صفحات سورية

تسريع إسقاط النظام السوري


علي الأمين

من المعروف أن بعض التجار و الصناعيين و رجال الأعمال أناسٌ جعلوا المال إمامهم وهم يأتمرون بما تقتضي مصلحتهم فيلهثون ورائها أنَّى اتجهت و يلقُون بأيدهم حيثما وقعت، ولا يهمهم إن كان موضعها كريم أم مهين فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، والمال في قاموسهم أغلى من الروح والولد.

ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: لماذا يقف بعض هؤلاء التجار على اختلاف تجارتهم في صف النظام السوري الفاقد للشرعية؟ وهم لا يقفون معه قولاً فقط، بل قولاً وفعلاً ً إجرامياً في أحوال كثيرة. وما تشهده بعض المدن الصناعية في سورية لدليل لا يقبل التشكيك فيه بأن هؤلاء التجار قد تبنوا منهج النظام في القمع بعد أن أعطاهم النظام السوري الضوء الأخضر للدفاع عن أنفسهم كما يفهمون والدفاع عن النظام كتحصيل حاصل.

قد يسأل سائل و يستهجن قولي بتساؤله :” ألهذه الدرجة يمكن لمصلحة تاجر أن ترتبط بمصلحة نظام غادر، ومن أجل ماذا؟ طبعاً إذا عُرف السبب بَطُل العجب. والسبب يا سادة ليس واحداً بل حزمة من الأسباب عنوانها الفساد النظامي الذي يقوم على مبدأ “حكلي حتى حكلك” أو على رأي الأخوة المصريين “يا بخت مين نفع واستنفع”.

ولشرح المقولتين الآنفتين بشيء من التفصيل سنأخذ نموذجاً شريحة من أصحاب راس المال من ملّاك المصانع بكافة أحجامها، ولنبدأ بأصحاب المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، فمعظم هؤلاء الصناعيين إلا ما رحم ربي يستفيدون من النظام على وجه صادم صاعق من هوله يقوم على أساس مقايضة المخالفة برشاوي تطال من أصغر إلى أكبر راس في الدولة، وسأذكر البعض من هذه المخالفات وأشكالها بشيء من التفصيل:

1.                   معظم هذه المنشآت قامت أصلا على أرض مخالفة، بل محرمة، وما المعامل التي غزت غوطة دمشق فدمرت خضرتها و دنست براءتها إلا شاهد على آثار التخريب التي لا يمكن طمسها أو محيها من على خريطة العالم كما يريد المعلم أن يمحو أوروبا.

2.                   معظم هذه المنشآت قامت مخالفة لشروط البناء من حيث المساحة، أو الارتفاع، أو مراعاتها لشروط السلامة في التشييد أو في التخطيط.

3.                   كل المنشآت الصناعية في سورية، وليس البعض هذه المرة، تمارس تعسفاً و هضماً لحقوق عمالها وهي مدعومة بسلسلة من قوانين هي جائرة بالأساس و مدعومة بطول يد صاحب المصنع واتساع علاقاته مع أذرع السلطة الفاسدة، وأخيراً بشدة حاجة العامل المسحوق. و يمكن ذكر البعض من هذه الحقائق:

A.                   عدم تناسب الأجر مع ساعات العمل

B.                   عدم الاهتمام بإجراءات السلامة

C.                   عدم تعويض إصابات العمل

D.                   عدم دفع بدل العمل الإضافي بشكل مناسب

E.                   خصومات مالية مزاجية

F.                   خصومات مجحفة من الراتب بسبب الغياب الاضطراري

G.                   لا يتم دفع أية تعويضات عائلية

H.                   عدم دفع تعويض نهاية الخدمة بشكل فعلي وحقيقي وذلك بإرغام الموظف على توقيع استقالة يوم توقيع عقده، مما يجعله يقع تحت توصيف العامل الجديد كل عام مما يفقده الحق في المطالبة بالتعويض حتى ولو أمضى خمسين عاماً في المؤسسة.

4.                   تتجاوز أسعار بيع السلع الحقيقة كل الحدود القانونية بتجاوز حد الربح المتناسب مع سعر التكلفة بشكل لا يقبله منطق. فعلى مستوى صيدلية مثلا يقوم الموزع ببيع علبة مضاد حيوي عدد 20 كبسولة بمبلغ يقل عن 15 ليرة سورية إلى الصيدلية ليبيعها الصيدلاني بمبلغ 75 ليرة سورية.

5.                   تعتبر نقابات العمال علائق ماصّة وواجهة إعلامية للصناعيين وليس ملاذاً للعمال وكل عمل القائمين عليها هو حماية أصحاب العمل من العمال، وليس العكس، ومن المحاسبات القانونية بمحاسبات غير قانونية بحضور الفاتنات و قرقعة الكؤوس في الحانات.

