تساؤلات برسم الاتفاق الأميركي الإيراني/ أكرم البني
مع تصاعد المؤشرات عن بناء إطار تفاهم بين أميركا وإيران يمهد لإبرام اتفاق دائم يطوي ملفها النووي وصفحة من الصراع امتدت لعقود من الزمن، تثار جملة من التساؤلات عما يمكن أن ترثه المنطقة بعدئذٍ.
هل يرسم هذا الاتفاق، إذا تم، أفقاً جديداً في الشرق الأوسط، عنوانه صفقة أميركية إيرانية لتقاسم النفوذ الإقليمي، تتنازل بموجبها واشنطن عن حصة لطهران في ضمان استقرار المنطقة لقاء التخلي عن برنامجها النووي؟! أم أن الثمن لن يتعدى تلبية حاجة إيران الماسة لفك الحصار المفروض عليها، كي تعالج تدهور أوضاعها الاجتماعية والاقتصادية وتلتقط أنفاسها لتتمكن من هضم ما حققته من تمدد في عدد من البلدان العربية؟!.
إذا كان أمراً مفسراً أن تتمسك إدارة البيت الأبيض بنهج التخلص من تركة التدخل العسكري الثقيلة في الصراعات الدولية، ومن الآثار السلبية الناجمة عن حربي العراق وأفغانستان، فهل يسوغ ذلك ما نلمسه من انقلاب جذري في دورها وانتقاله من عارضة توازن إلى أخرى، من سياسة تدخلية نشطة رافقت عهد الرئيس بوش، إلى انكفاء بليد وبحث عن مكاسب أنانية في عهد أوباما؟!.
وإذا كان أمراً مفهوماً ربط تفرد البيت الأبيض في المفاوضات الجارية وإصراره على إنجاحها، بحسابات استراتيجية غرضها فك ارتباط إيران بروسيا والصين وضمان تعاونها في مواجهة التطرف الجهادي، فماذا عن الحلفاء الأوروبيين؟! وماذا عن مصالح دول صديقة، عربية وإقليمية، تتعرض لأضرار متنوعة جراء ازدياد النفوذ الإيراني في المنطقة؟! ثم أين قيم الديموقراطية ومبادئ حقوق الإنسان التي طالما روجت لها الولايات المتحدة، أمام استهتارها المشين بما يخلفه العنف المتمادي في غير بلد عربي؟! وكيف تفسر المغانم الوفيرة التي يمكن أن تجنيها الشركات الأميركية من السوق الإيرانية بعد رفع العقوبات الاقتصادية؟!.
وفي المقابل، أليس واضحاً أن الملف النووي عند القيادة الإيرانية هو مجرد ورقة ضغط لانتزاع اعتراف دولي، وبالأخص من الولايات المتحدة، بما حققته من مكاسب إقليمية؟!. وأليست هي حقيقة، محاولة طهران استثمار التعاون المشترك مع الغرب ضد الإرهاب الجهادي لتسويغ إدارتها للصراعات في اليمن والمشرق العربي وحث واشنطن على التشارك في تفكيك الأزمة السورية بارتباطاتها وتشعباتها، وبما يحافظ على النظام كأهم حلقة من حلقات نفوذها، لتبدو تصريحات كيري المرنة تجاه النظام السوري كأنها استجابة لمسار المفاوضات الجارية مع طهران؟!.
ربما يؤدي النجاح في طي المشروع النووي الإيراني إلى لجم سباق تسلح مكلف للجميع وفتح الباب أمام نوع من الصراعات السلمية والتطبيع وإزالة التوتر، وربما يفضي إلى انسحاب طهران من دور عسكري مباشر فرض عليها نتيجة ضعف الحلفاء كما في حالتي العراق وسورية، وتالياً إبعاد شبح الحروب عن منطقة حبلى بنزاعات مستمرة وقديمة دفعت الشعوب العربية ثمنها دماً وتراجعاً تنموياً واقتصادياً، لكن من يضمن أن لا يفضي ذلك إلى العكس، إلى تعزيز الغطرسة الإيرانية وتشجيعها على مزيد من تحقيق النفوذ الإقليمي عبر تصدير الثورة وتوسل لغة القوة والعنف ومنطق كسر العظم، مطمئنة إلى حياد الموقف الغربي وإلى أن ما تقوم به لن تعترضه مساءلة أو حصار، ومستقوية بحنين إلى ماضٍ إمبراطوري بدأت رائحته تفوح من خلال تصريحات واضحة لغير مسؤول إيراني، دون اهتمام إن أفضى ذلك إلى زج شعوب المنطقة في حروب استنزاف مذهبية يخطئ من يعتقد أنها سوف تنتهي بسهولة؟!.
والحال، هل تكون إحدى نتائج التسوية الأميركية الإيرانية، شحذ التوتر المذهبي والطائفي الذي يكاد يشكل الوصفة الأمثل لحروب أهلية ونزاعات طويلة في غير دولة عربية، وما قد تخلفه من ضحايا ودمار واضطرابات؟! أم تؤدي إلى انحسار الصراع المذهبي، وفتح الباب لإعادة السياسة إلى موقعها الطبيعي ولإجراء مراجعات نوعية جوهرها تشجيع الإصلاح الديني والبحث عن خيارات فكرية وبرنامجية تدحض الصراعات الطائفية المتخلفة وتتطلع إلى رد المظالم وضمان الحقوق عبر مجتمع المواطنة والديموقراطية؟!.
وأخيراً، ماذا عن تأثير هذا الاتفاق إن أبرم، على الجانب الإيراني وعلى المعادلة السياسية الداخلية وما يرتبط بها من توازنات، هل سيتقوى التيار المتشدد ومراكز القوة الهجومية على حساب التيار الإصلاحي أم يسحب البساط من تحت أقدام جماعات التطرف والعنف لمصلحة التعاطي السياسي والمدني؟! واستدراكاً، ألن تغدو إدارة الرئيس حسن روحاني، بمجرد توقيع الاتفاق النووي، أكثر جرأة واستعداداً لمعالجة قضايا حقوق الإنسان، مثل أوضاع معتقلي الرأي وحقوق الأقليات وحقوق المرأة وحريات الصحافة وغيرها؟! أولا يفضي الانفتاح على الغرب ورقابة وسائله الإعلامية إلى كف اليد القمعية وخلق دينامية ترجح كفة الاعتدال في الحياة السياسية على حساب المتشددين الذين سيقفون وجهاً لوجه أمام انفلاش جوف المجتمع الإيراني بأزماته المتعددة، وقد فقدوا آليات التعبئة والتحشيد ضد الشيطان الأكبر ومن أجل بناء قدرة عسكرية نوعية؟!.
ويبقى السؤال في عصر أفول الإمبراطوريات، هل تتكرر النتائج التي حصلت للإمبراطورية السوفياتية بعد أن أنهكتها التدخلات العسكرية في غير مكان، وأجج أزماتها خيار التعايش السلمي ووقف سباق التسلح، أم أن الأمور، ومع حفظ الفوارق، ستأخذ مساراً مختلفاً في التجربة الإيرانية، في حال امتلكت قدرة تفوق قدرة الاتحاد السوفياتي لاحتواء صراعاتها الداخلية وتحويل نفوذها الإقليمي من عبء ثقيل عليها إلى سند لها؟!.
إن ما سبق مجرد تساؤلات تثار بطرق مختلفة في مجتمعات لا يزال التخلف والقهر يكبلانها، ولا تزال مصالح الطامعين الأنانية والضيقة تنهش لحمها، وما كان يمكن أن تصل إلى ما وصلت إليه من ضعف وتفكك لولا تغييب دور البشر والاستهتار بأرواحهم والتنكر لحقوقهم بصفتهم مواطنين أنداد وذوات حرة يملكون حظوظاً متساوية في الحرية والكرامة والاجتهاد والمشاركة، بغض النظر عن اللون والجنس والعرق والمعتقد.
* كاتب سوري
الحياة