تشينو اتشيبي احد مؤسسي الرواية الافريقية الحديثة يرحل تاركا وراءه ‘ اشياء تتداعى’
ابراهيم درويش
تشينو اتشيبي الروائي النيجيري1930ـ2013 الذي توفي يوم الخميس في مدينة بوسطن حيث يعيش منذ فترة، كان صوتا مهما في الرواية الافريقية في مرحلة ما بعد الاستعمار، وذهب بعضهم ليعده الاب الحقيقي للرواية الافريقية الناطقة باللغة الانكليزية، وعلى الرغم من اهميته في السرد الروائي فلم يكتب سوى خمس روايات واعمال نثرية اخرى تضم انثولوجي عن الادب والشعر الافريقي الحديث ودراسات ادبية ومحاضرات وكتب اطفال ومذكرات سياسية.
وكان اتشيبي شاعرا وكاتب مقالات وسياسيا اسهم في الحركة الانفصالية كسفير لجمهورية بيافارا اثناء 1966-1970. وقد توقعت احدى رواياته ‘رجل الشعب’ (1966) الانقلاب العسكري الذي انهى الحكم المدني في نيجيريا. وظل ناقدا للنخبة التي وصفها بالمجموعة الابقة التي تتظاهر بان لديها صلة بالمقامات العليا وتقوم بتدمير بلده وتحويله الى ‘اقطاعية فوضوية ومفلسة’. قال هذا عندما رفض محاولة الدولة وللمرة الثانية تكريمه ومنحه اعلى وسام ‘وسام الجمهورية’ اعترافا بخدماته لنيجيريا والادب الافريقي، كانت المرة الاولى عام 2004 والثانية عام 2011. كان اخر كتب اتشيبي مذكراته عن دولة بيافارا ‘كانت هناك دولة’وسجل فيه علاقته بالدولة التي لم يعمر دستورها الذي كتب من اجلها طويلا، وعلاقته بصديقه كريستوفر ايكوبغو الذي رثاه بقصيدة مؤثرة بعد مقتله في تلك الحرب. ولعل الكتاب او المذكرات هذه هي الشهادة التي انتظرها قراء واتباع اتشيبي طويلا ومع ذلك فهو شاهد ‘ناقل’ للاحداث مع ان الاهم من ذلك في روايته هذه هي الجزء الاول من الكتاب الذي تحدث فيه عن طفولته وتربيته في بلده اوجيدي في شرق نيجيريا حيث تعيش اثنية الايبو التي ينتمي اليها. وفيها يتحدث عن والده الذي كان معلما ومبشرا مسيحيا كان من اوائل الذين اعتنقوا المسيحية في بلده وامه واخواته اللواتي تعلم وحفظ منهن التراث التقليدي للايبو الذي كان يموت تحت معاول الاستعمار والتبشير، مما خلق لديه نوعا من التمزق بين تربيته على الانجيل والثقافة الانكليزية في المدرسة التي كان يحظر عليه فيها الحديث بلغته الشفاهية ومعتقده الذي تبناه والده واصبح متحمسا له. وكان والده قد عمده باسم البرت تشينوالوموغو اتشيبي لكنه في وقت لاحق سيكتب في مذكراته انه ‘اضاع البرته’ مثلما اضاعت الملكة فيكتوريا ‘البرتها’، اي زوجها الذي توفي في مرحلة مبكرة وتركها لتبكيه. وقد تعامل مع قدره المتوزع بين ثفافته التقليدية او دين الاجداد ودين والده كجزء من المسؤولية التي جعلته يراقب كل منهما جاعلا مسافة بينهما، وهو ما ادى به الى نقل العالمين لكنه كان في النهاية متحيزا لثقافته التقليدية فيما اتخذ من اللغة الانكليزية التي حورها لكي تكون قادرة على حمل التجربة التقليدية وتناسب المحيط الافريقي وعاء لهذه التجربة. وقال في مذكراته ان موقفه منهما لم يكن انفصالا بل يشبه الخطوة للوراء التي يتخذها المشاهد الجيد للوحة كي يستمتع بها ويتعرف على موضوعاتها. مع التجربة التي حكاها اتشيبي وغيره من الكتاب الافارقة كان هناك هم الحفاظ على الهوية واللغة والثقافة التي كانت تتراجع تحت وقع الاستعمار المشغول بانشاء نخبة جديدة تقوم بمهامه ومبشرون يحاولون تدمير دين الاجداد والوثنية في المجتمع، حيث شجعت المدارس التبشيرية طلابها وكان اتشيي واحدا منهم، على التحلل من ثقافتهم بل وشجبها.
اختزان الحكايات
رغم كل هذا كان اتشيبي قادرا على اختزان الكثير من الامثال والحكايات الشعبية والاساطير التي تداولتها قبائل الايبو على مدار الزمن، وقد وصف جودتها وجدتها بالابدية مثل جدة السماء والغابات والانهار. وظل ينظر الى حياته على انها مقايضة بين ثقافات متنازعة، فقد تحدث عن نوعين من الموسيقى يعتملان في فكره موسيقى الحكايات التقليدية للايبو وموسيقى كلمات ديكنز. كما انه عاش تنازعا بين ثقافات دينية مختلفة فوالده المبشر الذي طاف بلاد الايبو مبشرا بالمسيحية كان من اوائل من اعتنقوا المسيحية وثقافة اجداده الاصلية. وفي مذكراته ‘كان هناك بلد’ اعترف اتشيبي بوجود هذا التنازع حيث قال ان مساره الادبي تأثر بالتوتر الديني المسيحي لوالديه والتقاليد الدينية المتراجعة لاجداده. وقال ان الخلاف بين والده وعمه الاكبر حول الدين ادى به للبحث عن ‘ جوهر ومعنى ورؤية كلا الدينين’. ومن هنا كان اتشيبي يرى نفسه جزءا من جيل تحمل مسؤولية تاريخية، ومنذ صغره اظهر اهتماما بالقراءة والكتابة لدرجة ان اصحابه اطلقواعليه اسم’ القاموس’. وفي المدرسة قرأ كل ما وقعت عليه يديه من الاداب الانكليزية، ديكنز وروبرت لويس ستيفنسون وجوناثان سويفت. عندما بلغ اتشيبي عمر الرابعة عشرة ارسلته عائلته الى المدرسة الحكومية في اوماهيا، وفي عام 1948 حصل على منحة دراسية لدراسة الطب في الجامعة التي ستعرف لاحقا باسم جامعة ابادان. وبعد عام قرر التحول من الطب للادب حيث شعر ان الكتابة تجذبه اكثر ولهذا سجل في دائرة اللغة والتاريخ والدين. مما يعني انه كان سيدرس المقرر الذي يدرسه الطلاب الانكليز في جامعاتهم اي شكسبير وديكنز وييتس وغيرهم من اساطين الادب الانكليزي. ولكن الاساتذة كانوا يحاولون تقديم الكتابات المكتوبة عن افريقيا بعيون غير افريقية اي استعمارية. وواحد من الاعمال التي قرأها في الجامعة وقدمت كتمثيل للادب الافريقي كانت رواية ‘السيد جونسون’ لجويس كاري، وهذا الكاتب بالذات ستحل عليه لعنة اتشيبي لاحقا. في اثناء المرحلة الجامعية كتب اتشيبي مع عدد من الكتاب الذين اصبحوا نجوما فيما بعد مثل وول شوينكا المقالات والقصص القصيرة في مجلة الجامعة. وقد حملت المحاولات الاولى الاسلوب الذي تميز به اتشيبي، الموقف البارد من الطبقة المتعلمة، البراعة في المقارنة، والتلذذ بالسخرية مستخدما اكثر من اسلوب، وطور اهتماما بالحياة الريفية النيجيرية، والتفاعل مع الثقافة الغربية والتركيز على ما اسماه التسامح في ثقافة الايبو.كل هذه الامور حاول بعد تخرجه تقديمها في عمل روائي ، فبعد تخرجه من الجامعة عام 1952 وعمله في هيئة الاذاعة النيجيرية قرر كتابة رواية ترد على رواية ‘كاري’ التي مدحها المثقفون الانكليز والاساتذة لكنها بدت له كعمل سطحي يقدم صورة سطحية عن افريقيا والشخصية الافريقية. وقال ان شهرة العمل دفعته ايضا للنظر اليه من الداخل. وما بداه كرواية قصيرة عن نيجيريا ومنطقته اثناء التوغل الاستعماري والتبشيري في القرن التاسع عشر انتهت بالاستقلال وما بعده وتحولت الى ثلاثية ‘اشياء تتداعى’ و ‘ليس مطمئنا’ و ‘سهم الله’.
احتفاء متواضع ومليون قارىء
ومن اهم اجزاء الثلاثية هو الاول الذي يعرف الثمانية مليون او اكثر ممن قرأوها (بيع منها 8 ملايين نسخة) العبارة الافتتاحية فيها ‘كانت شهرة اكونكوو ذائعة في كل القرى التسع وما بعدها’. واعتبرت الرواية ريادية ليس لانها الاولى التي يكتبها افريقي بلغة المضطهد بل لاسباب اخرى تتعلق بالموضوع والسرد واللغة التي قدمها ودافع عنها اتشيبي امام اتهام زملاء اخرون له منهم الكيني واثينغو نغوغي الذي توقف عن الكتابة باللغة الانكليزية واخذ يكتب بلغة الكيكويو. فقد طرحت الرواية اشكالية على المثقف الافريقي المتعلم بلغة المستعمر اي لغة يستخدمها وقد تحرر من مستعمره، ان اراد ان يوصل صوته للعالم. ولعل الاشكالية واضحة ايضا بالنسب للمثقف العربي الفرانكفوني. وقد اتم اتشيبي الراوية التي تتحدث عن الجريمة التي ارتكبها الاستعمار والتبشير بحق الثقافة التقليدية للايبو في شرق نيجيريا وهو في لندن ورفضت نشرها عدة دور نشر حتى قبلتها دار نشر هاينمان عام 1958، حيث نصح مستشار ثقافي لها بطباعتها عندما قال انه لم يقرأ عملا مثل هذا منذ الحرب العالمية، و طبعت منها الفي نسخة، ولم تحظ الرواية باحتفاء نقدي كبير حيث لم تكتب عنها صحيفة ‘نيويورك تايمز’ سوى 500 كلمة، ولكن الرواية ستنتشر وتصبح واحدة من اهم روايات القرن العشرين، واعتبرت بداية الادب الافريقي لمرحل ما بعد الاستعمار يكتبه ابناء القارة الافريقية. وفي قصة نشر الرواية ملمح تراجيدي مثل نهاية بطلها الذي شنق نفسه بعد ايقانه ان قبيلته تخلت عن رجولتها وفقدت حس المقاومة للغريب والاستعمار، واصبحت تماما مثل والده الذي وصف باجبالا اي الانثى لانه كان يحب الحياة الجميلة والشرب والتكسل. فعندما انهى اتشيبي كتابتها باليد ارسلها بالبريد لشركة للطباعة كي تنسخها على الالة الكاتبة، ولسبب رميت في مكان واهملت لاشهر قبل ان تكتشف. وتنبع اهمية ‘اشياء تتداعى’ عن انها عبرت عن رواية افريقية جديدة وجمعت بين تقاليد واساليب الادب الانكليزي والثقافة الشفاهية الافريقية. وقد كتب الباحث الافريقي كوامي انتوني ابيا معلقا على الرواية انه من الصعب الحديث عن الكيفية التي اثرت فيها رواية الاشياء تتداعى على الادب الافريقي لان سؤالا كهذا يشبه السؤال عن الكيفية التي اثر فيها شكسبير على الادباء الانكليز وبوشكين على الادب الروسي، فاتشيبي حسب ابيا لم يلعب فقط اللعبة بل خلقها. ولا بد من الاشارة ان فعل كتابة الرواية بالنسبة لاتشيبي كان نوعا من التطهر والتوبة ولهذا استعار عنوان راويته من بيت شعر من قصيدة ويليام ييتس ‘العودة الثانية’ ‘تتداعى الاشياء والمركز لا يقدر ان يمسك بزمام الاشياء’. وقال في عام 1998 في محاضرة له في جامعة هارفارد ان ‘الادب يساء خدمته عندما تتنهي رؤية الكاتب الادبية الى النمطية والحقد’، وكان في هذا يشير الى رواية ‘كاري’، حيث قال ان ‘النمطية تصبح ذنبا مزدوجا عندما يزعم هذا الادب وبغطرسة انه يقدم قصتك’. ومن هنا فالنظرة الساخرة في نهاية ‘اشياء تتداعى’ تبدو واضحة في وقوف الضابط الانكليزي وهو ينظر الى جسد المحارب اكونكوو معلقا على الشجرة حيث يطلب سكان القرية من المستعمر انزاله عنها لان المحارب ارتكب جرما بقتله نفسه واغضب آلهة القبيلة وعليه فلن ينال شرف الدفن الا عندما ينزله الغرباء عن الشجرة، ولكن الضابط كان يفكر في تلك اللحظة بكتابة كتاب لم يكن متأكدا من اسمه وربما كان عنوانه ‘قمع ثورة القبائل البدائية حول حول نهرالنيجر السفلي’. تظل رواية ‘اشياء تتداعى’ من احب الاعمال للنيجيريين والافارقة بشكل عام، حيث تدرس في المدارس الثانوية والجامعات، واعتبرها نيلسون مانديلا رفيقه في داخل جدران سجن روبن حيث قال ‘كان هناك كاتب اسمه تشينو اتشيبي الذي تحطمت برفقته جدران السجن’. ومدحت نادين غورديمر اصالة اتشيبي. وكانت غورديمر واحدة من الكتاب الافارقة الذي استفادوا من اتشيبي الذي عمل محررا لسلسلة كتاب افريقيا في دار هاينمان واصدر منها اكثر من مئة عنوان كان منهم ستيف بيكو المناضل الجنوب افريقي الذي قتلته اداة التمييز العنصري عام 1977. من اهم المقالات التي كتبها اتشيبي مقاله عام 1973 والذي انتقد فيه رواية جوزيف كونراد التي وصفها بالرواية العنصرية، حيث ادى كلامه بالحضور في جامعة ماساسوشيتس امهرست بالخروج من المحاضرة، وهي الجامعة التي عينته استاذا زائرا للادب الافريقي فيها. وفي المحاضرة التي حملت عنوان ‘ صورة افريقيا: العنصرية في رواية كونراد ‘قلب الظلمات” اتهم كونراد بتحويل افريقيا لساحة حرب ميتافيزقية خالية من الانسانية من اجل ان يقوم الاوروبي المتجول بادخال شروره.
عن الرواية
يرتبط اسم اتشيبي برواية ‘اشياء تتداعى’ على الرغم من ان بعض النقاد اعتبر روايته ‘سهم الله’ اهم انجازه والتي جاءت نتاج تحقيق قام به عن السياسات الاستعمارية، حيث قام بالبحث في قصة قسيس نيجيري رفض التعاون مع البريطانيين، وقد اعجبته قصة هذا القسيس وجعلها مركزا للرواية، فيما كان مركز روايته ‘لم يعد مطمئنا’ حفيد اكونكوو، وهو شاب مثالي يعمل في الحكومة عاد بعد انتهائه من الدراسة في انكلترا، حيث يجد ان راتبه لا يكفي لسد احتياجاته اليومية بسبب اسلوب الحياة الذي يعيشه مما يدفعه لاخذ الرشاوى. ومهما يكن فاشياء تتداعى تعتبر الاولى افريقيا على الاقل ضمن الراويات الناطقة بالانكليزية لان الرواية الناطقة بالفرنسية من الجزائر والسنغال ومالي عبرت عن ازمة الانسان الافريقي وابطالها كلهم كانوا يحاولون مساءلة الهوية وغالبيتهم مسلمون وعرب ويواجهون السياسات الاستعمارية. وفي العالم الناطق بالانكليزية في نيجيريا فقد سبقت محاولة اتشيبي رواية عاموس توتولا حيث تظل روايته هذه محلية الطابع ومكتوبة بانكليزية هجينة. مما يجعل رواية اتشيني ذات بعد وملمح اخر من اسلوبها، ويراه الكثير من نقاد اتشبي انجازا كون اللغة الانكليزية ليست لغته الام حيث بدأ بتعلمها وهو في سن الثامنة من عمره. وعليه فتجربته في دراسة اللغة الانكليزية اثرت على خياراته عندما قرر كتابة الرواية والتي جاءت بعد قراءة موسعة في الادب الانكليزي وذلك المكتوب عن افريقيا، ومن امثلته التي كانت موجودة امامه، كونراد وجويس وهيمنغواي الذي قال لاحقا ان كلها لم ترض رغبته ووعيه، وكتب لاحقا انه قرأ اثناء دراسته في الجامعة الكثير من الروايات المرعبة عن افريقيا، فبعضها اقلقه لعنصريته والاخر لنمطيته وروايات هيمنغواي لم تكن افريقية لان الافارقة كانوا جزءا منها.
لماذا اكتب
ومن هنا يجب النظر الى رواية اتشيبي على انها محاولة لمزج تقاليد ولغة الايبو وصبها في قالب انكليزي، لغويا انكليزي لكنه في المضمون والمحتوى افريقي النزعة. وهناك جانب اخر، هو ان اتشيبي في ‘اشياء تتداعى’ وغيرها كان مدفوعا بدافع اخلاقي او ما اشار اليه وول شوينكا بالرؤية الاجتماعية. فقد كان اتشيبي يتحدث عن مهمة الكاتب وهدفه وعن مسؤولية الكاتب تجاه مجتمعه حيث قال ‘ عندما تفهم الطريقة التي نظم فيها العالم عليك بالتساؤل، لماذا اكتب القصص في هذا الوضع ولمن اكتبها، وما فائدة كل هذا؟’ وكانت اجابة اتشيبي دائما انه يرغب مساعدة ابناء شعبه الايبو والنيجيريين والافارقة بشكل عام لفهم الجذور التاريخية و ‘اللحظة’ التي قادت الى فقدانهم المبادرة وتركها للمستعمر. ومن هنا فقد كان التاريخ- على الاقل تاريخ الايبو- النقطة التي اراد من خلالها بناء الوعي التاريخي لابناء جلدته، ولعل قراءة رواية اتشيبي قد تقود الى اجراء مقارنة بين احداثها والوقائع التاريخية التي لا تنفصم عن تاريخ العائلة الا ان اتشيبي مزج هذه الوقائع في مزيج من العالم الميثولوجي والفلسفي للايبو والتكوين الاجتماعي للقرى السبع والثيولوجيا الدينية للقبائل الوثنية، وقدم لنا بطلا مترددا مسكونا بالخوف من ان يخسر نفسه كما خسر والده نفسه بسبب كسله وحبه للشرب والحياة. اكونكوو بطل، مصارع ظل يخشى من سوء الحظ فجاءه عندما نفي سبعة اعوام من بلدته الى بلدة امه بسبب قتله خطأ ولدا ببندقيته، وخسر جزءا من روحه عندما قتل ولدا احبه بخفية واعتبره حارس لولده الذي لم يكن يسير حسبما يريد. في غفلة من الزمن يصبح ابنه مسيحيا ومبشرا،ولم يتبق له الا ابنته التي كان يتمنى لو كانت رجلا لانها الاقدر على فهم نوازعه من بقية ابنائه وزوجاته. وعندما يعود الى بلدته كان يرغب بالعودة كمحارب يحسب الناس له حساب لكنه لم يكن يعرف ان الزمن تغير فالرجل الابيض جاء وتغيرت احوال القرية ولم يعد الناس يؤمنون بقيم الاجداد.وحتى عندما سجن مع بقية رجالات القرية فقد حلم بالانتقام لما تعرض اليه من تعذيب لكنه البطل الفردي وقف وحيدا في ساحة الاحتجاج واصبح قاتلا ولانه لم يكن يريد العودة لحياة المنفى قتل نفسه. عندما يقدم لنا اتشيبي تاريخ اكونكوو فانه يقدم معه ملامح واشكال الحياة الاجتماعية للايبو وهذا وان كان مهما ومثيرا لنا كقراء لكن الاهم من ذلك هي الطريقة التي اعاد فيها الكاتب خلق الحياة الرعوية لهذا المجتمع. فما فعله الكاتب هنا انه جعل من الرواية التي هي مخلوق اوروبي وعاء لتجربة محلية اخرى. ومن هنا تكمن اهمية اتشيبي الذي اعترفت توني موريسون، انه كان معلمها. وحضوره العالمي وان لم يصل لدرجة ماركيز الا انه تأثيره واضح على الادباء الافارقة الجدد. اخر رواية لاتشيبي كانت ‘بيوت النمل في السافنا’ (1987). وحاز عليها جائزة بوكر البريطانية. وعلل اتشيبي انقطاعه عن الرواية بسبب حادث السيارة الذي تعرض له عام 1990 واصابه بشلل نصفي، واضطره للهجرة امريكا كي يكون قريبا من العلاج حيث وجد في البعد عن البلاد سببا في انقطاعه عن الكتابة الروائية. على الرغم من اهميته الروائية لافريقيا لم ينل اتشيبي جائزة نوبل كمواطنه وول شوينكا، ولكنه فاز في عام 2007 بجائزة مان بوكر الدولية اعترافا بجهوده الروائية، عاش اخر حياته في امريكا حيث قضى وقتا في كلية بارد في نيويورك التي بنيت له فيها بيتا صغيرا ثم انتقل للتدريس في جامعة براون بوسطن عام 2009 كاستاذ للاداب واللغات. ونال اكثر من 30 شهادة دكتوراة فخرية. في النهاية تذكرنا تجربة اتشيبي مع ‘اشياء تتداعى’ بمقولة تي اس اليوت ‘ على الرغم من السهولة بمكان على الكاتب ان يكون محليا بدون ان يكون عالميا، اشك في ان يصبح الشاعر او الروائي عالميا بدون ان يكون محليا ايضا. ‘
القدس العربي