6.                   يتهرب معظم الصناعيون، إن لم نقل كلهم وكلٌ حسب فتواه، من دفع الضرائب بشكل شفاف للدولة، وبدل ذلك يقومون بدفع رشىً متفق عليها إلى رجال الدولة والى موظفي الرقابة والتفتيش للتملص من الدفع للدولة. و أخيراً يدفعون للدولة ما قيمته يساوي ثمن الورق الذي كتبت عليه الفواتير.

7.                   يقوم أزلام النظام من محافظين، و ضباط شرطة، و رجال أمن، و شرطة التموين بأخذ حصتهم كلٌ بما يتناسب مع مكانته أو رتبته و حجم تأثيره على هذه المنشأة أو تلك. و لئلا يصيبكم الحزن على هؤلاء الصناعيين نفيدكم بأن مجموع الرشىً التي يدفعونها، و إن عظم مقدارها، فهي مبالغ زهيدة إذا ما قيست الفائدة التي يصيبونها بحجم تلك الرشى التي يدفعونها.

8.                   تسهيلات الإيستراد والتصدير التي يحصل عليها لتنوء بحمل خزائنها الجمال.

وبالرغم من أن مقولة “وما خفي أعظم” فإن ما يمكن قوله هنا هو أن هؤلاء الصناعيون المستفيدون من رموز النظام و أدواته هم من يقف في الجانب المعادي لسواد الشعب ، وهم من يدَّعون الولاء للنظام ليس لأنهم عُبَّاد النظام ونسَّاكه بقدر ما هم أتباع لمصلحتهم التي تقوم على تعس الشعب مرتين، الأولى في كونهم يبتزون الطبقة العاملة من الشعب كما رأينا من أشكال الاحتيال على القوانين و التلاعب في الأسعار بما يضمن ربحاً يضمد أي جرح تحدثه أية رشوة يتكبدونها، والثانية في كونهم وباستماتتهم في الدفاع عن النظام يضفون شرعية كاذبة للنظام مما يؤخر إسقاط هذا النظام.

ومن الواضح أن طول عمر النظام يأتيه من دعم هؤلاء الصناعيين الذين وضعوا أنفسهم في مربع خالد عبود و دائرة أحمد الحاج علي أي مجال دعم النظام كيفما اتفق، و لكي نقصّر عمر هذا النظام يتوجب سحب البساط من تحت ما يسمون برجال الأعمال – العلائق المحسوبة على الاقتصاد السوري حيث أن إضراباً منظماً للعمال في هذه القطاعات سيجعل هؤلاء الصناعيين يتخلون عن النظام رغماً عنهم أو ربما سيكون ولائهم للنظام مثل عدمه. ولكن السؤال المهم هو كيف يمكن إقناع هؤلاء العمال بترك أعمالهم والانضمام إلى صفوف الشعب المطالب بإسقاط النظام وهم يطعمون أفواه كثيرة؟ في الحقيقة هذا أمر لا شك في أنه شبه مستحيل إلا إذا اتخذ الشعب السوري قرارات تجسر الهوة بين حاجة العامل المحقة للعمل وحاجته للحرية، حيث يمكن أن يُقترح في هذا المجال ما يلي:

1.                   تأخذ الدولة الجديدة على عاتقها محاسبة الشركات والتحقق من شرعيتها

2.                   عند الإخلال بأي شرط قانوني، تباع هذه الشركة بالمزاد العلني لقطاع الخاص بحيث يكون جزء من هذه الشركة ملك للعمال الذين قاموا بالإضراب وفق نسبة متفق عليها.

3.                   يوظف العمال الذين ينتمون لهذه الشركة في نفس الشركة مرة أخرى بصفة دائمة وليس مؤقتة.

4.                   تخصص الأموال الناتجة عن بيع الشركات لتعويض جميع الذين تضرروا أثناء اقتلاع النظام من جذوره إلى الأبد.

إن تغيير النظام لا يأتي عن طريق الأحلام الوردية، وشعارات فارغة و إنما يتحقق بمزيد من التضحيات غير الجسدية فهنالك الكثيرون ممن يعجزون عن ملئ أفواه أطفالهم وبهم من الهمة والحماسة لإسقاط النظام ما تنوء بحمله الجبال أو ما يوازي همة أي بطل سوري متظاهر ولكن ضيق ذات اليد يلجمهم ويضعهم رغماً عنهم في “المربع” الخاطئ.

ما يحتاجه السوريون هذه الأيام هو رسم صورة مستقبلية واضحة لسوريتهم القادمة، وهذه الصورة يجب أن تكون معالمها شديدة الوضوح، قليلة البنود، حادة الحواف، قاطعة المخاوف ينافح عنها السوريون لتحقيق كل بند فيها بهمة و دون تردد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى