تعفّن النظام السوري أسوأ بكثير مما نتصور/ توبياس شنايدر
في مقابلة أجراها آرون ديفيد من صحيفة فورين بوليسي مؤخراً، عدد روبرت مالي -أحد أكبر مستشاري الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط- مرة أخرى أولويات الولايات المتحدة في سياستها بشأن سوريا، وهي الحاجة للموازنة بين المخاوف الإنسانية والرغبة بـ “الحفاظ على مؤسسات الدولة” وتجنب الفراغ في السلطة لئلا تنزلق البلاد في فوضى تامة.
خلال السنوات الثلاث الأخيرة، لم تكن تلك الأولويات ركيزة أساسية في تفكير داعمي سياسة الولايات المتحدة المتحفظة والمحدودة فقط، بل أيضاً في تفكير عدد من المعلقين الذين كتبوا بشكل صريح أو موارب دفاعاً عن دمشق. ففي مقالتين نشرتا مؤخراً في صحيفة War on the Rocks، قدم كاتب (يكتب باسم مستعار) نظام الأسد على أنه نظام لا يرحم لكنه على الأقل علماني وجامع والأهم أنه آخر معاقل السلطة المدنية والمركزية في الشرق الأوسط العاصف. وفي حين كتب إميل هوكايم رداً منمقاً حول دينامية الطائفية في بلاد الشام، إلا أن سؤالاً بذات الأهمية جاء في المقال يتطلب جواباً وهو: ماذا تبقى من الدولة السورية المركزية؟
حالة إنكار
بعد الانهيار السريع لقواته في إدلب العام الماضي، ألقى الرئيس بشار الأسد خطاباً تم نشره على نطاق واسع اعترف فيه بقصور حاد في صفوف جيش النظام يوجب عليهم الانسحاب من جبهات معينة. وقد نشرت الصحافة في ذلك الحين على مدى أشهر مقالات عن محاولات الدولة اليائسة في التجنيد. ومع نهاية شهر تموز (يوليو) بدا الأسد وكأنه ينهار تحت وطأة سنوات من الاستنزاف والانشقاق، مما دفع بالتدخل الروسي والإيراني سعياً لقلب المعادلة. وبحلول شهر شباط (فبراير) من هذا العام أجمع المحللون في داخل الحكومة وخارجها على أن الروس والإيرانيين نجحوا في محاولتهم بشكل كبير.
لكني أختلف معهم بحكم السنوات التي قضيتها بالبحث والمتابعة لقوات النظام المسلحة، إذ يعاني المراقبون من ضعف في قدراتهم التحليلية عندما يتعلق الأمر بتقديراتهم لقوة النظام، فقد بالغوا بتصوير عدد الجنود على الأرض وكذلك المساحة التي يسيطرون عليها، معطين اللون الأسود (داعش) مساحة أقل واللون الأحمر (الجيش العربي السوري) مساحة أكبر، وأخذوا بالاعتبار وسائل أخرى من سيطرة الحكومة مثل الاقتصاد وشتى أمور الحكم وتغاضوا عن تنوع واختلاف القوات المقاتلة، إذ تتدهور تركيبة قوات النظام مع تدهور حالته. وإن علمتنا تجربتنا في بناء دولة في العراق شيئاً، فهو ألا ننخدع بظاهر مؤسسات الدولة الضعيفة وأن نتجاهل الخرائط الملونة التي تستقي معلوماتها من معايير مغلوطة، فالحرب الأهلية في جوهرها تكاد دوماً أن تكون نزاعاً على أساسيات حياة المجتمع والمؤسسات التي تشكله. وبذلك تحمل الدينامية الداخلية لعمل الحكومة أهمية لا تقل عن أهمية الانتصارات في المعارك والتحركات على الجبهات. إذاً ما لم تشارف مصادر سوريا من الرجال في سن القتال أو الأسلحة الخفيفة أو شاحنات النقل على النفاذ قريباً، يجدر بنا أن نعير انتباهنا للديناميات الهيكلية خلف نزاع بات يستعر لأكثر من خمس سنوات.
وبالفعل نرى أن تركيبة قوات النظام اليوم بعد خمس سنوات من الحرب لا تختلف كثيراً عن تركيبة ميليشيات المعارضة، فرغم أن قوات النظام تحظى بكمية أكبر من الموارد من الهيكل اللوجيستي للجيش العربي السوري الذي ما زال قائماً، إلا أنها تتألف من عدد هائل من الميليشيات المحلية المتحالفة مع مختلف الفصائل والممولين المحليين والأجانب وأمراء الحرب المحليين، ويقدم أيمن التميمي لمحة عن الميليشيات الموالية تتكشف فيها أصولهم المتنوعة، ليس منها ما هو قادر على القيام بأي عمل هجومي سوى قلة قليلة. وهذا التشرذم هو نتيجة مباشرة للتفاعل بين الضغوط الاقتصادية والحكومية على الصعيدين القومي والمحلي أكثر ما هو نتيجة للقيود الطائفية والديموغرافية. ومع ضمور الدولة المركزية السورية الاستبدادية، نالت الأطراف المكونة لها (سواء كانت الطائفية أم المنتفعة أو ببساطة المتوحشة) درجة مذهلة من الاستقلال السياسي والاقتصادي عن دمشق. وبعكس ما زعم البعض، لم يعقد الأسد صفقة عظمى مع شريحة واسعة من سكان المدن السنة، بل رفع أكثر العناصر وحشية في البلد إلى مقاليد السلطة وضاعف رهانه على نزعات قواعدها الطائفية والقبلية والعنفية.
أصبح حرياً اليوم بالخرائط التي تظلل محافظات سوريا الغربية بالأحمر أن تميز فيها بين عشرات وربما مئات الإقطاعيات الصغيرة الموالية صورياً فقط للأسد، إذ أصبح عمل قوات الأمن الموالية في معظم البلد يشبه فعلاً عملية ابتزاز كبرى، هي سبب انهيار الدولة على المستوى المحلي وعاقبته في آن معاً.
الجريمة والعقاب: قوات النمر في حماة
يعرف المتابعون للحرب الأهلية السورية عن قرب تنظيمين متحركين يقومان بمعظم أعمال النظام الشاقة، يعرفان بـ “قوات النمر” و “صقور الصحراء” (أصبح تتبع ميليشيات النظام أقرب لدرس في علم التصنيف حيث أغلبهم من فصيلتي الطيور والقطط الكبيرة)، ينشط الأول في حلب والثاني في اللاذقية حالياً. وتعمل هاتان الوحدتان عمل كتيبة الإطفاء المسلح، إذ تهرعان لإطفاء المناطق المشتعلة ولصد هجمات الثوار، وأحياناً تقودان هجمات خاصة بهما، عندها تعملان على حشد مجموعة غريبة من أمراء الحرب المحليين وفلول النظام والدعم الخارجي لتصنع منها تحالفات مؤقتة وغرف عمليات، شأنها في ذلك شأن قوات المعارضة.
للتعرف على قوات النمر بإمكاننا العودة إلى قصة روبرت فيسك المتزلفة عن “مقابلته الجندي المفضل لبشار الأسد” سهيل الحسن، قائد قوات النمر. الحسن ضابط في قسم المخابرات الجوية، وبالإضافة إلى ما يقال عنها من أنها أرفع قوة مقاتلة في الحكومة، يقال أنه أحد مهندسي سياسة الأسد في سياسة الأرض المحروقة والبراميل المتفجرة، وتكاد شعبيته بين موالي النظام تبلغ حد العبادة.
القصة الحقيقية لقوات النمر ليست بتلك الروعة، إلا أنها تطلعنا على الكثير لمن يحاول فهم النظام. ففي الأيام الأولى من الثورة ضد الأسد، نظم الحسن قمع المظاهرات في حماة معتمداً على مجموعة من الشبيحة العاديين وجنود سلاح الجو وقادة القبائل المحلية. وقد كان سر فاعليته هو قدرته على الحصول على دعم السكان المحليين بدل الاعتماد على مؤسسات الدولة التي بدأت فعلاً بالانهيار آنذاك. ومع مرور الوقت تطورت تلك الشبكة من العملاء إلى ما يعرف بقوات النمر. وفي حين أصبح لتلك الوحدة نواة ثابتة من أشباه الجنود الدائمين، يأتي البقية من خلفيات واسعة من الميليشيات والمجرمين والمهربين المنتشرين عبر حماة، القطاع الذي يتوسط سوريا ويقال بأنه الأهم استراتيجياً. واشتهر العديد من المؤتمرين بأمر الحسن بالسرقات والتهريب والعديد من الجرائم. وفي وقت سابق من هذا العام ذهب علي الشلي، الشبيح من قرية تل سلحب والمؤتمر بأمر الحسن مباشرة، ذهب بانتهاكاته إلى حد اضطر النظام أن يعتقله أخيراً، إلا أنه أفرج عنه بعد أيام وأعاده إلى جبهات القتال.
ينبغي أن ننظر إلى حوادث كتلك على أنها أكثر من مجرد اقتتال بيروقراطي حول الفساد. فبحسب المقابلات التي أجريتها، يشتهر أمراء الحرب الموالون للحسن بتهريب الأسلحة والناس والنفط إلى مناطق داعش والمعارضة، مما يؤثر على جهود النظام بشكل مباشر. وما من خيار أمام الحكومة المركزية سوى أن تراقب ذلك بلا حول ولا قوة، إذ حصلت على تقرير من مجلس الأمن الإقليمي للجيش العربي السوري صدر الشهر الماضي، يفصل حادثة وقعت مؤخراً تم خلالها ضبط قوات الشلي وبحوزتهم حمولات كبيرة من الأسلحة المهربة والمخفية تحت أكياس من القمح، فدخلوا في معركة طويلة بالأسلحة مع قوات أمن الدولة، ولم يترتب عليهم أية عواقب جراء ذلك. وإن كنت تتساءل عن السبب، فالجواب بسيط: لا يوجد قوة موالية لدمشق اليوم يمكنها أن تتصدى لهؤلاء المرتزقة. وبعد بضعة أيام، قُتل خمسة جنود من المخابرات العسكرية في كمين أعُد لهم في منطقة تحت سيطرة الشلي في سهل الغاب. وقد قام عدد من مؤسسات الدولة بمحاولات يائسة للسيطرة على قوات النمر، وانتشرت شائعات قوية بأن إحدى محاولات الاغتيال على الأقل التي استهدفت الحسن كانت من قبل قيادة المخابرات العسكرية.
تأثير النفط
بالإضافة إلى ما تبقى من الزراعة، أصبح تهريب الوقود والأسلحة والناس النشاط الاقتصادي المهيمن على الكثير من مناطق سوريا، تجني منه الميليشيات الموالية الكثير من الأموال. والقوات المسلحة التي يفترض أنها تقاتل من أجل الأسد تعلمت بسرعة أن تستغل الضائقات في الاقتصاد المحلي لتحرر نفسها من وصاية دمشق، وبالأخص عندما يتعلق الأمر بإحدى أسهل السلع للمقايضة: الوقود. وفي حادثة أخرى وقعت في حماة في الصيف الحالي، اكتشتفت قوات الجيش السوري عدداً من الشاحنات المحملة بالنفط في طريقها إلى مناطق الدولة الإسلامية. خوفاً من انتقام طلال دكاك، سارع الجنود بتسليم الحمولة إلى المديرية المحلية للمخابرات الجوية عوضاً عن مصادرتها وتوزيعها كما جرت العادة. اختفت بعدها الحمولة مرة أخرى بحسب ما أطلعني به مصدر في حماة.
بالرغم من عدم كونها دولة نفطية، إلا أن مبيعات النفط كانت تشكل 25 بالمائة من الدخل قبل الحرب، ونسبة كبيرة من احتياطي النقد الأجنبي للدولة. وبعد سنوات من الحرب أصبح الاقتصاد الرسمي للنظام، وخاصة قطاع الهيدروكربونيات، آيلاً للانهيار، إذ فجر مسلحو الدولة الإسلامية آخر منشأة كبيرة للغاز كانت تعمل في الدولة، مما زاد الأمور سوءاً. ولم يقضِ الانهيار الاقتصادي والمالي على المدخرات وأضعف الأجور ملقياً بالملايين في درك الفقر فحسب، بل أنه رسخ انهيار العملة كما رأيت من متابعتي الشخصية لأسعار السوق السوداء عبر سوريا. ومع التوثيق الواسع لآثار التضخم على جهود التجنيد العسكري، كان لانخفاض العملة تاثيرات ثانوية أخرى، إذ أصبحت أسعار المواد الأساسية المستوردة باهظة لدرجة جعلتها خارج المنال. وفي هذا الأثناء، دفع تحكم الحكومة بالأسعار واحتكار المنتجين بالإنتاج المحلي إلى الركود، مما شجع على تهريب البضائع القليلة التي تدخل إلى الخارج مجدداً، وأدى إلى ارتفاع الأسعار ونقص الموارد والتقنين، الأمر الذي أوهن البلد وأثرى البعض ممن يتمتعون بالخبرات والصلات والقوة اللازمة.
فلنأخذ مثلاً صقور الصحراء، الند اللدود لقوات النمر وتاني أهم تجمع هجومي للنظام. أسسها الأخوان محمـد وأيمن جبر، الذان يجسدان صعود المهربين إلى السلطة. حصل الأخوان على بداية ثروتهما كمجرمين عاديين في عملية النفط مقابل الغذاء في أواخر التسعينات، ومن ثم استثمرا تروتهما الجديدة بحصافة في احتكار السلع على الساحل السوري (منحته لهم الدولة) في أول موجة خصخصة قام بها بشار. وفي آب (أغسطس) 2013، تحت ضغوط العقوبات الخارجية وتقدم الثوار، وقع الأسد مرسوماً يسمح لرجال الأعمال الخاصة بإقامة ميليشياتهم الخاصة لحماية مصالحهم المالية. وهكذا بجرة قلم سلّح النظام مريديه. وخلال الأعوام الثلاثة التي تبعت ذلك، أشرف الأخوان على عمليات نقل النفط وغسيل الأموال عبر العراق ولبنان، وحماية منشآت النفط وكذلك بناء أحد أكبر التشكيلات المقاتلة للنظام. ورغم وعودهما بالموالاة لدمشق، لكنهما عملياً مستقلين عن سوريا في القيادة والتمويل والتجنيد وحتى تحصيل السلع. يدفع تنظيم الصقور أجوراً أكبر من أجور الجيش العادي بفارق يبلغ ثلاثة أضعاف، ولديه منشآت التدريب الخاصة به، وينتج عرباته الخاصة للقتال. هذا القدر من الاستقلال قد يؤدي إلى المشاحنة على أرض المعركة، إذ وصل التوتر إلى ذروته بين الصقور وغيرهم من الموالين خلال عملية تدمر التي نالت تغطية إعلامية واسعة في شهر آذار (مارس)، حين اتهم جبر قوات النمر بإطلاق النار عمداً على أحد مواقعه مما أدى إلى مقتل تسعة وجرح عشرين آخرين. بحسب عدد من المصادر، منها بعض حسابات التواصل الاجتماعي التي تم إلغاؤها، صوب المسلحون أسلحتهم إلى رجال الحسن وهددوا بالانسحاب. وفي النهاية أرسلت دمشق بعثة رفيعة المستوى للإصلاح بين أمراء الحرب وإرجاع الهجمة إلى المضمار الصحيح. ولم تخُض الوحدتان قتالاً مشتركاً على جبهة واحدة منذ ذلك الحين.
اقتصاد الحصار
بدلاً من محاولة احتكار الموارد، عمدت بعض المجموعات المسلحة إلى الانتفاع من السكان المحاصرين مباشرة. إليكم مدينة التل الواقعة إلى شمال دمشق مباشرة، فهي نظرياً ضمن اتفاقية هدنة مع النظام، تحوي هذه المدينة الصغيرة المعارضة مئات الآلاف من النازحين الهاربين من المناطق المحيطة بالعاصمة. ورغم الضمانات التي تلقتها من الحكومة، أخذت المليشيات المحلية الموالية على الحواجز تفرض ضريبة مقدارها 100 ليرة سورية لكل كيلوغرام من الطعام يدخل المدينة. أكثر التقديرات تواضعاً تجد أن هذه الضريبة تدر دخلاً شهرياً يبلغ ملايين الدولارات، وهو مبلغ كافٍ لتغطية نفقات الطعام والمستلزمات لآلاف المقاتلين الذين يحاصرونها وعائلاتهم. وقد قدرت مجموعة المراقبة المعروفة بـ “مراقبة الحصار” أعداد المدنيين المحاصرين من قبل قوات النظام بـ 850 ألفاً آخرين عبر سوريا. تضاعفت تكلفة المعيشة في تلك المناطق، مع ذهاب الفارق إلى جيوب جنود النظام المتواجدين فيها. وبتعبير آخر، مع عجز دمشق عن تمويل وإطعام عوائل رجال الميليشيات الموالين، تأتي محاصرة المدنيين وفرض الضرائب عليهم كضرورة اقتصادية ليبقي النظام جنوده على الجبهات شبعانين وسعيدين.
ليس الغرض من هذا تبيان شرور النظام السوري وانعدام أخلاقياته، بل لتوضيح نقطة أهم، وهي أنه مع كون الأجور لا تكفي لإطعام المجندين أنفسهم، أخذ رجال الأسد يقتاتون من الأرض ومن السكان المدنيين منذ زمن. ولا يمكن اليوم لمعظم التشكيلات المقاتلة الموالية للنظام الاعتماد عليه في تحصيل دخلها أو عتادها أو مجنديها. ورغم أهميتها الاستراتيجية للأسد، ليس من المؤكد أن النظام يسيطر تماماً على عدد من الحصارات خاصة في ريف دمشق وحمص وجبال القلمون. إذ أخبرني مصدر محلي يتنقل بين دمشق والغوطة عبر أنفاق التهريب أن بعض كتائب الثوار المحلية تتم إدارتها من قبل ضباط في الجيش العربي السوري. ومع الانهيار المستمر لمؤسسات الدولة الحكومية والاقتصادية عاد هؤلاء “الأشباح” (التسمية العامية التي يطلقها السوريون على المجرمين الموالين للنظام) لمطاردة من هم في السلطة. وبالرغم مما تظهره الخرائط الملونة، تبقى سيطرة بشار الأسد محدودة جداً في المناطق التي يُقال بأنه يسيطر عليها. ومع استمرار الحرب ستؤدي هذه الديناميات حتماً إلى تضارب المصالح بين المقاتلين المحليين وبين النظام، وكذلك بين دمشق وداعميها الأجانب.
النظام المحاصر
وقعت حادثة في شهر شباط (فبراير) من هذا العام قد تكون مثالاً على ما سيحدث مستقبلاً. خلال خوضه معارك طاحنة ضد قوات الثوار قرب بلدة حربنفسه، استنجد قائد الميليشيا أحمد اسماعيل بنظيره أمير الحرب في بلدة بعرين المجاورة لإرسال الدعم. فرفض قائد قوات بعرين المسلحة فادي قريبش الطلب بفظاظة. وفي اليوم التالي كان هناك هدنة ووقف لإطلاق النار، فصوب اسماعيل أسلحته نحو قريبش بعد شعوره بالخيانة. وما هي إلا فترة بسيطة حتى انضم إليه منشقون من المخابرات الجوية في حماة لدعم عميلهم المفضل وسحق المسلح المتمرد (قريبش). لكن قريبش نجح في درء الهجوم ونصب حواجزه الخاصة على الطرق في المنطقة مما قطع طرق التهريب التي كان يستخدمها اسماعيل إلى مناطق الثوار. ولم يجرؤ النظام على مضايقة بعرين بعد ذلك.
ضعف النظام وعجزه الاقتصادي لا يسمحان له بإجبار أو رشوة المقاتلين في صفه، لذا سعى الأسد إلى ربط أتباعه بدمشق مستخدماً وسائل سياسية. إذ أشارت “الانتخابات” البرلمانية التي جرت في شهر نيسان (إبريل) إلى تحول هيكلي للنظام من دولة مركزية إلى خليط مائع من أمراء الحروب، حيث فقد عدد من البعثيين القدامى والوجهاء أعمدة النظام التقليديين مقاعدهم لصالح مهربين جدد وقادة ميليشيات ورؤساء قبائل. فانتبه الحرس القديم لذلك، وأرسل عملاء النظام المستبدلون في حماة وفداً مستعجلاً إلى العاصمة بعد إعلان النتائج لتحذير الدائرة الضيقة للأسد من شخصيات وميول من اختاروا لتلك المناصب، ولكن في ظل غياب البدائل، يضطر الأسد لإبقائهم قريبين منه.
قد يسبب بعضهم المشاكل أكثر من غيره. إذ بنى أقرباء الأسد من آل مخلوف شبكة ميليشيا خاصة بهم من خلال رابطة البستان الخيرية، وهي مؤسسة خاصة أنشئت قبل الحرب تعنى بتمويل المعونات الإنسانية والمجموعات المسلحة. يصل نفوذ هذه الشبكة أنحاء المناطق التي يسيطر عليها النظام ويحرص ملاكها على إبقائها خارج سيطرة الدولة. وفي الوقت ذاته عاد الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهو أحد أعداء حزب البعث القدامى، إلى الظهور بعد أن تغلغل في صفوف المسيحيين الأورثودكس والدروز ليؤسس منهم الميليشيا الخاصة به. وبأخذ الدور الذي لعبه آل مخلوف في الحزب السوري القومي الاجتماعي عبر التاريخ بالاعتبار، يصبح لدى العديدين في دمشق مخاوف من قوى مركزية تمزق النظام أكثر فأكثر.
ولا يقدم داعمو الأسد الأجانب مساعدة تذكر في هذا الشأن. فإيران تبدو راضية تماماً بالوضع المضطرب على الأرض بعد أن أنفقت الكثير من الموارد لإنشاء شبكتها الخاصة من العملاء عبر البلد. وروسيا التي قد يهمها ثبات النظام أكثر من غيرها تبدو غافلة تماماً عن الوضع برمته، إذ يظهر ضباطها وجنودها في صور بين الفينة والأخرى وهم يقاتلون أو يتلاطفون مع العديد من الميليشيات القبلية والطائفية. وفي إحدى المرات ظهرت صور لجنود روس يقاتلون جنباً إلى جنب مع أفراد من ما يعرف بكتيبة الجبل، وهي فرقة علوية تصدرت عناوين الأخبار العام الماضي عندما أعلنت عن إقامة أول فرقة انتحارية موالية.
خاتمة
خلال السنوات الثلاث الماضية، وبالرغم من الدعم والتسليح الخارجي، ساهم نظام الأسد بضمور الدولة بشكل متزايد. وإن استمرت الأمور على هذا النحو سيجد الأسد نفسه قريباً مثل غيره: عاملاً مشتركاً رمزياً يجتمع حوله تحالف هزيل من اللصوص والإقطاعيات. وبهذا، ومع التحلل البطيء لما كان دولة قوية وجيش ومؤسسة حزبية، يصبح شخص بشار الأسد نفسه مجسماً لآخر أعمدة “النظام” (وليس الدولة) وحربه الشرسة على مواطنيه.
معظم القوات في سوريا اليوم، وبالأخص منها موالي الأسد من الأقليات، تقاتل في حرب تزداد محلية لحماية مجتمعاتهم الخاصة. وهذه الأهداف الدفاعية ما كانت لترتبط برؤية قومية عنفية نعرف أنها غير مقبولة لدى معظم السوريين وكارثية على داعميها وغير واقعية عسكرياً لولا بقاء النظام. وربما يؤدي إسقاط الطاغية إلى اقتتال بين أمراء الحرب، إلا أنه لن يؤدي غالباً إلى انهيار قواتهم واستباحة قراهم. فاللاذقية واقعة تحت حماية محمد جبر ورجاله من صقور الصحراء، وليس “الفرقة الرابعة” المتخيلة في غالبيتها والتابعة للأسد. وإن لم يكن هناك فعلاً طبقة قوية بيروقراطية وعسكرية لإنقاذ وإعادة إحياء الدولة، وإن استقل المسلحون الموالون بأنفسهم فعلاً، يكون الوضع مغايراً لما يظنه صانعو القرار في الغرب، ولم يعد التخلص من الرئيس السوري كحامٍ للدولة ممكناً وحسب، بل يجب أن يُعد الرجل آخر عقبة أمام عملية سلام تقوم على وقف إطلاق النار وإرجاع النازحين إلى مجتمعاتهم.
وهذا بدوره يجعل النداءات التي نسمعها في العواصم الغربية وفي موسكو والتي تدعو إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة نداءات جوفاء. كل تلك المعاناة في سبيل الحفاظ على ماذا بالضبط؟
إنها خرافة النظام القومي بقيادة الأسد التي تقود أسوأ الانتهاكات في هذه الحرب، وتدفع بأطفال العلويين من جبال الساحل وسهول حماة لقتال أبناء بلدهم في أقاصي دولة تفتتت إلى إقطاعيات بعيدة عن سيطرة الدولة. يجب على الولايات المتحدة ألا تكون شريكة في هذا الادعاء. لقد انتهت الدولة السورية إلى الأبد، وعند هذه النقطة لعل قطعاً سريعاً لرأسها أفضل من انتظار انهيارها.
عندما ثار السوريون في البداية لم يطالبوا بسقوط بشار الأسد فقط وإنما النظام أيضاً. والمعاناة الإنسانية وفشل الدولة وحتى الإرهاب ليست مخاوف تحتاج للموازنة، إنما علائم مرض واحد: فساد حكم بشار الأسد ووكلائه ومقربيه وصغار المجرمين الذين رفعهم إلى مقاليد السلطة.
ترجمة ديمة الغزي
السوري الجديد
ترجمة مختصرة أخرى
إقطاعيات أمراء الحرب: ماذا تبقى حقا من النظام والدولة في سوريا؟
ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد
في مقابلة مع مجلة «فورين بوليسي»، عدد «روبرت مالي»، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، الأولويات المتشابكة للسياسة الأمريكية في سوريا، ما بين تحقيق التوازن الذي يحافظ على حياة المدنيين، والحفاظ على مؤسسات الدولة، وتجنب حدوث فراغ في السلطة قد يؤدي إلى فوضى عارمة.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، برزت هذه الحجة، التي لا تتماشى فقط مع سياسة التدخل المحدود التي تتبعها الولايات المتحدة ولكن أيضًا في كتابات عدد من المدافعين عن دمشق بشكل صريح. والسؤال الذي طرحه أحد الكتاب يقول: ماذا تبقى حقًا من الدولة المركزية في سوريا؟
حالة من الحرمان
وبعد انهيار قواته في إدلب العام الماضي، خرج «بشار الأسد» في خطاب يعترف بمعاناة جيشه من النقص العددي ما أدى إلى الإنسحاب من جبهات عديدة، ثم ظهر في يوليو/ تموز منهارًا تحت وطأة الاستنزاف البطيء والانشقاقات، ما أدى إلى تدخل روسيا وإيران لتغيير ذلك الوضع، وهو ما نجحتا فيه وفقًا لمحللين داخليين وحكومات أجنبية.
لكن كباحث أمضى العديد من السنوات في البحث والتتبع لقوات النظام المسلحة، فإني لا أوافق على ذلك. فبقدر محاولات تقدير قوة النظام، فقد عانى المحللون والباحثون من أوجه قصور تحليلية حول أعداد الجيش السوري على الأرض أو المساحات المسيطر عليها من أي من الأطراف المتصارعة. لذا، فإن كنا تعلمنا شيئًا من أفغانستان والعراق، فينبغي ألا نعتمد على الأرقام والإحصاءات الخادعة. وكما أن الحرب الأهلية في جوهرها دائمًا ما تكون خلافًا على المبادئ الأساسية للمجتمع وهيكلته، فإن ديناميكية الحكومات الداخلية لا تقل أهمية عن النجاحات الميدانية في خط المواجهة.
وبعد 5 سنوات من الصراع، لا تختلف هيكلة جيش النظام السوري كثيرًا عن ميليشيات المعارضة، بينما تزودت المعارضة بكثير من الخبرة والحلفاء الأجانب وأمراء الحرب المحليين. وتلعب الاختلافات الطائفية والديموغرافية بالإضافة إلى التشرذم الناتج عن الضغوط الاقتصادية، دورًا في زعزعة مركزية الدولة، واكتسبت الأجزاء التي ابتعدت عن يد الدولة من الطائفيين أو المتشددين درجة كبيرة من الاستقلال السياسي والاقتصادي. وعلى عكس ما يدعيه الآخرون، فإن ضرب «نظام الأسد»، لم يعد بالنفع الكبير على السنة، وهم القطاع الأكبر من سكان سوريا، بل زادت قوة أكثر العناصر وحشية، وتضاعفت قوة القطاعات الطائفية وقطاع الطرق.
واليوم، بينما تغطي علامات الصليب الأحمر معظم الخريطة السورية، يتبين لنا أن هناك العشرات أو المئات من القرى الصغيرة التابعة للأسد بالاسم فقط.
الجريمة والعقاب: «قوات النمر» في حماة
ويدرك هؤلاء الذين تابعوا الحرب الأهلية السورية عن قرب أن هناك قوتان رئيسيتان تقومان باعمال النظام السوري، «قوات النمر»، و«صقور الصحراء»، والتي تعمل في حلب واللاذقية على التوالي. وتعمل هذه الوحدات على إخماد الهجمات المسلحة للمعارضة والانتشار في جميع أنحاء البلاد بشكل سريع، وتشبه في تكوينها ميلشيات المعارضة وتتكون من مجموعة من أمراء الحرب الأغراب وفلول النظام، بالإضافة إلى بعض عناصر الدعم الأجنبي.
ووفقًا لـ«روبرت فيسك»، فإن الجندي المفضل لدى «بشار الأسد» هو «سهيل الحسن» قائد قوات النمر. و«الحسن» هو ضابط كبير بالمخابرات الجوية، ويعتقد أنه أيضًا المخطط لعملية براميل الأسد المتفجرة والأرض المحروقة. ويتمتع «الحسن» بشعبية بين مؤيدي النظام تقارب بشار نفسه.
ويعود تشكيل «قوات النمر» إلى اشتراك «الحسن» مع مجموعة من البلطجية وضباط الجو وزعماء القبائل في قمع الاحتجاجات في حماة في أول أيام الإنتفاضة، وهذا ما جعله يفرض نفسه بديلًا عند «الأسد» لمؤسسات النظام المتداعية بالفعل. ولا تزال «قوات النمر» اليوم تتكون من شبكة واسعة من الميليشيات الموالية للنظام والمجرمين والمهربين تمتد عبر حماة. وأصبح مرؤوسيه المباشرين يتمتعون بسمعة سيئة نظًرا لنشاطهم الإجرامي بممارسة قطع الطرق والتهريب في غياب القانون. وبلغ الأمر ذروته إلى الدرجة التي أجبرت النظام على القبض على «علي شيلي» وهو أحد مساعدي «الحسن»، لكنه خلال أيام تم إطلاق سراحه، وعاد إلى الخطوط الأمامية. كما أنه من المعروف أن أمراء الحرب بقوات «النمر» يهربون الأسلحة والناس والنفط لتنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما يقيد من جهود النظام في الحرب.
ورغم التأكد من عدة وقائع لمقتل جنود بالمخابرات ومحاولات لاغتيال «الحسن» نفسه، بسبب تهريبات ومساعدات من الوحدة التي تتبع «شيلي»، إلا أن النظام لا يجد أمامه خيارًا إلا غض الطرف عن ذلك، فلا يمكنه الإعتماد على مجموعات أخرى في حماة.
عامل النفط
بجانب ما تبقى من بعض الزراعة، أصبح الاتجار في النفط والسلاح والبشر، نشاطًا اقتصاديًا واسعًا في غالبية أنحاء سوريا. وتعمل المليشيات الموالية للحكومة في ذلك وتقبض الثمن، وقد تعلمت الاعتماد على نفسها بعيدًا عن الحكومة وخاصة فيما يتعلق بتجارة النفط. وفي حادثة في حماة، عثرت القوات العسكرية على شاحنات محملة بالنفط متوجهة لتنظيم الدولة الإسلامية، وخوفًا من انتقام «طلال الدقاق»، سلمت القوات العسكرية الشحنة إلى إدارة المخابرات الجوية، ثم كان مصير هذه الحافلات الاختفاء مرة أخرى.
وكانت الحكومة العسكرية تعتمد في 25% من مدخولها على النفط قبل الحرب، لكن ومع انهيار النظام الاقتصادي والتوتر على الأرض، انهارت جميع القطاعات ومنها الغاز والنفط، وبعد أن تمكن تنظيم الدولة من تفجير منشأة الغاز الرئيسية الأخيرة التي كانت لا تزال تعمل في يد النظام، فإن الوضع قد تفاقم إلى حد كبير. كل ذلك أدى إلى تقليص الأجور، والإلقاء بالملايين في براثن الفقر، وزيادة التضخم وانهيار العملة المحلية، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف شراء السلع، وهو ما نشط من حركة التهريب بعيدًا عن أعين الحكومة.
«صقور الصحراء» هي المجموعة التالية في الأهمية للنظام السوري. وتأسست تلك المجموعة على يد الأخوين «أيمن» و«محمد جابر». وهما من أسسا لحصول المهربين على القوة والسلطة. وقد حصلا على مبالغ كبيرة من استغلال كارثة برنامج النفط مقابل الغذاء في التسعينات في العراق، واستثمرا هذه المبالغ في الممارسات الاحتكارية بطول الساحل السوري مع أول موجة من الانتفاضة ضد الرئيس «بشار الأسد». وتحت ضغط العقوبات الأجنبية، وقع «الأسد» مع رجال الأعمال عقدًا يتيح لهم تأسيس ميليشيات خاصة لحماية أملاكهم. وهكذا أنشأ الأخوان ميليشيا أصبحت هي الذراع العسكري على الأرض الثاني في الأهمية للنظام بعد «قوات النمر».
