تطورات الموقف الروسي الإيراني وأثره على الأوضاع في سورية –مجموعة مقالات-
المشكلات الكامنة في تحالف كل من تركيا وإيران مع روسيا/ جورج فريدمان
ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد
قامت تركيا بإرسال قواتها إلى سوريا مؤخرا. دفع هذا روسيا إلى إعلان عدم رضاها عن التوجه التركي. زار نائب الرئيس الأميركي «جو بايدن» تركيا تزامنا مع هذا التحرك. ربما لم يكن المناخ حميميا، ولكنه كان وديا بما فيه الكفاية وخاليا من آثار السموم المنتشرة في الأجواء بين البلدين منذ محاولة الانقلاب. وقد وافق الروس على وقف العمليات من قاعدة همدان الجوية في إيران ولكنهم قد يعودون في مرحلة ما. كان هناك نوع من المعارك السياسية المستعرة في إيران بشأن إعطاء روسيا الإذن في استخدام قاعدة همدان في المقام الأول. ترتبط كل تلك الموضوعات معا في قصة جيوسياسية واحدة.
دعونا نبدأ مع إيران. حافظت إيران على استقلالها لعدة قرون ناجحة في صد نوعين من التهديدات. الأول هو تركيا في العصر العثماني، والثاني هو روسيا سواء في العصر الإمبراطوري أو السوفييتي. كمثال على ذلك، وخلال الحرب العالمية الثانية، ظلت إيران مستقلة رسميا، ولكن تم احتلال بعض مناطقها الشمالية من قبل السوفييت وبعض المناطق الجنوبية من قبل البريطانيين. بعد الحرب، أظهر السوفييت ترددا في مغادرة البلاد. ضغطت الولايات المتحدة على كل من السوفييت والبريطانيين من أجل استعادة الاستقلال الإيراني. كان الأمريكيون يرغبون في تحجيم التوسع السوفيتي وفي تقويض الإمبراطورية البريطانية مما أدى إلى تحاذي المصالح الأمريكية الإيرانية.
زادت الولايات المتحدة قوتها ونفوذها في إيران، قبل أن تأتي الثورة الإسلامية لتمزق هذه العلاقات. أصبحت الولايات المتحدة العدو الرئيسي لإيران، ولكن ليس العدو الأوحد. ظلت إيران حذرة للغاية تجاه الخطط السوفيتية وبخاصة خلال المرحلة الأولى من عمر الجمهورية الإسلامية. ظلت إيران تتذكر تاريخها الطويل مع روسيا. أما بالنسبة إلى تركيا، فقد كانت ضعيفة في هذه الفترة ولا تمثل تهديدا. كانت إيران معادية للولايات المتحدة وحذرة حول روسيا.
تم دفع الاتفاق النووي الأخير في إيران من قبل الفصائل التي تعتقد أن سياسة العداء التام تجاه الولايات المتحدة ومصالحها تقوض المصالح السياسية والاقتصادية في إيران. عارضت الفصائل الأخرى الصفقة باعتبارها خيانة للمصالح الإيرانية واستسلاما للولايات المتحدة. هذا الفصيل، المتجذر في فيلق الحرس الثوري الإسلامي، حارب وخسر المعركة. ولكنه لم ييأس.
بالنسبة لهذا الفصيل، فإن العداء للولايات المتحدة يمثل أساسا للسياسة الخارجية الإيرانية. في ظل تراجع العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن هؤلاء رأوا أن روسيا تمثل بديلا للولايات المتحدة. الحكومة، التي تفاوضت على الاتفاق، ترى من جانبها أن روسيا تمثل خطرا أكبر على إيران على المدى الطويل، بالنظر إلى قربها الجغرافي وبعد الولايات المتحدة. من أجل ترسيخ الوضع القائم، فإن شخصا ما داخل الحكومة الإيرانية أعطى الروس الإذن باستخدام قاعدة همدان الجوية لأجل لتوجيه ضربات ضد سوريا. وعلى ما يبدو فإن العديدين من أعضاء الحكومة لم يكونوا على علم بما يجري. كان هناك على ما يبدو عدد من الرحلات الجوية من همدان قبل إعلان النبأ. عندما تم إعلان الأنباء، تم إيقاف الرحلات الجوية مباشرة. ومنذ ذلك الحين، اندلعت معركة سياسية في طهران لها أبعاد متعددة، بما في ذلك اشتباك حول من هو المسؤول عن ذلك.
يقع في قلب هذا الصراع الداخلي سؤال حول كيفية مواءمة السياسة الخارجية الإيرانية. نجم تركيا آخذ في الارتفاع وروسيا مشاركة بالفعل في المنطقة. كل منهما يمثل تهديدا محتملا. ويرى البعض في التقارب التركي الروسي فرصة لإيران في الانضمام إلى العلاقة. هؤلاء هم الذين يرون في الولايات المتحدة تهديدا رئيسيا للدول الثلاث وينظرون إلى هذا التحالف كثقل موازن للأمريكيين. وهم لا يرون الكثير من الخطر القادم من روسيا أو تركيا. ليس هناك فصيل موال للولايات المتحدة، ولكن هناك فصيل يرى أن الأتراك هم كابوس إيران التاريخي. هناك لعبة بوكر عالية المستوى تدور حاليا في إيران.
في هذه الأثناء، قامت تركيا بقلب مواقفها مرة أخرى تاركة أنصار التحالف الثلاثي في طهران في مهب الريح. منذ الانقلاب، ظهر أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» لفقا علاقة تبدو غير قابلة للكسر. ولكن هناك أمرين أكدا أن تلك العلاقة ربما لم تكن بتلك القوة التي كانت تأملها روسيا. أولهما هي حقيقة أن روسيا تدعم الرئيس السوري «بشار الأسد»، في حين أن الأتراك هم ألد أعدائه. بعد الكثير من الرقص على الحبل، أصبح من الواضح أن تركيا لن تتحول إلى موقف روسيا بشأن «الأسد»، وبالتالي نشأ خلاف جوهري بين الروس والأتراك. وكان المؤشر الثاني أن تركيا واصلت السماح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة أنجرليك الجوية. بعد نقاش طويل، تم رفض وصول الروس إلى القاعدة. هذه الأمور أشارت إلى أنه بغض النظر عن الخطابات أو الإيماءات، فإن تركيا لا تعتزم إحداث كسر عميق في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
منذ أيام قليلة، توغلت قوات تركية إلى سوريا. تحركت نحو 20 دبابة بعمق بضعة كيلومترات داخل سوريا برفقة بعض القوات الخاصة. كانت هناك غارات جوية وقصف مدفعي أيضا. لم يكن ذلك تحركا كبيرا، ولكن وجه الدلالة أنه تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة وليس مع روسيا. وتلا ذلك مؤتمر صحفي بين «بايدن» ورئيس الوزراء التركي «بن علي يلديريم»، ويبدو أن العلاقة الخاصة بين روسيا وتركيا قد استمرت نحو شهر.
مشكلة الأتراك هي ذاتها مشكلة الإيرانيين. الروس هم المنافسون التاريخيون لتركيا في منطقة البحر الأسود ولهم مطامع دائمة في مضيق البوسفور الذي يربط بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. بالنسبة إلى الروس، فإن الاستيلاء على البوسفور كان بمثابة الكأس المقدسة لسياستهم الخارجية. وهناك المنافسة بين البلدين في القوقاز، والحرب التي تقودها روسيا في سوريا.
تركيا تبرز كقوة كبرى، ولكن ظهورها لم يكتمل حتى الآن. التحالف مع روسيا يتطلب من تركيا تحولا كبيرا في سوريا. عرض الروس تقديم تنازلات في أرمينيا ولكن الروس لا يزالون هم القوة المهيمنة هناك وهم قادرون على عكس تنازلاتهم. الإضافة إلى ذلك، كما هو الحال مع إيران، فإن روسيا قريبة جغرافيا. يجب أن تكون تركيا موازنا لروسيا، وبالتأكيد فإنها حين تقوم بتطوير قوتها الذاتية، فإن الثقل الموازن الوحيد المتاح هو الولايات المتحدة.
ما هو مشترك بين كل ذلك أنه، وبدون الولايات المتحدة، سوف يتعين على كل من إيران تركيا أن تتعامل مع روسيا بمفردها، في حين أن أيا منهما لا تثق أن بإمكانها فعل ذلك. بطرق مختلفة، تحتاج كلا البلدين إلى الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في مواقعهما السياسية. هناك قدر أكبر من التوافق في الآراء بشأن هذا في تركيا مما عليه الحال في إيران حيث تولد هذه المسألة صراعا داخليا كبيرا على جميع جوانب السياسة الخارجية. يرى البعض الولايات المتحدة كتهديد وحيد، في حين يراها البعض الآخر كتهديد يمكن موازنته.
ومع ذلك، فإنه لا يزال هناك مناقشة حول الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في السياسة الخارجية لكلا البلدين. تبحث تركيا عن توازن يضم الولايات المتحدة ولكنه يحجم تأثيرها في ذات الوقت. في حين تبحث إيران عن توازن لا يزال ينظر فيه إلى الولايات المتحدة كعدو، ولكنها عدو يمكن استخدامه على أي حال لمواجهة الروس.
لوهلة، يبدو أن روسيا تفقد نفوذها في كل من تركيا وإيران. ونظرا للسرعة التي تغير بها تركيا اتجاهاتها في تلك الفترة، فليس هناك ما هو ثابت في الأمر. وبالمثل، فإنها في الوقت الحالي فقدت أحقية استخدام القواعد الإيرانية. كل هذا يمكن أن يتغير. ولكن المنطق الجيوسياسي لا يزال سليما: الحليف البعيد يظل أقل تهديدا من الحليف القريب. ولذلك سوف تظل كل من إيران وتركيا حذرتين للغاية في التعامل مع روسيا. هذا يعني أيضا أن كل منهما سوف يسعى إلى استخدام الولايات المتحدة كقنطرة لتحقيق مصالحها الخاصة. ومن المنتظر أن تفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه.
المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز
هنا حلب/ علي العبدالله
لم يكن استخدام الروس لقاذفاتهم الاستراتيجية من طراز توبوليف (تي يو-22 إم3 باكفاير – سي) بعيدة المدى وسوخوي (سو 34)، انطلاقا من قاعدة “نوجة” الجوية في غرب محافظة همدان، واطلاق صواريخ كاليبر المجنحة من بارجة في البحر الابيض المتوسط في قصف أحياء مدينتي حلب وادلب، تعبيرا عن قوة وقدرة بل عن غيظ على خلفية انهيار خططهم، هم وحلفاؤهم: ايران وميليشياتها الشيعية وقوات النظام السوري، في تحقيق مكاسب ميدانية حاسمة في مدينة حلب تقلب التوازنات العسكرية وتضع المعارضة امام خيار محدد: قبول الحل المعروض أو تجّرع مرارة الهزيمة.
قبل أيام من اطلاق حملتها الوحشية باستخدام قنابل قاذفاتها الاستراتيجية وصواريخها المجنحة واستهدافها الاسواق والمشافي والسيارات المدنية على الطرقات كانت تنتظر نبأ قبول المعارضة والسكان المهزومين الاستسلام والخروج من الممرات “الانسانية” التي حددتها لهم. لكن ما أتى جواب مختلف قلب الطاولة على معديها وادخلهم في حالة هستيريا تجلت في رفع وتيرة القصف بكل صنوف الاسلحة والذخائر المحرمة دوليا(الفسفور الابيض والنابالم والقنابل العنقودية والفراغية وغاز الكلور).
امتدت ردة فعل موسكو على الهزيمة المدوية لقوات حلفائها أمام مقاتلي جيش الفتح في معارك جنوب وجنوب غرب مدينة حلب الى الداخل الروسي باقالة سيرغي ايفانوف، رئيس ديوان الرئاسة وزميل بوتين في الـ ك . ج . ب، تمت اقالته على خلفية دوره في دفع روسيا الى مزيد من التدخل في سوريا، بما في ذلك التدخل البري، لما لهذه الهزيمة من انعكاسات سلبية على صورة القوة الروسية، بعد مرور حوالي عام على تدخلها المباشر في الحرب، وعلى دورها في ادارة المعركة في سوريا وسعيها لاقناع العالم بقدرتها على ملء الفراغ الذي خلّفته واشنطن في الاقليم، وأثر ذلك كله على محاولتها المحمومة لانتزاع موقع دولة عظمى في النظام الدولي. وهذا أثار مخاوف ايران من نكوص روسي آخر واعادة تجربة الشهور الماضية في خان طومان حيث قاد عدم مشاركة الطائرات الروسية في المواجهة هناك الى خسارة قوات الحرس الثوري والميليشيات الشيعية للاراضي التي كانت سيطرت عليها في بداية التدخل العسكري الروسي المباشر، وكان عليها(ايران) ان تدفع لموسكو ثمن مواصلة القصف مسبقا بفتح قاعدة “نوجة” في محافظة همدان للطائرات الروسية، بذريعة التخفيف من تكاليف الغارات ومن الزمن الذي تستغرقة الغارات التي كانت تنطلق من مطار موزدوك في أوسيتيا الشمالية في جنوب روسيا، بينما الواقع انها منحتها مكسبا جيو سياسيا هاما، له انعكاسات جيو استراتيجية كبيرة، ثمنا للابقاء على موقفها الداعم للحملة الايرانية على مدينة حلب، في ضوء استشعارها الخطر على معركة حلب التي تعتبرها “مصيرية”، كان امين عام حزب الله بدوره قد اعتبرها كذلك في خطاب له وبشّر بكسبها، فالقوات الإيرانية، من حرس ثوري وميليشيات شيعية متعددة الجنسيات، تلقت صفعة قوية هناك حيث لم يكتف جيش الفتح بفك الحصار عن الاحياء الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة بل وواصل هجومه معلنا عن نيته تحرير المدينة بالكامل، خاصة وانه بانتصاره الكبير قد رفع الروح المعنوية لمقاتليه وحاضنته الشعبية، وانه بسيطرته على الكليات العسكرية قد حصل على اعتدة عسكرية وذخائر تمكنه من خوض معارك طويلة، وتحرره من ضغوط “الأصدقاء” التي سبق ولعبت بتطورات المعارك عبر التحكم بتقديم الاسلحة والذخائر قبل المعارك وخلالها، فلم تجد(ايران) بديلا عن الاستعانة بالطائرات الروسية “كي تستمر العملية العسكرية ضد الارهابيين عبر إطلاق حملة جديدة واسعة النطاق تهدف إلى إبادتهم تماماً” كما اعلن علي شمخاني، الأمين العام لـ “المجلس الأعلى للأمن القومي”، ودفع ثمن ذلك مقدما ليس باعطاء موسكو حق استخدام قاعدة “نوجة” الجوية فقط بل وابداء الاستعداد لتقديم مزيد من القواعد اذا تطلب الموقف ذلك، كما اكد وزير الدفاع حسين دهقان، خارقة بذلك المادة 146 من الدستور الايراني، ما أثار رد فعل شخصيات سياسية ونواب (20 نائبا) وقلق المواطنين على استقلال بلادهم وسيادتهم الوطنية، ما دفع مصادر ايرانية رسمية الى الاعلان عن “ان دعوة روسيا للتدخل في الحرب في سوريا جاءت من المرشد الاعلى، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية، حمله مستشاره للشؤون الدولية علي اكبر ولايتي قبل أيلول من العام الماضي وسلمه شخصياً الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين”، وذلك لوقف الانتقادات والاعتراضات الداخلية وقطع الطريق على النقاش حول الموضوع والتوسع فيه.
لكن لم هذا الاصرار الإيراني على خوض معركة حلب؟.
أختلفت تقديرات المحللين بين من ربط الموقف بالميثولوجيا الشيعية ومن ربطه بالمتغيرات السياسية وتقديرات طهران للاحتمالات والمخاطر التي تنتظرها وبمحاولة احتوائها وتطويقها بتوريط روسيا في مخططها واجندتها. ينطلق اصحاب الموقف الأول من ان أهمية حلب بالنسبة لايران لا تكمن في تاريخها او في موقعها الجغرافي او دورها الاقتصادي وانما في علاقتها بسردية ايرانية تتعلق بنظرتها الى ذاتها ودورها في قيادة الشيعة وحمايتهم والمطالبة بحقوقهم ورفع مظلوميتهم التاريخية والراهنة، وما يرتبه ذلك، بنظرها، من مسؤولية لاستعادة كل المواقع التاريخية التي شهدت مواقع شيعية أو كانت يوما شيعية او تحت سيطرة الشيعة، وفي مقدمتها المقامات الشيعية المقدسة، وقد سبق وحددت المواقع التي تعتبرها جزءا من السردية الشيعية في الجغرافيا السورية، لحلب فيها مكانة بارزة لوجود “مشهد النقطة”، مقام يزوره الشيعة من كل بلدان العالم لقداسته لديهم، فيها (تقول الرواية الشيعية إن يزيد بن معاوية أمر بان يطاف برأس الحسين(عليه السلام) في الامصار حتى يتأكد انصاره بزوال دعوته بمقتله، وانه خلال مرور الرأس في حلب، بعد فترة من مصرعه، وفي مكان المزار الحالي، وضع على صخرة فنزف نقطة دم على تلك الصخرة، ولما قامت امارة بنى حمدان الشيعية في حلب بنى علي سيف الدولة الحمداني مقاما على الصخرة سنة 351 هجري وغدا اسم المقام “مشهد النقطة”. وقد وسّع صالح نورالدين المكان عام 585 هجري ببناء مسجد حمل نفس الاسم “مسجد النقطة”. وقد دمر المغول المقام ونهبوه ورممه الظاهر عندما ملك حلب سنة 660 هجري، وكان آخر ترميم وتجديد له قد تم عام 1960 قامت به جمعية “الاعمار والإحسان الإسلامية” الجعفرية) لذا فانه غدا لزاما على ايران، وفق سرديتها عن دورها في قيادة الشيعة، استعادة هذا الموقع، حتى لو اقتضى ذلك ابادة سكان المدينة والتضحية بارواح آلاف المقاتلين الشيعة، لتؤكد صدقها وجديتها في الدفاع عن مصالح الشيعة من جهة ولاستثمار المعركة في شدّ عصب الطائفة وتجييشها خلف المشروع الايراني من جهة ثانية.
وأما اصحاب الموقف الثاني(السياسي) فمنهم من رأى ان للكرم الإيراني مع روسيا اسبابا سياسية واضحة تتعلق في هواجسها ومخاوفها من اتفاق روسي أميركي لا يأخذ مصالحها بعين الاعتبار، ومن رأى انه لقطع الطريق على التقارب الروسي التركي وما يمكن ان ينجم عنه من تحولات في الموقف الروسي في سوريا، خاصة وهي تعلم انه لا يتطابق مع رؤيتها للوضع في سوريا بالاساس، واحتمال تبنيه خيارات لا تتطابق مع تصوراتها لمستقبل سوريا والاقليم.
واضح ان ايران تستغل حاجة القيصر الى نصر في سوريا ليتمكن من تحقيق بعض اهدافه السياسية والاستراتيجية من أجل الاحتفاظ بالتأييد الشعبي الروسي لقيادته خاصة وروسيا على ابواب انتخابات نيابية، فعملت على اغوائه ليواصل الرقص على اشلاء السوريين وبلادهم المدمرة.
المدن
إسقاط التقية فوق همذان/ مروان قبلان
مثلت العصبية، التي ردّت بها طهران على فضح موسكو اتفاقية السماح لها باستخدام قاعدة همذان الجوية (غرب إيران)، لمساندة العمليات العسكرية الروسية في سورية، مناسبةً جديدةً للدلالة على مستوى التوتر المكتوم في علاقة الحليفين المفترضين، إذ وصف وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، السلوك الروسي بأنه “غير مسؤول”، وفيه “خيانة للثقة”، وهي لغة غير مسبوق تداولها في التعامل الدبلوماسي بين البلدين. كما سدّدت “الفضيحة” ضربةً جديدة “لتيار موسكو” في طهران، والذي يواجه، منذ فترة، صعوبة في تفسير السلوك الروسي في الحرب السورية، خصوصاً في ضوء إحجام روسيا، أحياناً، عن تقديم الدعم الجوي “المناسب” لقوات إيران ومليشياتها، ما يتركها مكشوفة بالكامل أمام قوات المعارضة السورية، كما حصل، أخيراً، في خان طومان ومعارك فك حصار حلب. فوق ذلك، تحاول إيران ابتلاع حقيقة ارتباط الروس بتفاهمات مع الإسرائيليين، يشهد على عمقها زيارة بنيامين نتنياهو موسكو أربع مرات في الأشهر التسعة الأخيرة، للتنسيق ميدانياً في سورية، وانخراط الروس في مباحثات جدية مع الأميركيين لترتيبات أمنية في سورية، بعيداً عن أعين حلفائهم المتوجسين في طهران.
وكانت إطاحة مسؤول الملف السوري في وزارة الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، في يونيو/ حزيران الماضي، قد كشفت حال الضعف الذي أخذ يعتري “تيار موسكو” الذي يقوده مستشار المرشد للشؤون الخارجية، علي أكبر ولايتي، وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني. ويعد الثلاثي، ولايتي وسليماني وعبد اللهيان، القوة الدافعة وراء دعوة روسيا إلى التدخل في سورية، لإنقاذ إيران من هزيمة محققة صيف العام 2015. ومنذ يونيو/ حزيران الماضي، غدا الملف السوري في عهدة وزير الخارجية، جواد ظريف، وسكرتير مجلس الأمن القومي، الجنرال علي شمخاني، فيما بدا وكأنه إقرار بمسؤولية “الثلاثي” عن خسارة سورية روسيا. وبمجرد تسلمه الملف السوري، بدأ ظريف رحلة التقارب مع تركيا، في محاولة لاستباق نتائج أي اتفاق روسي-أميركي، لا يلحظ مصالح إيران في سورية، خصوصاً في ضوء الدعم الروسي-الأميركي المشترك للأكراد، وتصاعد الحديث في موسكو وواشنطن عن مشاريع تقسيم وفدرلة.
مع ذلك، لا تشذّ الطريقة التي كشفت بها موسكو سر قاعدة همذان في الواقع عن ديدن السلوك الروسي في التعامل مع إيران، وأزماتها المتعدّدة، باعتبارها ورقة ضغط ومساومة في علاقتها المعقدة مع الغرب، خصوصاً واشنطن. لذلك، لا يعد السلوك الروسي هنا جديداً على طهران، ولا يمثل من ثم سبباً كافياً لفهم الغضبة الإيرانية من كشف سر همذان. فعلى الرغم من محاولتها التقارب مع إيران، على امتداد العقد الماضي، مثلاً، لم تكتف روسيا بالسماح بفرض عقوبات قاسية في مجلس الأمن على طهران، بل صوّتت لصالح جميع القرارات التي صدرت عن المجلس، لمنع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية العسكرية، وهي القرارات 1737 (2006) و1747 (2007) و1803 (2008) و1929 (2010). كما امتنعت موسكو، حتى هذا العام، مجاراةً للغرب، عن تنفيذ عقد تم توقيعه قبل ثماني سنوات لتزويد طهران بنظام صواريخ “إس-300″، على الرغم من تسديد قيمته 800 مليون دولار، وقد تقدّمت إيران، بسبب ذلك، بدعوى إلى محكمة التحكيم في باريس، طالبت فيها بتسديد موسكو أربعة مليارات دولار، لعدم التزامها بتنفيذ العقد. وداومت روسيا على رفض صيانة الغوّاصات الإيرانية، التي كانت ستمنح إيران، في حال إعادة تأهيلها، حركة مناورة عسكرية واسعة في الخليج العربي والمحيط الهندي. ولا ننسى، أيضاً، كيف ماطلت موسكو عشر سنوات، لإنهاء بناء مفاعل بوشهر النووي وتجهيزه وتشغيله، بعد أن ظلت تستخدمه أداة للمساومة مع الغرب.
لا تخرج قضية قاعدة همذان عن هذا السياق في التعامل الروسي مع إيران. مع ذلك، أحدثت ما يشبه الصدمة في طهران، لا لشيء إلا لأنها مثلت قمة الإدانة “للشيزوفرانيا” الإيرانية، المتمثلة بازدواجية الخطاب والسلوك، الناشئة عن علاقة بنيوية مرتبكة ومعقدة بين إيران الخمينية والعالم. هنا، يمكن أن يسير كل شيء بصورة جيدة، طالما ظل سرياً، من “إيران غيت” وصفقة الأسلحة مع إسرائيل، إلى “همدان غيت” وخرق نص الدستور. هنا، لم يدرك الروس ربما أنهم ضربوا على أكثر الأوتار حساسيةً في السيكولوجيا الإيرانية، إذ أسقطوا التقية في همذان، فغضبت إيران.
العربي الجديد
الحصان الروسي والناعورة السورية!/ راجح الخوري
لم تعد الازمة السورية على خريطة الاهتمام الأميركي، ولو في الحدود الشكلية التي اختارها باراك اوباما منذ البداية لدفع فلاديمير بوتين الى ذلك المستنقع الدموي المتشابك والمعقد، ومنذ الآن الى الربيع المقبل، بعد ان يشكل الرئيس الاميركي الجديد حكومته، لن تكون سوريا ولا غيرها محط اهتمام اميركي ذي فاعلية.
أوباما لم يتوان قبل أشهر، عبر حديثه المثير مع شبكة “أس ان بي سي”، عن الرد على الاتهامات التي وجهها اليه كثيرون من الذين عملوا مع إدارته [بينهم مثلاً السفير الاميركي السابق في دمشق روبرت فورد] والذين طالما أجمعوا على اتهامه بأنه لا يملك استراتيجية في مواجهة الاقتحام الروسي لسوريا بعد أوكرانيا، في شرح نظريته التي تنطوي على نوع من السخرية من بوتين عندما قال ما معناه: عندما ترسل جنودك لينزفوا في الخارج بينما اقتصادك ينزف في الداخل فليست هذه الاستراتيجة التي نريدها.
لقد سبق للينين ان قال: “إعط الاميركيين ما يكفي من الحبال وهم كفلاء بشنق أنفسهم في افريقيا”، فهل أراد اوباما ان يعطي بوتين ما يكفي من الحبال ليشنق نفسه في سوريا ؟
ليس بالضرورة، لأن اوباما دخل البيت الابيض ليمحو عقدة تدخل جورج بوش المفرط في الخارج، ولكن بالإفراط في الإنسحاب من المسرح الدولي، ولهذا إنسوا اميركا حتى آذار المقبل، وهذا يعني المزيد من القتال والدماء والدمار، وخصوصاً بعدما تحولت سوريا ارضاً تتقاطع في ميادينها وجبهاتها حسابات دولية واقليمية آخرها التدخل العسكري التركي، إضافة طبعاً الى مئات من التنظيمات المسلحة التي لم تعد تقاتل لحسابات وسياسات واهداف سورية بعدما دخل العامل المذهبي على الخط بين السنة والشيعة، وبعدما صارت حسابات الوضع في سوريا على تقاطع الأقنية المتصلة بصراعات أخرى في الاقليم في مقدمها الحرب المستعرة في اليمن.
هل يشنق بوتين نفسه بحبال الغياب الاميركي عن الساحة السورية ؟
اذا صح ما نقلته وكالة “رويترز” عن مصدر على صلة وثيقة بوزارة الدفاع الروسية طلب عدم ذكر إسمه وقال: “لدي احساس كأننا مثل حصان السيرك يدور في دائرة منذ 30 أيلول من العام الماضي عندما نشرنا طائراتنا للمرة الأولى هناك… إن قواتنا غير كافية وتنسيقنا مع الإيرانيين ليس على المستوى المطلوب، ونحن في حاجة الى تغيير شيء ما ولا علم لي بهذا الشيء”، فإن ذلك قد يعني ان حبال أوباما قد تشنق بوتين في النهاية ولو إقتصادياً. دخل بوتين متعهداً إنهاء المهمة في أربعة أشهر، وبعد سنة تقريباً، يستمر الحصان الروسي في الدوران حول ناعورة الدم السورية ربما لأربع سنوات وأكثر. ولكن دعونا ننتظر الربيع المقبل!
النهار
روسيا وإيران: خداع متبادل/ حسان حيدر
قرار طهران بوقف استخدام إحدى قواعدها الجوية لتزويد القاذفات الروسية بالوقود في غاراتها على المعارضة السورية، بعد استيائها من «قلة كياسة» موسكو، ليس مجرد تشتيت لإحراجات إيرانية داخلية فحسب، بل يعكس أيضاً مزاجية العلاقة بين الدولتين وهشاشتها، وما تنطوي عليه من خداع متبادل، على رغم تشديد الطرفين على بعدها الاستراتيجي والمصالح الطويلة الأمد التي تخدمها، والتي تبقى محل تقييم.
انتظرت إيران أياماً قبل أن تستفيق على «وقاحة» الروس وانفرادهم بالإعلان المتلفز عن نشر طائراتهم، في استهانة واضحة بها. والسبب الذي قدمته لامتعاضها أن الروس نقضوا اتفاقاً بالحفاظ على السرية التي تنتهجها هي استراتيجية دائمة منذ وصول رجال الدين إلى السلطة قبل نحو أربعة عقود. فالعمل في الخفاء تقليد معتمد لدى طهران التي رفعت طويلاً، على سبيل المثال لا الحصر، شعارات العداء للولايات المتحدة فيما كانت تفاوضها في السرّ.
أدركت طهران أن إعلان موسكو الصاخب كان استدراج عروض للأميركيين يستهدف إقناعهم بالدخول معها في اتفاق شامل حول سورية، بدلاً من الاعتراف المتدرج البطيء بدورها ونفوذها. فبوتين قد يكون مستعجلاً للحصول من باراك أوباما على أقصى ما يمكنه، قبل وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، ربما بات مقتنعاً أنه لن يكون «صديقه» دونالد ترامب.
لكن سكوت طهران عن الإعلان الروسي أسبوعاً، كان أيضاً يستهدف الضغط على الأميركيين قبل الانتخابات لتسريع إلغاء العقوبات الذي لا يزال يطبق بالقطارة، والاعتراف الواضح بنفوذها الإقليمي، وخصوصاً في العراق حيث تتشدد واشنطن في شروط ما بعد استعادة الموصل من «داعش» وفي دور الميليشيات الموالية لإيران في المعركة المنتظرة وفي مستقبل بلاد الرافدين، بما فيها إقليم كردستان الإشكالي.
وقد يكون حديث وزارة الدفاع الروسية عن احتمال توقيع اتفاق مع إيران مماثل لذلك الموقّع مع سورية، أثار حفيظة طهران المعتدّة بنفسها، والتي تعرف تماماً أن الاتفاق الذي سمح لروسيا بتوسيع انتشارها العسكري والتحكم بغرفة العمليات المشتركة مع الجيش النظامي السوري، تضمن انتهاكاً فاضحاً للسيادة الوطنية، وجاء مذلاً للحكم في دمشق، وأظهره مجرد تابع ينفذ الأوامر، إلى حد استدعاء بشار الأسد إلى القاعدة الروسية لتلقي تعليمات وزير دفاع موسكو. أما إيران فتعتبر نفسها لاعباً مهماً في المنطقة على قدم المساواة مع روسيا، إن لم تكن أهم منها، بسبب القرب الجغرافي والتاريخ المشترك.
وبالتأكيد فإن أحد الأسباب التي دفعت طهران إلى التراجع عن الاتفاق، هو أن القصف الروسي لم يغير عملياً الكثير على الأرض، لا سيما في منطقة حلب، حيث لم يتمكن الجيش النظامي والميليشيات الإيرانية من توظيف تكثيف الغارات في تغيير الواقع الميداني. بل أن الخطوة الروسية قد تكون السبب في اتخاذ الأميركيين إجراء مقابلاً يتناقض مع سياستهم بعدم التدخل المباشر، عندما أرسلوا طائراتهم لحماية مستشاريهم العسكريين العاملين مع «قوات سورية الديموقراطية»، في تلويح باحتمال إقامة منطقة حظر جوي تطالب بها المعارضة السورية منذ سنوات، وقد تشمل الطيران الروسي. فإذا قاست إيران مدى نجاح الخطوة بنتائجها تبين لها أن النتائج جاءت عكس ما ترغب، لأن توسيع التدخل الدولي في سورية أياً كان حجمه يأكل من دورها ونفوذها.
وفي حين تتصرف روسيا باعتبارها دولة كبرى تأخذ في حسابها تجاذباتها في شكل خاص مع الأميركيين والأوروبيين، في مناطق أخرى مثل أوكرانيا، ولا تجد حرجاً في التلميح إلى أن مصلحتها في استمرار منفذها على البحر المتوسط عبر سورية أهم من مصير الأسد على المدى الطويل، أو من تحويل سورية إلى كيان فيديرالي، تعتبر إيران أن تغيير النظام السوري أمر غير خاضع للنقاش، وأنها تخوض في سورية معركة «حياة أو موت» وتدافع عن نظام «الجمهورية الإسلامية» نفسه.
وثمة في طهران من يرى أن الإيرانيين يقدمون «التضحيات» في سورية من مالهم وجنودهم وميليشياتهم، فيما يقطف الروس وحدهم «الانتصارات» السياسية والخبطات الإعلامية.
الحياة
الجميع يناور في سورية تمريراً للوقت الأميركي الضائع/ عبدالوهاب بدرخان
مهمٌّ جدّاً أن تكون «وحدة سورية أرضاً وسيادة» المبدأ الأول في «التفاهم الثلاثي» الروسي – الإيراني – التركي، مهمٌّ أيضاً أن تكون «محاربة الإرهاب» هدفاً لجميع المتدخّلين في سورية، ومهمٌّ أكثر فأكثر أن تكون عودة المهجّرين واللاجئين الى مواطنهم في طليعة أهدافهم… لكن الأهمّ معرفة مَن يخدع مَن في عملية تغيير التحالفات هذه، وبالتالي مَن سيكون الرابح أو الخاسر فيها، خصوصاً أن هذه الأطراف الثلاثة وشريكها الرابع، نظام بشار الأسد، لم تتحدّث في غمار ترتيب تقارباتها عن «وقف الحرب» أو حتى عن «هدنة»، بل استهدفت الأكراد مفتتحةً حرباً أخرى داخل «الحرب على الإرهاب».
أين الولايات المتحدة مما يجري؟ هو السؤال الذي يتردّد حالياً، وجوابه أن «البطّة العرجاء» دخلت في غيبوبة الانتخابات الرئاسية. لم تتوصّل الى تنسيق متقدّم مع روسيا، لا عسكرياً ولا استخبارياً ولا سياسياً، ولم تظهر على الشاشة إلا لإنذار نظام الأسد بوقف هجمات طيرانه على قوات «حزب الاتحاد الديموقرطي» (الفرع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني») في الحسكة. لم يكن لديها موقف واضح لتهدئة هواجس تركيا حيال طموحات هذا الحزب الكردي ومشاريعه. والواقع أن الحراك الإقليمي الراهن، بإشراف روسي، هو نتيجة مباشرة وطبيعية للغموض أو اللاسياسة الأميركيَّين. فإدارة باراك أوباما قادت «حلفاءها» من سوريين وعرب وأتراك وأوروبيين الى المجهول، بعدما بالغت في منعهم من بناء أي توازن مع الحلف الروسي – الإيراني، وبالتالي كانت تُضعِف «الحل السياسي» أو ترجّحه لمصلحة الأسد وحلفائه.
لذلك، فإن صمت واشنطن حيال «التفاهم الثلاثي» الناشئ قد يكون مباركةً له طالما أن «التنازلات» الرئيسية لروسيا وإيران لم تأتِ منها بل من تركيا، مطمئنةً الى أن التنازل التركي العلني يتناغم عملياً مع التنازل الأميركي السرّي وإنْ لم يتمّ بالتنسيق مع واشنطن ولم يجيّر لمصلحتها بل لمصلحة روسيا واستراتيجيتها في إدارة الأزمة السورية. لكن الصمت قد ينطوي على انزعاج أميركي من تركيز أطراف «التفاهم» على زعزعة «الورقة الكردية» التي لعبتها واشنطن تحت راية «محاربة داعش»، ولم تكترث للقلق الذي أثارته لدى أنقرة أولاً ولدى طهران ودمشق لاحقاً، ما أدّى الى تقاطع مصالح هذه العواصم. وعلى رغم أن تفاهماً مع الأميركيين دفع الروس أيضاً الى الانفتاح على الأكراد وعرض المشاركة في تسليحهم وحتى دعم اعتمادهم النظام «الفيديرالي» وفرضه على أي حل سياسي، وصولاً الى فتح ممثلية لهم في موسكو، إلا أن استمالة تركيا استحقّت تجميد أو التظاهر بتجميد هذا التفاهم.
بين الأسباب التي كانت أقنعت روسيا باستقطاب أكراد الفرع السوري لـ «بي كي كي»، أن هؤلاء ظلّوا طوال الأعوام الخمسة الماضية متعاونين مع حليفيها النظامين الإيراني والسوري، وتم توظيفهم (كما وُظّف «داعش» في بداياته) في إضعاف سيطرة المعارضة والحدّ من انتشار «الجيش السوري الحرّ»، كما في مناكفة تركيا وإثارة أكرادها وحض الـ «بي كي كي» على استئناف عملياته ضد الجيش والشرطة التركيين. غير أن نفوذ طهران ودمشق لدى أكراد صالح مسلم راح يتراجع تدريجاً مع تطوّر علاقة هؤلاء مع الأميركيين الذين أشعروهم بأن قتالهم ضد «داعش» يمكن أن يُكافأ بإقليم كردي في شمال سورية وفقاً لسيناريو الإقليم الكردي في شمال العراق، على رغم اختلاف الظروف. وبما أن روسيا تتصرّف في سورية وفقاً لحاجاتها، فقد أخذت في الاعتبار خشية حليفيها الإيراني والأسدي من انقلاب «الورقة الكردية» ضدّهما، وبعد مصالحتها مع أنقرة وجدت الفرصة سانحة لمقايضة تجميد انفتاحها على الأكراد وتقديم «ضمانات» لمنع إنشاء كيان كردي على حدودها (وهي ضمانات تلكّأت أميركا في توفيرها) لقاء تغيير تركيا مقاربتها الأزمة السورية وتخلّيها عن مطلب «رحيل الأسد»، وبالتالي دعمها حلاً سياسياً يبدأ بـ «حكومة وحدة وطنية» تضم معارضين تحت رئاسة الأسد لمرحلة انتقالية وصفتها إعلانات بن علي يلديريم الترويجية بـ «القصيرة».
لا شيء يضمن ثبات الموقف الروسي لأن الأولوية عند موسكو تبقى لمصالحها وللتفاهم حيثما أمكنها ذلك مع الولايات المتحدة، وإذا اقتضت القبول بإقليم كردي سوري فإنها لن تعرقل قيامه. وفيما دخل الروس وسواهم مرحلة انتظارالإدارة الاميركية المقبلة وخياراتها، فإن ذلك لا يمنع موسكو من استغلال الوقت الضائع بمزيد من الإذلال لإدارة أوباما بتجريدها من الحليف التركي أو بتقاسمه معها، أقلّه في المعادلة السورية. لذلك، قد يكون في مصالحة فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان جانب استراتيجي أبقي بعيداً من الأضواء وشكّل قاعدة صلبة للتغيير التركي، الذي لم يظهر منه حتى الآن سوى العناوين. فخطورة المسألة الكردية هي داخلية بالنسبة الى تركيا قبل أن تكون على الحدود مع سورية، وبالتالي فإن «الضمانات» التي تطلبها تتعلّق بأمنها القومي وثبات كيانها الجغرافي وبوقف عملية «تصحيح سايكس – بيكو» لإنصاف الشعب الكردي.
لم يرَ الإيرانيون ضرورة لإبراز «وحدة سورية» إلا في سياق اجتذاب تركيا الى المحور الذي يضمّهم مع روسيا ونظام الأسد، وتفعيلاً للتوافق الذي نشأ مع الأتراك في مواجهة الخطر الكردي. قبل ذلك، كانت طهران طرحت نفسها شريكاً لأي قوة دولية تريد تغيير خرائط المنطقة، وعندما كانت تحقق «انتصارات» ميدانية في سورية، لم يتردّد بعضٌ من مسؤوليها وأبواقها في التفاخر بأن إيران هي التي تقود «تصحيح سايكس – بيكو» بخريطة جديدة من ابتكاراتها. وبعد التوقيع على الاتفاق النووي، ظنّ الإيرانيون أنهم تموقعوا جيداً لإدارة المنطقة كقوة ثالثة بين روسيا والولايات المتحدة، لكن هذا الشعور بفائض القوة راح يتقلّص بعدما اضطر المرشد علي خامنئي لطلب التدخّل الروسي في سورية، وبعد سلسلة خسائر بشرية في العديد من الجبهات، ثم باضطراب مناطق الكرد داخل إيران، وأخيراً بإعارة قاعدة همدان الجوية للروس وما استتبعها من تداعيات. بل يبدو أن طهران أدركت أن موسكو ذهبت بعيداً في ضماناتها لمصالح تركيا في شمال سورية، لكنها لم تبدِ حماسة لضمان المصالح الإيرانية، ففي نهاية المطاف يعطي الموقع الجغرافي لتركيا ميزات وإمكانات للعب دور عسكري لا تملكها إيران للعب دور مماثل.
الأكيد، أن خطب ودّ أنقرة يستدعي قبول نفوذها في شمال سورية، وهو ما أوحت به روسيا وإيران، وما باشرت تركيا ممارسته في منطقة جرابلس التي طالما اعتبرتها «خطاً أحمر» لأمنها القومي، سواء لضرب «داعش» وطرده منها، أو لمنع الأكراد من الوصول الى عفرين، غرب الفرات، تحت غطاء «قوات سورية الديموقراطية». هذا لا يعني أن روسيا وإيران ونظام الأسد تخلّوا عن هدف استراتيجي آخر هو إضعاف المعارضة السورية بل تصفيتها للتمكّن من فرض «حل سياسي» بشروطهم. والمطلوب من تركيا أن تنخرط في هذا المسار الذي سينعكس بالضرورة على دعمها الفصائل، ولذلك تباطأت الحملة للسيطرة على حلب كاملة. فليس متاحاً لتركيا أن تنال مصلحتها وأن تواصل الحرب على النظام كما في السابق، وقد تحاول إقناع حلفائها الجدد بإبقاء خطوط التماس على حالها الراهنة لتمرير استئناف التفاوض في جنيف، لكن يصعب أن تنجح في ذلك لأن الأجندات الاخرى تعاكس رغباتها ومناوراتها.
من الطبيعي أن تكون للتوجّهات التركية الجديدة انعكاسات سلبية أيضاً على التنسيق مع جهات عربية عدة في دعم المعارضة. ومع افتراض أن الجانب العربي، الذي خاض مراهنتين خاسرتين على الولايات المتحدة وروسيا، سيحافظ على الحدّ الأدنى من المراهنة على تركيا، فإنه لن يستطيع تقبّل تصفية المعارضة وانفراد الأطراف الدولية والإقليمية بتقرير مصير سورية وشعبها، خصوصاً أن المبادئ المطروحة لـ «الحل السياسي» تبدو صفقة خداع أكثر مما هي مشروع لإنهاء الصراع.
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة
سوريا:خدعة روسية إيرانية/ ساطع نور الدين
لم يسبق لحرب كبرى مثل الحرب السورية ان إحتوت على هذا القدر من النفاق العلني والخداع المكشوف . ليس ثمة مؤامرة، ولا مباغتة، ولا حتى عملية تمويه، بل مستوى متدنٍ فقط من التعامل مع الجمهور، مع الاعلام، ومع الذات، وهو يعري الروس ويفضح الايرانيين، ولا يثير غير السخرية.
التعاون العسكري الروسي الايراني، كان وسيبقى أهم عناصر الحرب السورية، وأحد عوامل تحولها الى “حرب كونية” على غالبية الشعب السوري المعارضة لنظام بشار الاسد، يمكن أن ينضم اليها الصينيون، ولن يوقفها الاميركيون والاوروبيون. هذا التعاون بلغ مرحلة متقدمة قبل أسبوع مع الاعلان عن فتح قاعدة همدان الايرانية امام القاذفات الروسية الاستراتيجية، لاختصار مدى طيرانها وزيادة حمولتها من القذائف المدمرة للاهداف السورية. قبلها كان أيضا الاعلان عن السماح بتحليق الصواريخ الروسية العابرة للقارات في الاجواء الايرانية لضرب أهدافها في سوريا. وقد سقط بعضها كما هو معروف في داخل الاراضي الايرانية نفسها نتيجة خلل تقني.
وبناء على هذا التعاون الاستراتيجي المتصاعد، لم يبق في الترسانة العسكرية الروسية سوى السلاح النووي خارج الحرب السورية، وإن كان لا يستبعد ان يلجأ الروس يوماً ما الى استخدموا الصواريخ المزودة برؤوس حربية من اليورانيوم المستنفذ، على غرار ما فعل الاميركيون في العراق، إن لم يكن قد استخدموها بالفعل. ولم يبق في الترسانة السياسية الايرانية سوى الاعلان عن تحويل إيران الى قاعدة مفتوحة امام الجيش الروسي بكامل اسلحته الجوية والبرية وربما البحرية أيضاً. فالحرب في سوريا تشتد ضراوة والمعارك تزداد حساسية يوماً بعد يوم..
لكن، مهلاً. ثمة ما طرأ فجأة على هذا الحلف الاستراتيجي. فقد تنبهت إيران بالامس الى أن موسكو حليف غير موثوق، لا في الملف النووي ولا في الملفات الاقليمية، السورية والعراقية والخليجية عموما. لذلك قررت إقفال قاعدة همدان في وجه القاذفات الروسية المتجهة الى سوريا.. وحجتها ان موسكو كشفت بل وتفاخرت بفتح تلك القاعدة، ما أحرج القيادة الايرانية أمام جمهورها، الذي ما كان يجب ان يعلم بتلك الخطوة المهمة، وما كان يفترض ان يتدخل في النقاش الداخلي، الذي دار حول مسؤولية المرشد علي خامنئي ومجلس الدفاع الاعلى، ووراءهما حكومة الرئيس حسن روحاني ومجلس النواب الذي خرج من صفوفه 30 نائباً وجهوا سؤالاً الى الحكومة حول استخدام الروس لقاعدة همدان.
هي إذا مسؤولية الروس ولسانهم الطويل. فالقيادة الايرانية تثق على الارجح في انها كانت قادرة على اخفاء هذا التحول الاستراتيجي عن أعين شعبها وعن الاقمار الصناعية وأجهزة الرصد الجوي والرادار المنتشرة في محيط ايران، وتظن ان الدول التي أبلغتها موسكو سلفاً بفتح قاعدة همدان أمام قاذفاتها الاستراتيجية، وعلى رأسها أميركا وإسرائيل، عدا عن بلدان أخرى معنية بحركة الطيران في الاجواء الايرانية، لن تنبس ببنت شفة وستلتزم الكتمان على الامر، ولن تفاخر هي الاخرى بان الروس أبلغوها مسبقاً بالمسار الجديد لقاذفاتهم البعيدة المدى.
المهم، أن إيران سجلت حرصها الشديد على سيادتها الوطنية وحساسيتها الخاصة تجاه أي قوة عسكرية أجنبية تستخدم أراضيها او مجالها الجوي، لكنها عادت، وعلى لسان كبار المسؤولين الايرانيين، الى التأكيد على ان التعاون مع الروس في مكافحة الارهاب مستمر وعلى مختلف الصعد. وكذلك فعل الروس الذين احترموا الارادة الايرانية، لكنهم اوضحوا ان التسهيلات العسكرية التي قدمتها طهران ما زالت قائمة، ويمكن ان تستخدم في أي وقت، بما فيها قاعدة همدان بالذات.
وهكذا إنشغل العالم على مدى اسبوع مضى في جدل حول تطور التعاون العسكري الروسي الايراني، وملامسته، بل ربما إختباره فكرة إقامة قاعدة جوية دائمة للقاذفات الروسية على الاراضي الايرانية.. تماما مثلما إنشغل العالم في شهر آذار مارس الماضي، بقرار الرئيس الروسي فلاديمير بويتن سحب الوحدات الجوية والفضائية الروسية من سوريا، والذي تبين أنه كذب مفضوح، وبلا أي غرض.
الثابت هو التعاون الروسي الايراني في سوريا باقٍ ويتمدد، وهو يعتمد الان نمطاً جديداً من الخداع.. للروس والايرانيين وحدهم، قبل سواهم.
المدن
تداعي الأيديولوجيا الإيرانية: من همدان إلى “الجيش الشيعي الحر”/ علي الأمين
يدخل المشهد السوري مرحلة جديدة، مرحلة أطلق التساؤلات حولها كلام رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم حول مستقبل سوريا والأسد ليستخدم في ما يخدم الوجهة الإيرانية، لكن ما قاله يلدريم عن ستة أشهر ستشهد تغييرات في سوريا باتجاه التسوية لا يختلف عن السياق التركي العام، والذي لم تخرج عنه أنقرة بوجوب خروج الأسد من السلطة وأن لا مستقبل له في سوريا.
لا يخفى أن إيران تحاول التمسك بأي قشة تنجيها من المزيد من الغرق في الرمال السورية، عبر خلق أكبر قدر من الشركاء يخفف من الانهيار المرتقب للنفوذ الإيراني في هذا البلد أو يحدّ منه، هكذا كانت خطوة طلب إيران من روسيا التدخل قبل أكثر من عام، وها هي تحاول أن تجد مع تركيا نقاط تقاطع، لعل الملف الكردي عموما وفي سوريا خصوصا، أصبح مساحة اختبار لتلاقي المصالح بين الدولتين. وكان لافتا بيان الجيش السوري النظامي الذي انتقل من اعتماد تسمية وحدة حماية الشعب حين التحدث عن القوة الكردية العسكرية في سوريا، لينتقل للحديث عن وجود حزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية، مترافقا مع قصف للحسكة قام به الجيش الأسدي ضد الأكراد قبل يومين. والموقف الرسمي السوري يعطي الضوء الأخضر للجيش التركي للتدخل في الأراضي السورية على عمق عشرة كيلومترات، بناء على معاهدات بين البلدين. الموقف السوري يندرج في إطار الرسائل الإيرانية والروسية الإيجابية للحكومة التركية.
الغرق الإيراني في سوريا ومحاولة النجاة منه دفعا طهران إلى أنقرة مستفيدة من التباعد بين تركيا وأميركا بعد العملية الانقلابية الفاشلة، وبالموازاة قامت القيادة الإيرانية في خطوة غير مسبوقة ومخالفة للدستور الإيراني بالسماح لروسيا باعتماد قاعدة همدان الجوية منطلقا للطائرات الروسية المتجهة لرمي حممها في سوريا.
في رد فعل على هذه الخطوة الإيرانية من قبل الحرس الثوري قام ما يقارب الـ30 نائبا في البرلمان الإيراني بتوجيه رسالة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني وإلى رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، لانتقاد تواجد الروس العسكري في إيران، وإظهار مخاوفهم الأمنية وتأثير ذلك على الأمن القومي الإيراني، حيث أوضح النواب أن جميع الدفاعات الإيرانية تصبح مكشوفة أمام الطيران الروسي، وأنه لا يمكن الوثوق في روسيا كحليف استراتيجي لإيران في المنطقة وأن موقف روسيا وتلاعبها في قضية الملف النووي الإيراني أثبتا ذلك حسب رسالة النواب الإيرانيين.
في مقالة نشرتها صحيفة “يديعوت أحرنوت”، أوضح إفرايم هليفي، الرئيس الأسبق لجهاز الموساد، أنه في ظل علاقات الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل وروسيا، فإن اضطرار إيران للسماح للقاذفات الروسية بالتمركز في قواعدها يخدم المصالح الإسرائيلية.
الخطوة الإيرانية التي اعتبرها نواب في البرلمان الإيراني مخالفة للدستور، الذي يمنع إقامة أي قواعد عسكرية أجنبية على الأرض الإيرانية، كشفت كيف أن التورط الإيراني في سوريا يزيد من تقديم إيران تنازلات للدول الكبرى من دون أن تبدي أي استعداد للحدّ من التورط في مواجهات على امتداد المنطقة في حرب أقل ما يقال عنها إنها تدمر الدول العربية والإسلامية ومقدرات المسلمين.
وإمعانا في هذه السياسة التدميرية للدول العربية عمدت قيادة الحرس الثوري إلى الإعلان عن تأسيس الجيـش الشيعي الحر كما سماه العميـد محمـد علي فلكي، أحد قيادات الحرس الثـوري في سوريـا، الـذي قال “إن لواء فاطميون الأفغاني، الذي يشارك بشكل واسع في الحرب السورية، يعدّ نواة للجيش الشيعي الحُر، الذي نتطلع إلى بنائه وتشكيله، ليضم ويوحد جميع الشيعة من كافة الملل، بقيـادة الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق قدس الإيراني، الجناح الخارجي للحرس الثـوري الإيراني في المنطـقة”.
وهذه المرة الأولى التي يصدر عن قيادي رسمي إيراني إعلان تأسيس قوة خارجية لها صفة مذهبية، باعتبار أن إيران كانت دائما تعتمد عناوين إسلامية عامة لأذرعها الخارجية لكنها هذه المرة تتحدث بصراحة عن قوة عسكرية شيعية في المنطقة العربية يقودها إيراني، وأيضا هو تعبير عن أن القيادة الإيرانية ذاهبة نحو المزيد من القتال باسم الشيعة، تأمينا لنظام مصالحها القومي على حساب تفتيت الدول العربية.
ولا ينتهي المشهد الذي يؤشر إلى المزيد من الانهيار في السياسة الخارجية وصولا إلى الداخل، إذ قال مساعد وزير الصحة الإيرانى علي أكبر سياري، إن ثلث الشعب الإيراني يعاني الجوع والفقر، وإن أسوء العلاقات التي تحققت لإيران الثورة بعد نحو أربعة عقود ليس المزيد من إفقار الشعب الإيراني فحسب، بل الشرخ مع جموع المسلمين السنة فيما علاقات إيران مع روسيا متينة ومع “الشيطان الأكبر” أكثر من متطورة والميدان العراقي شاهد حي لهذا التعاون.
مهما اتفق الآخرون أو اختلفوا على مبادئ الثورة الإيرانية، فالأكيد أنّ القيادة الإيرانية هي أول من انقلب على هذه المبادئ. سوريا كشفت هزال هذه المبادئ في السياسة الإيرانية على امتداد هلال الممانعة.
كاتب لبناني
العرب
موفد أميركي إلى سورية لا يتكلم إلا الروسية/ محمد قواص
تكشف التسريبات التي نشرت حول اجتماع المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني مع الهيئة السياسية للائتلاف السوري المعارض جوانب من الخطوط العريضة للسياسة الأميركية إزاء سورية. فواشنطن، وفق رواية الرجل، تريد وقف الحرب واستئناف المفاوضات. لكنه يطالب المعارضة بالحوار مع روسيا، مؤكداً أن لا نية لبلاده تشكيل فيديرالية كردية.
يقدم راتني رواية ملائكية حول مرامي بلاده في سورية. يروي سبقاً خبرياً بالإعلان عن أن الروس يريدون بقاء بشار الأسد، فيما واشنطن تريد سورية جديدة من دونه. ويضع راتني تواصل بلاده مع موسكو في إطار ردّ الهزيمة عن المعارضة، والتي لولا ذلك لتمّ سحقها، وأن رفض واشنطن للتعاون العسكري مع موسكو هدفه حماية هذه المعارضة. ويجرّ المبعوث الأميركي مستمعيه إلى بيت القصيد: «تواصلوا مع الروس».
يعلن الموفد استقالة بلاده من قضية مستمعيه، وينسى أن سفير بلاده في دمشق اصطحب نظيريه البريطاني والفرنسي وذهب بهم إلى المتظاهرين في حمص عام 2011 يبارك حراكهم ويعلمهم أن العالم بقيادة أميركا معهم. يهمس الديبلوماسي الأميركي أن روسيا تضع كل فصائل المعارضة في خانة النصرة وأن بلاده تكبح جماع جيش بوتين في اجتثاث أي معارض لحكم الأسد في دمشق، وأن التدخل الأميركي لدى موسكو هو ما يفسّر امتناع الطيران الروسي عن القصف الممنهج لأحياء حلب الشرقية أثناء شن المعارضة «ملحمة حلب الكبرى» لكسر الحصار عن المدينة.
يشكو رجل واشنطن من تقاعس عربي سنّي عن الالتحاق بخطط بلاده ضد داعش ما يبرر الخيار الكردي في هذا الصدد. وهو وإن نفى أي غطاء سياسي لأي طموح كردي فيديرالي في سورية، أكد أن الأكراد مكوّن سوري لن يختفي من الساحة السورية، مطالباً المعارضة بأن تحاوره.
في ما يتناول شأن المواجهة ضد تنظيم داعش، يظهر راتني واثقاً من استراتيجية بلاده، مسيطراً على تكتيكاتها السياسية والعسكرية. تبدو معركة منبج – الرقّة في سورية ومعركة الفلوجة – الموصل في العراق معركة واحدة ذات خرائط مشتركة. تقود واشنطن حربها باختيار الحلفاء وتحديد الأعداء، وتجيد برشاقة تأجيل التناقضات التي قد تعرقل خططها. تعمل واشنطن على تدوير كل الزوايا في العراق. تدافع عن حيدر العبادي على رأس الحكومة في العراق، وتدفعُ عن سليم الجبوري تهمة الفساد لتؤمّن استقراراً على رأس البرلمان. ترعى تحالفاً بين الأكراد والعشائر العربية في شمال سورية وتؤجّل استحقاق المصير الكردي هناك. فما يريد ساكن البيت الأبيض الراهن أن يسمعه هو انجاز لافت ضد داعش يتوّج به نهاية عرضه الرئاسي ويرفد مرشّحة حزبه بحُفنات دعم يحملها غبار الحرب ضد الإرهاب، غير آبه، في هذه الفترة، بأي تطوّر «مزعج» في مصير حلب ومآلات ذلك على قصر المهاجرين في دمشق.
تتشابه وظيفة راتني لدى المعارضة السورية هذه الأيام ووظيفة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدى النظام السوري عام 2013. غضبت واشنطن وحرّكت قطعها البحرية باتجاه الشواطئ السورية آنذاك إثر اتهام نظام دمشق باستخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية بريف دمشق. استدعى وزير الخارجية الروسي نظيره السوري وليد المعلم وتولى بالإنابة عن الولايات المتحدة الإشراف على سحب الترسانة الكيماوية السورية.
تنسجم رواية راتني في مداولاته مع المعارضة السورية مع الوكالة التي منحتها بلاده لروسيا لـ «التصرف» في الملف السوري. جرى تلزيم المسألة السورية لفلاديمير بوتين الذي تبرّع بالعدّة والعديد في الإقدام على ما تعفف أوباما وحلفاؤه الغربيون القيام به. وليس صحيحاً الاعتقاد بسطحية طفولية أن واشنطن تروم استدراج روسيا إلى الغرق في الأوحال السورية، بل إن الولايات المتحدة واكبت الجهد الروسي بكل السُبل السياسية واللوجيستية والديبلوماسية المساعدة لإنجاح بوتين في انتاج «حلّ ما» في سورية.
يكاد المبعوث الأميركي مايكل راتني في ما تلاه في اجتماعه بوفد المعارضة أن يكون موظّفاً لدى الحكومة الروسية وليس الأميركية. محصّلة القول إن روسيا قادرة على سحقكم وهي إن فعلت فلن تلقى اعتراضاً أميركياً، وأن وزير خارجيتنا الذي يزور موسكو أكثر من واشنطن بات ينصحكم أن تتحادثوا مع الروس وليس معنا.
بيد أن في شكل التسريب ما يمكن أن يكون أخبث من مضامينه. وكأن هذا التسريب كان مقصوداً بهدف اطلاع «الشريك» الروسي على حسن السلوك الأميركي في «تطويع» المعارضة وفق الأجندة الروسية، على نحو يبرئ واشنطن من أي تجاوزات للخطوط الروسية – الأميركية التي قد تخترقها قوى المعارضة المدعومة من مرجعيات إقليمية أخرى.
لا يعبّر راتني عن الأجندة الأميركية في سورية كما قيل، بل يترجم بدقة سلوك إدارة أوباما قبل أشهر من انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) الرئاسية في التعاطي مع الملف السوري في بعده الثنائي بين نظام ومعارضة. وفيما تعرف واشنطن أن الحلّ السوري ليس بيد الأطراف المحلية، فإن في إمكانها بيع بضاعة لا تقدّم في ملف الصراع ولا تؤخر، على أن تسهر على تجميد الملف والحفاظ على المراوحة في شأنه بانتظار استقرار الإدارة الجديدة في واشنطن.
وفيما يجهد الكرملين في فرض وقائع جديدة في المنطقة داخل قاطرات متعددة تُراكمُ التوافق مع إسرائيل ثم ذلك مع تركيا ثم اعتماده لهمدان الإيرانية قاعدة انطلاق لطائراته الاستراتيجية، فإن واشنطن ترسم ظلال نفوذها وراء الأكراد من أقصى الشرق السوري متجاوزة الفرات غرباً باتجاه منبج والباب، فيما تنتشر قواعدها العسكرية، التي قيل أن عددها قد يصل إلى أربعة، في الشمال السوري من دون ضجيج، لتعيد تموضع الوجود الأميركي واستباق تمدده صوب الورش الأميركية في العراق.
بالنهاية قد يعمل لافروف يومياً في خدمة أجندة واشنطن، ذلك أن سكان الكرملين والجوار يعرفون حدود قوتهم والحدّ الأقصى لمناوراتهم ويدركون بأنهم لا يلعبون إلا ضمن فراغ مقصود أو مهمل. بيد أن مايكل راتني لا يفعل سوى الإيحاء لروسيا بأن ما من قوة تكبح قيصرها، حتى يحلو للوافد للبيت الأبيض أن يملأ الفراغ بالسلوك المناسب.
* صحافي وكاتب لبناني
الحياة
المعركة في حلب والصراع في إيران!/ هدى الحسيني
من المؤكد أن إيران كانت تفضل سياسة «التقية» ولم تسعد بإعلان روسيا أنها تستعمل قاعدة عسكرية داخلها، فهذا أشعر الإيرانيين بالإحراج؛ إذ لم يكن يجب أن يعرف العالم، فإذا بوزارتي الدفاع والخارجية الروسيتين تفاجئان إيران، لكن من أجل حماية حليفها الأسد لا وقت أمام إيران لاستعراض عضلاتها على روسيا، فطيران الأخيرة ضروري لحماية النظام في سوريا كما القوات الإيرانية وحلفائها، لذلك فإن الطائرات الروسية ستعود لاستعمال القاعدة الإيرانية إنما بعد إيجاد إخراج أفضل لا يحرج «الثورة المكتفية ذاتيًا»، وبعد تهدئة البرلمان والشارع.
بسبب بشار الأسد، فإن سوريا واقعة بين ناري دولتين؛ واحدة يشدها جنون استرجاع الماضي، وأخرى فاقدة المصداقية. روسيا تشعر أن الوقت مناسب لتحقيق طموحات سابقة، رغم أزمتها المالية والاقتصادية. بعد القاعدة العسكرية في إيران، قال مصدر في وزارة الدفاع الروسية إن حاملة الطائرات (الوحيدة) «الأدميرال كوزنتزوف» تخضع لإصلاحات حتى تكون جاهزة في نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل لعمليات طويلة المدى على الساحل السوري. أيضًا دعت موسكو أنقرة لتوفير منفذ لها في قاعدة إنجيرليك، في محاولة لتوسيع نفوذ روسيا في الشرق الأوسط. القاعدة التابعة للحلف الأطلسي تحتوي على ما لا يقل عن 50 رأسًا نوويًا يحمل كل منها مائة ضعف القدرة التدميرية لقنبلة هيروشيما.
إيغور موروزوف، عضو لجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ، قال: «القاعدة الثانية ستكون إنجيرليك، وسيكون هذا انتصارًا آخر لـ(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين». (صحيفة «إيزفستيا» – 20 أغسطس/ آب الحالي). وقال سيناتور آخر، هو فيكتور أوزيروف (لوكالة «نوفوستي»): «قد لا تحتاج روسيا لإنجيرليك، لكن هذا القرار يكشف نيات تركيا في العمل مع روسيا لمكافحة الإرهاب».
وبالنسبة إلى إيران، ففي وقت تحاول فيه كل من روسيا وإيران تقليل الطموحات الإقليمية، إلا أن مراقبين سياسيين يرون في الأفق استراتيجية روسية أبعد. يقول مصدر روسي: «هناك إمكانية لتوسيع الغارات الجوية الروسية بحيث تشمل العراق». سوريا مهمة، لكن هناك ما هو أكثر من ذلك. روسيا تريد بسط نفوذها على كامل المنطقة، وأن تكون لها قواعد في كل مكان.. تريد دفع الأميركيين خارجًا لتصبح القوة المهيمنة في المنطقة.
يوم الاثنين الماضي أعلن ناطق باسم الخارجية الإيرانية وقف التحرك الروسي من الأراضي الإيرانية، وردًا على سؤال حول عدم إعلان إيران أولاً عن الوجود الروسي، ظهر وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان مرتبكًا، وقال: «الروس مهتمون بإظهار أنهم قوة عظمى، ويريدون ضمان حصة لهم في المستقبل السياسي لسوريا». دهقان نفسه كان قال في مؤتمر صحافي يوم السبت الماضي إن إيران مستعدة لأن توفر قاعدة جوية ثانية لروسيا. ودافع بشكل قاطع عن استخدام الروس قاعدة همدان على أنه يأتي وفقًا للمعايير الدولية في الحروب التقليدية. وأعلن دهقان في محاولة لتهدئة المعارضين الإيرانيين في البرلمان كما في الشارع، أن بلاده تسلمت كامل صفقة صواريخ «إس – 300». لكن وسائل إعلام إيرانية قريبة من «الحرس الثوري» أشارت إلى أن القوات المسلحة الإيرانية «اشترت» من روسيا رشاشات «إيه كيه – 103»، والمعروف أن الأسلحة الصغيرة لا يشملها بالمنع القرار الدولي «2231».
وتمادى دهقان في شرح الإقدام الإيراني، فقال إن بلاده «تقود التحالف الذي انضمت إليه روسيا، والآن من الممكن لتركيا العودة عن سياساتها الخاطئة والعدائية تجاه سوريا والانضمام إلى التحالف».
يقول مصدر روسي: «فوجئت بإعلان وزارة الدفاع الروسية أننا في إيران. اعتدنا على سرية المؤسسة العسكرية الروسية. أعتقد أن الإعلان كان سياسيًا لنثبت للعالم أن روسيا وإيران عسكريًا معًا».
القاعدة الإيرانية مهمة لروسيا، لأن مزيدًا من القصف يعني مزيدًا من الأراضي. وقال مسؤول إيراني إن الترتيب الروسي – الإيراني حدد سوريا، لكنه كان استراتيجيًا، وتحذيرًا للدول التي تدعم الإرهاب والتي تريد الإطاحة بالأسد.
تبعد القواعد الروسية 3 آلاف كيلومتر عن سوريا. في حين أن انطلاق الطائرات من همدان يقلص المسافة إلى 700 كيلومتر، وهذا يعني أن طائرات «توبوليف – 22» تستطيع زيادة حمولتها.. من روسيا تحمل ما بين 5 و8 أطنان من الذخيرة، بينما من إيران تصل الحمولة إلى 22 طنًا. ثم إن طائرات «سوخوي – 34» لا تستطيع أن تصل إلى سوريا من روسيا من دون التزود بالوقود في الجو.
لا يعطي محدثي الغربي أهمية لكل هذه التفاصيل، بل يقول إن التوقيت متصل بالوضع المهترئ للأسد وتقدم الثوار في منطقة حلب، مما تطلب استجابة فورية. وقد يكون التوقيت نابعًا من الخسائر التي تكبدها «الحرس الثوري» والقوات البرية الإيرانية ومقاتلو «حزب الله» في سوريا، ودفع هذا إلى شكوى الإيرانيين من أن التغطية الجوية الروسية غير كافية. لكنه يرى تحسنًا للعلاقات بين روسيا وإيران، خصوصًا في تعاونهما لإنقاذ نظام الأسد. ثم إن ميخائيل بوغدانوف، الممثل الخاص لبوتين في الشرق الأوسط وأفريقيا، التقى أخيرًا محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، وتباحثا حول تعزيز التعاون الإقليمي. كما أعلن عن أن بوتين سيزور طهران في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
يتوقع محدثي ألا تطول القطيعة الإيرانية لروسيا. ويقول إن روسيا الآن في خضم مناورة كبيرة في البحر الأبيض المتوسط وبحر قزوين، والإيرانيون يشاركون في جزء من مناورات قزوين.
إن العلاقة بين روسيا وإيران، حتى بعد ضجة همدان التي كشفت عن عمق الخلافات داخل القيادات الإيرانية، لا يمكن ترجمتها بتحالف أو معاهدة، فالدولتان مصالحهما متعارضة وأهدافهما مختلفة والشكوك متبادلة بينهما، حتى عندما يتعلق الأمر بسوريا، والتحسن في العلاقات بينهما لا يعكس أكثر من صفقات مالية.
التعاون الآن تستغله الدولتان لتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة والغرب والخليج العربي بأنهما الأقوى تأثيرًا في المنطقة، وأنهما تلعبان دورًا محوريًا في تشكيل النظام الجديد. أميركا وصفت الخطوة بالمؤسفة إنما غير المستغربة، ومخالفة للقرار الدولي.
خلافًا للتقارير، فهذه ليست المرة الأولى التي تستعمل فيها روسيا قاعدة همدان؛ إذ كشفت الأقمار الصناعية في ديسمبر (كانون الأول) 2015 عن قاذفات روسية في القاعدة ذاتها. وفي الشهرين الماضيين جرت اجتماعات رفيعة المستوى بين إيران ومسؤولين روس، حيث ناقش الجانبان «سوريا»، وزيادة التعاون الثنائي، وشارك علي شمخاني، مسؤول الأمن القومي الإيراني، في الاجتماعات التي جرت بين وزيري الدفاع الروسي والإيراني في طهران في شهر يونيو (حزيران) الماضي، وكان وزير الدفاع السوري شارك في جزء منها. وأتبع شمخاني ذلك برحلة إلى موسكو، حيث التقى كبار مسؤولي وزارة الدفاع. وكان شمخاني أكد للإعلام الإيراني خبر استعمال الطائرات الروسية للقاعدة الإيرانية، ووصف التعاون الروسي – الإيراني ضد الإرهاب بأنه «عمل استراتيجي»، وأشار إلى أن إيران ستضع كل منشآتها تحت تصرف روسيا «في حربها ضد الإرهاب»، وقال إن «التعاون الموسع سيستمر حتى القضاء الكامل على الإرهاب». بعد إعلان دهقان وقف استعمال روسيا القاعدة الإيرانية، عاد شمخاني ليؤكد أن التعاون مع روسيا استراتيجي وأبعد من الإرهاب.
في هذه الزحمة من التصريحات الإيرانية المتناقضة، اختفى صوت الجنرال قاسم سليماني.
إن التعاون الروسي – الإيراني مستمر، ويعني أيضًا أن الدولتين لن تخففا من دعمهما للأسد، وأنهما على استعداد لتعزيز تعاونهما العسكري بطرق جديدة إذا لزم الأمر. الحرب في سوريا في لحظة حرجة، قوات النظام والقوات والميليشيات الموالية له، وقوات المعارضة، تتصارع من أجل السيطرة على حلب. وقرار إيران السماح علنًا بقوات أجنبية فوق أرضها، دليل على رغبتها في تحقيق مكاسب استراتيجية، وألا تذهب التكلفة المالية العالية لتورطها في الحرب السورية سدى، حيث خسرت أيضًا أكثر من 400 من «الحرس الثوري» وعددًا من الجنرالات.
من جانبها، تريد روسيا ترجيح كفة المعركة لصالح حليفها الأسد. معركة حلب لن تحسم، إنما انفجر الصراع الداخلي في إيران بين علي شمخاني وقاسم سليماني، والذي أشعل النار بينهما هو الرئيس حسن روحاني الشمخاني الميول.
الشرق الأوسط
وهم روسيا حول نفوذها في الشرق الأوسط
ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد
أوحت تقارير الإعلام في الشهور القليلة الماضية كما لو أن نفوذ روسيا يتنامى في الشرق الأوسط. وعلى أي حال، فإن الطيران الروسي قد ساعد بالفعل «بشار الأسد» لتعود له اليد العليا ضد المعارضة في سوريا. ثم قامت تركيا بشكل مفاجئ ومكثف بالسعي نحو إصلاح العلاقات مع روسيا، في الوقت الذي تراجعت فيه العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة. وأخيرًا وليس آخرًا، قامت الطائرات القاذفة الإستراتيجية لروسيا بشن غارات على سوريا بعد الإقلاع من قاعدة جوية إيرانية.
واليوم، أصبحت القيود الجيوسياسية الخطيرة التي تواجه روسيا في توسيع نفوذها في الشرق الأوسط واضحة تمامًا. وأوضحت مؤخرًا المتحدثة باسم وزارة خارجية الكرملين أن روسيا وتركيا لا تزالان على خلاف بشأن سوريا. وصرح وزير العدل التركي «بكير بوزداغ» أن أي أحد يدّعي أن تركيا تساعد تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما فعلته روسيا بصوت عالٍ، يعد عدوا. وفي مكانٍ آخر، ألغت إيران إذنًا يسمح للطائرات الروسية بالإقلاع من قاعدتها الجوية بعد أيامٍ فقط من بدء إقلاع الطائرات الروسية من قاعدة همدان الجوية. واتهم وزير الدفاع الإيراني «حسين دهقان» روسيا بـ «خيانة الثقة» لنشرها تفاصيل الاتفاق.
العلاقات الروسية الإيرانية
تلعب إيران وسوريا في نفس الجانب من ملعب القضية السورية. فهما الحليفان الرئيسيان لنظام «بشار الأسد»، واللذان يتعاونان بشكل وثيق للحفاظ عليه على رأس السلطة. وتتمتع كل من طهران وموسكو بعلاقات ثنائية وثيقة في مجالات أخرى. فقد ساعدت روسيا إيران على الساحة الدولية فيما يتعلق باتفاقها النووي المثير للجدل.
ولكن لايزال هناك جدل واسعًا داخل إيران حول الوثوق بروسيا. ولا نتحدث هنا عن خلاف بين الإصلاحيين والمتشددين. فانعدام الثقة في روسيا متأصل داخل المؤسسة المحافظة في إيران. فقد صرح «حشمت الله فلاحت بیشه» أحد أعضاء البرلمان المتشدين وعضو لجنة الأمن القومي والسياسية الخارجية، أن إيران في السنوات الأخيرة قد أظهرت «سياسة خارجية مختلفة ومتقلبة».
ويدرك الإيرانيون جيدًا أن روسيا تستخدم إيران كورقة مساومة للحصول على تنازلات من الأمريكيين. وفي الواقع، لقد دعمت روسيا موجة العقوبات الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة ضد إيران عام 2012، وقد تأخرت عن توريد صفقة أنظمة الصواريخ «إس- 300» إلى إيران لسنوات عديدة.
وتعود مشكلة إيران مع روسيا لقرون. فقد اندلعت حروب عديدة بين الفرس والروس بين القرنين السابع عشر والتاسغ عشر. وبالإضافة إلى ذلك، فقد غزا الاتحاد السوفييتي إيران واحتلها عام 1941. وحتى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد دعم الاتحاد السوفييتي خلق جمهوريات كردية لم تدم طويلًا شمال غرب إيران. ومن المعروف للجميع، العداء الواضح من إيران للولايات المتحدة، لكن علاقتها بروسيا لم تكن جيدة أيضًا على مر العصور، رغم أن الجميع لا يعرف ذلك.
العلاقات الروسية التركية
ومنذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، وجدت تركيا وروسيا نفسيهما في خلاف متزايد. فقد كانت تركيا تحاول الإطاحة بـ«الأسد» كداعم رئيسي لجماعات المعارضة المتنوعة والتي تقاتل «نظام الأسد» المدعوم من روسيا. واستمرت التوترات في العلاقة حتى هذا العام لأسباب مختلفة، وهو أن تركيا التي تعتمد على روسيا في نصف احتياجها من الغاز الطبيعي، قد أسقطت طائرة روسية مقاتلة فوق الأجواء التركية أواخر العام الماضي.
ورغم تجنبهما للصراع المفتوح، أصبحت العلاقة التركية الروسية عدائية في الستة أشهر التالية لهذا الحادث. وفي يونيو/ حزيران الماضي، قدم الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» رسالة اعتذار مكتوبة عن إسقاط الطائرة وبعث بها إلى الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين». وأرادت تركيا من إصلاح علاقتها بروسيا في الوقت الذي تضررت فيه علاقتها مع الولايات المتحدة لعدة أسباب، ومنها ما يتعلق بالقضية السورية، ولاسيما التهديدات التي تواجهها تركيا من قبل تنظيم الدولة الإسلامية.
ثم أتت محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز والتي اتهمت فيها تركيا الولايات المتحدة بالتورط فيها نظرًا لتواجد مؤسس حركة كولن في مقر إقامته بولاية بنسلفانيا. وفي الوقت نفسه، كانت روسيا هي الدولة الأولى التي تصدر بيانًا تدعم فيه «أردوغان» ضد محاولة الانقلاب، وبدا لتركيا أنه قد سبق السيف العزل لإعادة ترتيب أوراق سياستها الخارجية.
وفي الواقع، تتابع الخطاب المناهض للولايات المتحدة داخل تركيا خلال الستة أسابيع الماضية، في الوقت الذي تحسنت فيه العلاقة مع الروس. حتى أن «أردوغان» قد تقابل مع «بوتين» في سان بطرسبرغ. ولكن تركيا، شأنها شأن إيران، لا يمكنها الإعتماد على روسيا. وحولت التطورات الحالية العلاقات إلى ما كانت عليه فقط طوال الوقت. وإذا كانت إيران، التي حظت بعلاقات وثيقة مع روسيا، لا يمكنها الاعتماد على الكريملين، فتركيا لديها أسباب أكثر لكي لا تفعل. فقد اصطدمت المصالح الروسية والتركية على مر التاريخ في منطقة البحر الأسود، التي خاض فيها البلدان حروبًا وتبادلا السيطرة على الأراضي. وحتى اليوم، فإن تركيا وروسيا في حرب عن طريق الوكلاء.
والأهم من ذلك، أن تركيا تحتاج إلى الولايات المتحدة، وهذا ما يجعل تركيا تتراجع خطوات قليلة للوراء في مطالباتها بتسليم «فتح الله كولن». وقد أنكر وزير الخارجية التركي «مولود غاويش أوغلو» مؤخرًا، أن تركيا قد سبق وأن اتهمت واشنطن بالتورط في الانقلاب. ويعلم الأتراك جيدًا، أنه من الأفضل لتحقيق مصالحهم بالعمل مع الولايات المتحدة، بدلًا من مغازلة روسيا.
وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن لتركيا الإعتماد أيضًا ببساطة على الولايات المتحدة، ويهدف تواصل أنقرة مع موسكو إلى عمل توازن في العلاقة مع الولايات المتحدة، لكن الأتراك قد مضوا بعيدًا أكثر من اللازم عن الولايات المتحدة والآن يحاولون تعديل الأوضاع، ولكنه سوء تقدير متوقع من دولة تعاني من تداعيات محاولة انقلاب. وفي النهاية، بينما لن تقترب تركيا كثيرًا من الروس، فإنها ستحافظ أيضًا على مسافة بينها وبين الأمريكيين.
تظهر هذه التطورات كيف أن روسيا، في أفضل الأحوال، تعد لاعبا ثانويا في منطقة الشرق الأوسط. وهكذا، سيكون علينا انتظار القادم، لمعرفة ما إذا كانت القوى الإقليمية الحقيقية، تركيا وإيران، ستتصالحان مع بعضهما البعض، وما سيكون عليه مستقبل الشرق الأوسط.
المصدر | جيوبوليتيكال فيوتشرز
روسيا وإيران… والشرعية في سوريا/ خيرالله خيرالله
في ظلّ القصف الذي تقوم به قاذفات روسية من نوع “توبوليف” تنطلق من قاعدة همدان الإيرانية، يبقى الانتصار الروسي ـ الإيراني في سوريا بعيد المنال. ربّما استفاقت إيران أخيرا إلى أنّ الإعلان الروسي عن استخدام قاعدة في همدان لا يصبّ في مصلحتها، بمقدار ما أنّه يكشف كم هي في حاجة إلى روسيا في معركة الانتصار على سوريا وعلى شعبها.
في كلّ الأحوال، بقيت الطائرات الروسية في همدان أم لم تبق فيها، لا يمكن لروسيا وإيران الانتصار في سوريا. يمكنهما الانتصار على سوريا لا أكثر. يمكنهما السير في الخط الذي يسير فيه النظام وعنوانه “بشّار أو لا أحد”. لا يستطيع الروسي والإيراني تحقيق أكثر من ذلك. يعود ذلك، أوّلا وأخيرا، إلى أنّ الجانبين يعتمدان على نظام غير شرعي مرفوض من شعبه يسعيان إلى تمديد عمره إلى ما لا نهاية. وهذا شيء مستحيل في نهاية المطاف. لا يمكن الاعتماد على النظام الأقلّوي لتحقيق انتصار في سوريا.
ببساطة ليس بعدها بساطة، لا تستطيع روسيا أو إيران الاعتماد على نظام انتهت صلاحيته منذ فترة طويلة من أجل الحفاظ على مصالحهما في سوريا، علما أن لكل من روسيا وإيران مصالح خاصة بكل منهما. قد يكون هناك حتّى تناقض بين هذه المصالح. روسيا تريد السيطرة على الأراضي السورية كي تمنع أنابيب الغاز الخليجي من المرور فيها وإيجاد قواعد على البحر الأبيض المتوسط، فيما الهمّ الإيراني من نوع آخر. تريد روسيا، من خلال سوريا، تأمين مصالح ذات طابع اقتصادي من جهة، وتأكيد أنّها ما زالت لاعبا دوليا من جهة أخرى.
بالنسبة إلى إيران، لا تزال سوريا الخاضعة لها ممرا إجباريا إلى لبنان وإلى ما تعتبره الإنجاز الأهمّ الذي حقّقته “الجمهورية الإسلامية” منذ قيامها في العام 1979. هذا الإنجاز هو “حزب الله” الذي بات ذراعا إيرانية تعمل في كلّ المنطقة العربية وحتّى في العالم كلّه، وصولا إلى أميركا اللاتينية. ليس “حزب الله” تنظيما يمكن الاستهانة به، خصوصا بعدما تبيّن أن في استطاعته الحلول مكان إيران حيث ترتأي ذلك. يظل اليمن، حيث للحزب دور مهمّ في دعم الميليشيات الحوثية وتدريبها، أفضل دليل على ذلك. أكثر من ذلك، إن لبنان الذي يتخذ منه “حزب الله” قاعدة للعمل لمصلحة إيران، ساقط عسكريا. لبنان صار تحت سيطرة إيران بفضل الميليشيا المذهبية التي تمتلكها في هذا البلد. بقاء لبنان ساقطا عسكريا مرتبط، إلى حد كبير، ببقاء النظام في سوريا نظاما علويا يعتمد أوّل ما يعتمد على حماية من إيران بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، أي عبر الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية. هذا النظام السوري سخّر الأراضي السورية ممرا للسلاح الإيراني الذي يستخدم في عملية تدمير لبنان وفرض وصاية عليه.
من هذا المنطلق، تبحث كلّ من روسيا وإيران عن شرعية غير موجودة للنظام السوري. هذا البحث عن مثل هذه الشرعية يختلف بين موسكو وطهران، نظرا إلى خلفية العلاقة السورية – الروسية من جهة، والعـلاقة السـورية ـ الإيـرانية من جهـة أخرى.
تعتمد روسيا في بحثها عن شرعية للنظام السوري على تاريخ علاقتها بالجيش والمؤسسات المرتبطة به، فيما تعتمد إيران على الرابط المذهبي، أي على العلاقة القائمة بينها وبين العلويين في سوريا، أي بينها وبين النظام تحديدا بصفته العلوية، وليس بالضرورة مع الطائفة العلوية. فالطائفة العلوية في سوريا لا تزال، في مجملها، تنظر بحذر إلى العلاقة مع إيران التي فشلت في محاولاتها المستمرّة لتشييع العلويين في منطقة الساحل السوري.
هل يمكن لروسيا إيجاد شرعية لنظام قام أساسا على انقلاب عسكري “بعثي” قاده في العام 1963 ضباط من مشارب مختلفة، بينهم سنّة، فيما ليس أمام إيران سوى تغيير طبيعة المجتمع السوري وطبيعة المدن السورية، من منطلق مذهبي، كي يبقى النظام تحت رحمتها.
ستفشل روسيا مثلما ستفشل إيران، لا لشيء سوى لأنّ المؤسسة العسكرية السورية التي تراهن عليها موسكو انتهت منذ زمن طويل، فيما ستظل إيران عاجزة عن تغيير طبيعة سوريا، مهما اشترت، عبر واجهات لها، من الأراضي ومهما عملت على تهجير سكان أحياء معيّنة من أرضهم، سواء أكان ذلك في دمشق وجوارها أو في حمص وحماة… ومهما جنّست عراقيين ولبنانيين. تفعل ذلك من أجل خلق خلل في التوازن السكاني في مناطق تعتبرها إيران مناطق إستراتيجية بالنسبة إليها.
لا يمكن تجاهل أنّ نسبة 76 في المئة من سكان سوريا هم من أهل السنّة. يرفض هؤلاء أي مصالحة من أيّ نوع مع نظام جعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية وأذلّهم بكل الوسائل المتاحة منذ ما يزيد على أربعة عقود.
استثمر النظام السوري منذ اللحظة الأولى لقيامه في بث الرعب في صفوف المواطنين، وفي البناء على حلف الأقليات بنواته العلوية. تحكّم هذا الحلف بالجيش والأجهزة الأمنية التي كان يتجسس كلّ منها على المواطن العادي وعلى الأجهزة الأخرى. مثل هذا النوع من الأنظمة لا يمكن أن يدوم إلى ما لا نهاية، ولا يمكن الاعتماد عليه لبناء مؤسسات شرعية في دولة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها.
أين الشرعية التي يتشدق بها المعلقون الروس، ومعظمهم من الدبلوماسيين المتقاعدين الذين ما زالوا يستخدمون اللغة الخشبية نفسها التي كانت تستخدم أيّام الاتحاد السوفياتي السعيد الذكر. لو كانت هذه اللغة الروسية التي تعتبر بشّار الأسد رئيسا “منتخبا”، لكان الاتحاد السوفياتي ما زال حيّا يرزق!
أيّ شرعية تتحدث عنها إيران غير شرعية نظام اختزل سوريا في طائفة أيّام حافظ الأسد، فيما اختزلها بشّار الأسد في عائلة هيمنت على كلّ مقدرات البلد تحت شعارات فارغة من نوع “الممانعة” و“المقاومة”.
نعم، لا يمكن لروسيا وإيران الانتصار في سوريا بغض النظر عن درجة التنسيق مع إسرائيل، وبغض النظر عن الانكفاء الأميركي. يمكن تفتيت سوريا ولكن لا يمكن تحقيق انتصار في سوريا. يمكن الانتصار على سوريا والوصول إلى مرحلة تقسيم للكيان بغية ضمان المصالح الإيرانية والروسية.
العنصر الجديد الذي طرأ أخيرا هو عنصر قديم. إنه العنصر الكردي الذي لا يمكن تجاهله نظرا إلى أنّه بات رهانا أميركيا، إضافة إلى أنه بات وسيلة لجعل تركيا أقلّ حماسة لدعم الثورة السورية. دخول هذا العنصر على خط الأزمة السورية المستمرّة منذ خمس سنوات ونصف السنة، صار عاملا لخلق المزيد من التعقيدات لا تصب سوى في مسار إطالة الحروب السورية بما يقود إلى تقسيم البلد بعد تفتيته. هل من خيار آخر أمام روسيا وإيران لضمان مصالحهما في هذه الأرض السورية؟
إعلامي لبناني
العرب
انكشاف الموقف الإيراني الداخلي في قضية همدان طهران قدّمت أقصى ما لديها في الاكلاف السورية/ روزانا بومنصف
تعتقد مصادر ديبوماسية ان ارباكا داخليا كبيرا عكسته المواقف الايرانية حيال السماح لروسيا باستخدام قاعدة همدان لانطلاق طائراتها في تنفيذ ضربات عسكرية في سوريا. هذا الارباك عبر عن نفسه نتيجة خلافات ظهرت الى العلن في الايام التي تلت استخدام روسيا لهذه القاعدة في 15 و16 من الشهر الجاري بحيث لم تمر عشرة ايام على هذا التطور من من دون بروز مواقف ايرانية مبررة على نحو يومي لهذه الخطوة ومحاولة شرحها في اطار بعد اقليمي دولي مفيد لايران لكن متناقضة ايضا. اذ بقدر ما برر مسؤولون ايرانيون كالامين العام للمجلس الاعلى للامن القومي وممثل المرشد علي خامنئي علي شمخاني الامر بانه تعاون استراتيجي ويعبر عن تبادل القدرات وتم الدفاع عنه في وجه اعتراض برلماني رأى في منح روسيا قاعدة لطائراتها خرقا للمادة 146 من الدستور الايراني ثم ذهاب الناطق باسم الخارجية الى اعتبار المسألة انتهت عند هذا الحد، بقدر ما برز حجم الاعتراضات التي خلفتها هذه الخطوة والقى مزيدا من الاهتمام على واقع ايراني داخلي يتحدث عن اصطفافات ومتغيرات هي موضع متابعة على ضوء صراع بين المحافظين التقليديين والاصلاحيين. صحيح ان لاميركا قواعد عسكرية في دول عدة في المنطقة بموجب اتفاقات لا تعتبر انها تنتقص من سيادة الدول المعنية، الا ان المقاربة مختلفة بالنسبة الى ايران التي اتاحت لدولة اجنبية للمرة الاولى منذ الحرب العالمية الثانية استخدام اراضيها من اجل توجيه ضربات في دولة ثالثة في الوقت الذي يحظر الدستور الايراني اقامة اي نوع من القواعد العسكرية الاجنبية على الاراضي الايرانية. والاستعراض في الموقف الروسي الذي عبر عنه الرئيس فلاديمير بوتين بنشر وزارة الدفاع الروسية صورا عن طائرات توبوليف في القاعدة الايرانية بدا مبالغا فيه جدا واستفزازيا بالنسبة الى ايران التي لم ينفع مسؤوليها الكلام على جبهة واحدة ضد الارهاب ومحاربة التكفيريين فبدا الثمن مكلفا لايران في الوصول الى هذا الحد مع روسيا. ومن غير المرجح ان يتمكن بوتين من استخدام الورقة التي اتيح له استخدامها ثم تم توقيفها في عملية تعزيز اوراقه امام الولايات المتحدة استباقا لوصول الرئيس الجديد للولايات المتحدة والذي يرجح ان تكون هيلاري كلينتون.
في المقابل، يعتبر مراقبون ان ثمة قراءة معبرة اكثر عن الواقع الايراني على ضوء هذه التطورات الاخيرة. هذه القراءة تلفت الى ان خيارات ايران مجددا باللجوء الى روسيا بعد المعلومات التي تحدثت عن توجه ايران العام الماضي في مثل هذا التوقيت الى موسكو للتدخل من اجل منع انهيار بشار الاسد انما تعبر عن جملة امور قد يكون اهمها: ان ايران ومع فشل الهجوم الاخير على حلب تلجأ الى خيارات تحول دون غرقها او تساهم في الحد من خسارتها في سوريا عبر تقديمها تسهيلات مغرية لروسيا توفر عليها تكاليف انتقال طائراتها لمسافة بعيدة او تعجز قاعدة حميميم السورية عن توفير البنية التحتية اللازمة لها. وبغض النظر عن الاسباب المباشرة لذلك، فان الانطباعات التي تتركها مهمة ويصعب دحضها. اذ ان بعض المراقبين يعتقدون ان ايران قد تكون اعطت اقصى ما يمكن وليس لجوءها سابقا الى روسيا للمساعدة او اتاحة قاعدة همدان امام روسيا الا تعبير عن عدم قدرة او رغبة طهران في ان تتحمل اكثر مما تحملت في سوريا تحت وطأة المخاطرة بخسارة اكبر. ليس واضحا بالنسبة الى هؤلاء المراقبين اذا كانت ايران قد باتت مدركة ان سوريا كورقة كاملة تحكمت بها في زمن بشار الاسد لن تعود اليها لتتحكم بها كما كانت تفعل على غير ما كان الواقع ايام الرئيس حافظ الاسد علما انها ستسعى الى المحافظة على حجم اكبر من النفوذ. وايران وفق السجال الداخلي الذي ظهر الى العلن حول اعطاء روسيا المجال لاستخدام قاعدة عسكرية يظهر ايضا انها وعلى رغم حاجتها الى روسيا لا يمكنها اعطاء مزيد وهي وصلت الى الخط الاحمر في ظل المخاطرة بارباك الوضع الايراني الداخلي، علما ان هناك فارقا اساسيا بين واقع روسيا وواقع ايران في الموضوع السوري. فروسيا حققت الكثير منذ تدخلها في سوريا قبل سنة تماما ويمكنها في اي وقت الاكتفاء بما حققته والبقاء في المنطقة الساحلية السورية مع اتفاق عقدته مع النظام السوري اين منها الاتفاقات التي ربطت سوريا لبنان في زمن وصايتها عليه. في حين ان ايران تقوي موقعها بالتدخل الروسي من اجل انقاذ ما يمكنها انقاذه.
ثمة من يعتقد ان تحذير الولايات المتحدة من خرق ايران وروسيا القرار2231 الصادر عن مجلس الامن وامكان مخاطرة ايران بفرصة رأب الصدع مع الغرب هو الذي دفع الخارجية الايرانية الى محاولة تصحيح موقف من المحتمل ان يترك اثرا سلبيا على ايران على رغم رفده طهران بتعاون استراتيجي تاريخي من شأنه ان يوجه رسائل الى الولايات المتحدة وسواها ويمد ايران ببعد دولي. لكن ثمة انكشافا في الوقت نفسه في الموقف الايراني ينقض مواقع قوة اعتدت بها ايران كقوة اكثر من اقليمية وهي غارقة في وحول ازمة سورية على رغم رميها خصومها في المملكة السعودية بتبعة الغرق في وحول ازمة اليمن وعدم القدرة على الحد من الخسائر. ففي مرحلة اولى كانت قوة الرئيس السوري ونظامه التي “لا تقهر” ثم قوة ايران الى جانبه التي لا تقهر ولاحقا قوة النظام وايران وروسيا التي لا تقهر.
النهار
علامات على خريطة الحلم الروسي الإيراني/ محمد المختار الفال
< «طائرات روسية تقلع من مدرج مرسوم على ظهر مرشد إيران علي خامنئي لضرب الشعب السوري الرافض لبشار ونظامه..»، كاريكاتير معبّر لرسام جريدة «الشرق الأوسط» يشير إلى طبيعة العلاقة الروسية – الإيرانية في توظيف ما يملكه كل طرف لتحقيق الأهداف. «روسيا بوتين» يلوح لها في الأفق حلم إعادة نفوذ الإمبراطورية، وترى في المشروع الإيراني الطموح للتوغل في العراق وسورية ولبنان وسيلة لا تتوافر في غيره. وهي تسابق الزمن لاستثمار التراخي الأميركي، إن لم يكن الانكفاء على الداخل، والاكتفاء بما تحقق في شرق آسيا ووسطها، وعلاقات مشوشة مع حلفاء في المنطقة لم تصن متطلبات أمنهم.
وإيران، الشريك «الطموح» يشاغب على الغرب بتهديد مصالحه ويغريه بقدرته على ضمانها، ويعمل بإصرار على خلخلة الأمن القومي العربي والدفع بوكلائه والمجموعات الدائرة في فلكه إلى التشكيك في جدوى تماسك الجبهة العربية. ويبدو أن إيران أنجزت معظم ما تريد في العراق ولبنان وهي مستميتة لتحقيق سيطرتها على سورية بمعاونة الحليف الروسي الذي يعتبر دمشق إحدى دعائم مشروعه في المنطقة.. والنشاط الإيراني لا يقتصر على المنطقة العربية، بل يمتد إلى أفريقيا حيث الجهل والفقر والكيانات المحتاجة إلى المساعدات، والمجتمعات المسلمة المخدوعة بلافتات محبة آل البيت ومواجهة «الشيطان» الأكبر، الذي تنام معه إيران في «فراش الاتفاق النووي» ليلاً، وتحاربه في القنوات التلفزيونية صباحاً. وقد أكسبتها هذه السياسة المزدوجة الأتباع والشركاء والحلفاء في القارة السمراء. والنشاط الإيراني، على رغم الأوضاع الاقتصادية المتردية والأعباء المالية الباهظة، لا يقتصر على أفريقيا، بل يتحرك شرقاً، في أفغانستان وما جاورها من جمهوريات آسيا الوسطى من خلال امتداده الطائفي في قبائل الهزارا وبقايا «المجاهدين» الخائفين من طالبان وعودة هيمنة البشتون على السلطة في كابل. وإيران «شاطرة» في استغلال التناقضات وتوظيف المفارقات لمصلحتها.
هذا الاندفاع الروسي والإيراني يعطي انطباعاً، للوهلة الأولى، بأنه يتحرك في أرض ممهدة نتيجة لتراخي الموقف الأميركي، وتراجع الدور الأوروبي، وضعف المكون العربي، ومحاصرة تركيا بين الأطماع الروسية، وخذلان الحليف الأميركي، وتهديدات حزب العمال الكردستاني، والضغوط الخفية للكيان الصهيوني.
تركيا عضو في حلف الناتو، منذ الحرب الباردة، ولها أهمية كبرى للأمن الأميركي والأوروبي، في إطار سياسة مواجهة النفوذ الروسي، ولكن تركيا لم تستطع أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي، والأسباب تتكشف أبعادها كلما مضت في استعادة روحها وثقافتها الأصيلة، على رغم وفائها بكل متطلبات العضوية (نظام يحتكم إلى صناديق الاقتراع في تداول السلطة، واقتصاد قوي مكنها من عضوية مجموعة العشرين، وضمان حريات التعبير والاعتقاد)، وهاهي اليوم تواجه التهديد بإيقاف ملف طلب العضوية نتيجة للإجراءات التي اتخذتها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وتصريحات مسؤوليها وغضبهم من الموقف الأميركي والأوروبي تجاه العملية الانقلابية، إلى جانب النشاط المتصاعد لحزب العمال الكردستاني بعد أن اتضح أن الحليف في واشنطن لا يمانع في قيام «كيان» كردي في سورية، الأمر الذي يشكل تبدلاً في النظرة إلى الأمن الوطني التركي.
في ظل هذه الأوضاع، موقف الغرب غير المساند والضغوط الروسية المستفيدة من موقف الغرب والشكوك الإسرائيلية وتأثيرها على الرأي العام الغربي والمنافسة غير المعلنة مع إيران، وجدت تركيا نفسها في حصار يدفعها للتحرك من أجل «تفكيك» حزمة الضغوط ودفع فاتورة الأقل كلفة وإعادة تصنيف الأولويات وحساب التكاليف ومواعيد تسديد الفواتير، وهي مطالبة بمعالجة هذه الاختلالات وسد الثغرات وتقريب المسافات، مع الإبقاء على جسور التواصل ممتدة لتمر من فوقها المصالح.
وعلى رغم المنافع الاقتصادية الكبرى المتبادلة بين أنقرة وموسكو إلا أن الاندفاع الروسي وتطور علاقتها مع إيران الطموح والتراجع الأميركي في المنطقة سيجعلها تشعر أنها هي اليد العليا، وأن تركيا هي المضطرة إلى المهادنة في هذا التوقيت، وبالتالي فإن روسيا ستمضي في مشروعها «الإمبراطوري» الذي من ضروراته البقاء على نظام بشار أو من يمثله، إذا اضطرت لبيعه في صفقة تمكن الموالين لإيران في سورية ولبنان بعد أن ضمنت العراق. وروسيا تفعل ذلك وهي مطمئنة إلى أن أقصى طموحات تركيا، في هذه المرحلة، إيجاد صيغة توقف خطر «الكردستاني» الذي تعتبره خطراً استراتيجياً. وفي هذه المسألة تلتقي مصالحها مع المصلحة الروسية.
أمام هذه الخريطة وما فيها من تداخلات يبرز سؤال: أين العرب من هذا؟ وإلى أين تتجه بوصلة عملهم السياسي المدعوم بالقوة العسكرية والتأثير الاقتصادي؟
لا تلوح في الأفق إجابات سهلة على هذه الأسئلة، لكن من المؤكد أن العرب يواجهون تحديات كبرى، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي، فهم يواجهون تبدل الموقف الأميركي وآثار الدوران في فلك واشنطن لعقود من الزمن من دون مهلة كافية للتحرر من ذلك القيد، والعمل على بناء تحالفات تعوض «الخذلان» الأميركي المفاجئ، إضافة إلى ذلك تحديات الإرهاب و«فشل» بعض الدول بعد ما سمي بالربيع العربي والتدخل الإيراني في الشأن العربي الداخلي. أمام هذا الواقع تتحرك المملكة، في أكثر من اتجاه، لصد الخطر الخارجي، والعمل على كسب الشركاء على قاعدة المصالح وتبادل المنافع. وقد تمكنت، بشكل فاجأ الكثيرين، من تعطيل مشروع إيران للاستيلاء على اليمن وبعض العواصم العربية في ظل الصمت الغربي، إن لم نقل الدعم. وهاهي دبلوماسيتها تتحرك في اتجاه روسيا وفرنسا والصين لاستثمار علاقاتها وحضورها السياسي وتأثيرها الاقتصادي وعمقها الثقافي لتعظيم الصوت العربي في السياسة الدولية، وتقوية دوره في المشاريع الجاري تنفيذها في المنطقة. وهي قادرة، إذا أدرك العرب حقيقة التبدلات وطبيعة التهديدات، على إيقاف حال الانهيار.
* كاتب سعودي.
الحياة
روسيا إذ تغرق في الشرك السوري/ بهاء أبو كروم
الحديث الروسي المتصاعد عن تفاهمات مُنجَزة مع الولايات المتحدة فيه كثير من المبالغة المقصودة، وهو تعبير عن سياسة «التغلغل الناعم» الذي يعتمدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للدخول على قضايا الشرق الأوسط، وذلك بالموازاة مع فظاظة وحلف القوة العسكرية التي يستخدمها بمواجهة الشعب السوري. فبوتين يلعب بالميدان الشرق أوسطي وكأنه أمر يتعلق بالمدى الحيوي المباشر للعاصمة موسكو.
ولا توازي البهجة التي ترتسم على وجه وزير دفاعه سيرغي شويغو وهو يعلن عن الشروع باستعمال القاذفات الاستراتيجية المنطلقة من قاعدة همدان في إيران لقصف مواقع «الإرهابيين» في سورية، إلا فرحة وزير خارجيته سيرغي لافروف وهو يمسك بأوراق الملف السوري مُفوَّضاً من الولايات المتحدة لحل المسألة السورية.
لكن في موازاة المبالغة المقصودة، هناك أمل روسي دائم بإمكانية التوصل إلى تفاهم أمني وسياسي مع الأميركيين، نجح حتى الآن في إطار الحد الأدنى لتفادي الاشتباك ليس إلا. مبعث ذلك هو حاجة الأميركيين لإنجاز فعلي في مواجهة داعش في العراق أو سورية قبل موعد رحيل الرئيس باراك أوباما الذي تعتمد إدارته سياسة الغموض البناء ولا تفصح عن أهدافها الحقيقية.
إزاء ذلك تُستدرج روسيا إلى الانخراط عسكرياً في شكل أكثر فاعلية في الساحة السورية، على قاعدة تحسين شروطها وموقعها في التفاوض السياسي. وهي تجد نفسها متوغلةً في الشأن الكردي وشؤون المسيحيين والأقليات في شكل عام، ما يجعلها على تماس مع مشكلات المنطقة ويدفعها إلى الانغماس في تناقضاتها اليومية. ولقاء الإمساك بمجمل هذه الأوراق، يظهر السياق التصاعدي للتورط الروسي في ظل عجزها عن ترجمة ثقلها العسكري إلى مكاسب سياسية، وقد كانت أعلنت منتصف آذار (مارس) الماضي انسحابها بعد «تحقيق الأهداف المرسومة»!
هذا الانزلاق التدريجي يدفع روسيا إلى الانخراط بكل تفاصيل الاشتباك الإقليمي الدائر في المنطقة والإطلالة على كل ساحاته أيضاً، بخاصة بعدما تم صدها من الحدود الشرقية لأوروبا بعد قمة حلف الأطلسي الأخيرة في وارسو التي أقرت استراتيجيةً طويلة الأمد لردع الطموحات الروسية واحتوائها. وبعدما بدأت تخسر جولات عسكرية في سورية، فهي لن تتردد في البحث عن أوراق تقوي موقعها في مواجهة القوى الإقليمية التي تتصارع معها هناك، بخاصة إذا كانت إيران مستعدةً لمساعدتها وتمكينها من ذلك.
من هنا يمكن فهم الموقف الملتبس للسياسة الروسية في الخليج حين رفض المندوب الروسي في مجلس الأمن صيغة مشروع البيان الذي يندد بتشكيل المجلس السياسي لتحالف الحوثيين وصالح في اليمن، بعدما كانت موسكو متعايشةً مع القرار الدولي رقم 2216، على رغم إعادة تأكيد مساعد وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف على اعترافهم بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، يُضاف إلى ذلك رمزية انطلاق الطائرات الروسية من قواعد في إيران وانتشار فرقاطات روسية قرب خليج عدن بذريعة حماية السفن من عمليات القرصنة. فالخليج يشكل وجهةً منطقيةً للانتشار الروسي، بعدما رسّخ حضوره في المتوسط وعزز علاقاته الاستراتيجية مع مصر.
لا شك في أن عقبات كثيرةً تقف حائلاً أمام حلم بوتين في استعادة أمجاد سوفياتية سالفة، فالشرق الأوسط الذي احتضن الوجود السوفياتي كان يقوم على بنية قومية صلبة وصراع مع إمبريالية الولايات المتحدة وصعود القضية الفلسطينية التي رسخت نزعة العداء لإسرائيل، وكل ذلك شكل الأرضية الثقافية الحاضنة لفكرة التوازن الاستراتيجي مع عالم الغرب المنحاز. لكن روسيا اليوم تقف على شرق أوسط يتآكله مشروع إيران المذهبي وهي تدخل إليه من الجانب الذي يعاكس نزعاته المعاصرة مُنحازة إلى ما تبقى من استبداد ومقتبِسة منه أساليبه العنفية ذاتها. وهذا الشرق الأوسط لا أرضية فيه لوجود توازن مستدام تفرضه روسيا على شعوب المنطقة، الّلهُمّ إلا باستعمال القوة المفرطة.
من جهة أخرى، شهد الشرق الأوسط عبر التاريخ توازناً دقيقاً للغاية بين نفوذ إيران وتمدّد روسيا، بحيث يفرض تراجع الأولى تمدداً للثانية وهكذا دواليك، وأفضل من أدرك هذا التوازن كان الرئيس السوري حافظ الأسد الذي بادر إلى الالتحاق بالمركب الأميركي في تحرير الكويت عام 1991 عندما لاحت بوادر سقوط الاتحاد السوفياتي، وذلك إيماناً منه بأنه سيصبح رهينةً لإيران، إذا لم يوازنها بتجسير علاقاته مع الولايات المتحدة التي مدّدت له إقامته في لبنان وأبقت ورقة حزب الله بيده.
لذلك ربما يستدعي النظر إلى التمدد الروسي من هذه الزاوية وباعتباره يأخذ من درب إيران في المدى البعيد. أما الرسالة من وراء الحضور الروسي في الأجواء وعلى الأراضي الإيرانية فتكمن في التوازن مع الوجود الأميركي في الخليج وتأمين المظلة الفعلية لإيران في المنطقة. روسيا تقول إنها شريكة لإيران من موقع الأُبوّة، وكما حمى خامنئي نظام الأسد فبوتين يحمي نظام خامنئي من أي تحول خارجي أو حتى داخلي، مقابل أن تكون له الكلمة الفصل في القضايا الرئيسية.
عين روسيا على التمدد في الشرق الأوسط لتأمين حضورها الطويل الأمد في سورية، وعين الولايات المتحدة على توريطها في الوحول السورية ورفع كلفة وجودها لإضعاف موقفها على الصعيد الدولي، ومن السذاجة التطلع إلى الأداء الأميركي من غير هذه الزاوية.
* كاتب لبناني
الحياة
موسكو – طهران: سر الأيام الستة!/ محمد قواص
في الـ16 من الشهر الحالي أعلن ناطق باسم وزارة الدفاع الروسية انطلاق قاذفات إستراتيجية من نوع توبوليف 22 من قاعدة “نوجه” في منطقة همدان غرب إيران باتجاه أهداف لتنظيميْ داعش والقاعدة في سوريا. تولت الماكينة الإعلامية الروسية الدفع بمعلومات تقنية حول الحاجة للانطلاق من إيران ومخاطر الإقلاع من قاعدة حميميم في سوريا والحاجة إلى ارتقاء الهجمات الروسية من خلال القطع الإستراتيجية، على ما يفسّر ويبرر “خيار همدان” (للمفارقة القاعدة أقيمت لضرب الاتحاد السوفييتي أيام الحرب الباردة).
ألحقت موسكو بأخبار همدان معلومات عن طلب من إيران والعراق لفتح أجوائها لمرور الصواريخ المجنحة من طراز “كاليبر”، فيما تولّت المنابر الإيرانية الإسهاب في الحديث عن “الحلف الإستراتيجي” و“التنسيق المشترك” و“الأهداف المشتركة للبلدين”، وراحت المنابر الإعلامية الناطقة بالعربية التابعة لإيران تتحدث عن تحوّل إستراتيجي كبير سيرسم خارطة جديدة للمنطقة برمتها.
من 16 وحتى 21 من الشهر الحالي صدّعت إيران وتوابعها رؤوس المراقبين بالتطبيل للحدث الجلل، لكنها اكتشفت بعد 6 أيام “حساسية” غزت كيانها، فخرج وزير الدفاع العميد حسين دهقان مزمجراً غاضبا يطلق تصريحات يختلط داخلها الحرص على دوام الودّ مع روسيا والعتب المائل إلى الزجر بها.
وللأمانة، صدق الوزير الإيراني في وصف السلوك الروسي بالإعلان عن قضية قاعدة همدان بالاستعراضي، وربما غاب عن بال دهقان أن كل ما أرادته موسكو من حكاية القاعدة الجوية الإيرانية هو لدواعي الاستعراض، والاستعراض فقط، ولم تقتنع عيون الدول الكبرى المصوّبة على منطقة الشرق الأوسط بالمسوّغات الموضوعية الطارئة التي استدعت دفع القاذفات الإستراتيجية الروسية إلى قلب المعركة في سوريا. وصدق الوزير الإيراني حين استنتج بعد 6 أيام أن موسكو تمنّي النفس بالتفاتة أميركية على تطوّر أُريد له أن يكون انقلابيا، غير معنيّة بما هو تحول إستراتيجي هللت له منابر طهران.
وللأمانة أيضا، فإن طهران، ومن خلال وزير دفاعها، وهو واحد من كبار جنرالات الحرس الثوري، أرادت الردّ على الافتتاح الاستعراضي لحدث همدان بنهاية استعراضية تئد بها خيبتها وتفجر من خلالها حنقاً سابقاً على توقيت انطلاق الـ”توبوليف”. فالسلوك الروسي في الإعلان عن أمر همدان كان بالإمكان معالجته، بين الحلفاء، في هدوء وصمت وخلف الكواليس، لكن الحاكم في إيران، على لسان وزير دفاعه، ارتأى اللجوء إلى الاستعراض للخروج من حرج غامض ومن “سوء تفاهم وتقدير” ارتكبه الحليف الصديق بحقّ سيادة إيران وكرامتها.
في مطالعة الجنرال حسين دهقان الاتهامية ردح ملتبس يعكس تخبطا في إخراج “العراك” الواجب مباشرته مع “أصدقائنا في روسيا”. يتهم الرجل الروس بأنهم “يريدون إظهار أنفسهم كعنصر مؤثّر في ميدان العمليات في سوريا”. غاب عن بال الرجل أن روسيا هي دولة عظمى من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي من الدول التي تمتلك ترسانة نووية كانت تقارع بها القـوة النووية للغرب بأجمعه في عهد الاتحاد السوفييتي، وهي، ومنذ بدء عملياتها العسكرية في سوريا (30 سبتمبر 2015)، ليست فقط عنصراً مؤثّراً، بل العنصر المؤثّر الأول في المآلات السورية، وباعتراف وتوكيل دوليين لا شك فيهما. وعليه فإن موسكو لا تحتاج إلى “إظهار نفسها” بكونها تلعب دوراً يحظى بتواطؤ دولي كامل.
لكن الوزير الإيراني يذهب أكثر من ذلك حين يتّهم الروس بأنهم، من خلال المناورة الاستعراضية، يرومون “تحسين مواقعهم في المفاوضات مع الأميركيين وضمان حصتهم في مستقبل سوريا السياسي”. فجأة، وبعد أعوام من تدخل إيران وحرسها الثوري وميليشيات العراق ولبنان وأفغانستان الشيعية التابعة لها، وبعد تدخّل قوة كبرى حليفة كروسيا بعتادها وسلاحها وترسانتها المتقدمة وقاذفاتها الإستراتيجية، تستسلم إيران لحقيقة أن مستقبل سوريا السياسي ما زال رهن الإرادة الأميركية التي تسعى موسكو لنيل بركتها لتوطيد نفوذ طموح لها في سوريا.
واللافت في استياء طهران من كشف موسكو لنشاط قاعدة همدان، هو احتجاجها على إفشاء سرّ تعرفه كل أجهزة المخابرات الدولية، والتي تراقب ليل نهار بشكل روتيني حركة المقاتلات الروسية (وطائرات العالم أجمع)، كما لا يبدو أن واشنطن كانت جاهلة بأمر ذلك. ثم إذا كانت إيران تجاهر بحلفها الإستراتيجي مع روسيا فما المخجل من استخدام الحليف لقواعد الحليف، ومن هي الجهة التي أرادت طهران منع تلك “الفضيحة” عن مسامعها؟
تنافست كل الشخصيات التي تتحدث باسم النظام في إيران (لاريجاني، ولايتي، بروجردي، شمخاني.. إلخ) قبل “غضب” حسين دهقان على تأكيد أن إيران لم تقدم أي قاعدة لروسيا، وأن كل ما في الأمر هو استخدام عرضي مؤقت للتزود بالوقود، وأن لا اتفاق روسي بين الدولتين حول مسألة القواعد، وأن روسيا نفسها لم تطلب أساسا الاستقرار في أي قـاعدة عسكرية إيرانية، ومع ذلك اختصر الجنرال الإيراني الأزمة، التي لم تعد صامتة “لن نقدم أي قاعدة في أراضينا مهما كانت الظروف وهم لن يبقوا هنا”.
ويجوز السؤال عن سرّ الأيام الستة التي أُعلن في سابعها عن انتهاء العمليات الإستراتيجية الروسية من قاعدة همدان، وعن سر التحول في المزاج الإيراني من غبطة وحبور إلى حنق ووجوم. لكن كلمات دهقان لا تخفي سرّا وهي تعبّر عن خلاف حاد بين الدولتين في الشأن السوري على الرغم من جهد دبلوماسي تجميلي يوحي بعكس ذلك. وكان سبق لجنرالات في الحرس الثوري أن أفرجوا عن غضب من تقاعس روسيا عن مواكبة الجهد العسكري الإيراني في سوريا ما تسبب بنكسات موجعة لقوى إيران العسكرية في الميدان. وسبق لمحيطين بحزب الله أن جاهروا بتوجيه اللوم لروسيا على تصاعد أعداد قتلى الحزب هناك. لكن تعبيرات الامتعاض وصلت إلى حدّ انتقاد الرئيس الإيراني حسن روحاني نفسه للأداء الروسي في مارس الماضي والتشديد على أن طهران “لا توافق على أي خطوة تقوم بها موسكو في سوريا”.
ولا ريب في أن الخيبة الإيرانية من روسيا تتناسل من خيبة العقم الذي وصل إليه الاتفاق النووي الشهير. عوّلت طهران على أن تفتح لها “عقيدة أوباما” الباب واسعاً أمام شراكة أميركية إيرانية في المنطقة، فإذا بتلك الشراكة باتت أميركية روسية تستخدم إيران وقواتها وقاعدتها في همدان وقودا. وفيما روّجت طهران لاقتراب من موسكو يثير غيرة واشنطن، بدا أن الخيار التركي لفلاديمير بوتين بات أكثر جذبا على ما يمكن أن يراعي هواجس أنقرة في سوريا على حساب تصورات طهران هناك.
تلعثمت طهران في إدارة “العتب” إزاء موسكو. عجّلت بعد قصائد دهقان في إطلاق التصريح ونقيضه حول رحيل الطائرات الروسية عن القاعدة الإيرانية وتأكيد بقائها، ثم بشّرت بتكلّف مبالغ فيه بأن طائرات روسية تدخلت في سماء حلب استجابة لطلب إيراني.
تعاملت روسيا مع الغضب الإيراني ببرودة وروية أُريد منهما تبريد التوتر واستيعاب شططه. حتى أن كافة المحللين السياسيين الروس الناطقين بالعربية أجمعوا، وكأنهم تلقوا كلمة سرّ مركزية، على انتقاد السلوك الروسي الذي “لم يراع الحساسيات الإيرانية”.
إلا أن اللافت في ألعاب الاستعراض الروسي الذي سكت عنه الإيرانيون 6 أيام، ما صدر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، مارك تونر، تعليقاً على استخدام روسيا قاعدة جوية إيرانية “الأمر مؤسف لكنه غير مفاجئ”.
خاب الاستعراض الروسي ولم تجد إيران فيه إلا ضجيجا صبيانياً لا تحتمله ذائقة الوزير دهقان وقومه.
العربي
«ناشيونال إنترست»: ما الذي يعنيه دخول القاذفات الروسية إلى إيران؟
ما الذي يجب أن نفهمه من استخدام روسيا لقاعدة جوية إيرانية كنقطة انطلاق لغاراتها الجوية على سوريا؟ كان مسؤولون بالاستخبارات الأمريكية يعملون على حل هذا السؤال، حيث وجدوا أن وزارة الخارجية الأمريكية غير قادرة على التعامل مع هذا التطور. فقد جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية «مارك تونر» في حديثه الموجز لمراسلين في 17 أغسطس/ آب ما يلي: «نحاول الحصول على تقييم أفضل لما يجري، لكن هذا في الأساس لا يساعد».
و«تونر» محق بالتأكيد في الكلمة الأخيرة. فمن ناحية واشنطن، فإنها نظريًا لازالت تطالب الرئيس السوري «بشار الأسد» بالرحيل (وذلك منذ خمس سنوات منذ إعلان أوباما عن ذلك). وتعني العلاقة الوثيقة بين موسكو وطهران عنفًا أكبر على الأرض في سوريا، وضحايا أكثر من المدنيين، وتدمير مراكز صحية ومستشفيات أكثر، ويوفر وقتًا أطول للأسد لتعزيز مكاسبه الإقليمية، والضغط على حلب، ويعقد من معاناة مبعوث الأمم المتحدة «ستيفان دي ميستورا». وفي تصريح للجنرال «ديفيد بارنو»، الذي قاد قوات التحالف في أفغانستان من 2003 إلى 2005، وصف الجنرال نشاط روسيا داخل إيران بخطوة «بوتين» الجوهرية: «لازال بوتين يعمل على أن يتم النظر إلى روسيا مرة أخرى كقوة عسكرية عظمى، ولن يخجل من وضع إصبعه في عين الولايات المتحدة وأصدقائها في كل فرصة يتاح له فيها ذلك».
لقد قللت إيران من مسألة استخدام روسيا لواحدة من قواعدها الجوية، واصفة ذلك بأنه امتداد للشراكة الدفاعية ضد الجماعات الجهادية في سوريا. ولكن لا يزال هذه القرار حتى الآن يسبب الخلاف، حتى أن وزير الدفاع الإيراني قد انتقد موسكو لإعلانها عن هذا الترتيب المشترك. ورغم أن هذه الخطوة ربما تكون صفقة لمرة واحدة، إلا أنها تعد صفقة هامة لكلا الجانبين، وعلى صعيد الحرب السورية والديناميكية السياسية الأوسع.
أولا، ومع التواجد المؤقت للقاذفات الروسية طويلة المدى «تو-22 إم» في غرب إيران، فقد احتاجت لكميات أقل من الوقود مما كان تتطلبه رحلتها من روسيا إلى سوريا، وهذا أعطى الفرصة للطيارين الروس للتمتع بحمولة أكبر من الأسلحة والقذائف والتي استخدموها في قذف الأحياء المليئة بالمدنيين. كما سهل إقلاع الطائرات من إيران مباشرة في تلافي مشاكل السيادة، فلم تعد الطائرات مضطرة للمرور فوق الأجواء التركية في طريقها لشن الغارات فوق سوريا. وسوف يضع الروس هذه العوامل في اعتبارهم حين يعيدوا طلب الاستضافة لدى إيران، إن كانت إيران ستقبل الطلب هذه المرة.
ثانيا: على الرغم من أن قاعدة همدان الجوية مملوكة ومدارة من قبل الإيرانيين، وكان الروس مجرد ضيوف مؤقتين عليها، فإن الخطوة أعطت «بوتين» الفرصة لإحراج «أوباما» وإظهار هشاشة السياسة الأمريكية في سوريا. يعرف الروس ماذا يريدون من سوريا، فالنظام السوري حليفهم، وسوف يستخدمون كل قوة عسكرية ممكنة لضمان بقائه وتقوية موقفه. وهذا ما يتيح له الحصول على أفضل الشروط إذا حل موعد التفاوضات. وعلى العكس بالنسبة لواشنطن، فـ«الأسد» يعد بمثابة سرطان يساعد على تنامي الجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية، ولكن الأمر ليس بالخطورة التي تطلب التدخل العسكري الأمريكي المباشر والذي يمكن أن يستمر لوقت أطول وبتكلفة أكبر من المتوقع.
ثالثا: لقد كتب الإيرانيون التاريخ، حين سمحوا للقاذفات الروسية بدخول أراضيهم. فالحفاظ على «بشار الأسد» في قصره يمثل هدفا استراتيجيا للمصالح الخارجية الإيرانية في المنطقة، وهي سابقة لم تحدث منذ 35 عامًا، ونتحدث هنا عن سابقة التقارب في العلاقات ما بين روسيا وإيران. هذا يضع حدًا لتفاؤل إدارة «أوباما» بتعديل طهران لسلوكها في المنطقة بعد إتمام الاتفاق النووي هذا الصيف. وعلى الرغم من حصول إيران على حل وسط بشأن تخصيب اليورانيوم، والتواصل المستمر بين طهران وواشنطن في الفترة الأخيرة، إلا أن إيران والولايات المتحدة لا يزالان على طرفي النقيض بخصوص أكبر الصراعات في الشرق الأوسط.
توجد نقطة واحدة مضيئة بالنسبة إلى الولايات المتحدة: وهي أن دعوة الروس لا تزال نقطة حساسة للغاية في السياسة الإيرانية، حيث قامت طهران بإلغاء الاتفاق فور حدوث ضوضاء عالية. وأكد وزير الدفاع الإيراني «حسين دهقان» للشعب الإيراني أنه لا توجد اتفاقية مكتوبة مع روسيا تضع أسس الترتيب العسكري على المدى القصير. وغضب المسؤولون الإيرانيون كثيرًا بسبب إثارة روسيا الكثير من الانتباه للتعاون الذي كان من المفترض أن يظل طي الكتمان. ويبقى أن نرى إذا كان ما حدث سيثبط من إمكانية دعوة إيران لروسيا لاستخدام جديد لمنشآتها في المستقبل. ولكن من الواضح وضوح الشمس مع ذلك، أن روسيا تستمر في استخدام الصراع السوري باعتباره وسيلة لإظهار قوتها.
المصدر | ناشيونال إنترست
روسيا وإيران.. والشرعية في سوريا/ خيرالله خيرالله
في ظلّ القصف الذي تقوم به قاذفات روسية من نوع «توبوليف» تنطلق من قاعدة همدان الإيرانية، يبقى الانتصار الروسي ـ الإيراني في سوريا بعيد المنال. لا يمكن لروسيا وإيران الانتصار في سوريا. يمكنهما الانتصار على سوريا لا اكثر. يمكنهما السير في الخط الذي يسير فيه النظام وعنوانه «بشّار او لا احد». لا يستطيع الروسي والإيراني تحقيق اكثر من ذلك. يعود ذلك اوّلا وأخيرا الى انّ الجانبين يعتمدان على نظام غير شرعي مرفوض من شعبه يسعيان الى تمديد عمره الى ما لا نهاية. وهذا شيء مستحيل في نهاية المطاف. لا يمكن الاعتماد على النظام لتحقيق انتصار في سوريا.
في النهاية، لا تستطيع روسيا او إيران الاعتماد على نظام انتهت صلاحيته منذ فترة طويلة من اجل الحفاظ على مصالحهما في سوريا، علما ان لكل من روسيا وإيران مصالح خاصة بكل منهما قد يكون هناك تناقض بينها. روسيا تريد السيطرة على الأراضي السورية كي تمنع انابيب الغاز الخليجي من المرور فيها وإيجاد قواعد على المتوسط، فيما الهمّ الإيراني من نوع آخر. تريد روسيا، من خلال سوريا، تأمين مصالح ذات طابع اقتصادي من جهة وتأكيد انّها ما زالت لاعبا دوليا من جهة أخرى.
بالنسبة الى إيران، لا تزال سوريا الخاضعة لها ممرا اجباريا الى لبنان والى ما تعتبره الإنجاز الاهمّ الذي حقّقته «الجمهورية الإسلامية» منذ قيامها في العام 1979. هذا الإنجاز هو «حزب الله» الذي بات ذراعا إيرانية تعمل في كلّ المنطقة العربية وحتّى في العالم كلّه، وصولا الى أميركا اللاتينية. ليس «حزب الله» تنظيما يمكن الاستهانة به، خصوصا بعدما تبيّن ان في استطاعته الحلول مكان إيران حيث ترتئي ذلك. يظل اليمن، حيث للحزب دور مهمّ في دعم الميليشيات الحوثية وتدريبها، افضل دليل على ذلك. اكثر من ذلك، ان لبنان الذي يتخذ منه «حزب الله» قاعدة للعمل لمصلحة إيران، ساقط عسكريا. لبنان صار تحت سيطرة إيران بفضل الميليشيا المذهبية التي تمتلكها في هذا البلد. بقاء لبنان ساقطا عسكريا مرتبط الى حد كبير ببقاء النظام في سوريا نظاما علويا يعتمد اوّل ما يعتمد على حماية من إيران بطريقة مباشرة او غير مباشرة، أي عبر الميليشيات الشيعية اللبنانية والعراقية. هذا النظام السوري سخّر الأراضي السورية ممرا للسلاح الإيراني الذي يستخدم في عملية تدمير لبنان وفرض وصاية عليه.
من هذا المنطلق، تبحث كلّ من روسيا وإيران عن شرعية غير موجودة للنظام السوري. هذا البحث عن مثل هذه الشرعية يختلف بين موسكو وطهران نظرا الى خلفية العلاقة السورية ـ الروسية من جهة والعلاقة السورية ـ الإيرانية من جهة أخرى.
تعتمد روسيا في بحثها عن شرعية للنظام السوري على تاريخ علاقتها بالجيش والمؤسسات المرتبطة به، فيما تعتمد إيران على الرابط المذهبي، أي على العلاقة القائمة بينها وبين العلويين في سوريا، اي بينها وبين النظام تحديدا بصفته العلوية، وليس بالضرورة مع الطائفة العلوية. فالطائفة العلوية في سوريا لا تزال، في مجملها، تنظر بحذر الى العلاقة مع إيران التي فشلت في محاولاتها المستمرّة لتشييع العلويين في منطقة الساحل السوري.
هل يمكن لروسيا إيجاد شرعية لنظام قام أساسا على انقلاب عسكري «بعثي» قاده في العام 1963 ضباط من مشارب مختلفة، بينهم سنّة، فيما ليس امام إيران سوى تغيير طبيعة المجتمع السوري وطبيعة المدن السورية، من منطلق مذهبي، كي يبقى النظام تحت رحمتها.
ستفشل روسيا مثلما ستفشل إيران، لا لشيء سوى لانّ المؤسسة العسكرية السورية التي تراهن عليها موسكو انتهت منذ زمن طويل، فيما ستظل إيران عاجزة عن تغيير طبيعة سوريا، مهما اشترت، عبر واجهات لها، من الأراضي ومهما عملت على تهجير سكان احياء معيّنة من ارضهم، اكان ذلك في دمشق وجوارها وفي حمص وحماة… ومهما جنّست عراقيين ولبنانيين. تفعل ذلك من اجل خلق خلل في التوازن السكاني في مناطق تعتبرها إيران مناطق استراتيجية بالنسبة اليها.
لا يمكن تجاهل انّ نسبة 76 في المئة من سكان سوريا هم من اهل السنّة. يرفض هؤلاء أي مصالحة من ايّ نوع مع نظام جعل منهم مواطنين من الدرجة الثانية واذلّهم بكل الوسائل المتاحة منذ ما يزيد على أربعة عقود.
استثمر النظام السوري منذ اللحظة الاولى لقيامه في بث الرعب في صفوف المواطنين وفي البناء على حلف الأقليات بنواته العلوية. تحكّم هذا الحلف بالجيش والأجهزة الأمنية التي كان يتجسس كلّ منها على المواطن العادي وعلى الاجهزة الأخرى. مثل هذا النوع من الانظمة لا يمكن ان يدوم الى ما لا نهاية ولا يمكن الاعتماد عليه لبناء مؤسسات شرعية في دولة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها.
اين الشرعية التي يتشدق بها المعلقون الروس، ومعظمهم من الديبلوماسيين المتقاعدين الذين ما زالوا يستخدمون اللغة الخشبية نفسها التي كانت تستخدم ايّام الاتحاد السوفياتي السعيد الذكر. لو كانت هذه اللغة الروسية التي تعتبر بشّار الأسد رئيسا «منتخبا»، لكان الاتحاد السوفياتي ما زال حيّا يرزق!
ايّ شرعية تتحدث عنها إيران غير شرعية نظام اختزل سوريا في طائفة ايّام حافظ الأسد، فيما اختزلها بشّار الأسد في عائلة هيمنت على كلّ مقدرات البلد تحت شعارات فارغة من نوع «الممانعة» و»المقاومة».
نعم، لا يمكن لروسيا وإيران الانتصار في سوريا بغض النظر عن درجة التنسيق مع إسرائيل وبغض النظر عن الانكفاء الأميركي. يمكن تفتيت سوريا ولكن لا يمكن تحقيق انتصار في سوريا. يمكن الانتصار على سوريا والوصول الى مرحلة تقسيم للكيان بغية ضمان المصالح الإيرانية والروسية.
العنصر الجديد الذي طرأ اخيرا هو عنصر قديم. انّه العنصر الكردي الذي لا يمكن تجاهله نظرا الى انّه بات رهانا أميركيا، إضافة الى انه بات وسيلة لجعل تركيا اقلّ حماسة لدعم الثورة السورية. دخول هذا العنصر على خط الازمة السورية المستمرّة منذ خمس سنوات ونصف سنة، صار عاملا لخلق مزيد من التعقيدات لا تصب سوى في مسار إطالة الحروب السورية بما يقود الى تقسيم البلد بعد تفتيته. هل من خيار آخر امام روسيا وإيران لضمان مصالحهما في هذه الأرض السورية؟
روسيا تستعرض قوتها العسكرية في سورية/ أندرو كرايمر آن بارنار
أطلقت روسيا للمرة الأولى صواريخ «كروز» من سفن حربية في المتوسط، بعد أيام على بدء عمليات قصف تنطلق من قاعدة في إيران. وهذه الخطوات العسكرية الروسية هي استعراض يرمي الى إظهار قدرة موسكو على الضرب في كل الاتجاهات في منطقة تبسط فيها النفوذ– انطلاقاً من إيران، ومن سفن حربية في بحر قزوين، ومن القاعدة الروسية على الساحل السوري في محافظة اللاذقية، واليوم انطلاقاً من البحر المتوسط.
وظهرت استعانة الولايات المتحدة بقوتها العسكرية في صورة جديدة، فأطلقت مقاتلاتها لحماية قواتها والقوات التي تدعمها من ضربات الحكومة السورية الجوية. وحذر البنتاغون الحكومة هذه، إثر ضرب مقاتلاتها مناطق يسيطر عليها الأكراد وينتشر فيها عسكريون أميركيون. ويبدو أن المحادثات بين روسيا وأميركا حول عمليات مشتركة في سورية ضد مجموعات تعتبرها واشنطن وموسكو إرهابية، توقفت. وارتفعت وتيرة الضربات الجوية السورية والروسية، أخيراً، في وقت يبدو أن فرص حل سياسي ينهي الحرب تبددت. وعلى رغم أن روسيا وأميركا تؤكدان انهما تجمعان على غاية واحدة هي هزيمة «داعش» في سورية، تشنان حروباً متوازية ومنفصلة على وقع دعم كل منهما طرفاً مختلفاً في النزاع. وساهم سلاح الجو الروسي منذ العام الماضي، في بقاء (الرئيس بشار) الأسد في السلطة والتقدم في وجه الثوار.
الحرب في سورية هي كذلك مسرح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يظهر فيه قدرات أسلحته الدقيقة. ولا شك في أن صواريخ «كروز» الروسية لن تقلب موازين الحرب، لكن أسطول القاذفات البعيدة المدى المنطلق من إيران وحمولتها الضخمة من المواد المتفجرة، هما خطر جديد على الثوار والمدنيين. وأعلن وزير الدفاع الروسي الجمعة الماضي (19 الجاري) أن سفينتين من الأسطول الروسي في البحر الأسود أطلقتا ثلاثة صواريخ من مواقع في شرق المتوسط. وصواريخ «كاليبر» هي النظير الروسي لصواريخ «توماهوك»، وهي مثلها قادرة على حمل رؤوس نووية. ولكن في سياق عشرات الضربات الروسية اليومية، لا يعتد بالصواريخ الثلاثة. فما يفوق إطلاقها أهمية هو قرار انطلاق المقاتلات الروسية الاستراتيجية من إيران عوضاً عن موسكو. وإذا تواصلت هذه الطلعات من إيران، طالت مدة الحرب الجوية المدمرة.
ونشر المقاتلات الأميركية في شمال سورية هو أبرز الردود الأميركية على الضربات الجوية الحكومية السورية، على رغم أن سلاحي الجو الروسي والسوري درجا على توجيه ضربات إلى مناطق الثوار العرب الذين تدعمهم أميركا، واستهدفا المستشفيات والمدارس ومناطق المدنيين.
* مراسلان، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 19/8/2016، إعداد منال نحاس
الحياة
المشكلات الكامنة في تحالف كل من تركيا وإيران مع روسيا/ جورج فريدمان
ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد
قامت تركيا بإرسال قواتها إلى سوريا مؤخرا. دفع هذا روسيا إلى إعلان عدم رضاها عن التوجه التركي. زار نائب الرئيس الأميركي «جو بايدن» تركيا تزامنا مع هذا التحرك. ربما لم يكن المناخ حميميا، ولكنه كان وديا بما فيه الكفاية وخاليا من آثار السموم المنتشرة في الأجواء بين البلدين منذ محاولة الانقلاب. وقد وافق الروس على وقف العمليات من قاعدة همدان الجوية في إيران ولكنهم قد يعودون في مرحلة ما. كان هناك نوع من المعارك السياسية المستعرة في إيران بشأن إعطاء روسيا الإذن في استخدام قاعدة همدان في المقام الأول. ترتبط كل تلك الموضوعات معا في قصة جيوسياسية واحدة.
دعونا نبدأ مع إيران. حافظت إيران على استقلالها لعدة قرون ناجحة في صد نوعين من التهديدات. الأول هو تركيا في العصر العثماني، والثاني هو روسيا سواء في العصر الإمبراطوري أو السوفييتي. كمثال على ذلك، وخلال الحرب العالمية الثانية، ظلت إيران مستقلة رسميا، ولكن تم احتلال بعض مناطقها الشمالية من قبل السوفييت وبعض المناطق الجنوبية من قبل البريطانيين. بعد الحرب، أظهر السوفييت ترددا في مغادرة البلاد. ضغطت الولايات المتحدة على كل من السوفييت والبريطانيين من أجل استعادة الاستقلال الإيراني. كان الأمريكيون يرغبون في تحجيم التوسع السوفيتي وفي تقويض الإمبراطورية البريطانية مما أدى إلى تحاذي المصالح الأمريكية الإيرانية.
زادت الولايات المتحدة قوتها ونفوذها في إيران، قبل أن تأتي الثورة الإسلامية لتمزق هذه العلاقات. أصبحت الولايات المتحدة العدو الرئيسي لإيران، ولكن ليس العدو الأوحد. ظلت إيران حذرة للغاية تجاه الخطط السوفيتية وبخاصة خلال المرحلة الأولى من عمر الجمهورية الإسلامية. ظلت إيران تتذكر تاريخها الطويل مع روسيا. أما بالنسبة إلى تركيا، فقد كانت ضعيفة في هذه الفترة ولا تمثل تهديدا. كانت إيران معادية للولايات المتحدة وحذرة حول روسيا.
تم دفع الاتفاق النووي الأخير في إيران من قبل الفصائل التي تعتقد أن سياسة العداء التام تجاه الولايات المتحدة ومصالحها تقوض المصالح السياسية والاقتصادية في إيران. عارضت الفصائل الأخرى الصفقة باعتبارها خيانة للمصالح الإيرانية واستسلاما للولايات المتحدة. هذا الفصيل، المتجذر في فيلق الحرس الثوري الإسلامي، حارب وخسر المعركة. ولكنه لم ييأس.
بالنسبة لهذا الفصيل، فإن العداء للولايات المتحدة يمثل أساسا للسياسة الخارجية الإيرانية. في ظل تراجع العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، فإن هؤلاء رأوا أن روسيا تمثل بديلا للولايات المتحدة. الحكومة، التي تفاوضت على الاتفاق، ترى من جانبها أن روسيا تمثل خطرا أكبر على إيران على المدى الطويل، بالنظر إلى قربها الجغرافي وبعد الولايات المتحدة. من أجل ترسيخ الوضع القائم، فإن شخصا ما داخل الحكومة الإيرانية أعطى الروس الإذن باستخدام قاعدة همدان الجوية لأجل لتوجيه ضربات ضد سوريا. وعلى ما يبدو فإن العديدين من أعضاء الحكومة لم يكونوا على علم بما يجري. كان هناك على ما يبدو عدد من الرحلات الجوية من همدان قبل إعلان النبأ. عندما تم إعلان الأنباء، تم إيقاف الرحلات الجوية مباشرة. ومنذ ذلك الحين، اندلعت معركة سياسية في طهران لها أبعاد متعددة، بما في ذلك اشتباك حول من هو المسؤول عن ذلك.
يقع في قلب هذا الصراع الداخلي سؤال حول كيفية مواءمة السياسة الخارجية الإيرانية. نجم تركيا آخذ في الارتفاع وروسيا مشاركة بالفعل في المنطقة. كل منهما يمثل تهديدا محتملا. ويرى البعض في التقارب التركي الروسي فرصة لإيران في الانضمام إلى العلاقة. هؤلاء هم الذين يرون في الولايات المتحدة تهديدا رئيسيا للدول الثلاث وينظرون إلى هذا التحالف كثقل موازن للأمريكيين. وهم لا يرون الكثير من الخطر القادم من روسيا أو تركيا. ليس هناك فصيل موال للولايات المتحدة، ولكن هناك فصيل يرى أن الأتراك هم كابوس إيران التاريخي. هناك لعبة بوكر عالية المستوى تدور حاليا في إيران.
في هذه الأثناء، قامت تركيا بقلب مواقفها مرة أخرى تاركة أنصار التحالف الثلاثي في طهران في مهب الريح. منذ الانقلاب، ظهر أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» لفقا علاقة تبدو غير قابلة للكسر. ولكن هناك أمرين أكدا أن تلك العلاقة ربما لم تكن بتلك القوة التي كانت تأملها روسيا. أولهما هي حقيقة أن روسيا تدعم الرئيس السوري «بشار الأسد»، في حين أن الأتراك هم ألد أعدائه. بعد الكثير من الرقص على الحبل، أصبح من الواضح أن تركيا لن تتحول إلى موقف روسيا بشأن «الأسد»، وبالتالي نشأ خلاف جوهري بين الروس والأتراك. وكان المؤشر الثاني أن تركيا واصلت السماح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة أنجرليك الجوية. بعد نقاش طويل، تم رفض وصول الروس إلى القاعدة. هذه الأمور أشارت إلى أنه بغض النظر عن الخطابات أو الإيماءات، فإن تركيا لا تعتزم إحداث كسر عميق في علاقاتها مع الولايات المتحدة.
منذ أيام قليلة، توغلت قوات تركية إلى سوريا. تحركت نحو 20 دبابة بعمق بضعة كيلومترات داخل سوريا برفقة بعض القوات الخاصة. كانت هناك غارات جوية وقصف مدفعي أيضا. لم يكن ذلك تحركا كبيرا، ولكن وجه الدلالة أنه تم بالتنسيق مع الولايات المتحدة وليس مع روسيا. وتلا ذلك مؤتمر صحفي بين «بايدن» ورئيس الوزراء التركي «بن علي يلديريم»، ويبدو أن العلاقة الخاصة بين روسيا وتركيا قد استمرت نحو شهر.
مشكلة الأتراك هي ذاتها مشكلة الإيرانيين. الروس هم المنافسون التاريخيون لتركيا في منطقة البحر الأسود ولهم مطامع دائمة في مضيق البوسفور الذي يربط بين البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط. بالنسبة إلى الروس، فإن الاستيلاء على البوسفور كان بمثابة الكأس المقدسة لسياستهم الخارجية. وهناك المنافسة بين البلدين في القوقاز، والحرب التي تقودها روسيا في سوريا.
تركيا تبرز كقوة كبرى، ولكن ظهورها لم يكتمل حتى الآن. التحالف مع روسيا يتطلب من تركيا تحولا كبيرا في سوريا. عرض الروس تقديم تنازلات في أرمينيا ولكن الروس لا يزالون هم القوة المهيمنة هناك وهم قادرون على عكس تنازلاتهم. الإضافة إلى ذلك، كما هو الحال مع إيران، فإن روسيا قريبة جغرافيا. يجب أن تكون تركيا موازنا لروسيا، وبالتأكيد فإنها حين تقوم بتطوير قوتها الذاتية، فإن الثقل الموازن الوحيد المتاح هو الولايات المتحدة.
ما هو مشترك بين كل ذلك أنه، وبدون الولايات المتحدة، سوف يتعين على كل من إيران تركيا أن تتعامل مع روسيا بمفردها، في حين أن أيا منهما لا تثق أن بإمكانها فعل ذلك. بطرق مختلفة، تحتاج كلا البلدين إلى الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في مواقعهما السياسية. هناك قدر أكبر من التوافق في الآراء بشأن هذا في تركيا مما عليه الحال في إيران حيث تولد هذه المسألة صراعا داخليا كبيرا على جميع جوانب السياسة الخارجية. يرى البعض الولايات المتحدة كتهديد وحيد، في حين يراها البعض الآخر كتهديد يمكن موازنته.
ومع ذلك، فإنه لا يزال هناك مناقشة حول الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في السياسة الخارجية لكلا البلدين. تبحث تركيا عن توازن يضم الولايات المتحدة ولكنه يحجم تأثيرها في ذات الوقت. في حين تبحث إيران عن توازن لا يزال ينظر فيه إلى الولايات المتحدة كعدو، ولكنها عدو يمكن استخدامه على أي حال لمواجهة الروس.
لوهلة، يبدو أن روسيا تفقد نفوذها في كل من تركيا وإيران. ونظرا للسرعة التي تغير بها تركيا اتجاهاتها في تلك الفترة، فليس هناك ما هو ثابت في الأمر. وبالمثل، فإنها في الوقت الحالي فقدت أحقية استخدام القواعد الإيرانية. كل هذا يمكن أن يتغير. ولكن المنطق الجيوسياسي لا يزال سليما: الحليف البعيد يظل أقل تهديدا من الحليف القريب. ولذلك سوف تظل كل من إيران وتركيا حذرتين للغاية في التعامل مع روسيا. هذا يعني أيضا أن كل منهما سوف يسعى إلى استخدام الولايات المتحدة كقنطرة لتحقيق مصالحها الخاصة. ومن المنتظر أن تفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه.
جيوبوليتيكال فيوتشرز
سوريا والمشروع الجيوسياسي الروسي الجديد/ عامر راشد
الحرب مستمرة
الصينيون قادمون
مكاسب روسية
تحديات وعقبات
تقترب الذكرى السنوية الأولى للتدخل العسكري الروسي في سوريا دون أن تظهر حتى الآن مؤشرات تدل بشكل ملموس على إمكانية حدوث تراجع مفصلي في سياسات موسكو حيال الملف السوري في المدى المنظور.
بل خلافا لذلك تماما يبدو أن روسيا بدأت تكشف عن أن أهداف تدخلها العسكري، على المستوى الإستراتيجي، تخلع على هذا الملف أبعادا تضعه في سياق توجه جيوسياسي روسي شامل، لإعادة رسم خارطة تقاسم النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، من خلال مجموعة عمليات إعادة تمحور دولية ودولية وإقليمية، أبرزها ثلاث حلقات رئيسية: الأولى تمحور مع الصين، والثانية تمحور مع إيران، والثالثة تمحور مع تركيا، في لعبة مركبة محفوفة بمتاهة من التناقضات الجيوسياسية، ترى روسيا أنها قادرة على استغلالها لصالحها في ظل انكفاء سياسات الولايات المتحدة والدول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي.
الحرب مستمرة
شكّل التدخل العسكري الروسي في سوريا، في 30 سبتمبر/أيلول 2015 مفاجأة لم تكن متوقعة، ومخالفة لكل التقديرات والحسابات، لجهة مصلحة روسيا في التدخل عسكريا وقدرتها على تحمل تبعاته سياسيا واقتصاديا، لاسيما في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية والتراجع الحاد في أسعار النفط.
وراجت تكهنات على نطاق واسع بأن روسيا قامت بمراجعة سياساتها إزاء الأزمة السورية بعد إعلانها عن البدء بسحب قواتها من سوريا، في 15 مارس/آذار 2016، لكن سرعان ما خبت تلك التكهنات وثبت أنها كانت خاطئة.
وعلى أبواب الذكرى السنوية الأولى للتدخل العسكري الروسي في سوريا فجّرت موسكو مفاجأة ثانية من العيار الثقيل، بكشفها عن أن قاذفات روسية طويلة المدى قصفت، في السادس عشر من أغسطس/آب الجاري، مواقع لتنظيم “الدولة الإسلامية” والمعارضة السورية المسلحة في دير الزور وحلب وإدلب، انطلاقا من قاعدة همدان الجوية الإيرانية، في واقعة يُنظر إليها كتحول كبير، ليس في مسار الأزمة السورية، بل الخارطة الجيوسياسية لمنطقة الشرق الأوسط ككل.
تحول من شأنه أن يجعل التدخل العسكري في سوريا نقطة ارتكاز لعملية معقدة وطويلة، باستخدام الأراضي السورية كرقعة لحروب بالوكالة، واستخدامها كمنصة انطلاق رئيسية لحرب سياسية شرسة، ربما تكون مقدمة لحرب عالمية جديدة، ليس بالضرورة على منوال الحربين العالميتين الأولى والثانية.
الصينيون قادمون
منذ بداية الأزمة السورية اتخذت الحكومة الصين موقفا لا لبس فيه في دعم النظام السوري، لكنها حاولت طوال السنوات الخمسة الماضية إظهار دعمها في إطار سياسي من خلال تعطيل قرارات أممية تدين النظام، في سعي منها -وفق وجهة نظرها- للعب دور دبلوماسي يؤكد أن لها كلمة نافذة في المنطقة على غرار روسيا، إلا أنها خرجت مؤخرا عن حذرها المعهود، بإبداء استعدادها لتعزيز التعاون العسكري مع الجيش السوري، بتدريب أفراده على استخدام أسلحة تم شراؤها من الصين. كما كشفت وزارة الدفاع الصينية عن وجود مستشارين عسكريين صينيين على الأرض السورية من أجل هذه المهمة.
لاشك أن الخطوة الصينية لقيت ارتياحا لدى روسيا إذ يمكن اعتبارها ثمرة متقدمة من ثمرات التمحور الروسي الصيني، بيد أن ذلك لا يمنع وجود مخاوف روسية من زيادة التدخل الصيني إلى المستوى الإستراتيجي، ففي مؤتمر استضافته موسكو في أواخر مايو/أيار 2016، وشارك فيه ممثلون عن الحكومات والأوساط الأكاديمية ورجال الأعمال من روسيا والصين، وقد اتفق المشاركون على أن الكثير من الأسئلة حول العلاقات الروسية الصينية مازالت بحاجة إلى إجابات، رغم أن العلاقات وصلت إلى “مستوى غير مسبوق”، على حد وصفهم.
فروسيا تدرك أن للصين طموحات تتجاوز سقف التحالف معها، وأن سعي الصين لتقويض النفوذ الأميركي والغربي في الشرق الأوسط، وكسر الهيمنة الأحادية الأميركية والغربية، يندرج في إطار طموح بكين إلى فرض قطبية عالمية ترث القطبية الأحادية الأميركية، قطبها الأول الصين وقطبها الثاني الولايات المتحدة، ويكون فيها للدول الكبرى الأخرى مقاعد في الصف الثاني.
ومن هذه الزاوية لا يمكن حصر الموقفين الروسي والصيني بالأزمة السورية، فالصراع على سوريا يكتسي طابع صراع جيوسياسي شرس، يعيد تذكير الجميع بأجواء “الحرب الباردة”، وربما تكون واشنطن غير منزعجة من التغيير في الموقف الصيني بخصوص سوريا، فهو قد يضعف مستقبلا الأوراق الروسية، فضلا عن اعتقاد صناع القرار في واشنطن بأن ما تتمتع به السياسة الصينية من براغماتية عالية يوجد فرصا للوصول إلى تفاهمات معها، أكبر بكثير من فرص التفاهم مع موسكو، وهذا يمكن توظيفه أيضا في تليين مواقف الأخيرة.
مكاسب روسية
ما سبق لا يجيز التقليل من وزن روسيا في المعادلتين الدولية والإقليمية الشرق أوسطية، فهي استطاعت فرض نفسها كطرف رئيس لا يمكن تجاوزه في البحث عن تسوية للأزمة السورية. ويشار هنا، وفقا لقناة الجزيرة الفضائية، إلى أن المبعوث الأميركي إلى سوريا، مايكل راتني، طالب أعضاء من الهيئة السياسية للائتلاف السوري المعارض بالحوار مع روسيا، وأضاف خلال لقاء معهم “الإدارة الأميركية من خلال حوارها مع الروس تسعى لتفادي هزيمة المعارضة، مشيرا إلى أنه في حال لم تتدخل أميركا عند الروس فإن روسيا كان بمقدورها سحق المعارضة”، والرسالة واضحة لا تحتاج إلى تفسير، وتؤكد بشكل لا لبس فيه أن السياسة الأميركية ستظل عرجاء في المدى المنظور.
على الأرض، حصلت روسيا على أول قاعدة عسكرية خارجية منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، في منطقة مطار حميميم باللاذقية، وحسب الاتفاق الموقع بين الحكومتين السورية والروسية: “تتمتع المجموعة الجوية الروسية بحصانة كاملة من السلطة القضائية المدنية والإدارية السورية، وهي معفاة من أي ضرائب، وروسيا لها الحق في استيراد وتصدير الأسلحة والذخائر والمعدات والمواد بشكل معفى من الرسوم الجمركية”.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنه “ستتم تهيئة الظروف لنشر طائرات النقل الثقيلة، وبناء مدارج جديدة ومواقف للطائرات وتركيب معدات لاسلكية جديدة، بما في ذلك نظام مراقبة الحركة الجوية. كما سيتم بناء منشآت جديدة في القاعدة- الثكنات، والمقاصف، والمستشفيات، وبالإضافة إلى ذلك، ستكون القاعدة مجهزة بمنظومات صاروخية ومدافع مضادة للطائرات من طراز (بانتسير) كما ستتم زيادة عدد القوات البرية”.
وتزامن ذلك مع إعلان روسيا وإيران عن أنهما “اتفقتا على نشر قاذفات إستراتيجية روسية، من طراز توبوليف 22M3، في القاعدة الجوية همدان على أساس طويل الأجل”، ومن شأن هذا الاتفاق أن يغيّر الوضع السياسي في الشرق الأوسط، فهذه الطائرات تتميز بسرعة تفوق سرعة الصوت 1850 كم/ساعة، ويصل المدى الأقصى إلى حوالي 3000 كم. ما يتيح لها تغطية كامل منطقة الشرق الأوسط.
سياسيا استعادت روسيا علاقاتها الودية مع تركيا، بعد سنة من القطيعة والاتهامات المتبادلة، وتمخضت القمة بين الرئيس الروسي ونظيره التركي، في قصر قسطنطين بسان بطرسبرغ في التاسع من أغسطس/أب الجاري عن استئناف المشاريع الإستراتيجية المشتركة، والتأكيد على الرغبة في زيادة التعاون بين البلدين إلى مستوى جديد، بينما تمر العلاقات التركية- الأميركية بمرحلة حرجة.
كما عززت روسيا علاقاتها التحالفية مع إيران، حيث اعتبر محللون سياسيون روس أن “استعداد إيران لتقديم قاعدة همدان العسكرية لروسيا هو حدث فريد من نوعه في التاريخ الحديث للدولة الإيرانية، ودليل على وجود تحالف إستراتيجي وثيق بين البلدين. وهذه الخطوة تربط الجغرافيا السياسية الروسية مع مصالح إيران في المنطقة.. وبالنسبة لروسيا، فهذا الحدث هو الحدث الحاسم (اختراق إلى البحار الدافئة) في البحر الأبيض المتوسط وإيران والهند “. (مع ملاحظة أن إيران أكدت أن الوجود العسكري الروسي كان مؤقتا، وأن إعلان موسكو عنه كان “عملا غير مدروس”).
تحديات وعقبات
ومع كل ذلك فلن يكون من السهل على روسيا الاحتفاظ بمكاسبها، فالولايات المتحدة الأميركية لن تسلم بتقويض نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، ولن يعود بمقدور موسكو المحافظة على مقاربتها التي تعتمدها للتعامل بمرونة مع كل الأطراف في المنطقة، فالتحالف الروسي الإيراني سيترك أثرا سلبيا على علاقات روسيا مع دول الخليج العربي، وهناك محذور أن تؤدي زيادة حدة الاستقطاب في المنطقة إلى إشكالية كبيرة بالنسبة لموسكو ومشروعها الجيوسياسي في المنطقة.
أبعد من ذلك، لا تبدو المكاسب الروسية مضمونة تماما، فثمة عقبات تعيق قيام شراكة إستراتيجية بين روسيا وتركيا، فمواقف البلدين ما زالت متناقضة إزاء العديد من الملفات الجيوسياسية الساخنة، كالموقف من نظام حكم الرئيس بشار الأسد والصراع الأذربيجاني الأرمني، بالإضافة إلى وجود خلافات عميقة فيما يخص الملف الكردي في سوريا، ناهيك عن توجس روسيا من النفوذ التركي القوي في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق الناطقة بالتركية، (أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزيا وتركمانستان) وهو ما تنظر إليه موسكو من منظور منافسة جيوسياسية لها في “حديقتها الخلفية”، إن صح التعبير.
ولا يمكن لروسيا في أي حال الحديث عن واقعية قيام تحالف إستراتيجي بين روسيا وإيران، فزواج المصالح بين البلدين من البوابة السورية لا يلغي احتمال الشقاق بينهما من البوابة نفسها. وثمة تاريخ من الصراع الجيوسياسي بينهما، ترجع جذوره إلى توقيع الإمبراطوريتين الروسية والفارسية “معاهدة تركمان شاي” عام 1828 لترسيم الحدود بينهما. كما أن عدم وضع روسيا ضوابط في علاقتها مع إيران يؤدي إلى خسارتها للدول السنية، وبالتالي خسارة منطقة الشرق الأوسط ككل.
بناء على ما سبق؛ واقعيا لا يمكن للأهداف الجيوسياسية الروسية أن تصل إلى ما هو أبعد من هدفين: الهدف الأول هو البحث عن شركاء دوليين وإقليميين، وهي مستعدة لتقاسم النصر معهم، حتى لا تتحمل ثمن الفشل لوحدها في حال حصوله، وحتى لا تغوص في مستنقع أفغاني جديد. ولذلك تسعى روسيا جاهدة لحملة عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة في حلب.
الهدف الثاني: الترويج لمنظومة أمنية متكاملة من آسيا الوسطى إلى الخليج وسوريا بمشاركة جميع الأطراف الإقليمية بديلا عن المنظومة الأمنية الأميركية المهيمنة منذ عقود.. مقاربة ربما تبدو بسيطة لكنها ستفتح معركة جيوسياسية شاملة، وغير مضمونة النتائج مع الحلفاء والشركاء قبل الأعداء.
الجزيرة نت
“السيناريو الشيشاني” في الحرب الروسية على سورية/ خالد غزال
استأنفت روسيا حربها المدمرة على سورية انطلاقاً من مدينة حلب. سبق لروسيا، ولفترة قصيرة جداً ادعاءها الانسحاب من الحرب في سورية، ولم يكن في الحقيقة سوى ادعاء كاذب. منذ فترة، تحتكر الطائرات الروسية سماء المدينة، وتمعن في تدميرها على من فيها من سكان مدنيين أو مقاتلين، وعلى بناها ومبانيها. يذكّر التدمير الروسي لحلب بما جرى لمدينة غروزني في الشيشان، والتي قادت تمرداً على السيطرة الروسية وطالبت باستقلالها عن الاتحاد، فكان جواب الرئيس الروسي بوتين مسحها من الوجود وتحويلها ركاماً وأطلالاً. يبدو أن هذا الأسلوب قريب جداً على قلب قائد روسيا في تعامله مع شعوب بلده وغيرها من الأوطان.
لا شك في أن روسيا تخوض حربها الخاصة لتأمين مصالحها في المنطقة ونفوذها على البحر المتوسط. آخر الهموم في عقل بوتين هو الشعب السوري أو النظام أو الرئيس الأسد نفسه، وإن يكن شعار التمسك بهذا الأخير ليس سوى شماعة تبرر له التدخل. يستفيد بوتين من التردد الأميركي ومن إخلاء الساحة وتركها في فراغ. هذا الفراغ ملأه بوتين كأفضل وسيلة للتدخل.
ما يدور في سورية هو عملياً حرب بين «الكبار» من القوى العظمى، حيث لا مكان فعلياً للقوى «الصغيرة» مثل إيران والميليشيات التابعة لها أو لتركيا وقواها أو لسائرالقوى الإقليمية. دور هذه القوى تأمين الغطاء لحروب الكبار. أما الشعب السوري وما يصيبه وما يعانيه، فلا يقع في حساب لا الكبار ولا الصغار. سورية مساحة لحروب بديلة ولتصفيات القوى العظمى لنزاعاتها الخارجية، والأكثرمن ذلك ميدان إجراء التسويات أو التمديد للحروب.
الجديد في الحرب الروسية المدمرة على سورية هو استخدام قاعدة «همدان» الإيرانية في انطلاق طائراتها لضرب مدينة حلب وغيرها من المدن. لا شك في أن الكثيرين ذهلوا من السهولة التي سمحت فيها إيران بانتهاك سيادتها والتسليم بوجود قوى عسكرية خارجية على أرضها. لا يقنع الكلام الإيراني عن أن السماح لروسيا باستخدام قواعدها الجوية لا يعني وجوداً عسكرياً على الأرض. فألف باء العلم العسكري الذي يعرفه الإيرانيون جيداً، أن وجود الطائرات في القواعد العسكرية يحتاج إلى قوى لوجستية وإلى قوى حماية لها. ومن يعرف العقلية الروسية العسكرية يعرف أن القيادة فيها لا تثق بحماية جنود إيرانيين لهذه الطائرات ولطواقمها العسكرية واللوجستية. إذاً القرار الإيراني هو مس بالسيادة اتخذته القيادة طوعاً، وهو فريد من نوعه منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، بل هو سابقة لم يجرؤ شاه إيران نفسه على السماح للأميركيين، أصدقائه وحماته، بإعطائهم هذا الحق بالتواجد العسكري.
ما بات واضحاً أن ما أملى على إيران شرب «كأس السم السيادي» هو فشلها الواضح في إنهاء الحرب العسكرية في سورية، وفي العجز عن السيطرة على مدينة حلب بعد أن تكبدت مع حلفائها والميليشيات التابعة لها خسائر جسيمة. يرى الإيرانيون أن هذا الحلف مع روسيا سينقذ ماء وجههم في حـرب طالت وستطول حكماً، وتوقعهم أن الجيوش الإيرانية مقبلةٌ على الغوص في رمالها ووحولها أكثر من أي وقت مضى. فهل يكون التدخل الروسي وسيلةً إنقاذ لإيران فعلاً، مثلما سيكون إنقاذاً للأسد ونظامه؟ الجواب في ما ستحمله الأيام المقبلة من مسار الحرب.
لا يقع في باب التكهن أن الروس ستفاجئهم تعقيدات في مسار الحرب وردود الفعل عليها. فالاستكانة للتردد الأميركي وعدم الانغماس في المواجهة قد لا يعني تسليماً لروسيا بحسم الحرب. عودنا الأميركيون على سياسة مراوغة لا تضع في الحسابات سوى مصالحها، ولا تأخذ في الاعتبار مصالح الأوطان والشعوب، كما هي روسيا.
يصعب أن تبقى أميركا خارج اللعبة، ويصعب أن تقبل بتسليم المنطقة لروسيا، وهي الخصم لها في أوكرانيا وأكثر من منطقة في العالم. تملك أميركا وسائل متعددة لوضع العصي في الدواليب الروسية، وليست مضطرةً للنزول إلى الأرض للقيام بذلك. قد نرى الأميركيين فجاةً يغذون قوى معارضة بأسلحة نوعية تهدد الطيران الروسي، وقد يكون العقل الأميركي في وارد إغراق روسيا بأفغانستان أخرى. هذه التوقعات تنبع من معرفة العقل العسكري الأميركي، ومن الإشارات الاعتراضية التي بدأت تبثها الإدارة الأميركية احتجاجاً على العمليات العسكرية الروسية في سورية. ستظهر الأسابيع المقبلة ما إذا كانت التسوية على سورية قد نضجت لدى الكبار، أم أننا أمام مراحل جديدة من الحرب. قد يكون التوقع الثاني هو الأرجح.
* كاتب لبناني
الحياة