تركيا ومشكلتها مع أكراد سوريا
فايز سارة
ثمة مخاوف جدية لدى تركيا من الوضع في سوريا وفي الشمال الشرقي بشكل خاص. وأساس هذه المخاوف لا يتركز فقط في موضوع الخلاف القائم بين تركيا والسلطات السورية حول الأزمة الراهنة، التي تترك ظلالها على تركيا في جوانب سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، وإنما يضاف إليه واحد من حيثياته وتفاصيله، ارتقى ليصير موضوعا قائما بذاته، وهو يصعد ليصير موازيا في أهميته للموضوع الأساسي، والكلام يتصل بموضوع الأكراد في سوريا.
وأساس الاهتمام التركي بالموضوع، يكمن في تأثيراته على الداخل التركي من جهة، وتداعياته الإقليمية من جهة أخرى، غير أنه، وقبل الدخول في تلك التأثيرات والتداعيات، فإن من المهم مقاربة الوضع الكردي في سوريا على نحو ما تراه تركيا.
يؤلف السوريون الأكراد نحو عشرة في المائة من إجمالي السوريين، حسب أكثر التقديرات شيوعا، وإن كان بعضها يرفع أو يخفض هذه النسبة، وفي أغلب التقديرات يتراوح عدد السوريين الأكراد ما بين مليونين وثلاثة ملايين نسمة، وهي أكبر كتلة قومية بعد الكتلة العربية، ويتوزع القسم الرئيسي منها على بعض مدن وقرى شريط الحدود السورية – التركية التي تقارب الألف كيلومتر، وهي أكبر حدود بين سوريا وواحدة من جيرانها، وفي جزء كبير من هذه الحدود يوجد على الجانب التركي، أكراد جنوب وجنوب شرقي الأناضول الذين يشكلون كتلة كبيرة في تركيا تقدر بنحو عشرين مليون نسمة.
السوريون الأكراد بالنسبة لتركيا يشكلون هاجسا سياسيا وأمنيا، والسبب في ذلك أمران، أولهما صلات القربى التي تربطهم مع أقرانهم من أكراد تركيا، وهو أمر طبيعي نتيجة خط الحدود الذي رسمته اتفاقية سايكس – بيكو بين تركيا وسوريا بداية القرن الماضي، والذي لم يأخذ بعين الاعتبار الانتشار القومي على الجانبين. وقد استمرت تلك الصلات، وتعززت في أوقات سابقة بفعل تطورات سياسية عاشتها العلاقات السورية – التركية، ولا سيما في الفترة ما بين أواسط الثمانينات وأواخر التسعينات.
والأمر الثاني الذي يجعل السوريين الأكراد موضع تدقيق واهتمام تركي، هو الهاجس السياسي – الأمني، المستند إلى مخاوف الأتراك من عودة المناطق التي يعيش فيها الأكراد في شمال سوريا لتصير قاعدة لنشاطات سياسية وعسكرية مضادة لتركيا يقودها حزب العمال الكردستاني (PKK).
ويدعم هذا التصور التركي وقائع كثيرة، الأهم فيها حضور تنظيم قوي وفاعل لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي هو التعبير السوري عن حزب العمال الكردستاني (PKK)، ومعظم كوادره هم أعضاء سابقون في (PKK) الموصوف بتقاربه مع بعض أجهزة النظام. والأمر الثاني، هو توجه السوريين الأكراد نحو خلق إطار موحد لجماعاتهم السياسية بدعم ومؤازرة مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، وتشكيل تحالف كردي واحد يجمعهم. والثالث تولي التحالف الكردي الجديد، وقوته الرئيسية المنظمة من حزب الاتحاد الديمقراطي، إدارة مدن وقرى انسحبت منها السلطات السورية، بينها عفرين وعامودا، وقد رافق هذه التطورات تصعيد في عمليات (PKK) العسكرية في تركيا، مما جعل الأخيرة تدخل بقوة دائرة التصعيد في نظرتها وتعاملها مع الموضوع الكردي في شمال سوريا.
مشكلة أكراد سوريا على نحو ما تراها أنقرة، تتجاوز ما يمكن أن تقوم به قواتها ضد ما تعتقد أنه قواعد (PKK) وحواضنه الاجتماعية في تركيا، لتقوم بنشاطات متعددة، أبرزها ثلاثة، أول هذه الأنشطة إطلاق حملة سياسية دعاوية ضد كل التحركات الكردية في سوريا، ولا سيما التي تؤشر إلى لبنات يمكن أن يبنى عليها كيان كردي مستقبلي في هذه المنطقة من طراز تشكيل لجان محلية وميليشيات توفر إدارة ذاتية في مدن أو بلدات ذات أكثرية كردية، ومن طراز تشكيل مجلس شعب غرب كردستان الذي تم انتخابه قبل أشهر علنا برعاية حزب الاتحاد الديمقراطي. والأمر الثاني تحشيد ما أمكن من المعارضة السورية، بمن فيهم سوريون أكراد، ضد توجهات أكثرية الجماعات الكردية الهادفة إلى بلورة عمل كردي مستقل عن عمل المعارضة السورية أو موازٍ لها. والأمر الثالث تحرك الأتراك نحو حكومة إقليم كردستان في شمال العراق لإدخالها طرفا في معالجة احتمالات تردي الأوضاع في شمال سوريا، لا سيما أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني لعب ويلعب دورا نشطا وفاعلا في موضوع أكراد سوريا.
غير أن الأهم من هذه النشاطات، هو إعلان تركيا استعدادها للمضي إلى الأبعد في التعامل مع الموضوع الكردي سوريا؛ ذلك أنه في ظل إحساس الأتراك بالمضي نحو مشروع كيان كردي على الجانب السوري من الحدود أو باستخدام الفكرة، وفي ظل استمرار وتصعيد العمليات العسكرية لمقاتلي (PKK) الأب المؤسس لحزب الاتحاد الديمقراطي، فإن تركيا ستدفع قواتها عبر الأراضي السورية بحجة ملاحقة «المسلحين الأكراد» على نحو ما فعلت مرارا في شمال العراق طوال سنوات كثيرة، بل إن تصريحات القادة الأتراك تضمنت تهديدهم بإقامة منطقة عازلة في الأراضي السورية انطلاقا من ملاحقة «المسلحين الأكراد» الموصوفين بأنهم عناصر (PKK).
ومما لا شك فيه أن الموضوع الكردي في شمال سوريا، والتدخلات التركية في تفاصيله وحيثياته، سوف يساهمان في زيادة تعقيدات الوضع السوري، وثمة مخاوف جدية من أن تؤدي التطورات هناك إلى دخول تركي عسكري إلى هذه المنطقة، مما سيوقع كثيرا من الخسائر البشرية والمادية في هذه المناطق، كما أن هناك مخاوف من خلافات وانقسامات بين سكان تلك المناطق من عرب وأكراد وداخلهما، حول ما تقوم به الجماعات الكردية هناك من خطوات منفردة إدارية وتنظيمية وما لها من دلالات سياسية، وهذان الأمران على الأقل يفرضان إعادة التفكير في الوضع الراهن، وإعادة بناء منظومة سياسية، تضمن تجنيب تلك المنطقة وسكانها من أكراد وعرب وآشوريين وغيرهم نتائج غير محسوبة من التحديات والخسائر البشرية والمادية والسياسية.
الشرق الأوسط