تصوّر المجلس الوطني السوري بشأن التدخل العسكري الخارجي الذي قدمه إلى كلينتون
نص التصور الذي قدمه المجلس الوطني السوري المعارض الى وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون للتدخل العسكري الخارجي في سورية لحماية المدنيين، وذلك خلال اجتماع بين الطرفين عقد في سويسرا مطلع الشهر الجاري وحضره خصوصا رئيس المجلس برهان غليون.
ويتضمن التصور المؤلف من 15 صفحة فوسلكاب باللغة الانكليزية كافة الجوانب المحيطة بتدخل من هذا النوع، بدءا بالسند القانوني الذي يرتكز الى ميثاق الامم المتحدة، والى تجارب تدخل سابقة حصلت بقرار من مجلس الأمن يجيز التدخل، او من دونه، مفضلا من بين الخيارات اقامة “منطقة امنة” لحماية المدنيين في منطقة جسر الشغور القريبة من الحدود التركية ومن ساحل البحر الأبيض المتوسط، على أن تكون تلك المنطقة بمثابة “بنغازي – سورية”.
في الآتي ترجمة بتصرف للتصور الذي يشمل ايضا المخاطر المحتملة التي يمكن ان يواجهها التدخل، سواء كانت من الاسلحة التي يملكها النظام نفسه والتي يستعرضها التصور بالتفصيل او من تدخل حلفاء مثل “حزب الله” وايران، او من عناصر جهادية سلفية، او حتى من مجرمين يجرى تسريحهم من السجون:
السند القانوني
بالنسبة للسند القانوني للتدخل العسكري يقول المجلس الوطني ان الطريق الأوضح لذلك هو قرار من مجلس الأمن يدين الرئيس السوري بشار الاسد، ويفرض عقوبات على سورية ويحيل افراد النظام الرئيسيين الى المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، ويطلب مساعدة عسكرية دولية لحماية الشعب السوري.
مع ذلك، يمكن استخدام قرار يكتفي ببساطة بادانة الاسد للتدخل. ومثل هذا الامر كان مبرر عملية توفير الأمل التي بدأت في 1991 لتوفير الحماية العسكرية والمساعدات الانسانية للاكراد في شمال العراق. جرى هذا الامر من دون ان يجيز قرار مجلس الأمن 688 تحديدا التدخل العسكري. وفسر الغرب وتركيا دعوة القرار الدول الاعضاء “الى المساهمة في جهود الاغاثة” بانه اجازة لنشر قوات برية وطائرات من داخل حدود تركيا. وبعد هذه العملية تم انشاء منطقتي الحظر الجوي في شمال وجنوب العراق.
فبسبب الخوف من تغيير وجهة المهمة، فشل طريق مجلس الأمن في سورية حتى الان، كما اشارت احدث محاولة في اكتوبر 2011 حين استخدمت روسيا والصين حق الفيتو لاسقاط مشروع قرار مخفف كثيرا، يلوح فقط بفرض عقوبات. روسيا بالذات كانت اكثر تعبيرا عن معارضتها العقوبات، ومعارضة اشد للتدخل العسكري. وعبر عن ذلك وزير خارجيتها سيرغي لافروف بالقول انه “ليس في مصلحة احد ارسال رسائل للمعارضات في سورية واماكن اخرى، بانكم اذا رفضتم العروض المعقولة، فاننا سنأتي لمساعدتكم كما فعلنا في ليبيا”.
ورغم انه كان هناك افتراض بانه اذا أقدمت الجامعة العربية على لفظ نظام الاسد، فان روسيا والصين ستقتنعان بفرض نوع من الرقابة والعقوبات على النظام، فان ايا من الدولتين لم تظهر اي رغبة في التراجع (في الواقع روسيا زادت عدائيتها لاتخاذ قرار في مجلس الأمن بعد تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية وفرض عقوبات عربية عليها)، وظلت ترسل اسلحة الى النظام السوري.
احدى الطرق النظرية لإطلاق تدخل عسكري من دون قرار من مجلس الأمن، هو قيام الجمعية العامة للامم المتحدة بتفعيل قرار “التوحد من اجل السلام” (377 أ) وهو تدبير أقيم لتجاوز انسداد مستمر في مجلس الامن. مع ان هذا القرار لم يفعل الا نادرا ولا ضمانة بنجاحه، فانه تم تفعيله في العام 1950 ضمن ما سمي بخطة ايكسون على اسم وزير الخارجية الاميركي في حينه دين ايكسون. وفي هذه الحالة اجازت الخطة “اجراءات جماعية بما في ذلك استخدام القوة العسكرية” في الحرب الكورية، رغم الفيتو السوفياتي المتكرر حينها في مجلس الامن. ويمكن الدعوة الى جلسة خاصة طارئة للجمعية العامة للامم المتحدة من خلال تصويت اجرائي في مجلس الامن او في غضون 24 ساعة من طلب غالبية الاعضاء في الجمعية من الأمين العام للامم المتحدة عقد جلسة كهذه.
الصعوبة امام مثل هذا الخيار هي اقناع غالبية اعضاء الجمعية العامة بدعمه وهي فرضية تبدو بعيدة من دون عمل حثيث من الجامعة العربية اومنظمة التعاون الاسلامي التي تضم 57 دولة.
احد الأسس الاخرى للتدخل العسكري بغير قرار من مجلس الامن، هو تفعيل معقول لبند الدفاع عن النفس الوارد في المادة 51 من الميثاق وفق الآتي: “لا شيء في الميثاق الحالي يعوق الحق الطبيعي في الدفاع الفردي او الجماعي عن النفس اذا وقع هجوم عسكري ضد احدى الدول الاعضاء في الامم المتحدة”.
في حالة سورية هناك طريقتان لتفعيل هذا البند، الاولى هي تقديم قوى خارجية عريضة بان الحملة السورية والانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان المرتكبة من قبل النظام السوري تشكل خطرا كبيرا على السلام والاستقرار الاقليميين (تصاعد ازمة اللاجئين السوريين وانزلاق البلاد الى حرب اهلية). يمكن لقوة خارجية ان تقوم بالمحافظة على السلام والاستقرار الاقليميين، على الا تضمر الضم او السيطرة السياسية.
تركيا لديها أقوى قضية في هذا المجال لكونها تستضيف نحو 10 آلاف لاجئ سوري وافراد قيادة “الجيش السوري الحر” الذي هو في حالة حرب فعلية مع نظام الاسد. فضلا عن ان الهجمات على السفارة والقنصليات التركية في سورية وحافلة الحجاج الاتراك يمكن اعتبارها اعمالا عدائية من نظام الاسد ضد دولة مجاورة.
واعتبر المجلس الوطني ان تركيا لم تنخرط بعد في اعمال مباشرة من “المعارضة النشطة” التي يمكن ان تهدد بقاء النظام في المدى القريب، غير ان ادانة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان العنيفة للاسد وانتهاكات قوات الاسد الجسيمة لحقوق الانسان، مؤشرات مشجعة على ان تركيا يمكن ان تتخذ خطوات اضافية لتسريع الانتقال من الديكتاتورية الى الديموقراطية.
الاساس الثاني لتفعيل المادة 51 يمكن ان يتمثل في اعتراف الدول الغربية بالمجلس الوطني كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وان يطلب المجلس حينها تدخلا عسكريا دوليا لدعم دفاع سورية عن نفسها، بعد اعتبار نظام الاسد نظاما غازيا وغير شرعي. الشرعة الدولية لحقوق الانسان تدعم بصلابة هذا الخيار. فدعوى نظام الاسد بالسيادة لا يمكن ان توفر حجة لارتكاب فظائع جماعية ضد السكان المدنيين ولا لحرمان المواطنين من حقوق الانسان الاساسية، كما هو مبين في الاعلان العالمي لحقوق الانسان. مسؤولية الحماية تنطبق بوضوح في هذه الحالة ويمكن تفعيلها كأساس لتدخل دولي كما حصل في ليبيا في العام 2011. وتوفر اجراءات مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة التي اتخذت لإدانة نظام الاسد مصداقية اضافية لهذا المسار.
منطقة سورية آمنة
منذ سقوط العاصمة الليبية طرابلس في قبضة الثوار، خصوصا في أعقاب إلقاء القبض على معمر القذافي وقتله، تصاعدت وتيرة الدعوات في داخل سورية إلى إقامة “منطقة حظر طيران”.
وتوضح صور نشطاء في داخل سوريا رافعين لافتات تطالب بتحليق طائرات حلف الناتو المقاتلة فوق دمشق، بل إن هناك حتى مجموعة تواصل اجتماعي عبر الإنترنت تحمل اسم (NATO4Syria) أي “الناتو من أجل سوريا”. ومع ذلك، فإن الدعوات المطالبة بفرض منطقة حظر جوي تنطوي ضمنيا على شكل ما من أشكال الدعم العسكري، لكن ليس بالضرورة على نحو مشابه لما حصل في ليبيا. وحتى في الصحافة الغربية، فإن الإشارات إلى منطقة حظر جوي أو إلى “النموذج الليبي” تمر دون تدقيق من حيث قابلية تطبيقها على سورية، حتى رغم ان أي تدخل ممكن أو ذي مغزى في سورية قد يكون أمرا له طبيعته الفريدة من نوعها، فتركيا تعكف منذ شهر على دراسة فكرة فرض “منطقة عازلة” لكن دون أن يتمخض ذلك عن أي تأثير ملموس. لكن حتى لو سنحت لتركيا فرصة للتدخل في سورية، فإن تلك الفرصة كان ينبغي لها أن تظهر في منتصف يونيو الفائت عندما هرب نحو 10 آلاف لاجئ سوري من منطقة جسر الشغور إلى منطقة انطاكية، أو في أعقاب رعاية النظام السوري هجمات واعتداءات على السفارة التركية في دمشق وعلى قنصلياتها في حلب واللاذقية وعلى حجاج في مدينة حمص. لقد بات واضحا أن أنقرة لن تُقدم على شن عملية عسكرية أحادية الجانب ضد دولة مجاورة كانت حتى قبل أقل من عام واحد فقط تمتدحها باعتبارها شريكا تجاريا عظيما. والواقع ان تركيا لم تقم منفردة حتى الآن بتنفيذ أي تدخل انساني في سوريا كما انه ليس من المرجح لها أن تبدأ في تنفيذ تدخل من هذا النوع الآن.
وبناء على ما تقدم، فإن أي تدخل متعدد الأطراف على غرار عملية توفير الامل (وسواء كان ذلك التدخل تحت قيادة حلف الناتو أو تحت قيادة تحالف بريطاني – فرنسي – أميركي – تركي) سيكون الخيار الأكثر جدوى من بين خيارات التدخل العسكري في سورية.
أما في الوقت الراهن، فإن الخيار الأكثر قابلية للتحقيق هو انشاء «منطقة آمنة» في داخل الحدود السورية بهدف توفير ملاذ آمن للمدنيين الذين أنهكتهم العمليات العسكرية في شتى المدن والبلدات السورية، بحيث تكون تلك المنطقة الآمنة قاعدة عمليات للقيادة السياسية التي تختارها المعارضة السورية وكمركز للقيادة العسكرية ايضا. وبتعبير آخر، يجب أن تكون تلك المنطقة بمثابة «بنغازي – سورية». ومن دون وجود مثل هذه القاعدة الداخلية لحكومة انتقالية، فإن المعارضة السورية ستجد من الصعب جدا عليها أن تصوغ استراتيجية طويلة الأمد، ناهيك عن ان تضع تكتيكات قابلة للتطبيق في سبيل الإطاحة بالنظام الحاكم في دمشق. ذلك أن خلق مساحة مادية متماسكة لحرية الحركة في داخل سورية هو شرط مسبق ضروري لإطاحة النظام، حتى لو اقتصر الأمر على تسهيل التواصل بين المجلس الوطني السوري وبين الجيش السوري الحر، وكذلك بين صفوف المعارضة بشكل عام. وعلاوة على ذلك فإن المنطقة الآمنة ستؤوي مركزا للاتصالات المشفرة يشتمل على محطة اتصالات غير قابلة للاعتراض وعلى اشارات بث عبر الأقمار الاصطناعية لبث برامج تلفزيون وإذاعة “سورية الحرة” إلى بقية أرجاء الدولة.
وهنالك حاليا نافذة أمل مواتية لتحقيق هذا الخيار. فالجيش النظامي السوري بات منهكا بسبب انتشاره منذ فترة طويلة في مناطق حضرية وريفية متعددة في شتى أرجاء الدولة. ولقد انخفضت الروح المعنوية بين الجنود النظاميين بشكل حاد، كما ان هناك وهناً مضطردا في قدرة النظام الحاكم على توفير الدعم اللوجيستي للوحدات (العسكرية) باستثناء القوات الخاصة وميليشيات الشبيحة. وبالنسبة إلى المخاطر المرتبطة بالخيار الأكثر تماسكا – وهو شن حملة جوية بالتزامن مع عملية برية محدودة – فإن احتمالاتها تنحسر جزئيا في ضوء الوهن النسبي الذي اعترى قوات الاسد النظامية وموارده العسكرية. والواقع ان منح النظام السوري وقتا اضافيا لإعادة تنظيم صفوفه والبحث عن وسائل بديلة لتدعيم موارده لن يسهم سوى في تعزيز المخاطر التي قد تنجم عن أي تدخل مستقبلي.
ورغم انه من غير الممكن (حالياً) تحديد حجم أو كم التأثير النفسي والاستراتيجي الذي يمكن أن ينشأ عن خلق منطقة آمنة، فإنه لا ينبغي استبعاد ذلك الخيار أو التقليل من شأنه. فهذا الأمر سيسهم في تعزيز الروح المعنوية لدى النشطاء (المعارضين) إذ انهم سيعلمون عندئذ ان جزءا من سورية قد تم تحريره على نحو غير قابل للتغيير، وهو ما سيكون تأثيره كبيرا (في نفوسهم) على الأرجح، لاسيما في ضوء الحقيقة التي مفادها أنه بعد مرور 9 أشهر من مواجهة الوحشية والقمع الدموي مازال أولئك الناشطون يتظاهرون يوميا. ولأسباب مشابهة، فإنه من المرجح لمعدلات الانشقاق عن صفوف الجيش أن تتزايد إذا اكتشف الجنود ان لديهم خيار الانتقال إلى مركز قيادة ثورية (داخل حدود بلادهم) عوضا عن ان يضطروا الى الانتقال إلى المنفى في تركيا أو لبنان أو الأردن حيث يكتنف الغموض مصيرهم، ولأن سلاح الطيران السوري قد يحاول التصدي للطلعات الجوية (الخاصة بالتحالف) سعيا إلى عرقلة انشاء منطقة آمنة، فإنه سيكون ضروريا شن حملة جوية استباقية بهدف تحييد منظومات الدفاع الجوي الخاصة بالنظام السوري، وتحديدا في حلب واللاذقية وفي دمشق وما حولها.
وفي ضوء المعطيات الدينامية الموجودة على الأرض، فإن أفضل موقع لإنشاء منطقة آمنة هو في محافظة إدلب وتحديدا في منطقة جسر الشغور القريبة من الحدود التركية ومن ساحل البحر الأبيض المتوسط. ذلك أنه ليس فقط لأن تلك المنطقة يوجد بها فعليا العدد الأكبر من الجنود المنشقين عن الجيش السوري، بل ايضا لأن الدمار الهائل الذي خلّفته عمليات عسكرية من جانب قوات النظام في جسر الشغور في يونيو الفائت أدى إلى رفع مستوى المشاعر المعادية للأسد في تلك المحافظة. وعلاوة على ذلك، فإن منطقة جسر الشغور محصورة بين منطقتين جبليتين مع وجود واد يمتد شمالا إلى داخل الأراضي التركية وجنوبا إلى بقية الأراضي السورية، وهو الأمر الذي سيجعل من الصعب على النظام السوري أن يشن هجمات برية سواء من جهة الشرق أو الغرب (ولقد كان هذا واحدا من أسباب استخدام طائرات مروحية هجومية ضد منطقة جسر الشغور في يونيو الفائت). وهكذا فإن ممر الامدادات الممتد من تركيا إلى داخل منطقة جسر الشغور سيستفيد من طبيعة التضاريس السورية.
ويمكن شن ضربة جوية من جانب طائرات أميركية وبريطانية وتركية في ظل تسهيلات توفرها طائرات من كل من الامارات وقطر والأردن، وهي الدول التي شاركت جميعا في تطبيق منطقة حظر الطيران على ليبيا. ومن الممكن للقوات الأميركية الخاصة والقوات الجوية الخاصة والقوات الخاصة التركية والقطرية أن تنسق على الأرض مع الجنود السوريين المنشقين سعيا إلى إنشاء محيط حول مساحة 11 كيلومترا مربعا في منطقة جسر الشغور. ومن الممكن اجراء عمليات تدريب الجنود السوريين المنشقين الجدد في قاعدة انجرليك الجوية التركية أو في أي قواعد عسكرية أخرى في المنطقة أو حتى في قاعدة موقتة تقام في منطقة آمنة منفصلة.
ان واحدا من بين المحفزات المشجعة على شن حملة جوية تمهيدية بهدف تأمين منطقة آمنة يتمثل في الضعف والوهن المثبت الذي يعتري منظومات الدفاع الجوي السوري. ففي العام 2007، استطاع سلاح الطيران الإسرائيلي بكل سهولة أن يقصف المنشأة النووية السورية المشتبهة في دير الزور، وذلك بأن قام الإسرائيليون أولاً بالتشويش على رادارات النظام السوري لإيهامها بأنه لا توجد طائرات في السماء ثم خلقوا لدى الرادارات انطباعا وهميا يوحي بوجود مئات من الطائرات المنتشرة في المجال الجوي السوري. وتمتلك الولايات المتحدة تكنولوجيا مشابهة لذلك. وباختصار، فإنه في ظل وجود دعم متعدد الأطراف وتنسيق مع وحدات الثوار المنشقين على الأرض، فإنه يمكن لحملة جوية أن تكون حاسمة استراتيجيا.
ومثلما كانت الحال في عملية توفير الامل فإن لوجيستيات شن هجوم جوي يمكن التنسيق بشأنها من قاعدة انجرليك الجوية التي تعتبر القاعدة الاقليمية الجنوبية الرئيسية لحلف الناتو، وهي تؤوي حاليا مئات من العناصر الأميركية والبريطانية والتركية كما ان الولايات المتحدة استخدمتها كمركز لإدارة العمليات العسكرية في العراق، وبالاضافة الى ذلك فإن الاسطول السادس الاميركي متمركز في مدينة نابولي الايطالية الى جانب ان مناطق القواعد السيادية البريطانية في قبرص يوجد بها امكانات اكثر من كافية لتطبيق حصار بحري على سورية مع التصدي في الوقت ذاته لأي عمليات هجومية بحرية سورية، وعلى الرغم من التموضع (البحري) الروسي في البحر الابيض المتوسط، فإنه من المستبعد جدا إقدام الكرملين على الاشتباك مباشرة مع سفن حربية اميركية او بريطانية.
ان خلق منطقة محمية دوليا على ارض مقسمة في سورية هو في واقع الأمر شكل من اشكال التدخل العسكري. وكمسألة تضفي الشرعية يتعين وجود مشاركة عربية او تركية في عملية خلق ونجاح منطقة آمنة او مقسمة لكن الأمر سيتطلب وجود الخبرة التقنية الى جانب خبرات القوى الغربية الكبرى.
مخاطر التدخل
إن أي حملة عسكرية تنطوي على مخاطر الى جانب التسبب في خسائر بشرية، لكن تلك المخاطر تزداد بشكل خاص عند التدخل في دولة مهمة استراتيجيا في منطقة الشرق الاوسط، فتهديدات النظام بإشعال حرب اقليمية (مثلما ألمح الأسد) وخلق افغانستان اخرى، لا تهدف فقط الى تثبيط وردع التدخل بل انها تعكس ايضا سيناريوات ذات مصداقية لحدوث زعزعة في الاستقرار الاقليمي من خلال استخدام تسليمات تقليدية او ارهابيين بالوكالة بالاضافة الى امكانية تزايد الانشطة الاجرامية والارهابية في داخل سورية.
أ- “حزب الله”
تشير تقارير الى ان سورية قد زودت “حزب الله” بثمانية صواريخ سكود D على الاقل يبلغ مدى كل واحد منها نحو 700 كيلومتر، وهي الصواريخ التي يمكن اطلاقها على اي هدف في السماء او على الارض في اطار حملة دفاعية تهدف الى حماية نظام الاسد، وتلك الصواريخ تتمتع بالدقة وفي حال اطلاقها من شمال لبنان فإنها تستطيع بسهولة ان تصيب اي منطقة في اسرائيل او الاردن بالاضافة الى اجزاء كبيرة من تركيا، وعلى الرغم من انه صحيح ان “حزب الله” قد بدأ فعليا في التخطيط لمرحلة ما بعد الأسد، فإنه لا يمكن استبعاد قدرته وحافزيته ازاء شن حرب بالوكالة – سواء بإيعاز من دمشق او طهران. فالعلاقة الارتباطية الاستراتيجية التي تسري من طهران عبر بيروت وصولا الى دمشق ستؤدي على الارجح الى رد فعل غير متماثل من جانب “حزب الله”، وهو رد الفعل الذي سينظمه ويوجهه نظام الاسد وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني.
والواقع ان “حزب الله” لن يحتاج حتى الى اطلاق الصواريخ، فالحدود السورية – اللبنانية هي نقطة وصول سهلة للمسلحين الذين ينهمرون عبرها من والى سورية، وهناك تقارير مفادها ان لاجئين سوريين يتم اختطافهم في وضح النهار من شوارع بيروت على ايدي عناصر امن سورية تتمكن من العودة متسللة بسهولة الى داخل الحدود السورية، وهي التقارير التي تعني ان لبنان سيصبح معرضا لخطر الانزلاق في صراع عسكري ثانوي (على هامش التدخل في سوريا).
لكن “حزب الله” ليس في وضع سياسي او عسكري يسمح له بأن يشن حملة عسكرية تقليدية ضد جيش غربي متدخل في سورية. فالحزب يواجه فعليا ضغوطا دولية متزايدة كي يسلم اربعة من عملائه الذين اتهمتهم المحكمة اللبنانية الخاصة بالضلوع في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في العام 2005. وعلاوة على ذلك فإن “حزب الله” لن يقدم على المجازفة بوضعه في الحكومة اللبنانية الراهنة كي يصبح عمليا الجيش الخلفي للأسد.
والارجح هو ان “حزب الله” سيحصر نفسه في مجال تنفيذ العمليات الارهابية او في مواصلة تسهيل الامور على النظام السوري من خلال ارسال مسلحين لبنانيين او تزويد النظام السوري بقناصة لإطلاق النار على الجنود السوريين النظاميين الذين يرفضون فتح النار على المدنيين العزل، ولهذا السبب فإن الحدود السورية – اللبنانية ستحتاج الى حراسة في نهاية المطاف، ومن المرجح ان يتم ذلك من خلال مجموعات من الجنود السوريين المنشقين المدربين، وذلك في ظل دعم لوجيستي من جانب الاستخبارات الغربية.
ب – الجماعات السلفية الجهادية
وفقا لما قاله السفير الاميركي لدى دمشق روبرت فورد، فإن اعداد الجهاديين السلفيين الذين يخدمون حاليا في صفوف الجيش السوري تصل الى العشرات وليس المئات، لكن في ظل الانسحاب الوشيك للقوات الاميركية من العراق بحلول 31 ديسمبر 2011، فإن هناك فرصة حقيقية لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين او اي جماعات سلفية جهادية اخرى كي تستغل الصراع في سورية – لا سيما في ظل انخراط اطراف غربية فيه.
لقد اثبت النظام السوري في الماضي انه على استعداد حاد لإبرام صفقات تحالفية مع عناصر تابعة لتنظيم القاعدة، وهي العناصر التي نشطت عبر الحدود الى داخل العراق، ومن المرجح للاستخبارات العسكرية السورية ان توفر المنطلق والتشجيع اللازمين لمثل هذه العناصر اما كاجراء انتقامي او بهدف تدعيم الرواية الدعائية الخاصة بالنظام السوري، وهي الرواية التي مفادها انه يقاتل ضد عناصر متطرفة وليس ضد ثورة شعبية، لذا فإن النظام السوري يستعد لتجيير قدرته في اتجاه زعزعة استقرار المنطقة بينما يعمل في الوقت ذاته على رعاية جماعات ارهابية تعمل عبر الحدود كأسلوب لابتزاز المجتمع الدولي وتثبيطه عن اتخاذ تحرك حاسم.
وهناك ايضا التهديد الذي تشكله جماعة انصار الإسلام، وهي جماعة سلفية جهادية محلية كان النظام السوري قد ارسلها الى العراق لقتل جنود قوات التحالف في منتصف العقد الاول من القرن الحادي والعشرين (في اعقاب سقوط بغداد) وعلى نحو مشابه لمؤامرة «يوليو المبارك» التي دبرها صدام حسين بهدف اطلاق موجة من الهجمات الارهابية ضد اهداف غربية في حال حدوث تدخل دولي في العراق، فإن جماعة انصار الاسلام – وبدعم من عناصر تابعة للاستخبارات العسكرية السورية – قد يتم تفعيلها وتنشيطها كي تقوم بتنفيذ تفجيرات انتحارية او هجمات بسيارات مفخخة ضد قوات الثوار في داخل سورية وضد اهداف غربية الخارج.
إلا ان زواج المصلحة هذا القائم منذ فترة طويلة بين جهاز الاستخبارات الخاصة التابع للأسد من جهة وبين جماعة تابعة لتنظيم القاعدة من جهة ثانية لا يسهم سوى في تأكيد الالحاحية الاستراتيجية لإسقاط نظام ديكتاتوري يستخدم الارهاب كأداة لممارسة الحكم.
لكن لا “حزب الله” ولا الجماعات السلفية الجهادية سيكون لها اي تأثير على العملية العسكرية الرامية الى خلق منطقة آمنة في داخل سورية بمحاذاة الحدود مع تركيا. وعوضا عن ذلك فإن الخطر الذي تشكله تلك العناصر يكمن في المراحل النهائية لسقوط النظام (السوري)، تلك العناصر سيصبح باستطاعتها عندئذ ان تسعى الى منع تطبيق القانون والنظام من خلال انشاء سلطة انتقالية ونستدعي الذاكرة هنا الدمار الذي نشره تنظيم القاعدة وغيره من العصابات الارهابية الطائفية في العراق بعد ان ادى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الى اسقاط صدام حسين.
إيران والعراق
تبقى ايران الحليف الاقليمي الاساسي للاسد. والاستخبارات الغربية تفترض ان قوة القدس التابعة للحرس الثوري الايراني تقدم المشورة للاسد في سبل قمع الانتفاضة منذ بدايتها. في المقابل هناك اشارات خفيفة مشجعة بان حكومة العراق تتخذ اجراءات ملائمة لتأمين الحدود مع سورية. ويجب على واشنطن استخدام نفوذها لدى الحكومة العراقية لتأمين الحدود بشكل اضافي اذا حصل تدخل عسكري في سورية.
ان المحور الذي يضم الاسد و”حزب الله” وقوة القدس يشير الى ان إضعاف وإسقاط الاسد قد يكون مرتبطا بالجهود لكبح النفوذ الايراني في المنطقة. وبعد تهديد ايران بقطع الامدادات لحركة “حماس” ان هي تخلت عن الاسد، يصبح لتغيير النظام السوري فائدة اخرى هي زعزعة العلاقة بين دمشق ووكلائها.
ورغم ان التدخل الايراني شديد الوطأة، الا انه من غير المرجح ان يخاطر القادة الايرانيون بتدخل عسكري في سورية في الوقت الذي تتعرض منشآتهم الاستخباراتية والعسكرية في ايران الى هجمات غامضة وقاتلة وتسعى طهران الى استخدام مصادرها لتجنب او الاستعداد لضربة كبيرة ضد برنامجها النووي.
ج – الاسلحة الكيميائية
النظام السوري لديه مخزون مؤكد من الاسلحة الكيميائية، وكانت هناك إشاعات عن استخدام غاز الاعصاب في حمص والرستن وتلبيسة والقصير. وافادت تقارير اعلامية حديثة ان السلطات اليونانية عثرت على نحو 14 الف بزة مضادة للاسلحة الكيميائية مصدرها كوريا الشمالية قد تكون او لا تكون متجهة الى سورية.
ان اي استخدام لمثل هذه الاسلحة ضد المدنيين او القوات المتدخلة يحول فورا قضية المنطقة الآمنة الى حالة للتدخل لتغيير النظام. واستخدام النظام العراقي هذه الاسلحة في العام 1991 يشير الى ان الانظمة الديكتاتورية تفعل ذلك ضمن خياراتها الاخيرة.
ومع ذلك ينبغي اضافة انه من دون قوات جوية او نظام صاروخي فاعل، وهي الامور التي سيتم تحييدها في المرحلة الاولى للتدخل، فان النظام سيجد صعوبة في استخدام اسلحته الكيميائية ضد اهدافه المفضلة.
د – صوارخ أرض – أرض:
صواريخ أرض أرض التابعة للنظام ستسهدف في مرحلة القصف الجوي في اطار فرض منطقة حظر طيران. الحملة الجوية الاولى ستشمل كل الاراضي السورية، كما ان مواقع اطلاق الصواريخ مع رؤوس حربية تبلغ نصف طن والمخصصة للاطلاق من مواقع ثابتة معروفة بدقة من اجهزة الاستخبارات الغربية ويمكن استهدافها بصواريخ دقيقة مشابهة لصواريخ “توماهوك”.
هـ – زعزعة الجولان/صراع مع إسرائيل
في محاولة لتحويل الاهتمام الدولي، استخدم نظام الاسد ذكرى النكبة والنكسة لتشجيع اللاجئين الفلسطينيين على محاولة اقتحام الحدود في الجولان حيث قتل عدد من الفلسطينيين برصاص الجيش الاسرائيلي او بانفجار ألغام. هناك اسباب قوية للافتراض بان النظام سيقوم بعمليات مماثلة في الجولان او من خلال شن هجوم بري او صاروخي ضد اسرائيل لاستدعاء رد فعل اسرائيلي وتحويل ازمة محلية الى ازمة عربية – إسرائيلية.
نظام الاسد يخطط ويعد لإدخال اسرائيل في النزاع الداخلي السوري لتحويل الاهتمام الدولي واضفاء شرعية على نظرية المؤامرة بان الانتفاضة السورية من صنع استخبارات غربية او “صهيونية”. هذه الفرضية كانت ممكنة في الاسابيع او الاشهر الاولى من الانتفاضة، لكن اخذها على محمل الجد بات احتمالا ضئيلا، بعد ما يقرب من سنة من الفظائع الموثقة، وعدد لا يحصى من شهادات شهود العيان، الذي يترافق مع تحول حاسم في الرأي العام العربي ضد الاسد وتعليق عضوية سورية في الجامعة وفرض عقوبات عربية عليها.
مع ذلك، ولتجنب تحويل الثورة السورية الى نزاع اقليمي كما يريد النظام، يتعين على الغرب اقناع اسرائيل بألا ترد اذا قام النظام باطلاق هجمات صاروخية عليها او تكرار استفزازها في الجولان.
الراي الكويتية