صفحات الناس

تزويج السوريات: مواقع التواصل شاهدة على الجحيم/ ليال حداد

 

 

منذ بدء موجة النزوح السورية، ومنذ إنشاء مخيمات اللجوء في تركيا، الأدرن، والتجمعات الخاصة بهم في لبنان، ارتفعت الأصوات التي تطالب بوقف الإتجار بالسوريات، من خلال تزويجهن لأثرياء عرب، كبار في السنّ في أغلب الأوقات.

لكن النضال الحقوقي من أجل حماية السوريات، ولا سيّما القاصرات منهن شيء، ووقاحة الرجال الذين يشاركون خبراتهم في الزواج من سوريات شيء آخر.

لا يكاد يمرّ يوم واحد من دون أن نصادف على مواقع التواصل شخص مصري أو لبناني أو إماراتي وهو يخبرنا عن تجربته بالزواج من سوريّة. وهنا طبعاً يتمّ التعاطي مع الشابة السورية على أنها “سلعة” أو جزءاً من ديكور المنزل. وهو ما أطلق موجة غضب كبير على مواقع التواصل ضد هؤلاء.

أحد المصريين، ويدعى أحمد ف. قرّر مثلاً قبل يومين مشاركة تجربة صديقه المصري، الذي

“وجد الجنّة” بزواجه من سوريّة. وكتب حرفياً، نقلاً عن صديقه: “بتنوّر بالليل يا بني.. بعد ما كنت فقدت الأمل إني أتجوز أصلاً… تدوس على رقبة أحلى بنت مصرية شفتها في حياتي أو حتى حاولت معاها قبل كدة… ومن غير ما تضغط عليّ في مصاريف ولا حاجة… كفاية مكان يسترها وواحد ميستغلهاش… وأدينا خلّفنا واد”. ويضيف الشاب، نقلاً عن صديقه، في تعليقات مهينة أكثر وأكثر للسيدة التي تزوّجها: “لتريح له رأسه، وتدمه”، فيقول: “لأ واي.. كل يوم شاورمات على مناقيش على حاجات بالزعتر… الأكل حلو والبنت شيك وجميلة.. وبتحسسك إنك هارون الرشيد… أنصحك تتجوز سوريّة”.

إذْ “النصيحة بجمل”، كما يقولون. الرجل نصح صديقه بالزواج من سوريّة. المهمّ بيت يسترها، “وهي غير مكلفة في المصاريف”. ولمزيد من المصداقية، قرّر نشر صورة السيدة السورية الشقراء ملفوفة بعلم الثورة السورية على “فيسبوك” للتأكد من مصداقية الكلام.

منذ ثلاث سنوات، انتقل الحديث عن السوريات ليصبح كالحديث عن الجواري، قبل وقت طويل من ظهور “داعش”، يوم قرّر كل رجل عربي أن الزواج من سوريّة هو الطريق الاسهل لتأسيس عائلة، ويوم قرّر الرجل العربي أن عائلات الفتيات السوريات ينتظرون تزويجهن لأي شخص للتخلّص من مصاريفهن، ومن حملهنّ الأخلاقي والاجتماعي.

يومها تأسست صفحات كثيرة على “فيسبوك” تعرض فتيات سوريات للبيع، عفواً نقصد للزواج، عبر صور لفتيات جميلات “محجبات ويخفن الله، ويبحثن عن سقف يأويهنّ”. “زواج السعوديين من سوريات” إحدى هذه المجموعات. عرض وطلب، كأنك تشتري دجاجاً من سوق

اللحوم. رجال برجال. رجل يبحث عن زوجة، ورجل آخر يعرض صور شقيقاته أو بنات عمّه “هذه شقراء، وهذه سمراء… هذه محجبة وتخاف الله، هذه زوجة شهيد”… التشكيلة واسعة، ويكفي على الراغب بالزواج تقديم قائمة بالمواصفات التي يريدها.

الشيخ عثمان ن. يروي هو أيضاً تجربة تزويج ابنه من شابة سورية في إطار تشجيعه الشباب في إحدى الصفحات على “ستر البنات السوريات”: “قررنا تزويج ابني، ذهبت أنا وأمه إلى مخيم الزعتري، واخترنا له بنتاً محجبة، بيضاء، وبعينين خضراوين، حلبية طلعت”. يستفيض الشيخ بالحديث عن تميّز السوريات عن باقي العربيات، وخصوصاً في ظل الظروف التي تمر بها النساء السوريات، ليصل إلى قمة شهادته بالقول: “لا يهمهنّ الأحوال الاقتصادية، ولا الشكل، والمعاملة، المهم تتزوج وتنستر”. طبعاً التعليقات من نوع “الله يجازيك خير يا شيخنا”، و”الله يبارك فيك” تنهال على الشهادة التي كتبها.

في حديث نشرته سابقاً مجلة “فورين بوليسي”، تتحدّث سيدات سوريات عن تحوّل مواقع التواصل الاجتماعي إلى مركز تدبير زيجات السوريات من رجال عرب، أو أثرياء سوريين يعيشون في الخارج. وتحدّثت السيدات يومها عن ارتفاع نسبة السيدات العازبات مجدداً، بعد موت رجالهن في المعارك السورية أو في القصف العشوائي، وأكّدن أنه بالفعل “سوريات كثيرات يبحثن عن رجال للزواج، لكن هذه الزيجات المدبّرة غالباً ما تتحوّل إلى استعباد”.

في مصر، ينتشر البحث عن زوجة سورية. تختلف الأسباب التي نشاهدها على مواقع التواصل

الاجتماعي. لكن السبب الأول هو أن “الزوجة السورية قنوعة”، أي أنها غير متطلّبة. أرقام هواتف مع صور تنتشر لرجال مصريين على الصفحات الخاصة “بجمع رأسين بالحلال”. وتشهد هذه الصفحات تحديداً صراعات حادة بين مؤيدي هذه الزيجات وبين الرافضين لها.

لكن إن كانت شهادات الرجال تكاد تكون متشابهة حول الزواج من سوريات، الشهادات التي يحبون مشاركتها بخصوصياتها على صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، تبقى شهادات النساء في كثير من الأحيان مأساوية.

على هذه المواقع نفسها، نستطيع قراءة عشرات القصص عن شابات سوريات، قاصرات في كثير من الأحيان، يروين طريقة إخراجهن من مخيمات النزوج من الأردن وتركيا ولبنان، وحتى من سورية نفسها، لتزويجهن لرجال مسنين في معظم الأحيان، مقابل مبالغ زهيدة جداً.

مواقع التواصل هذه كانت أوّل من لفت إلى خطورة ما يجري من “بيع للسوريات”. وعلى هذه المواقع أيضاً قررت السوريات الخروج عن صمتهنّ، وكسر حاجز الخوف. “اسمي ذكية، عمري 21 سنة، من درعا سورية… زوّجني أخي لرجّال كويتي عمرو 65 سنة، وعندو ست ولاد. شغّلوني خدّامة عندن. زوجي وولاده كانوا يضربوني…”. ذكية الهاربة من جحيم البيع تحت ستار الزواج، تتكرر قصتها كثيراً.

عند البحث على مواقع التواصل عن قصص مشابهة، نجد المئات: بثينة، ليندا، سلاف،

بسمة… سيدات يروين جحيم البيع، أو الزواج. هنا على صفحاتهن، أو على جدران مجموعات افتراضية تتكلم عن هذا الموضوع، يقرّرن التطهّر من كل هذا الحمل، من هذه التجربة.

بعضهن لا يزلن متزوجات. “نجمة إدلب” هي إحدى هذه الفتيات. لا صورة لها، ولا اسماً حقيقياً، تروي قصتها مع تزويجها. أُخرجت من سورية غصباً عنها “قالولي بترتاحي بمصر”. سافرت بعدما تزوّجت شاباً مصرياً عمره 25 سنة، وذهبت معه إلى مسقط رأسه. “كنت آكل مرة باليوم أو باليومين، ويقلّي ببيتكن كنتي تاكلي أكتر من هيك… اشكري الله اني سترتك”. تروي تفاصيل شخصية، عن الاغتصاب الزوجي، وعن هروبها من البيت…

لا نعرف هوية مَن يتكلم، لا نعرف إن كانت تفاصيل كل هذه الحكايات حقيقية، لكنها تصادفنا كيفما تنقلنا على مواقع التواصل، “فيسبوك” تحديداً. لكن ما نعرفه أن عشرات الصفحات تروي قصصاً مذهلة بقسوتها، وعشرات الصفحات الأخرى، تعمل بشكل ممنهح على تصوير السيدة السورية بصورة مقززة. فهي إما “بنت تبحث عن أيّ زوج” وإما “بائعة هوى”. “استروهن قبل أن ينحرفن”، كتب أحدهم.

“الله يلعن باب الحارة اللي صوّر البنت السورية على أنها ما بتقول إلا بامرك إبن عمّي تاج راسي”، كتبت نادين، وهي إحدى الناشطات ضد بيع السوريات تحت شعار الزواج، وتؤكد أنّ “الثورة قامت لتحرير السوريين والسوريات من الدكتاتورية ومن المفاهيم البالية التي تحكمهم… يريدون تدمير كل ذلك، من خلال قتلنا، من خلال بيعنا، من خلال تحويلنا إلى قطعان”.

مواقع التواصل وحدها تكشف ما يحصل، أما على أرض الواقع فلا شيء حتى الساعة.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى