صفحات سوريةمنذر خدام

تسريبات سوتشي وقراءة بين السطور/ منذر خدام

 

 

 

بتاريخ الثاني عشر من أيار لعام 2015، وبصورة تكاد تكون مفاجئة، وغير متوقعة، أعلن جون كيري وزير خارجية أمريكا عزمه على زيارة سوتشي المقر الصيفي للقيادة الروسية على البحر الأسود لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي ووزير خارجيته حول جملة من القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها قضايا الشرق الأوسط. وبالفعل أربع ساعات قضاها السيد جون كيري على طاولة المحادثات مع وزير الخارجية الروسي السيد سيرغي لافروف، ومثلها وزيادة خمس دقائق قضاها مع السيد بوتين تم خلالها، كما أكد الطرفان، تناول جملة من القضايا التي تهم البلدين وفي مقدمتها قضية أوكرانيا، وقضايا الشرق الأوسط وتلك المرتبطة بنزع السلاح، والملف النووي الإيراني، وقضايا الإرهاب وغيرها. وقد اعترف كيري في تغريدة له على صفحته على تويتر بأن المحادثات كانت “صريحة وودية ومثمرة”. وفيما يخص الأزمة السورية فقد أكد الطرفان بأن محادثاتهما بشأنها كانت “جدية وصريحة ومعمقة” بحثت في التفاصيل والخيارات الواقعية لحلها. لقد تحدث لافروف في ختام محادثاته مع نظيره الأمريكي جون كيري عن ” تقارب المواقف بين موسكو وواشنطن حول سبل تسوية الأزمة السورية” وأضاف ” إن كلا الطرفين على يقين أن العملية السلمية يجب أن يقودها السوريون بأنفسهم” على أن يكون لجميع ” الجهات المعنية تمثيل في هذه العملية”.

من جهته فقد صرح جون كيري بأنه اتفق مع لافروف حول بحث ” رؤى ملموسة” بشأن سورية، وأضاف إلى ما قاله نظيره الروسي بأن واشنطن مازالت واثقة بأن ” سورية لن تصبح دولة سلام ما لم تجد مشكلاتها حلا لها بطريقة سياسية” وبالطبع لم ينسى أن يعيد التذكير باللازمة الأمريكية المعلومة وهي ضرورة حصول ” انتقال للسلطة “. لكنه هذه المرة ، بحسب ما أفادت بعض المعلومات المتسربة من سوتشي، تجاوز عن مسألة تنحي الأسد إلى البحث الملموس في الخيارات الواقعية لانتقال السلطة، وهو الخيار الذي ” يجب دعمه ” بحسب رأيه. لتحقيق ذلك أكد كيري على ضرورة مواصلة الحوار بين الجانبين الروسي والأمريكي في الأسابيع المقبلة وبمزيد من “الفعالية ” لبحث “الرؤى الملموسة ” للخروج من الأزمة. وقد ركز الوزيران في مؤتمرهما الصحفي على أن أفضل طريق ملموس هو إطلاق ” حوار متكامل بين دمشق والمعارضة السورية” بمساعدة ومعاونة الدول المعنية ذات التأثير في الداخل السوري وعلى الأطراف المتصارعة فيه، لذلك سوف يواصل الطرفان الحوار من أجل ” إشراك المعنيين الخارجيين في عملية التسوية السياسية السورية” والمقصود هنا بالدرجة الأولى إيران التي لم تعد تمانع أمريكا مشاركتها، ليس فقط في تسوية الأزمة السورية، بل في تسوية أزمات الشرق الأوسط كلها، بحسب بعض مصادر سوتشي.

إذاً، البحث في “الرؤى الملموسة” و ” بفاعلية ” كانت وراء القرار الروسي الأمريكي المشترك بنقل الموضوع برمته إلى لجنة مشتركة من “الخبراء والفنيين” التي بدأت اجتماعاتها فورا بعد انتهاء زيارة جون كيري إلى سوتشي، مما يعني عمليا أن القرار السياسي لحل الأزمة السورية قد اتخذ من قبلهما. ومع أن ما تمت مناقشته من حلول ملموسة خلال أكثر من أسبوع من اجتماعات اللجنة المتواصلة في موسكو لا يزال في عهدة الطرفين الأمريكي والروسي، إلا أن بعض التسريبات أفادت بأن ثمة تفاهم حصل حول بعض المسائل التي كانت خلافية في السابق من قبيل موقع الأسد في التسوية السياسية، ومسألة انتقال السلطة، ودور المعارضة السورية، ومشاركة إيران فيها.

بالنسبة للقضية الشائكة الأولى طرحت عدة خيارات محتملة منها تنحي الأسد في نهاية المرحلة الانتقالية، أو إجراء انتخابات مبكرة، أو بقائه حتى نهاية ولايته، على أن يتقرر أي خيار سوف يطبق في سياق المفاوضات بين ممثلي النظام والمعارضة.لكن يبدو أنه حصل اتفاق حول أن “هيئة الحكم الانتقالي” التي سوف تأخذ صيغة حكومة وحدة وطنية تشارك فيها جمع الأطراف وتتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة سوف يتم تحديدها أيضا في سياق المفاوضات.

أما بخصوص مشاركة المعارضة السورية في عملية التسوية، يبدو أن الطرفين الأمريكي والروسي قد اتفقا على ضرورة مشاركة جميع أطراف المعارضة في تشكيل وفد مشترك لمفاوضة النظام. لم يعد الجانب الأمريكي متمسكا بتمثيل الائتلاف الوطني السوري للمعارضة السورية كما حصل في لقاء جنيف الثاني، وبذلك يقترب كثيرا من الموقف الروسي. وبالفعل وكما نعلم فإن الجانب الأمريكي يحث ويشجع الائتلاف على الحوار والتفاهم مع فصائل المعارضة الأخرى وخصوصا معارضة الداخل ممثلة بهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي. وفي هذا المجال ونظرا لوضع المعارضة المشتت، واختلافاتها، فسوف يعمل الطرفان الأمريكي والروسي على حض المعارضة على التوحد، وسوف يتدخلان لدى الدول المؤثرة عليها للمساهمة في ذلك.

أما بخصوص مشاركة إيران في التسوية السياسية فيبدو أنه لم تعد من مشكلة لدى الدولتين، لكن المشكلة الباقية تتعلق باعتراض بعض الدول العربية والاقليمة على أي دور إيراني في حل الأزمة السورية، لأنها بحسب هذه الدول طرف فيها إلى جانب النظام.على هذا الصعيد سوف يعمل الطرفان الأمريكي والروسي خلال الأسابيع القادمة لتليين مواقف الدول المعترضة على دور إيران.

ومع أن العلاقات الروسية الأمريكية قد شهدت توترات كثيرة وعالية الحدة خلال عهد اوباما وصلت في بعض مراحلها المتعلقة خصوصا بأوكرانيا إلى حد فرض العقوبات على روسيا، إلا أنها على ما يبدو بعد زيارة جون كيري إلى سوتشي ومحادثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومع زميله لافروف صارت ” دافئة ” . لقد وصف لافروف محادثاته مع كيري بـ”الرائعة” ، ووصفها كيري ب”الصريحة والمعمقة والمثمرة ” ،وأضاف من المهم “الحفاظ على خطوط التواصل بين الولايات المتحدة وروسيا..” في الوقت الذي يقوم فيه الطرفان بحل قضايا عالمية”. وتبقى كلمة السر لهذا الاهتمام المشترك الروسي الأمريكي بقضايا الشرق الأوسط ومنها سورية هي” داعش “. فبحسب كيري فهي لا تهدد “نظام الأسد ” فقط، بل “جميع دول المنطقة”، كما تهدد “مصالح ” الدولتين روسيا وأمريكا.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى