تعثر الإعلام السوري البديل .. والمنظمات الداعمة/ عبسي سميسم
لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بالسياسة، ومنها ما يتعلق بالبيروقراطية المفرطة، ومنها ما يتعلق بعدم القدرة على تقييم المحتوى، لم تتمكن المنظمات الداعمة للإعلام من تحقيق أية نتيجة تذكر على صعيد تطوير الإعلام السوري الذي نشأ في ظل الثورة، على الرغم من أن أموالاً طائلة صرفت لهذه الغاية.
فعلى الرغم من دخول تلك المنظمات، وهي في معظمها أوروبية وأميركية، تحت مسمى دعم الإعلام الناشئ لدى المعارضة وتطويره، إلا أنها حولت مهمتها من دعم هذا الإعلام وتطويره بشكل عام، بتطوير أداء أبناء المهنة من السوريين، وهم موجودون، وتشجيعهم على بناء نوى مؤسسات إعلامية معقولة، إلى مهمة تحويل أصحاب مهن أخرى إلى إعلاميين، تحت مسمى دعم الناشطين!
ولا تبدو مصادفة، أن جل من تعاونت معهم هذه المنظمات، وعملت على تطويرهم، هم من الذين لم يعملوا سابقاً في مجال الإعلام، لأسباب نذكرها لاحقاً، فتم صرف مبالغ طائلة، من دون نتائج تذكر، على تأهيل ناشطين من خارج الكادر الإعلامي السوري، (هناك إعلاميون وصحفيون مهنيون كانوا يعملون لدى الإعلام الرسمي السوري، انشقوا عن النظام، والتحقوا بصفوف الثورة)، إذ تكلف دورة لعشرة ناشطين كل أسبوع بين 25 إلى 30 ألف دولار في المتوسط، يضاف إليها من ستة إلى عشرة آلاف دولار قيم معدات، في حال تم توزيع معدات ضمن الدورة.
وإلى ذلك، انتشرت موضة الدورات الإعلامية، والتي كانت بالنسبة لمعظم من خضع لها رحلة استجمام في تركيا أو لبنان، مدفوعة التكاليف، مع إقامة في فنادق فاخرة، ومصروف جيب، بالإضافة إلى معدات توزع على المتدربين، مثل أجهزة كمبيوتر (لابتوب) وكاميرات التصوير وغيرها. وقد شهد العام 2012 سباقاً محموماً بين الناشطين، للمشاركة في دورة تدريبية، بهدف الحصول على واحدة من هذه التجهيزات على الأقل، بينما كان أعضاء الجهة السياسية التمثيلية في الثورة (المجلس الوطني) آنذاك هم الأقدر على التوسط لدى المنظمات، وتأمين حضور تلك الدورات لناشطين محسوبين عليهم من دون غيرهم، إلى درجة أن ناشطين حضروا أكثر من عشرين دورة، من دون أن تضيف إلى رصيدهم الإعلامي سوى كاميرات أو أجهزة لابتوب إضافية!
“ساهمت عوامل عدة في تضخم (الأنا) لدى ناشطين إعلاميين كثيرين، في مقدمتها الفضائيات العربية التي استعانت بناشطين في تغطياتها الإخبارية، ولا يُنسى دور بعضهم في نقل الأحداث المهمة، وشجاعتهم في وجه أعتى آلة قمع عرفها التاريخ، إلا أن قيامهم بهذا الدور الإعلامي المهم أمّن لهم مكانة اجتماعية، تجاوزت حدود مناطقهم وقدراتهم، وأوجد لديهم شعوراً بالوصول إلى الكمال في مجال العمل الإعلامي”
تكاثر المشاريع الإعلامية
مع بداية عام 2013، بدأت “المشاريع الإعلامية البديلة” تنمو مثل الفطر، ومعظمها خارج سورية، كالصحف والمجلات والإذاعات، بتشجيع من منظمات بعينها، والتي ربما تنبهت، لاحقاً إلى عدم جدوى الدورات الإعلامية الفردية. وانتشرت بين الناشطين كتيبات، تشبه التي تحمل عناوين من قبيل: (كيف تتعلم الانكليزية في خمسة أيام بدون معلم) والذي يباع على البسطات، فظهر كتيب (الخطوات الست للحصول على دعم لمشروع إعلامي)، وهي خطوات نظرية، تحتاج إلى خبير في العلاقات العامة، يجيد التخاطب مع المنظمات الداعمة، بحيث يضع رؤية وأهدافاً وشعاراً للمشروع المقدم، ويقوم بدور معقب المعاملات، لإنجاز معاملة الدعم للمشروع الإعلامي المزمع القيام به.
وبالفعل، تم تمويل إذاعات كثيرة، كانت معظم برامجها مستنسخة عن برامج إذاعية مستهلكة، ولم يتجاوز عدد مستمعيها حدود الكادر الذي يعمل فيها. وتم تمويل صحف كانت، في غالبيتها، من قياس صفحة تابلويد، وبمحتوى قد لا يرقى إلى أكثر من مستوى (بوست) في موقع فيسبوك، ومن دون تبويب، أو تمييز بين أنواع العمل الصحفي المختلفة، (من دون إنكار ظهور صحف وإذاعات استطاعت أن تحقق قدراً من المهنية في أدائها)، وعلى الرغم من ذلك، استمرت المنظمات في دعم تلك الإذاعات والصحف بشكل عام، بسبب عدم قدرتها على تقييم المحتوى الإعلامي المقدم فيها، وتركز معظم الدعم الذي قدمته هذه المنظمات على الدورات التدريبية أيضاً، مع بعض الدعم المادي والمعدات الإعلامية، وهو لا يكفي لقيام مشروع إعلامي، يمكن أن يقدم رسالة إعلامية، أو يصل إلى جمهور مفترض.
عزوف أبناء المهنة
ساهمت عوامل عدة في تضخم (الأنا) لدى ناشطين إعلاميين كثيرين، في مقدمتها الفضائيات العربية التي استعانت بناشطين في تغطياتها الإخبارية، ولا يمكن أن ننسى دور بعضهم في نقل الأحداث المهمة، والشجاعة التي تحلوا بها في وجه أعتى آلة قمع عرفها التاريخ، إلا أن قيامهم بهذا الدور الإعلامي المهم أمّن لهم مكانة اجتماعية، تجاوزت حدود مناطقهم وقدراتهم، وأوجد لديهم شعوراً بالوصول إلى الكمال في مجال العمل الإعلامي، وسرعان ما كان هذا الشعور يختل، أو يتبدد، بمجرد الاحتكاك بالكوادر السورية الخبيرة والمؤهلة، والتي استبعدها الناشطون عن العمل الإعلامي الثوري لأسباب غير مفهومة، وتحت ذرائع شتى، كانت تصل إلى حدود الاتهام بالعمالة للنظام! وأفضى هذا إلى أن يأخذ أبناء المهنة موقفاً سلبياً من الإعلام الناشئ، بل تعالوا عليه، وامتنع معظمهم عن المشاركة في مشاريعه، مفضلين العمل في مؤسساتٍ إعلامية عربية أو أجنبية، على المشاركة في المشاريع السورية المعارضة الناشئة، ما ساهم في حصول شبه قطيعة بين الإعلاميين، من أبناء المهنة الذين انحازوا للثورة وبين العمل الإعلامي الثوري.
الجمهور المستهدف هو المنظمة
مع استمرار المنظمات الداعمة بالتعاطي مع المشاريع الإعلامية الناشئة، من دون معرفتها بالمحتوى الذي تقدمه، ولا بتأثيره على الجمهور المستهدف، أو حتى معرفتها بوصوله إلى الجمهور أو عدمه، ومع عدم جرأة تلك المنظمات على دعم مشروع إعلامي متكامل، استمرت مشاريع إعلامية مشاريع لـ “الاسترزاق،” أي لتأمين مصدر دخل للقائمين عليها، في مقابل تأمين متطلبات تلك المنظمات، من كتب رسمية وبيانات تثبت قيام تلك المشاريع بما هو مطلوب منها تجاه المنظمة. وبالتالي، أصبح الجمهور المستهدف لتلك المشاريع الإعلامية هو المنظمات الداعمة لها بالدرجة الأولى. وفي المقابل، ظهرت مشاريع إعلامية، أخذت تتبلور مشاريع جدية وواعدة، لكنها افتقدت أهم مقومات استمرارها وتطويرها، وهو الدعم المالي الكافي لتحقيق متطلبات الاستمرار، وفق المعايير وشروط العمل المهني.
بيروقراطية وتوجهات سياسية
وما يعقّد مهمة المشاريع الإعلامية الجدية في الحصول على تمويلٍ يضمن استمراريتها الأنظمة الإدارية والإجرائية البيروقراطية التي تحكم عمل المنظمات التي تدعم الإعلام، والتي قد تؤدي إلى توقف المشروع، قبل بت المنظمة في موضوع تأمين مستلزمات العمل.
وبدأت، في نهاية العام 2013، أحاديث تدور، تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام عن دور استخباراتي، تقوم به منظماتُ لصالح الدول التي تتبع لها، فتمت الإشارة إلى منظمات كانت تهتم كثيراً بجمع معلومات عن الناشطين وعن القوى العسكرية الموجودة على الأرض، والدخول في تفاصيل لا علاقة لها بصلب عمل تلك المنظمات، ووصلت اتهامات لتلك المنظمات إلى درجة الاعتقاد أن الأجهزة التي كانت تعطى للناشطين كانت تحتوي على أجهزة تنصت، وهذا دور اتهمت منظمات بممارسته، فسره بعضهم على أنه سبب اعتمادها على الناشطين، وعدم بحثها عن الصحفيين المهنيين.
العربي الجديد