزب “الاتحاد الديموقراطي”، اتهم معظم فصائل المعارضة باستخدام الأسلحة الكيماوية على حي الشيخ مقصود في حلب. “الإتحاد الديموقراطي” ذكر بالاسم كلاً من “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”الجبهة الشامية” و”لواء السلطان مراد” و”كتائب السلطان فاتح” و”كتائب استقم كما أمرت” و”كتائب نور الدين زنكي” و”اللواء 13″ و”الفوج الأول” و”الكتيبة 116″ و”كتائب أبو عمارة”. والسبب وراء اتهام “الاتحاد الديموقراطي” لتلك الفصائل، هو أنها تتلقى الدعم من تركيا أو عن طريق تركيا. فـ”الاتحاد” يرى الحكومة التركية “داعشية”، وبالتالي كل المعارضة السورية “داعشية” وإن اختلفت الأسماء.

في الحقيقة، فالصمت التركي الموازي لهذه العمليات، يثير القلق لدى حزب “الاتحاد الديموقراطي” وتنظيم “الدولة” على حد سواء. والحشود العسكرية على الحدود التركية، ودخول الوحدات الخاصة التركية إلى أهم معاقل حزب “العمال الكردستاني” خلال الأسبوع الأخير في شرناق وديار بكر في تركيا، ووصول عدد ضحايا الحزب إلى أرقام غير مسبوقة، يثير المخاوف أكثر لدى “الاتحاد الديموقراطي”، فقد كان الرافد الأكبر لقواته يأتي من أكراد تركيا، وقد قدم هؤلاء العدد الأكبر من الضحايا.

عندما بدأت تركيا بدعم المعارضة السورية ضد النظام بعد محاولاتها الحثيثة والمتلاحقة لإنقاذه، لم تخف هدفها من هذا الدعم: “لا تريد أن يحدث عراق آخر جنوبها” بالطبع أن هذه العبارة تحمل كثيراً من الدلالات. فهل المقصود منها أنها لا تريد كردستان أخرى جنوبها، أم أنها لا تريد نفوذاً إيرانياً آخر، أم الاثنين معاً؟

تقول تركيا إنها ليست بحاجة إذن من أحد من أجل الدفاع عن أمنها القومي، ولكن هل يمكن أن تسمح لها الولايات المتحدة بهذا؟

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى