صفحات سورية

تسليح الثورة خيار ثوري أم انتصار لعقلية النظام

فرزند عمر
بعد مرور عام على الثورة السورية و ما آلت إليه الأمور بحيث افتتح العام الجديد بجمعة التدخل العسكري الفوري فإننا كما غيرنا ينتابنا تخوف عميق من القدرية التي وضعت فيها الثورة السورية و هي اللجوء للقوة بأشكالها العديدة سواءً كان التسلح أو التدخل العسكري و الذي يبدو أنها مخيفة لجميع القوى بمن فيهم صقور الثورة إن جاز التعبير فهل هذا النزوح هو انتصار للخيار الأمني الذي بات من المعلوم أن لا خيار حقيقي بديل تمتلكه السلطة و بالتالي انتصار للنظام أم هو خيار ثوري اتخذته الثورة بعد مرور عام كامل من الدماء و الإحباط و اليأس
كما هو معلوم للجميع خيار التسليح لم يكن وارداً منذ البداية فقد انهمك السوريون في إيجاد سبل للحراك المدني و قد أبدعوا في بعضها من بالونات الحرية إلى تلوين برك المياه إلى الأغاني التي تحولت إلى سنفونيات عالمية لكن الخيار الأمني و الذي تبناه النظام و القائم على القوة بشكل رئيسي كان له الكلمة العليا و يبدو أنه بات من الضروري طرح السؤال الذي يقول هل أن النظام السوري ربح معركته التي أصر عليها منذ اللحظة الأولى في تصدير عقليته للثورة و جعلها أساساً للتفكير ؟ هذه العقلية المبنية مرادفات العنف ( القوة المسلحة – التطرف – الشرزمة )
هذا ما أراده النظام منذ اللحظات الأولى عندما كان الأمن يرمون بالأسلحة أمام المتظاهرين في درعا و غيرها لكن المتظاهرون كانوا يدركون يومها أن ما يبتغيه النظام هو افشال الثورة عن طريق جرها لملعب العنف الذي يستطيع النظام اللعب فيه و بجدارة لأنه و منذ أربعين عاماً و هو يتدرب في هذا الملعب
كذلك الانتهاكات القاسية و التي أريد لها أن يتطلع عليها الشعب السوري من تشويه للطفولة و قلع للحناجر و انتهاكات قاسية يقشعر لها الأبدان كي تشكل أرضاً خصبة لانفلات المشاعر و الانجرار باتجاه اللامعقول من العنف و التطرف
إن لم يكن هذه هي الحقيقة إذاً كيف يمكن تفسير هذا الانزياح الهائل باتجاه العنف من قبل الثورة و استجداء الخارج بكل السبل على تزكية هذا الركون لقوة السلاح و كيف يمكن تفسير تشرزم المعارضة و حتى تشرزم القوى الشعبية على أرض الحدث فكثير من التظاهرات باتت تفتقد حتى إلى مرجعية واحدة في القول و الفعل فبينما ترفع في المناطق ذات الغالبية الكردية جمعة الوفاء للانتفاضة الكردية ترفع في مناطق أخرى جمعة دعم الجيش الحر و في جمعة التدخل الخارجي العاجل ترفع شعارات تؤكد على السلمية و عدم التدخل
هذا الشرخ و هذا التشتت لا بد و أنه لا يخدم الثورة في أي شيء إذ لم نقل أن فائدة كبرى تصب في صالح الجهات الأمنية المتغنية بعنفها إلى هذه اللحظة و ذلك توخياً للسقوط في نظريات التخوين و المؤامرتية التي باتت عنواناً للنقاشات الحادة بين الثوريين بعضهم ببعض في أكثر الأحيان
الثورة روح قبل أن تكون مادة للإعلان و التبرج و تحفيز الهمم و الثورة انتصار للذات على الذات قبل أن تكون انتصاراً على الآخر
الثورة معناً قبل أن تكون كلاماً و الثورة السورية تحديداً جاءت رادعاً و قطيعة لما كان و لم تأتي وصالاً مع الذي كان
أين هم كل الذين خرجوا منذ ما قبل اللحظة الأولى
أين هي سمر يزبك و فاديا و الساروت و الكثير ممن كانوا في حماس لا نظير له لأن برأيهم هذه الثورة هي أحلامهم التي حيكت في ظلام ما عانوه كانت هذه الثورة بمثابة انتصار لما انتظروه منذ أمد بعيد
كل يوم ينسحب بهدوء يشبه الفجيعة أناس كانت لهم الكلمة الأولى و يجلس مكانه عراعرة هذا الزمن الضحل
هاهو العرعرور و من لف لفه يستمتعون كما النظام بانتصار العهر الفكري بالدعوة لانتصار الخير المحتجز لدى فئة على الشر المكوم لدى فئة أخرى
اليوم تحديداً و أنا أتصفح ما تقتضيه الحقيقة من بحث بين الأصدقاء على هذه الشبكة العنكبوتية أصدقاء يتباركون بالذي قيل على لسان مفتي السعودية في حشده المكان و الزمان لتعميم السلاح على السوريين هو ذاته الذي أقر سابقاً أن قتل فئة من الذين يشكلون البنية الأساسية للشعب السوري حلال و مقربة من الله عز و جل عندما ارتكب العراقيون الإثم ذاته بتسليم قدرهم للقوة التي حصدت ما يقارب المليوني عراقي
هذه هي القوة و هذا هو الاغتراب بعينه و إن كنت أؤمن أشد الإيمان بظاهرة الأواني المستطرقة التي لها الخصائص ذاتها لدى المجتمعات فأي إضافة للقوة في هذا الطرف سيضيف قوة مماثلة للطرف الآخر
نعم هو الحل الأمني الذي لم يجد النظام بديلاً له هو ما أوصل الكل لحافة الهاوية لكن هل يكفي أن ألعن ما يبتغيه الآخر كي أكون في ملاذ آمن من المسؤولية في حدها الأخلاقي على الأقل إن لم نقل في حدها الجرمي كي لا نقع فريسة الخطأ الثوري على الأقل
كنت من أوائل المرحبين بالربيع عندما كانت نسائمه تهب من أقصى المغرب العربي و شرعت في حياكة أحلامي تماماً كما كنت أفعل عندما أشتري ورقة اليانصيب عشت أياماً بلياليها و أنا أرتب ذاكرتي كي تتناسب مع المستقبل الذي ينتظر الجميع أرتق ما تشوه منها و أرمي ما تعفن كي لا تضر برائحة الزهور التي لا بد و أن تتفتح في بلادي
قاسيت الكثير و أنا أحاول إيجاد تسوية بيني و بين كل السوريين و أنا بن فئة تتباهى بما لديها من تاريخ و أصول لا تتفق مع أعراق أخرى تسكن بلادي ربحت المعركة عندما أولى علي العقل أنني كردي ولن أفرط بأي مطلب من مطالب جلدتي الذين عانوا الأمرين في حقبة أقل ما يقال عنها أنها استبدادية بكل ما للكلمة من معنى لكن سوريتي هي الأولى و هي من ستجلب لي كل تلك المطالب و كم كان الفرح بأمثاله عندما رأيت أحرار كفرنبل تحمل عني ما عجزت عن إفصاحه و قبلها كل السوريين في جمعة كانت لها نكهتها عندما اختلطت حناجر الحرية بحناجر آزادي
أين ذهبت تلك الجمع ؟ … أين هي الأصوات التي نادت ( واحد واحد واحد …. الشعب السوري واحد )
لا بد و أنها اختبأت مثلي و مثل الكثيرين الذين لا يروق لهم إراقة دم السوريين … الذين يدافعون عن معان جديدة للحياة …. الذين رفعوا أحلامهم الصغيرة بوجه الدبابات و الرصاص و القتل مقتنعين بأسلحتهم التي صنعوها في حلكة الليالي القاسية التي مروا بها
فاتركوا لنا أسلحتنا الصغيرة و الساذجة تلك لأننا صنعناها بأنفسنا فهي غالية على قلوبنا كما هي دماؤكم أيها السوريون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى