تطورات الموقف التركي –مجموعة مقالات-
أردوغان يواجه «داعش» والأكراد وأزمة الحكومة/ راغدة درغام
المشهد الأمني في تركيا بدأ يشبه ذلك الذي في الدول العربية التي تدوي الانفجارات في عواصمها ومدنها العريقة على وقع المشهد السياسي المرتبك. تركيا لن تتحول الى سورية التي تكاتف الجميع لتحويلها الى موقع استقطاب للإرهاب ولحياكة المصالح على أشلاء السوريين. لكن تركيا لن تتمكن ان تتسلطن على الشرق الأوسط بعد انحسار نفوذها لصالح إيران بقرار من الغرب والشرق معاً. فلروسيا علاقة متوترة مع تركيا ازدادت عدائية نتيجة الاختلاف الجذري بينهما حول المسألة السورية بأبعادها الإسلامية كما لأسبابها الاقتصادية التي تشمل مصالح الغاز وأنابيبه. وللولايات المتحدة صفحات أجواء فاترة في علاقاتها مع تركيا في السنوات الأخيرة تطوّرت قبل أسبوعين الى تفاهم أو اتفاق جديد بين واشنطن وأنقرة ما لبث أن عكّره مزيج من إفراط أنقرة بتفسيره بأنه يعطيها صلاحية الحرب على الأكراد، وفتح «داعش» جبهة ضد الرئيس رجب طيب أردوغان للإنتقام من إنقلاب أنقرة على التنظيم، وإصرار الرئيس التركي على صلاحيات مطلقة لإحياء العظمة العثمانية. أما عن العلاقات التركية مع الدول العربية، فإنها تتوقف حيناً عند تبني أردوغان «الاخوان المسلمين» في مصر ودول خليجية وكذلك في سورية، وتتلاقى حيناً آخر عند منعطفات الاحتياجات الاقليمية في مشهد موازين القوى الذي يزداد ثقلاً لصالح كل من إيران وإسرائيل.
الهجوم على قصر «دولمه باشا» في اسطنبول أول من أمس تزامن مع إصرار أردوغان على انتخابات مبكرة، وأتى في أعقاب هجوم على القنصلية الأميركية في اسطنبول قبل أسابيع، ورافقته خسارة الجيش التركي ثمانية عناصر في هجوم شنّه مسلحون أكراد. هذا الى جانب دعوة تنظيم «داعش» الأتراك للتمرد على رئيسهم «المُلحد» والدعوة الى غزوهم اسطنبول.
أردوغان أوقع نفسه في أكثر من ورطة ومأزق سياسياً وأمنياً، لكنه يبدو عازماً على المضي بما اتخذه من قرارات مهما حصل. فبعد فشل حليفه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في التوصل الى حكومة ائتلافية، رفض أردوغان اعطاء المعارضة فرصة تشكيل حكومة. وأصر على ما سمّي حكومة موقتة تشرف على انتخابات يقودها أوغلو تشارك فيها الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان رفضتها المعارضة. وأوضح عزمه إجراء انتخابات مبكرة إذا لم يتم التوصل الى اتفاق بحلول 23 من هذا الشهر، مما يعني اجراء الانتخابات أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) ودخول البلاد في حالة شلل وزعزعة للاإستقرار لفترة تولي الحكومة الموقتة مهامها علماً أنها تضم أحزاباً مختلفة فكرياً وسياسياً ودستورياً.
العراق وسورية ساحتان مهمتان لتركيا والرئيس أردوغان يلعب على الأوتار في هذين البلدين الجارين وعينه على إيران. الأجندة الإيرانية للعراق وسورية لا تتلاقى مع الأجندة التركية لا لناحية التنافس على النفوذ في هذين البلدين العربيين، ولا لناحية العلاقة مع الكرد سوى في توافقهما على عدم قيام الدولة الكردية، ولا لجهة تنظيم «داعش» وآليات سحقه أو تحجيمه.
دخلت تركيا طرفاً في التحالف الدولي ضد «داعش» في العراق وسورية الذي تقوده الولايات المتحدة وذلك بموجب الاتفاق الأميركي – التركي على فتح قاعدة «انجرليك» التركية أمام الطائرات الأميركية. دخولها التحالف الدولي بصفة الشريك الجديد أتى في أعقاب الاتفاق النووي بين ايران والدول الكبرى. رأت أنقرة أن طهران تنصب نفسها الحليف الميداني الفعلي للدول الكبرى، بالذات الولايات المتحدة، لتسوّق نفسها الشريك الموثوق به لسحق «داعش» واعيةً لتلك الأولوية للغرب وللشرق معاً. رأت أنقرة ان إيران تعاون الكرد عسكرياً في الحرب على «داعش» في العراق وتعزز نظام بشار الأسد في سورية بعنوان سحق «داعش» و «جبهة النصرة» وأية تنظيمات أخرى تشابههما. فارتأت أنقرة أن تفاهمها مع واشنطن ينافس جدياً كلاً من طهران والأكراد على موقع الشريك القادر ميدانياً على التأثير في مصير «داعش» واخواته.
ما حدث هو ان أردوغان اتخذ من الاتفاق مع واشنطن ذخيرة للإنصباب على الطوق الكردي لدرجة أنه اتُهّم بغض النظر عن أولوية محاربة «داعش» بل وتقاعس في مواجهة «داعش» في سورية. وهذا ما أثار ملامح الانزعاج الغربي وتمثل جزء منه بسحب بطاريات صواريخ «باتريوت» التي كانت الولايات المتحدة والمانيا نشرتاها على الحدود التركية الجنوبية.
الانزعاج من الاتفاق بين انقرة وواشنطن أتى من موسكو وطهران اللتين لهما أجندة متشابهة تكاد تكون متطابقة في سورية. فهما الحليفان للرئيس السوري ويصران على عدم استبعاده عن السلطة، فيما أنقرة تشترط تنحيته لتدخل شريكاً فعلياً كاملاً في الحرب الدولية على «داعش» في سورية.
حليف طهران، رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي رد على نتائج لجنة التحقيق البرلمانية التي حمّلته مسؤولية كبرى عن سقوط الموصل في أيدي «داعش» حين حصل التنظيم على كميات ضخمة من السلاح والأموال ساهمت جذرياً في نقلته النوعية. قال المالكي من طهران، مغرّداً على صفحته بموقع «فايسبوك» ان «ما حصل في الموصل كان مؤامرة ومخططاً وُضِعا في اربيل بالتعاون مع الأتراك وأجهزة الاستخبارات في أنقرة».
المالكي ما زال يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية في العراق. الا ان البرلمان وافق على حزمة اصلاحات ادارية اعلنها رئيس الحكومة حيدر العبادي، تنص على الغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية وتقليص وزارات ومكافحة الفساد وتعرية التجاوزات. وهناك مؤشرات على إيواء طهران للمالكي استباقاً لإجراءات ضده إذ طالب مجلس القضاء الأعلى السلطات المعنية بتنفيذ أوامره بحجز أموال المتهمين بالفساد ومنعهم من السفر. كما هناك مؤشرات على استياء إيراني من حيدر العبادي لإقدامه على تلك الخطوات.
وكي تكتمل ضبابية الغموض الذي يكتنف تنظيم «داعش» الذي بات سحقه أولوية أميركية وروسية وأوروبية تعميها عن جرائم الحرب التي يرتكبها النظام السوري وبينها غاراته على دوما الأحد الماضي، هدد «داعش» أردوغان والأكراد في توقيت ملفت. فلقد شنّ «داعش» هجوماً على أردوغان داعياً الأتراك الى التمرد على رئيسهم «المُلحد» والاستعداد لـ «فتح القسطنطينية» و»غزو لاسطنبول». واتهم التنظيم أيضاً الأكراد بالإلحاد في اشارة الى «حزب العمال الكردستاني» الذي يدخل حالياً في حرب مع تركيا لا ترضى عنها جميع القوى الكردية بل يعارضها جزء كبير منها.
هذه الفوضى «الداعشية»، التي يقرنها البعض بتعبير «الفوضى الخلاقة» الذي صدر عن واشنطن لوصف الحالة المرغوب فيها في المنطقة العربية، انما باتت المحرّك للتحالفات المريبة ولخطط التقسيم وآليات التدمير والتشرذم.
تركيا متهمة بأنها تحوّلت، بقرار من رئيسها، الى ممر أساسي لإرهابيي الغرب والشرق للتوجه الى العراق وسورية للالتحاق بـ «داعش» ضمن سياسة تضمن مصالحها ووسائل نفوذها. سياسات أنقرة تلوّنت بشخصية أردوغان والدائرة المحيطة به على نسق أحمد داود أوغلو فباتت متعجرفة ومكابرة واستندت الى عنجهية كلّفت سورية غالياً.
ربما اتخذت تركيا حقاً قرار سحب البساط من تحت أقدام «داعش» و «جبهة النصرة» كي تكون شريكاً في التحالف الدولي وكي تتموضع مجدداً في موازين القوى الاقليمية ازاء صعود وزن إيران. وإذا كان هذا حقاً ما حصل، فإن ما جاء في الشريط المصوّر من أحد مقاتلي «داعش» بعنوان «رسالة الى تركيا» يمكن قراءته بأنه انتقام من انقلاب أردوغان على «داعش». وفي هذه الحال ستدخل تركيا فترة فلتان أمني وستتعرض لعمليات ارهابية. لكن هناك من يتوقع ان تضبط أنقرة المشهد الأمني الآتي بتهديدات من «داعش» بسرعة نظراً لنوعية وخلفية علاقاتها، فيما ستواجه مصاعب أكبر في ضبط المشاهد الأمنية الآتية من «حزب العمال الكردستاني» ومن الأطراف الغاضبة من مصادرة أردوغان القرار السياسي والدستور والحكم القاطع في تركيا.
في المسألة السورية، وكما هناك «عقدة الأسد» التي تحول دون التوافق على رعاية الحل السياسي في سورية، هناك «عقدة مصر» لدى تركيا التي تعترض أنقرة على إشراكها في لجنة العمل الاقليمية الدولية لرعاية الحل في سورية لتضم السعودية وإيران وتركيا ومصر الى الولايات المتحدة وروسيا. «عقدة الأسد» تنطلق من تمسك موسكو بعدم المساس ببشار الأسد لا كشرط لعملية التفاوض ولا كشرط في المرحلة الانتقالية التي نص «جنيف – 1» على ان تتكون من «هيئة حكم انتقالي». و»عقدة إيران» تنطلق من رفض السعودية فكرة إشراك إيران في اللجنة المعنية برعاية الحل في سورية رغم جهود روسيا والأمم المتحدة والولايات المتحدة في محاولات شملت التأثير في الدعم الإيراني للحوثيين في حرب اليمن. أما «عقدة مصر» فإنها تمثلت في ابلاغ تركيا الى روسيا انها تتحفظ على اشراك مصر في اللجنة الرباعية إذ لا حاجة، بحسب أنقرة، الى دولتين عربيتين، والسعودية كافية، في رأيها.
مصر وتركيا ليستا جاهزتين للمصالحة وعقدتهما ثنائياً هي عقدة «الاخوان المسلمين» الذين تتبناهم تركيا وترفضهم مصر رفضاً قاطعاً. البعض في مصر يشمت اليوم بما تواجهه تركيا فتكتب الصحف عناوين على نسق «أردوغان يدفع ضريبة دعمه للإرهاب»، و «أنقرة تذوق من كأس دعمها للتطرف وستتعرض لمزيد من العمليات». إنما هناك من يخشى على العلاقة الأساسية لمصر مع دول خليجية رئيسية بسبب تملق تركيا لدى هذه الدول الذي قد يؤدي الى إضعاف العلاقة المصرية – الخليجية وبالتالي إضعاف إمكانية استعادة الوزن العربي في موازين القوى الاقليمية عبر مصر.
تركيا ليست كما تصورها أردوغان – عبر رؤية أحمد داود أوغلو – خالية من المشكلات في جيرتها. انها داخلية في خضمّ التهديدات والانفلات الأمني الذي ساهمت به في جيرتها. فلقد كانت أنقرة يوماً مفتاحاً أساسياً للإنفراج في سورية، لكنها تلكأت. واليوم هي مجرد مدعوة الى طاولة اقليمية تديرها موسكو بموافقة أميركية.
الحياة
إسرائيل تغازل تركيا والعين على سورية/ ماجد عزام
أدلت القائمة بأعمال السفارة الإسرائيلية في أنقرة، أميرو أورون، الأسبوع الماضي، بحديث لافت لصحيفة صباح، غازلت فيه تركيا بوضوح، وتماهت تقريباً مع النظرة التركية تجاه الأحداث والتطورات في المنطقة، وخصوصاً في سورية. وحتى في الملف الفلسطيني، حيَّدَت أورون الخلاف في ما يتعلق بحركة حماس، مبدية انفتاح حكومتها على التعاون مع السلطات التركية لتحسين الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، مما يعني قبولاً ضمنياً بموقف أنقرة الذي يربط تحسين العلاقات بين البلدين بعدة شروط؛ آخرها رفع الحصار عن القطاع الساحلي الصغير في فلسطين.
قالت الدبلوماسية الإسرائيلية الكبيرة والخبيرة بشؤون المنطقة، حسب توصيف موقع واللا ( 11أغسطس/آب) إن حكومتها ترغب في تطبيع العلاقات مع تركيا، بمجرد تشكيل حكومة ائتلافية، مع انتخابات مبكرة أو من دونها، ونوهت إلى أن من أوائل الأمور التي قام بها دوري غولد، مدير عام وزارة الخارجية الجديد، عند تسلمه منصبه، لقاؤه نظيره التركي، فريدون أوغلو، في روما، في يونيو/ حزيران الماضي، للتباحث في سبل تطبيع العلاقات.
ليس غولد دبلوماسياً عادياً؛ فهو الصديق والمستشار المقرب لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي يتولى رسمياً حقيبة الخارجية؛ مما يعني أنه الوزير الفعلي في ظل المواقف المتطرفة جداً، وحتى غير الدبلوماسية، التي تطرحها نائبة الوزير تسبيبي حوتوبيلي.
معروف أن أنقرة تطرح ثلاثة شروط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ تتمثل في الاعتذار عن جريمة أسطول الحرية، مايو/أيار 2010، والتعويض لشهدائها وجرحاها، إضافة إلى رفع الحصار عن غزة. وتم تقريباً تجاوز الشرطين الأولين، مع نقاش حول تفاصيل التعويض وآلياته، بينما يجري النقاش بشأن الشرط الثالث، والذي كان بمثابة العقدة في العلاقات منذ ذلك التاريخ.
ما قالته الدبلوماسية الإسرائيلية لا يأتي حتماً في السياق الدبلوماسي المُجَامِل؛ فقد جاء تأكيد قوي لكلامها من ياسين أقطاي، مستشار رئيس الوزراء ونائب رئيس حزب العدالة والتنمية، في قوله لصحيفة الرسالة الصادرة في غزة، ( 16 أغسطس/آب)، إن الحوارات التركية الإسرائيلية، لتجاوز جريمة الأسطول، وصلت إلى مراحلها النهائية، وقال أيضاً إن غزة تتجه نحو اتفاق شامل، في ما يتعلق برفع الحصار وفتح المعابر، مضيفاً أن القيادة التركية ناقشت مع قيادة حماس، الأسبوع الماضي، تعهدات تركية جديدة تتعلق بغزة، يُعتقد أنها ذات صلة بتوفير الضمانات للممر البحري، الذي سيربط بين ميناء غزة وشمال قبرص، وسيكون تحت رقابة دولية، تركية في جوهرها.
حرصت أورون، طوال المقابلة، على مغازلة تركيا، وقد أعلنت، بوضوح، رفضها الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، أخيراً، ودعمت بقوة حق أنقرة في الدفاع عن نفسها في مواجهة تلك الهجمات، وهو أمر مهم جداً ولافت، في هذا الوقت بالذات، خصوصاً في ضوء ما يشاع عن تنسيق إسرائيلي ما مع الحركات الكردية الانفصالية، وإعلان حزب الشعوب الديموقراطية، صراحة، تأييده علاقات جيدة مع إسرائيل، وإعطاء زعيمه، صلاح دمرطاش، الحق الحصري لليهود في القدس، بتصريحه الشهير: “ميدان تقسيم بالنسبة لنا كالكعبة عند المسلمين، والقدس عند اليهود”.
“لا ترفض تركيا، من حيث المبدأ، تحسين العلاقات مع إسرائيل أو تطبيعها، لكنها تصر على التنفيذ الكامل لشروطها، وإذا ما التزمت إسرائيل برفع الحصار عن غزة، ولو بتفاهم غير مباشر مع حماس، ستكون أنقرة سعيدة”
بين الدولة التركية والحركات الانفصالية الكردية، ببعديها العسكري والسياسي، انحازت إسرائيل، كما الغرب، للدولة التركية، علماً بأن الدعم الغربي، وحتى الإسرائيلي، لتلك الحركات جاء في سياق ابتزاز أنقرة والضغط عليها للتساوق مع السياسات الغربية إلى هذه الدرجة، أو تلك، أو على الأقل عدم رفضها والاستعداد للتوصل إلى حلول وسط، كما كان الحل في الحرب ضد داعش.
كان حديث الدبلوماسية الإسرائيلية، بمجمله، لافتاً وحافلاً بالرسائل والمضامين، غير أن الأكثر أهمية تمحور في الجزء الخاص بسورية؛ كونها تبنت تماماً النظرة أو التوصيف التركي للواقع السوري، كما الأسلوب الأمثل لحل الأزمة في سورية.
قالت أورون عن حق، حتى لو أريد به باطل، أن الرئيس السوري بشار الأسد دمّر بلده، وقتل شعبه وشرّده، وأنه المسؤول الأول عما وصلت إليه الأمور في سورية، وأنه لا حلّ إلا برحيله نهائياً عن السلطة، هو ونظامه. غير أنها أضافت أن العلاقات بين تل أبيب وأنقرة لو كانت على مستوى جيد، ولو من ناحية التنسيق السياسي الدبلوماسي، لما وصلت الأمور في سورية إلى ما وصلت إليه.
واضح أن الدبلوماسية المجرّبة سعت إلى توصيل رسالة مفادها أن العلاقات الجيدة بين إسرائيل وتركيا ستكون من أسباب الاستقرار الإقليمي، وربما إنهاء الأزمة السورية التي باتت أحد عوامل القلق لأنقرة، وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، ومن جهة أخرى جعل بلادها أحد أسباب الاستقرار والأمن ولاعباً إقليمياً أساسياً، وليس العكس، أي أحد أسباب التوتر والأزمات في المنطقة.
قراءة المواقف التي طرحتها الدبلوماسية الإسرائيلية، ووضعها في سياق التطورات السياسية والأمنية العاصفة في المنطقة، تسمح لنا بالاستنتاج أن تل أبيب جادة في تحسين العلاقات مع أنقرة، وستسعى لتجاوز العقدة الفلسطينية، أو الغزاوية، لصالح التركيز على الملف الأهم لتل أبيب، أي الملف السوري.
تفهم تل أبيب أن أنقرة، وبعد انخراطها في الحرب ضد داعش، وتأسيس المنطقة الآمنة في الشمال، ستكون اللاعب الرئيسي، أو أحد اللاعبين الرئيسيين في رسم المستقبل، أو تحديد معالم سورية، في ما بعد الأسد، وهي تريد أن تكون على صلة وثيقة بالأحداث، كما لضمان أن لا تتأثر بالسلب من تغيير النظام الذي حافظ على الحدود الآمنة معها عقوداً، وهو أهم ما تبحث عنه تل أبيب في سورية الجديدة.
إضافة إلى تجاوز العزلة الإقليمية، وفتح قنوات اتصال دائمة مع الدول المهمة في المنطقة، لا تنظر إسرائيل الرسمية بارتياح إلى الاتفاق النووي الأميركي الإيراني، وهي تعتقد أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، لا يمانع في استمرار طهران في سياستها الإقليمية التدميرية، أو حتى مكافأتها عليها، واعتبارها أحد عوامل الحل في سورية والعراق والمنطقة بشكل عام، والدولة العبرية تفهم أن تركيا، وعلى الرغم من حرصها على علاقة جيدة مع إيران، خصوصاً في السياق الاقتصادي، إلا أنها منزعجة، أيضاً، من المضمون أو التداعيات الإقليمية للاتفاق، وهو ما قد يخلق أرضية تعاون، أو حتى للتهدئة، بين البلدين في الحد الأدنى.
لا ترفض تركيا، من جهتها، من حيث المبدأ، تحسين العلاقات مع إسرائيل أو تطبيعها، لكنها تصر على التنفيذ الكامل لشروطها، وإذا ما التزمت إسرائيل فعلاً برفع الحصار عن غزة، ولو في سياق تفاهم غير مباشر مع حماس، فستكون أنقرة سعيدة، وستقوم بالمطلوب منها، سياسياً وأمنياً، لإنجاح التفاهم. أما في ما يتعلق بالتحالف، فهو مستبعد كلياً، بينما التنسيق أو الحوار حول قضايا سياسية واقتصادية، بما في ذلك فلسطين وسورية وغاز شرق المتوسط، فأمر آخر تبدو العاصمة التركية منفتحة تجاهه. لكن، كما دائماً، على قاعدة المصالح القومية التركية والقوانين والمواثيق الدولية وتغليب الحلول السلمية السياسية والدبلوماسية، علماً أن القضية الفلسطينية ستظل، دائماً، العائق الأساسي بين إسرائيل وتركيا، كما بين الدولة العبرية ودول كثيرة، ليس في المنطقة فقط، وإنما على مستوى العالم أيضاً.
العربي الجديد
تركيا في عين العاصفة/ بكر صدقي
وفقاً لما أوردته صحيفة «أوزغور غوندم» المعروفة بولائها لحزب العمال الكردستاني، تم ارتكاب مجزرة في بلدة وارطو، قبل أسبوع من اليوم، في ظل منع التجول الذي فرضه الوالي بناءً على اتفاق بين قوات الحكومة ومسلحي «الكردستاني» الذين انسحبوا من البلدة المنكوبة. لم تعرف تفاصيل دقيقة عن هذه المجزرة، بما في ذلك عدد ضحاياها، بسبب قطع الكهرباء والاتصالات عن البلدة المنكوبة ومنع دخول نواب المنطقة في البرلمان إليها.
تتواتر أخبار مماثلة من مختلف مدن وبلدات شرق الأناضول وجنوبها الشرقي حيث الكثافة السكانية الكردية والحاضنة الاجتماعية لحزب العمال الكردستاني الذي يتعرض لأكبر حملة عسكرية من قبل القوات الحكومية منذ عقد التسعينات، سواء داخل البلاد أو في جبال قنديل شمال العراق حيث تتمركز قيادته الميدانية ومعسكرات تدريب مسلحيه.
في مواجهة هذه الحملة الكبيرة، أعلنت قيادة kck (منظومة المجتمع الديمقراطي ـ المظلة الاقليمية الموحدة التي تنضوي تحتها فروع «الكردستاني» في كل دولة) تأييدها لإعلانات «الإدارة الذاتية الديموقراطية» التي أطلقها قادة محليون لـ»حزب الأقاليم الديمقراطي» في عدد من بلدات المنطقة، على غرار كانتونات «الإدارة الذاتية» التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي pyd في سوريا.
تأتي هذه التطورات الدراماتيكية في ظل فشل رئيس الوزراء المكلف أحمد داوود أوغلو في تشكيل حكومة ائتلافية تملأ الفراغ السياسي القائم، واتجاه الرياح نحو انتخابات مبكرة يريدها رئيس الجمهورية أردوغان «تصحيحاً لخطأ» ارتكبه الشعب في السابع من حزيران حين سحب تفويضه من حزب العدالة والتنمية بالتفرد بالحكم، للمرة الأولى منذ ثلاثة عشر عاماً من هذا الاحتكار. هذا ما يمكن استنتاجه من سلوك الطاقم الحاكم (أردوغان وحكومة داوود أوغلو) منذ انتهاء الانتخابات العامة قبل شهرين ونيف، وكأن هذه الانتخابات لم تجر قط. تركيا تحكم اليوم بحكومة تصريف أعمال مستقيلة تتخذ قرارات مصيرية كالتوافق مع الأمريكيين في الحرب على داعش وفتح القواعد العسكرية أمام استخدام طائرات الحلفاء، وإنهاء عملية الحل السلمي مع الكرد داخل البلاد وإطلاق حرب ضد العمال الكردستاني بعد وقف إطلاق نار استمر لمدة عامين.
كل يوم هناك هجمات من «الكردستاني» على الشرطة والدرك في مختلف المدن، وكل يوم هناك إعلان «مناطق أمنية خاصة» في مدن وبلدات المناطق الكردية وإعلان حظر التجول فيها، وكأن حال الطوارئ والأحكام العرفية عادت إلى تلك المناطق عملياً، وإن لم يكن رسمياً، بعد عشرين سنة من رفعها، واعتقالات يومية لكوادر حزب الشعوب الديمقراطي الممثل في البرلمان بثمانين نائباً. كل هذه الاجراءات الاستثنائية تتخذها حكومة تصريف أعمال منقوصة الشرعية تجاهلت الإرادة الشعبية التي صوتت قبل شهرين لإنهاء تفرد «العدالة والتنمية» بالحكم، كما صوتت ضد تفرد أردوغان بالسلطة المطلقة في نظام رئاسي.
في زيارة قام بها إلى مسقط رأسه مدينة «ريزة» على شاطئ البحر الأسود، قال أردوغان، بلا أدنى حرج، إن النظام السياسي قد تغير بالفعل، ومطلوب الآن وضع الإطار الدستوري لهذا التغيير! أي أنه يمارس عملياً سلطات رئيس الدولة في نظام رئاسي، ويريد من الشعب انتخاب حكومة تغير الدستور بما يناسب هذا التغيير العملي. تعرض أردوغان لهجوم عنيف بسبب هذا التصريح، فوصفه كل من دولت بهتشلي وكمال كلجدار أوغلو، رئيسا الحزبين المعارضين القومي والعلماني على التوالي، بالعمل الانقلابي. وشاركهما في هذا الوصف كثير من صناع الرأي العام في الإعلام التركي.
وتقوم خطة أردوغان على إزالة أسباب فشل الحزب الحاكم في الانتخابات العامة في الحصول على غالبية مطلقة، ليعود إلى التفرد في تشكيل الحكومة، ويكون أول عمل لهذه الحكومة تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي. وما هي أسباب الفشل؟ السبب الأول والأهم إنما هو تمكن حزب الشعوب الديمقراطي من تجاوز حاجز العشرة في المئة ودخول نوابه البرلمان. ولولا ذلك لذهبت نصف مقاعد هذا الحزب، على الأقل، إلى حزب العدالة والتنمية. تقوم الخطة إذن على إعادة حزب الشعوب الديمقراطي إلى تحت حاجز العشرة في المئة وعدم تمكينه من دخول البرلمان.
يقول الباحث روشن تشكر إن هذه الخطة هي من البساطة إلى درجة لا يمكن تصديقها. ولكن هذه هي الخطة، وهي تعمل جيداً من وجهة نظر أردوغان وجماعته من الموالين. لا يهم إذا كان ثمن نجاحها إشعال حرب دامية مع العمال الكردستاني لا تستثني حاضنته الشعبية، ولا يهم إذا كان ثمنها تعليق سلطات البرلمان المنتخب وإضاعة الوقت في مشاورات ائتلافية يعرف الجميع أنها غير جادة (قال رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، بعد أسبوعين من المفاوضات مع الحزب الحاكم: لم يعرضوا علينا حكومة ائتلافية، بل حكومة مؤقتة لمدة محدودة مهمتها الإعداد لانتخابات مبكرة). ولا يهم إذا كان الثمن تدهوراً في مؤشرات الاقتصاد أبرزها هبوط حاد وقياسي في قيمة الليرة التركية أمام الدولار والعملات الصعبة الأخرى.
ويتوقع سليمان يشار، المختص بالشؤون الاقتصادية في يومية «طرف» المعارضة تراجعاً في قيمة الدخل القومي، بنهاية هذا العام، إلى نحو 700 مليار دولار، مقابل 800 مليار في العام 2014، و822 ملياراً في العام 2013. بموازاة ذلك تراجع نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي من عشرة آلاف و800 دولار (2013) إلى عشرة آلاف و400 دولار (2014) إلى عشرة آلاف و150 دولارا في الربع الأول من العام الحالي. وبأخذ الهبوط الأخير في قيمة الليرة أمام الدولار، يقدر يشار متوسط الدخل الفردي لهذا العام بقيمته الحقيقية 8769 دولاراً.
ما الذي يمكن توقعه من انتخابات تجرى في ظل هذه الأوضاع المضطربة؟ تتباين التقديرات حول نتائج محتملة لهذه الانتخابات المبكرة. لكن السؤال الأهم هو: هل يمكن اجراء الانتخابات في ظل ما يشبه حال الطوارئ القائمة في قسم من البلاد؟
٭ كاتب سوري
القدس العربي
تركيا في مواجهة الإرهاب و«داعش» فصل أول!/ فايز ساره
كثيراً ما تناولت وسائل الاعلام العربية والاجنبية الموقف التركي من «داعش» باعتبارها الاهم في قوى الارهاب بنوع من الالتباس، وكثير منها ساق اتهامات للسلطات التركية بالتعاون مع «داعش»، وذهب بعضهم الى أكثر من ذلك للقول، بان تركيا ساعدت «داعش» باشكال مختلفة في نشاطاتها في سوريا وعبر تركيا. والحق فان تحدي «داعش» بين التحديات الرئيسية والاهم في تركيا اليوم، وقد باتت في مواجهة شاملة مع الارهاب، وكان بين اخطر تعبيرات المواجهة، ما حدث أخيراً في مدينة سروش، حيث قتل عشرات الشباب الاتراك، فيما تتواصل تعبيراته الاخرى كل يوم في انحاء مختلفة من تركيا وخاصة بالقرب من الحدود مع سوريا عبر تفجيرات واغتيالات.
حرب تركيا على «داعش»، فصل في صراع الدولة والمجتمع التركيين مع الارهاب المتزايد في تركيا في الاشهر القليلة الماضية، وكانت في فصوله حملات اعتقال وملاحقة من جانب السلطات التركية لعناصر «داعش» في استانبول والعديد من المدن التركية، بينها ازمير وأرضروم وإسبارطة وغازي عينتاب، وتمخضت احدى العمليات عن اعتقال نحو خمسين مشتبهاً بالانتماء الى «داعش»، فيما طالت عمليات الدهم والاعتقال، اعضاء في جماعات ارهابية اخرى في الفترة الاخيرة بينها عناصر مرتبطة بتنظيم القاعدة «قاعدة الجهاد» وتنظيمات تركية «يسارية«.
الاسباب الرئيسية لصعود الارهاب في تركيا، تكمن في اسباب تخص تركيا، واخرى تتصل بتطورات القضية السورية. ففي الجانب التركي ثمة عوامل تتعلق بالصراعات الداخلية ومنها صراع قومي على نحو مايظهر الامر في الموضوع الكردي الذي شكل احد محاور الارهاب في تركيا منذ اوائل الثمانينات، عندما اسس متشددون اكراد حزب العمال الديمقراطي الكردي (pkk)، ونظموا وقادوا عمليات مسلحة في انحاء مختلفة من البلاد، ولاسيما في شرق وجنوب الاناضول بدعم مباشر من النظام السوري في عهد حافظ الاسد، وقد اصيب هذا التنظيم بانتكاسة بعد اعتقال زعيمه عبد الله اوجلان في العام 1998، وان كان بعض التنظيم، مازال مستمراً في عملياته في تركيا.
كما ان بين العوامل الداخلية التركية وجود صراع سياسي يعبر عنه من خلال اللجوء الى العنف، وهو توجه سارت عليه منظمات يسارية متطرفة مثل «جبهة حزب التحرير الشعبي الثوري» و«الحزب الشيوعي الماوي« المصنفان في عداد التنظيمات الارهابية، وقد شنت ضدهما السلطات التركية اعتقالات شاملة في عدّة مدن تركية في الفترة الاخيرة، ومثلهما التنظيم الذي يقوده فتح الله غولن المعروف باسم «الكيان الموازي» المعارض للسلطة، مما جعله هدفاً لاعتقالات واسعة في الاشهر الاخيرة في اطار الصراع الساخن معه باعتباره بين التنظيمات الدينية المتطرفة الموصوفة ب»الارهاب».
اما في الجانب السوري، فالأمر اكثر تعقيداً. حيث ان تركيا الاهم بين دول الممر الى الداخل السوري، الامر الذي جعلها هدفاً لعناصر وقيادات التطرف المارة الى سوريا وبخاصة الذاهبين الى تنظيم «داعش» والى جماعات اسلامية مسلحة، هي الاكثر حضوراً في المناطق السورية المتاخمة للحدود مع تركيا، والتي تزيد عن ثمانمئة كيلو متراً، كما ان الجماعات المسلحة مثل «داعش» واخواتها، سعت لتكون تركيا ساحة تنظيم لخلاياها، من دون ان تستبعد الاتراك من عضويتها، وقد كشفت الاعتقالات الاخيرة لأعضاء في هذه الجماعات، ان وافدين اجانب من جنسيات مختلفة الى جانب سوريين واتراك، كانوا في عداد معتقلي تلك الجماعات.
في ظل حضور الجماعات المتطرفة والارهابية في تركيا، وتزايد عملياتها المسلحة، ووسط توالي اتهامات واشارات متعددة داخلية وخارجية بشأن تساهل السلطات التركية مع تلك الجماعات، تندفع تركيا في الحرب على الارهاب، ليس فقط لنفي الاتهامات ضدها بالتواطؤ مع جماعات ارهابية او التساهل معها، بل للقيام بمهام الدولة التركية للحفاظ على الامن والسلم الاهلي في ظروف داخلية واقليمية ودولية صعبة، خاصة في ضوء ثلاثة حقائق لابد من التوقف عندها:
الحقيقة الاولى، تزايد نشاط التنظيمات الكردية المسلحة في تركيا وفي المناطق السورية المجاورة ومنها وحدات الحماية الشعبية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا(byd) والذي تعتبره السلطات التركية امتداداً لخصمها العتيد (pkk)، وتتهمه بمحاولة اقامة كيان كردي في شمال سوريا، وتصنفه في عداد المنظمات الارهابية.
الحقيقة الثانية، وتتصل بجماعات التطرف والارهاب، وقد صنفت تركيا كل من «داعش» وجبهة النصرة في هذا السياق، ورغم ان نشاطها في مواجهة النصرة غير ملموس، فانها اندفعت الى حدود قصوى في مواجهة «داعش» في الفترة الاخيرة للحد من نشاطاتها في تركيا وعبرها، مما جعل الاخيرة، تدخل بوابة عمليات الارهاب، ومثالها الابرز ما حدث في سروش أخيراً، وقد اعلنت السلطات التركية اتهام «داعش» بتنفيذ تلك العملية.
الحقيقة الثالثة، وقد تكون الاهم، وتتصل بنشاطات تقوم قوى اقليمية لدعم الارهاب وجماعاته وعملياته في تركيا. وباستثناء «داعش» التي باتت تمثل قوة تمتد في العراق وسوريا ولها خلايا نائمة في اغلب بلدان المنطقة، فان نظام الاسد في سوريا، اعلن أخيراً عن جاهزية قوى كردية للقيام بعمليات في تركيا ومنها تهديد السدود المائية في شرق الاناضول، التي يشكل استهدافها خطراً حقيقياً، يتجاوز تركيا الى سوريا والعراق، وهذا قد يكون اشارة الى استعادة نظام الاسد علاقاته مع مجموعات من حزب العمال الديمقراطي الكردي (pkk) وغيره، وتوظيف هذه العلاقات في خدمة صراع نظام الاسد مع تركيا، ورداً على موقف الاخيرة في مناهضة النظام، كما ان العراق وايران، ليسا بعيدين عن الدخول في تغذية الارهاب وجماعاته وعملياته في تركيا بسبب تناقض موقفهما من الصراع السوري مع الموقف التركي.
تركيا التي تواجه اليوم تحدي الارهاب، وما يحيط به من معطيات وتفاصيل، ليست جديدة في مواجهة هذا التحدي. ففي الثمانينات واجهت تركيا الامر نفسه. ارهاب التطرف الكردي الذي اداره (pkk) ونشاط الاقلية الارمنية الذي مثله الجيش السري الارمني «اسالا»، وكلاهما كان مدعوما من نظام الاسد الاب في سوريا، وكذلك ارهاب جماعات التطرف اليساري الذي نشأ في اطار الصراع السياسي الداخلي ومنه حزب التحرير الشعبي الثوري، قبل ان تدخل ايران على خط دعم جماعات للتطرف والارهاب الديني، وتدعم «حزب الله» في تركيا.
ولئن استطاعت تركيا مواجهة تحدي الارهاب في الثمانينات وما بعدها بقوتها الذاتية، فان مواجهة الارهاب في الوقت الراهن بتلك القوة اصعب بكثير، بفعل التداخلات الاقليمية والدولية، مما يجعل مواجهة الارهاب بحاجة الى تعاون ومؤازرة اقليمية ودولية، لكن المفتاح الرئيس في ذلك، يبدأ من معالجة القضية السورية، واخراج سوريا من نفق الارهاب والسلاح الذي يمثله نظام الاسد وجماعات التطرف والارهاب المنتشرة في سوريا وحولها.
المستقبل
مستقبل السلام التركي الكردي/ خورشيد دلي
في خلفيات التصعيد
قواعد جديدة للصراع
الدور الأميركي
بعد نحو سنتين من إطلاق عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني كان لافتا العودة إلى التصعيد الأمني والعسكري من الجانبين فور انتهاء الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من يونيو/حزيران الماضي، والفوز الكبير الذي حققه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي كان سببا أساسيا في إفقاد حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية التي امتلكها منذ وصوله إلى السلطة عام 2002.
التصعيد الجديد أثار أسئلة كثيرة عن مستقبل عملية السلام، هل فشلت وذهبت إلى غير رجعة؟ أم أن هدف التصعيد وضع قواعد جديدة للصراع بعد أن أحست تركيا بخطر الصعود الكردي في الداخل وعلى حدودها الجنوبية وتحول حزب العمال الكردستاني إلى دولة تمتد من جبال قنديل إلى تخوم المتوسط؟
في خلفيات التصعيد
ثمة قناعة دفينة لدى الجانبين التركي والكردي بأن النهج العسكري لن يؤدي إلى نتيجة، فجولات القتال السابقة بين الجانبين انتهت بالفشل بعد أن كلفت أعدادا كبيرة من الضحايا، وتدميرا هائلا للبنى التحتية، وهدرا للأموال.
وتشير تقارير تركية إلى أن الحرب ضد الكردستاني منذ عام 1984 حتى الآن كلفت أكثر من خمسمئة مليار دولار، وهو مبلغ كاف لتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية في المناطق الكردية في جنوب شرق البلاد، وأمام هذه القناعة فإن السؤال الجوهري هنا يتعلق بخلفيات التصعيد الجديد وكيفية العودة إلى طاولة الحوار من أجل سلام منشود يحقق الاستقرار لتركيا والهوية القومية للكرد.
عندما أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية في السابع من يونيو/حزيران الماضي وجد الرئيس رجب طيب أردوغان نفسه أمام مشهد تركي جديد خلافا لما كان يخطط له من أجل الانتقال من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، إذ وجد نفسه أمام إقليم كردي بمحاذاة المناطق الحدودية الجنوبية مع سوريا تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.
كما وجد أن الأخير بدلا من أن يسحب ثقله العسكري من الداخل التركي يخطط لإقامة إدارة ذاتية في جنوب شرق تركيا حيث الأغلبية الكردية، بينما تحول جناحه السياسي (حزب الشعوب الديمقراطي) الذي فاز بنحو 13% من الأصوات إلى قوة سياسية ودستورية، وسط شكوك عميقة بأنه على علاقة سرية بقيادة الكردستاني في جبال قنديل، ولعل ما زاد من الهواجس التركية هو ارتفاع معدل العمليات والإجراءات الأمنية التي يقوم به حزب العمال الكردستاني في الداخل.
في المقابل، فإن الكرد الذين انتظروا طويلا لتقوم الحكومة التركية بخطوات عملية للدفع بعملية السلام إلى الامام، ولا سيما الإفراج عن عبد الله أوجلان والاعتراف الدستوري بالكرد وحقوقهم القومية، وجدوا أنها تمارس سياسة أقرب إلى تمرير الوقت والتهرب من الاستحقاقات وعدم الجدية.
وزادت تصريحات أردوغان بعدم وجود قضية كردية وتنصله من بيان السلام الذي أعلن في قصر “دولمه باهجه” بين الحكومة التركية وحزب الشعوب الديمقراطي من قناعة الكرد بأهمية التصعيد السياسي والأمني لوضع الحكومة أمام معادلة: إما الاستجابة للمطالب الكردية أو الدفع نحو التفجير.
ولعل ما رجّح الخيار الأخير هو نتائج الانتخابات البرلمانية والتطورات الأمنية المتعلقة بالأزمة السورية والحرب ضد داعش، إذ برزت كل هذه التطورات على شكل رهانات يمكن البناء عليها في ترتيب الداخل التركي من جديد، حيث الرغبة الكبيرة في الذهاب إلى الانتخابات المبكرة.
وعليه، جاءت العمليات العسكرية التركية ضد موقع الكردستاني في العراق وتركيا مقابل تصعيد الأخير لعملياته في الداخل على شكل استهداف جنود ومقار أمنية وحكومية، لتتصدر أخبار المواجهات في وسائل الإعلام التركية والكردية بدلا من الحديث عن أهمية السلام.
قواعد جديدة للصراع
في ذروة الغارات التركية على مواقع الكردستاني حرص المسؤولون الأتراك -ولا سيما أردوغان وأحمد داود أوغلو- على القول إن عملية السلام لم تمت، وإن شرط العودة إليها هو ترك الحزب الكردستاني السلاح، بينما أكد الأخير مرارا أنه مستعد للسلام شرط أن يوقف الجانب التركي عملياته العسكرية ضده، ويلتزم باتفاق عملية السلام، والسماح بزيارة زعيمه أوجلان في السجن.
هذا الحرص الضمني من الجانبين على الرغم من لهجة القوة، تكشف عن دوافع الطرفين ومحاولة كل طرف اتباع قواعد جديدة لإمكانية العودة إلى المفاوضات ولو بعد حين، يحددها المعنيون بمرحلة ما بعد الانتخابات المبكرة، خاصة بعد أن تحول التصعيد الجاري إلى بعد انتخابي في المعركة الجارية.
لعل الجديد في العمليات العسكرية التركية ضد الكردستاني، هو عدم تناسب التصريحات السياسية مع طبيعة العملية العسكرية، فرغم التأكيد التركي على أن العملية العسكرية ستتواصل وتتصاعد حتى القضاء على الكردستاني فإن العملية اتخذت طابع الاكتفاء بشن غارات على مواقع الحزب دون التحرك للتدخل بريا كما كان يحصل في المرات السابقة، وهو ما يشير إلى أن هدف العملية هو إضعاف الكردستاني وشل قدرته على التحرك في ساحات تركيا وسوريا والعراق عبر أجنحته السياسية والعسكرية.
وربما دفع إقليم كردستان إلى التحرك ضده خاصة في ظل العلاقة المميزة التي تربط تركيا برئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، حيث سمعنا للمرة الأولى تصريحات مقربين من البرزاني يدعون فيها حزب العمال الكردستاني إلى الخروج من إقليم كردستان.
ولعل الأهم هنا أيضا، هو الحد من صعود حزب الشعوب الديمقراطي الكردي عبر إجراءات سياسية ودستورية تؤثر على شعبيته في الانتخابات المبكرة إن جرت، وكان واضحا إصرار الحكومة التركية على مطالبة حزب الشعوب بإدانة حزب العمال الكردستاني وعملياته، بينما تدرك هي صعوبة ذلك نظرا للعلاقة العضوية بين الجانبين، حيث اكتفى حزب الشعوب وأوجلان بدعوة الطرفين إلى وقف العنف والعودة إلى طاولة الحوار.
مقابل الرغبة التركية في البحث عن قواعد جديدة للصراع، ثمة رغبة مماثلة يحاول الحزب الكردستاني استثمارها من خلال القول إنه بات حليفا حقيقيا للإدارة الأميركية في الحرب ضد داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)، وإن الانفتاح الغربي عليه يترتب على المعنيين الاعتراف بشرعيته ودوره كلاعب في المنطقة وممثل للكرد.
ويبدو أن تركيا أدركت هذا المنحى لدى الكردستاني، وعليه جاء انخراطها في الحرب ضد داعش بعد اتفاق مع واشنطن على وضع قاعدة إنجرليك في خدمة الحرب ضد تنظيم الدولة، والحد من الانفتاح أو الاعتماد الغربي على الكردستاني كلاعب في محاربة داعش خاصة، وأن تركيا هي عضو في الحلف الأطلسي منذ عام 1952.
ولعل الخلاصة التي يمكن استنتاجها هنا هي أن الحكومة التركية تريد جلب الحزب الكردستاني إلى مفاوضات السلام وهو ضعيف يقبل الرؤية التركية للمصالحة والسلام.
وربما يهدف البحث عن قواعد جديدة إلى تحديد اللاعبين والفائزين في المستقبل، فأردوغان يريد انتصارا انتخابيا وسياسيا يشكل هزيمة للحزب الكردستاني، وهو في تطلعه إلى هذا الفوز يدرك في العمق أن الطرف الكردي الذي يمكن البناء معه للمرحلة المقبلة هو أوجلان ليس لرمزيته فقط بل لأن أردوغان يعتقد أن رؤيته هي أكثر قبولا وقابلية للتطبيق من رؤية الحزب الكردستاني.
الدور الأميركي
دون شك، إن واشنطن سعيدة بانخراط تركيا في الحرب ضد داعش والسماح باستخدام قاعدة إنجرليك، ومن الطبيعي أن يكون الثمن هنا الموافقة الضمنية على العملية العسكرية ضد مواقع الكردستاني، خاصة أنه مصنف في قائمة الإرهاب الأميركية.
لكن من الواضح أن واشنطن تركت مسافة للتحرك على هذا الصعيد، إذ إنها دعت تركيا منذ اليوم الأول إلى التمييز بين الحزب الكردستاني وحليفه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي، وبين الحرب ضد الكرد والحرب على داعش.
وفي السياق، ينبغي النظر إلى الحديث الأميركي عن عدم الإضرار بالعملية السلمية والحديث المتواتر عن اتصالات أميركية جدية مع الحزب الكردستاني بشأن بقاء التصعيد في حدوده، وقد كشف مصدر رفيع من الكردستاني لكاتب المقال عن مباحثات غير مباشرة جرت بين مسؤولين أميركيين والقيادة العليا لحزب العمال الكردستاني في قنديل.
”
واشنطن سعيدة بانخراط تركيا في الحرب ضد داعش والسماح باستخدام قاعدة إنجرليك، ومن الطبيعي أن يكون الثمن هنا الموافقة الضمنية على العملية العسكرية ضد مواقع الكردستاني خاصة أنه مصنف في قائمة الإرهاب الأميركية
” ومع أنه رفض ذكر الجهة التي قامت بالوساطة أو المشاركين فيها، فإنه من الواضح أن الذي أجرى هذه المباحثات من الجانب الكردستاني هو الرئيس المشترك للحزب جميل بايق الذي طالب بضمانات أميركية لإعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، على أن تضغط الإدارة الأميركية على الجانب التركي من أجل وقف عملياته العسكرية ضد معاقل الكردستاني في قنديل وفي الداخل التركي، تمهيدا للعودة إلى مفاوضات السلام رغم صعوبة ذلك بسبب الاستعداد لمعركة الانتخابات المبكرة.
الجانب الأميركي -وحسب المصدر- برر طلبه للكردستاني ضرورة وقف إطلاق النار أولا ومن من جانب واحد بهدف عدم تأثر الحرب ضد داعش، ويبدو أن الجانب الكردي عرف كيف يستغل هذا الأمر جيدا عندما أكد للجانب الأميركي أن استمرار العملية العسكرية التركية ستؤثر على مشاركة الكرد في الحرب ضد داعش، وأن وقف مشاركته في الحرب ضد داعش قد يؤدي إلى تحقيق الأخير انتصارات جديدة.
كما أن الجانب الكردي أثار قضية في غاية الأهمية عندما طلب من الجانب الأميركي أن يصبح راعيا رسميا للمفاوضات بينه وبين الحكومة التركية على غرار ما جرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومع أن الطلب الكردي ليس جديدا، إذ سبق أن طلب عبد الله أوجلان رعاية أميركية وأوروبية للعملية السلمية، إلا أن طرح هذا الأمر في ظل الانفتاح الأميركي على الحزب الكردستاني يكتسب أهمية خاصة في ظل تطورات الصراع مع تركيا.
إذ إنه ربما يمهد لدور أميركي في العملية السلمية الكردية التركية، حيث لم تكن واشنطن بعيدة عنها خلال الفترة الماضية، فعلى الأقل حرصت على استقبال منظم للعديد من المسؤولين الكرد في حزب الشعوب الديمقراطي.
في جميع الأحوال، ينبغي مراقبة وتيرة العمليات العسكرية التركية الكردية في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، لمعرفة هل ستظل في حدودها الحالية بحثا عن قواعد جديدة للعودة إلى المفاوضات أم ستتجه إلى مواجهة شاملة؟
الجزيرة نت
رهانات الربح والخسارة في الانتخابات المبكرة بتركيا/ عماد مفرح مصطفى
أصبح خيار الانتخابات النيابية المبكرة في تركيا هو الخيار الأكثر ترجيحا بعد فشل مباحثات حزب العدالة والتنمية من أجل تشكيل حكومة ائتلافية مع حزبي الشعب الجمهوري والحركة القومية، واقتراب المهلة الدستورية المحددة بـ٤٥ يوما لتشكيل الحكومة الائتلافية من نهايتها.
وتبدو هذه الانتخابات المتوقعة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل والتي ساهمت جميع الأحزاب المشاركة في مشاورات الحكومة الائتلافية في الدفع باتجاهها أكثر أهمية وحساسية من الانتخابات السابقة التي أجريت في يونيو/حزيران الماضي، نظرا لعدة اعتبارات تتعلق بالتحولات الإقليمية المتفاعلة في ما يخص الأزمة السورية وقضية محاربة “الإرهاب” في المنطقة والاتفاق النووي الإيراني.
غير أن الأهمية الفعلية للانتخابات القادمة تأتي من تأثيرها المباشر على العديد من الاستحقاقات السياسية في الداخل التركي من عملية السلام مع الأكراد واستكمال عملية المصالحة، وإقرار دستور جديد للبلاد يتم بموجبه الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي يدعو إليه حزب العدالة والتنمية، وصولا إلى الدور التركي في القضايا الإقليمية وتداخلاتها.
لذا تتعدد مآرب الأحزاب التركية الكبيرة من هذه الانتخابات وتتباين مصالحها وسط معطيات تشير إلى أن المستفيد الأكبر من هذه الخطوة سيكون حزب العدالة والتنمية، حيث فضل ومنذ إعلان نتائج الانتخابات السابقة الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وقد فضل الذهاب إليها ليس فقط وقوفا عند رغبة مؤسس الحزب والرئيس الحالي للجمهورية التركية رجب طيب أردوغان الذي وصف الحكومات الائتلافية بأنها “ذات أعمار قصيرة ولا تجلب أي منافع حقيقية للبلاد”، بل لوجود قناعة لدى قيادة الحزب بأنه غير عاجز عن تأمين حاجته إلى ١٨ نائبا إضافيا من أجل الحصول على الأغلبية البرلمانية وتفرده بإعادة تشكيل الحكومة من جديد.
وفي هذا الصدد، يعول حزب العدالة والتنمية على استعادة الأصوات التي خسرها أثناء الانتخابات السابقة لصالح حزب الشعوب الديمقراطي والحركة القومية اعتمادا على الضربة العسكرية التي وجهها إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني، فبعض التحليلات الإعلامية المحسوبة على العدالة والتنمية ترى أن تلك الضربة أحرجت حزب الشعوب الديمقراطي أمام جمهوره من اليسار التركي والمتدينين الأكراد بعد رفضه إدانة “الكردستاني” بشكل صريح.
وترى التحليلات ذاتها أن الخيار العسكري في التصدي “للإرهاب” أحدث تقاربا في مزاج الناخب القومي التركي باتجاه حزب العدالة والتنمية بعد تصاعد نبرة الخطاب القومي وارتفاع حدته على وقع أعمال العنف التي اجتاحت تركيا وزادت الالتفاف الشعبي حول حكومة داود أوغلو.
وإذ يتقدم العدالة والتنمية قائمة المستفيدين والطامحين للاستفادة من الانتخابات القادمة يأمل حزب الشعب الجمهوري والحركة القومية بألا تقتصر مشاركتهما في الانتخابات على تعزيز موقعيهما في البرلمان، بل تجاوز ذلك إلى الفوز بعدد كبير من المقاعد البرلمانية تمكنهما من كسر احتكار حزب العدالة والتنمية للرئاسات الثلاث، البرلمان والحكومة ورئاسة الجمهورية.
في حين يجد حزب الشعوب الديمقراطي -الذي أوصل الأكراد لأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية إلى البرلمان بصفتهم الحزبية- نفسه أمام تحد كبير يتطلب منه مضاعفة الجهود بغية الحفاظ على ما حققه في الانتخابات الأخيرة، أي إعادة تخطيه العتبة الدستورية المحددة بنسبة ١٠% من مجموع الأصوات على المستوى الوطني، وهو ما توقعته بعض استطلاعات الرأي الأخيرة.
وسط هذه الاحتمالات لمعدلات الربح والخسارة، ومحاولة كل طرف سياسي الحصول على أصوات القاعدة الشعبية لمنافسيه يبرز العامل الأهم بتأثيراته في الانتخابات القادمة، والمرتبط بشكل مباشر بتداعيات الحملة العسكرية على حزب العمال الكردستاني، فسواء تم اتهام العدالة والتنمية بإقدامه على الحملة لأهداف سياسية وانتخابية، أو برر ذلك بمنطق المصالح وضرورة التحرك في اللحظة الإقليمية الراهنة بغية خلق ظروف مواتية تتفق وطبيعة المصالح التركية فإن الحملة العسكرية ونتائجها باتت جزءا من الواقع الانتخابي، وعليه لا بد من التعامل مع الأمر بواقعية سياسية في ميزان الصراع الانتخابي.
وفي هذا الاتجاه، يمكن القول إن الحملة زادت مستوى الاصطفاف السياسي والأيديولوجي داخل تركيا، الأمر الذي قد يساعد في تبديل أولويات الناخب ودفعه باتجاه إعادة خياره الانتخابي، وهو ما يتوقع حصوله مع الناخب التركي لصالح حزب العدالة والتنمية عبر إجراء مقاربة بين الوضع الحالي المندفع نحو عدم الاستقرار السياسي والأمني، وبين فترة حكم العدالة والتنمية الذي ميزه استقرار الوضع الأمني والاقتصادي.
أغلب الظن أن الوضع في تركيا يتجه نحو تعقيدات وتشابكات قد لا تقتصر على البعد السياسي، فما ميز الانتخابات السابقة كان التصويت لصالح تمايز الهويات والانتماءات، لكن الأمر لم يصل إلى مرحلة خلط الأوراق وحدوث القطيعة الأيديولوجية بين الشرائح والفئات التركية، على العكس تدل نتائج الانتخابات المتلاحقة على أن المكونات التركية تندفع نحو آلياتها الديمقراطية لتجديد النظام السياسي وإعطائه صفة المتجدد، الأمر الذي يزيد فاعلية وتعدد الدور السياسي التركي على مستوى الإقليم.
وعليه لن تخرج الانتخابات القادمة من ذات المضمار في حلبة الاحتمالات السياسية، حيث تتعدد سوية التوقعات ودقتها حول نتائج الانتخابات القادمة وما ستفرزه من سيناريوهات.
ولعل ما يتقدم تلك السيناريوهات تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على الأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومة مع السير على ذات النهج السياسي الذي اتبعه الحزب منذ استلامه السلطة عام ٢٠٠٢ عبر معالجة القضايا الخارجية والداخلية على فترات ومراحل متلاحقة، تسبقها تهيئة الوضع العام في البلاد.
في المقابل، يبرز السيناريو الأكثر ترجيحا الذي أوردته بعض استطلاعات الرأي، وهو الحصول على نتائج شبيهة بالانتخابات التي جرت في يونيو/حزيران الماضي، حيث لن تتمكن أي جهة سياسية من الحصول على نسبة كافية من الأصوات تؤهلها لإحداث تبدلات جوهرية في المشهد السياسي الحالي.
لذا سيضطر حزب العدالة والتنمية -الذي سيتصدر قائمة الفائزين- إلى تشكيل ائتلاف حكومي يخيره بين أمرين، إما تغير السياسة الخارجية للحكومة المقبلة، خاصة ما يتعلق بالعلاقة مع بعض فصائل المعارضة السورية في حال التحالف مع حزب الشعب الجمهوري، أو أن يتوجه نحو أزمة داخلية سببها عودة الصراع الدامي مع “الكردستاني” في حال التحالف مع “الحركة القومية” التي تشترط التخلي الكامل عن عملية السلام مع الأكراد وتقليص نفوذ أردوغان في الحياة السياسية.
كل هذا إن لم يتحقق شيء من المعجزة السياسية بتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعوب الديمقراطي.
الجزيرة نت