تسليح ثوار سوريا: ما هو الدرس الذي تعلمته واشنطن؟/ حسين عبد الحسين
إذا كان القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” عذرا أعلنته موسكو لدعم الرئيس السوري بشار الأسد وشنّ حرب ضد معارضيه، فالحرب نفسها ضد “داعش” هي العذر الذي تتخذه واشنطن لدعم معارضي الأسد ودعم صمودهم في وجه نظام الأسد وروسيا.
أما الفارق بين التدخلين الروسي والأميركي، فيكمن في انه في وقت تعتقد موسكو أن بإمكانها وحليفها الأسد حسم الصراع عسكريا وتحقيق النصر المؤكد، لا تعتقد واشنطن – ربما بسبب تجربة حرب العراق – انه لا يمكن لأي طرف في سوريا، لا الأسد وبوتين ولا المعارضة وحلفاءها الدوليين، اكتساح الآخر، بل ان الحل يأتي عندما يتأكد الطرفان ان الحسم متعذر، وان المخرج الوحيد هو التسوية السياسية. حتى القضاء على “داعش”، من وجهة النظر الأميركية، متعذر قبل تحقيق تسوية تسمح للسوريين بالوقوف متحدين ضد هذا التنظيم.
تسليح أميركا للمعرضين السوريين، باستثناء “جبهة النصرة”، هو اعتراف متأخر من الرئيس باراك أوباما بفشل سياسته السابقة المتمسكة بعدم تسليح المعارضة، وعلى تجنيد افراد لتشكيل قوة سورية خفيفة تقف في وجه “داعش” وتستعيد بعض المناطق منه. اما الاعتراف بالفشل، فجاء على لسان نائب المبعوث الى التحالف الدولي للحرب ضد “داعش” بريت ماكغيرك، الذي قال: “اعتقد اننا تعلمنا، على مدى السنة الماضية، اننا كلما كنّا مستعدين للتكيف، وكلما سعينا لاقتناص الفرص عندما تلوح لنا، كلما أمكننا ان نكون فعّالين أكثر”.
تصريح المسؤول الأميركي جاء اثناء حوار مع صحافيين في العاصمة الأميركية شارك فيه نائب مستشارة الامن القومي بن رودز، ومساعدة وزير الدفاع كريستين وارموث، وهو تصريح يظهر ان القيمين على السياسة الخارجية في إدارة أوباما هم من حديثي العهد ممن يتعلمون عن طريق التجربة، فماكغيرك، الذي سبق ان عمل ديبلوماسياً في العراق وهو سيخلف الجنرال جون آلن كمبعوث رئاسي الى التحالف ضد “داعش”، لا يبدو انه استمع الى تصريحات رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي في الكونغرس، قبل عام، حول خطته للحرب لاستعادة الموصل. وقتذاك، قال ديمبسي إن تجنيد قوات سنية من عشائر غربي العراق هو حجر الأساس في خطة الحرب، وان الفشل في ذلك “سيعيدنا الى سبّورة الرسم”.
ولو كانت إدارة أوباما استمعت لما قاله رئيس اركان جيشها، لما أطل ماكغيرك للحديث عما تعلمته الإدارة على مدى العام الماضي، ولما قالت وارموث، في اللقاء نفسه، “اننا نسعى للبناء على ما اثبت فعاليته، وان نتعلم من الأمور الصعبة التي واجهتنا”.
في لقاء واحد، كرر المسؤولون الثلاثة الحديث عن درس “تعلموه” في سوريا، ومفاده ان لا جدوى لأي خطة لا تقترن بحلفاء من المقاتلين المحليين على الأرض. وضرب المسؤولون الاميركيون مثال القتال الكردي ضد “داعش” في كوباني، ونجاح القوات الكردية والعربية – المسلمة والمسيحية – في استعادة الأراضي السورية شرق الفرات من سيطرة التنظيم.
هكذا، تحاول واشنطن، حسب رودز ووارموث وماكغيرك، تسليح قادة الفصائل السورية ممن عملت معهم أميركا وحلفاها على مدى الأعوام الماضية.
السلاح الأميركي سيكون “هجومياً”، حسب وارموث، لكنه لن يتضمن صواريخ “مانباد” المحمولة على الكتف والمضادة للطائرات. لكن أميركا لن تمنع بالضرورة آخرين من تزويد الثوار بـ”مانباد”. كذلك، ستمنح أميركا غطاء جوياً لهذه الفصائل في قتالها ضد “داعش”.
وعلى الرغم من تكرار المسؤولين الاميركيين الثلاثة ان تفويض الكونغرس ينحصر بتمويل “تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة” ضد “داعش”، الا ان رودز “بق البحصة” بقوله “ان أحد الأسباب لدعم تشكيلات مختلفة من المعارضة في سوريا هو قتال داعش، لكن سبباً آخر هو التأكيد ان هناك فصائل معارضة ذات مصداقية في البلاد يمكنها ان تكون جزء من الانتقال الذي يؤدي لاستقرار أكبر”.
لقد أراد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التدخل عسكرياً في سوريا الى جانب الأسد لحسم القتال ضد المعارضة، وهو تدخل يبدو انه دفع أوباما الى دعم المعارضة لمنع الحسم الذي يسعى اليه بوتين والأسد. ربما كان أوباما لا يمانع ان يحسم الإيرانيون المعركة ويدخلون في تحالف أميركا، وتالياً في تسوية حول سوريا، لكن دخول بوتين خلط الأوراق، بما في ذلك أوراق أوباما وادارته تجاه سوريا وثوارها.
المدن