تصورات متداولة.. رحيل الأسد مقابل بقاء حكم الطائفة العلوية!
صالح القلاب
الألاعيب ذاتها والمناورات نفسها، وكأنك «يا أبا زيد ما غزيت»، إذ إن ما حصل مع المراقبين العرب ها هو يتكرر مع طليعة المراقبين الدوليين الذين استقبلوا – وهم في طريقهم إلى دمشق – بتكثيف القصف على مدينة حمص وإشعال بؤر التوتر جميعها ومواصلة عزف مقطوعة «المجموعات الإرهابية» إياها والقول إن القوات السورية «الباسلة»!! سوف تمنع هذه المجموعات من الاستمرار باعتداءاتها، ومع كل هذا فقد أظهر الجيش الحر التزاما شديدا بوقف إطلاق النار المتفق عليه بموجب بنود خطة كوفي أنان رغم استمرار جيش النظام و«شبيحته» بعملياتهم العسكرية السابقة ولكن بوتيرة عالية.
في اليوم الذي وصلت فيه طليعة المراقبين الدوليين إلى العاصمة السورية، أي مساء يوم الأحد الماضي، سقط 28 قتيلا من أبناء الشعب السوري، غالبيتهم في حمص وفي درعا، وكذلك وكبداية لإغراق مهمة كوفي أنان في التفصيلات الثانوية، فقد بادر الناطقون الرسميون باسم نظام بشار الأسد إلى قول ما كانوا قالوه في بداية مهمة المراقبين العرب، وهو أن سوريا لا تضمن سلامة هؤلاء المراقبين الدوليين، وأنها تريد معرفة مسبقة بالدول التي ينتمون إليها، وأنها لن تسمح لهم بالانتقال من مكان إلى مكان آخر وزيارة أي موقع من دون التنسيق مع الجهات السورية الأمنية المعنية.
وهكذا، فإن ما استقبل به نظام بشار طليعة المراقبين الدوليين من تأكيدات على عدم وقف العمليات العسكرية مع من يسميهم «المجموعات الإرهابية المسلحة» وعلى عدم ضمان سلامة هؤلاء المراقبين والإصرار على المعرفة المسبقة بأسماء الدول التي ينتمون إليها، يدل على أن هذا النظام مستمر في ألاعيبه ومناوراته السابقة، وأنه عازم على إفشال هذه المبادرة الدولية، كما كان أفشل المبادرة العربية، وأنه مصر على المضي بالحلول الأمنية والعسكرية حتى النهاية.
ثم وفي هذا السياق ذاته، فإن المؤكد أن روسيا تنصب ومنذ الآن «كمينا» للاجتماع الدولي، الذي تقرر عقده في الأسبوع المقبل لإصدار قرار جديد بإرسال ما تبقى من المراقبين بحيث يصبح العدد الكلي 250 مراقبا، وبحيث تثار مهمة هؤلاء المراقبين مرة أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لجنسياتهم ولضمان سلامتهم وضرورة تنسيقهم المسبق مع الأجهزة الأمنية المعنية بخصوص تنقلهم في الأراضي والمناطق السورية.
وكل هذا، واستنادا إلى كل هذه الحجج واعتمادا على المناورات والألاعيب التي أفشلت وأجهضت المبادرة العربية قبل أن تحقق ولو خطوة واحدة، فإنه غير متوقع وعلى الإطلاق أن يلتزم نظام بشار الأسد حتى بالبند الأول من خطة كوفي أنان، الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار وسحب القوات النظامية إلى معسكراتها التي كانت ترابط فيها قبل انفجار هذه في مارس (آذار) من العام الماضي، والمعروف أن هذا البند كان يجب أن يتم تنفيذه في العاشر من هذا الشهر وقد مددت هذه المهلة لإعطاء فرصة لحسن النيات حتى الثاني عشر منه، لكن أي شيء لم يحصل، والمؤكد أن أي شيء بالنسبة لهذا الأمر لن يحصل، لأن هذا النظام كان قد اتخذ قرارا منذ البدايات باستبعاد أي حل سلمي لا يحقق له عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل بداية هذه الانتفاضة الشعبية.
وهنا فإن ما يشير إلى أن مصيرا كمصير المبادرة العربية ينتظر مهمة المبعوث العربي الدولي كوفي أنان هو أن كل مندوبي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، باستثناء مندوبي روسيا والصين، قد أعربوا عن اعتقاد يصل إلى حدود اليقين بأن النظام السوري سيفشل هذه المهمة، وأنه مصر على المضي بقتل شعبه حتى النهاية، وأنه لا يريد إصلاحا ولا تغييرا، وأنه سيواصل مناوراته وألاعيبه بالطرق السابقة ذاتها، مبتدئا كل هذا بإدخال مهمة المراقبين في دوامة لا نهاية لها من التفصيلات والاشتراطات لتكون نهايتها كنهاية مهمة المراقبين العرب البائسة المعروفة.
وإزاء هذا كله، فإن ما يجمع عليه بعض الذين لهم إطلالة قريبة على الأوضاع في سوريا هو أن هذه الأزمة التي باتت أزمة دولية وإقليمية ستبقى مفتوحة على شتى الاحتمالات، وإن من بين هذه الاحتمالات إما أن تتحرك تركيا بعد توفير غطاء عربي بالإمكانات المتاحة والمتوفرة لإنشاء المنطقة المحمية التي يجري الحديث عنها ولتحويل الجيش الحر إلى قوة عسكرية فاعلة هذا إذا توفرت إمكانية اللجوء إلى عمل عسكري جراحي من قبل حلف شمالي الأطلسي على اعتبار أن الدولة التركية التي تم الاعتداء على أراضيها من قبل جيش النظام السوري مرات عدة عضو فيه.
وهنا وقد وصلت الأمور إلى كل هذا الحجم من التعقيدات إقليميا ودوليا وفي سوريا نفسها فإن بعضا من كبار المسؤولين العرب السابقين الذين كانت تربطهم علاقات عمل وأيضا علاقات صداقة مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وكبار مساعديه، والذين بحكم هذه العلاقات لهم معرفة واسعة وبأدق التفاصيل بالشؤون الداخلية السورية لا يستبعدون أن يتقدم الآن خيار الانقلاب العسكري الإنقاذي الذي بقي متوقعا ومطروحا منذ بداية انفجار هذه الأزمة. ويقول هؤلاء إن كل هذه المماطلات التي تواجه بها خطة كوفي أنان تدل على أن الأمور باتت تفلت ولأول مرة من يد بشار الأسد، وأن القرار لم يعد قراره، وأن هناك من بين كبار جنرالات جيشه من باتوا ليس يفكرون فقط، بل ويعملون على التضحية به لضمان أن يبقى الحكم في يد الطائفة العلوية، وهذا ما كان أشار إليه رفعت الأسد، عم الرئيس الحالي، والذي يعيش في المنافي الأوروبية منذ عام 1984، في الآونة الأخيرة أكثر من مرة.
وحول ما كان من الممكن أن يكون صاحب الحظ الأوفر من بين كبار الجنرالات العلويين في حال الاتفاق نهائيا على التضحية بالرئيس السوري الحالي لقاء بقاء حكم الطائفة العلوية، قال مسؤول عربي سابق إنه سأل الجنرال مصطفى طلاس الذي كان وزيرا للدفاع عما حصل بعد وفاة الأسد الأب كي يتم تعديل الدستور السوري خلال دقائق والمجيء ببشار الأسد وعمره 34 عاما رئيسا لدولة عربية محورية وأساسية كسوريا، وذلك مع أنه لم يخضع للتهيئة التي خضع لها شقيقه باسل الذي توفي في حادث سيارة على طريق مطار دمشق الدولي كما هو معروف.
ووفقا لهذا المسؤول العربي السابق الكبير، فإن رد مصطفى طلاس على سؤاله كان بأن أشار إلى أنه استدعي على عجل، وأنه ذهب مسرعا إلى القصر الجمهوري ليفاجأ بأن حافظ الأسد الذي بقي يعاني من مرض عضال لسنوات طويلة قد توفي، وأن الجنرالات العلويين من قادة الفرق العسكرية كانوا يملأون ردهات القصر، وأن كل واحد منهم يطرح نفسه على أنه البديل الأحق للرئيس الراحل، ولذلك وتلافيا للصدام والاحتكام إلى الثكنات، فقد تم الاتفاق على الاستنجاد بـ«المجلس الملي» للطائفة العلوية الذي أشار إلى ضرورة اختيار بشار الأسد لأنه الأضعف من بين كل المرشحين والذين يرشحون أنفسهم لموقع رئاسة الجمهورية، وكذلك لأنه خلافا لما حصل لاحقا لا يشكل خطرا على تطلعات وطموحات أي من هؤلاء!!
والآن وإذا كانت هناك محاولات بالفعل للتضحية بالرئيس بشار الأسد من أجل ضمان عدم خروج الحكم من يد الطائفة العلوية، كما أشار إلى هذا رفعت الأسد وبصراحة أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، فإن السؤال الذي يجب ترك الإجابة عنه للأيام المقبلة التي قد تكون غير بعيدة هو: من سيكون يا ترى الرقم الثانوي والضعيف الذي سيرسو عليه الخيار هذه المرة من بين كبار الجنرالات العلويين؟ ثم وهل إن مثل هذا الحل المستغرب سيكون بموافقة عربية ودولية وبموافقة إيران وروسيا الاتحادية؟!
الشرق الأوسط