تركيا وسوريا:3 سيناريوهات
محمد نورالدين
ربما تكون تركيا هي البلد الأكثر ارتياحا للعفو العام الذي أعلنه الرئيس السوري بشار الأسد عن المعتقلين السياسيين فيهم سوريا بمن فيهم عناصر تنظيم الإخوان المسلمين.
ذلك أن المسؤولين الأتراك ولاسيَّما وزير الخارجية أحمد داود أوغلو ما برحوا يكررون بصورة شبه يومية منذ فترة بضرورة مبادرة الأسد إلى خطوة صادمة أو ما أسموه “العلاج بالصدمة”.
ورأى داود أوغلو أن الأسد تأخر كثيرا في اتخاذ إجراءات عملية لكن الوقت لم يفت ولا يزال ممكنا رغم أنه يستنفذ.
وفي الواقع إن تركيا كانت في الفترة الماضية أمام ثلاثة احتمالات أو سيناريوهات أملت عليها مواقف قد تبدو متناقضة أحيانا لكنها تعكس الاستعداد التركي لكل الاحتمالات بكل ما تحمله من ضمانات أو مخاطر على الأمن القومي التركي والمصالح التركية عموما:
1- سيناريو التغيير في ظل الأسد:
بدت تركيا منذ اللحظة الأولى لاندلاع شرارة الاحتجاجات في سوريا متخوفة جدا من ذهاب البلاد إلى صدامات مذهبية. ونظرا لتشابه الأوضاع في البلدين من ناحية البنية الاجتماعية والديموغرافية فإن أنقرة كانت تفضل الحفاظ على الاستقرار في تركيا والقيام بإصلاحات بقيادة الأسد نفسه. وحمل الموفدون الأتراك ومنهم داود أوغلو شخصيا العديد من النصائح إلى القيادة السورية ومنها المساعدة العملية في كيفية تطبيق الإصلاح في ظل مؤسسات عفنة غير قادرة على تنفيذ الإصلاح، ذلك أن الإصلاح مع بقاء الأسد قد يكون السيناريو الأفضل لتركيا لمنع تطور الأحداث بصورة لا يمكن توقعها.
2- السيناريو الثاني هو سيناريو الاستعداد للتعامل مع نظام بديل للنظام السوري في حال اتجهت الأوضاع إلى مزيد من التدهور تفضي إلى الإطاحة لاحقا بالنظام السوري.
وهنا يبدو السيناريو الليبي هو الأقرب من خلال تهيئة المعارضة السورية لتكون ذات حيثية تنظيمية. وأنقرة هنا ليست بعيدة رغم نفيها لذلك عن تنظيم هذه المعارضة عبر استضافة مؤتمراتها في اسطنبول وانطاليا والتحضير لتشكيل مجلس وطني انتقالي ومواكبة ذلك عبر العقوبات الأمريكية والأوروبية على شخصيات في النظام السوري ومنها الأسد وصولا إلى قرارات من مجلس الأمن توفر غطاء شرعيا دوليا لخنق النظام والإطاحة به، والأتراك وإن ليسوا مع هذا السيناريو كخيار أول لكنهم لا يعارضونه إذا كان هو الطرح الوحيد المتبقي، خصوصا أن تركيا باتت خبيرة في استضافة المعارضات ومنها المعارضة الليبية.
3- أما السيناريو الثالث فهو سيناريو الفوضى في سوريا والدخول في فتنة داخلية وحرب أهلية تتخذ طابعا مذهبيا واتنيا وتحوّل سوريا إلى ساحة مفتوحة تكون تركيا هي المتضرر الأكبر وهو ما حمل داود أوغلو على اعتبار ذلك يحمل “مخاطر عالية” على تركيا.
ويزداد حجم التأثيرات السلبية على تركيا من هذا السيناريو وسط عجز أنقرة عن حل المشكلة الكردية كما المشكلات الأخرى وهو ما دفع بعبدالله اوجالان زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل إلى التهديد بتحويل تركيا إلى جحيم بعد 15 يونيو الجاري إذا لم يأخذ رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان بمطالب الأكراد.
إن أي فوضى لن تتوقف عند انتقال شرارتها إلى تركيا بل يمكن أن تنعكس سلبا على كيفية تعاطي تركيا مع أكراد المنطقة عموما حيث سيستغل حزب العمال الكردستاني هذه الفوضى لتوسيع نشاطه ضد تركيا من الحدود السورية وما يمكن أن ينشأ من “بلوك” كردي سيجد أكراد العراق أنفسهم يؤيدونه تلقائيا نظرا لروابط الدم.
لقد ارتبكت السياسة الخارجية التركية تجاه الثورات العربية لكنها كانت تواجه المخاطر الأعلى في الحالة السورية وجاءت الانتخابات النيابية المقررة في تركيا يوم الأحد في 12 يونيو الجاري لتربك أكثر الموقف التركي من سوريا. وغالبا ما كان المسؤولون الأتراك يعيدون بعضا من مواقفهم المنتقدة للأسد لاعتبارات انتخابية حتى إذا انتهت الانتخابات كان لأنقرة رأي آخر.
لا يمكن اختصار الموقف التركي بحسابات انتخابية محلية ضيقة لذا فإن خطوة العفو العام، التي يجب أن تلحق بخطوات أخرى، ستضع أنقرة أمام سلوك يعزز خيارها الأول وهو التغيير في ظل استمرار الأسد في السلطة، ودور تركيا هنا، برعايتها للمعارضة السورية، أساس في لعب دور عملي لجهة التمهيد لحوار وطني في سوريا ينقذ تركيا قبل غيرها من سيناريو “المخاطر العالية”.
الشرق