الاقتصاد وقت الحصار
بدأت الميليشيات بعد احتكارها للموارد في استغلال السكان الذين يعانون بشكل مباشر. وبفعل العقود التي وقعوها مع النظام، فإن هذه الميليشيات الصغيرة، قد سيطرت وتملكت مئات الآلاف من منازل النازحين من العاصمة وما حولها تحت وطأة الحصار الاقتصادي. وخارج ما تم الاتفاق عليه مع الحكومة، أصبحت تلك الميليشيات تنصب كمائن وتفرض إتاوات تبلغ 100 ليرة سورية للكيلوجرام الواحد من منتجات الأغذية. وأفادة مجموعة «مراقبة الحصار» أن أعداد المدنيين المحاصرين بقوات «الأسد» يبلغ ما يزيد عن 850 ألف سوري عبر سوريا. وفي هذه المناطق، تضاعفت تكاليف المعيشة بشكل خطير.
نحن لا نتحدث في هذه النقطة لنزيد من شيطنة النظام السوري، ولكن لنوضح دور هذه الميليشيات. ومذ لم يعد النظام قادرا حتى على إطعام مقاتليه أنفسهم، فإن هذه المليشيات لم تعد تعتمد على النظام في المأكل أو المعيشة أو المعدات أو التجنيد. وعلى الرغم من أن هذه الميليشيات هامة للأسد، إلا أن النظام السوري يفقد السيطرة عليها يومًا بعد يوم.
النظام في منعطف مسدود
وتظهر حادثة خطيرة حدثت في فبراير/ شباط الماضي ما وصل إليه النظام من منعطف خطير. فقط طلب قائد إحدى الميليشيات ويدعى «أحمد إسماعيل» الدعم من ميليشيا قريبة يقودها «فادي قربيش»، أثناء اشتباكه مع بعض المعارضة، لكنه رفض المساعدة. وفي اليوم التالي وبدافع الشعور بالخيانة، توجه «أحمد إسماعيل» بقواته لقتال «قربيش»، لكن «قربيش» تمكن من التغلب عليه والاستيلاء على الأراضي التي كان يسيطر عليها «إسماعيل».
وفي محاولة للسيطرة على رؤوس الميليشيات، حاول «الأسد» تقريبهم منه سياسيًا. فقد أظهرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة أن نظام الدولة المركزي تحول ليصبح ثوبًا فضفاضًا من أمراء الحرب. وبالنظر إلى عائلة الرئيس «بشار الأسد» نفسه، نجد أن أبناء عمومته من عائلة «مخلوف»، قد أسسوا ميليشيات خاصة بهم أيضًا من خلال مؤسستهم البستان. وهي الأخرى تقع خارج سيطرة «الأسد» تمامًا. وحتى الحزب الاجتماعي القومي السوري، والذي يعدّ العدو اللدود لحزب البعث الاشتراكي الحاكم، فإنه قد عاد للظهور بميليشيات تتزايد أعدادها، وقد حقق نجاحات بالفعل بين المجتمع الأرثوذكسي والدرزي. وبالنظر للدور التاريخي الذي لعبته عائلة «مخلوف» في الحزب الاجتماعي القومي، فإن تصادم الحزبين ينبئ بتمزق أوصال العائلة.
ولا يقدم الرعاة الأجانب المساعدة الكافية للأسد أيضًا. إيران تبدو مدركة للوضع المشوش تمامًا على الأرض، وقد بدأت بالتأسيس لشبكة عملائها عبر البلاد. وروسيا، وهي الدولة الأكثر اهتمامًا باستقرار النظام، تبدو غافلة عن الوضع برمته. فقد تم تصوير جنودها يقاتلون جنبًا إلى جنب مع مجموعة كبيرة من الميليشيات القبلية والطائفية.
خاتمة
على مدى الثلاث سنوات الماضية، وبالرغم من المساعدة والدعم الخارجي، استمر النظام في الضمور والانهيار على نحو متزايد. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن نهاية «الأسد» كآخر عمود في خيمة النظام سيكون وشيكًا، كما هي نهاية حربه الوحشية ضد مواطنيه.
ويقاتل الغالبية العظمى من السوريين الآن، ولاسيما الميليشيات الموالية للنظام، ليس من أجل سوريا ومصالحها، ولكن من أجل مصالحهم الخاصة الضيقة. وإذا ما تم سقوط «الأسد»، فإنّ قادة الحرب المتبقين سيتقاتلون على حماية الأراضي التي يسيطرون عليها، وهو ما سيمزق سوريا إربًا ويسقط الكثير والكثير من القتلى.
إذًا، فلم كانت تلك الخطابات في العواصم الغربية وفي موسكو؟ ولم كانت كل تلك المعاناة وللحفاظ على أي شيء بالضبط؟
إذا لم تكن هناك بيروقراطية قوية وجيش عسكري قوي مسيطر على الأرض لإنقاذ حياة المدنيين وإحياء الدولة، فليس هناك معنى لما يفترضه قادة الغرب.
إنها مجرد فكرة خيالية وتوهم لدى النظام المؤيد للأسد الذي ارتكب أسوأ انتهاكات الحرب ضد شعبه، وأجبر الأطفال العلويين على القتال، ومزق البلاد إلى إقطاعيات صغيرة خارجة عن سيطرة الدولة. ويجب على الولايات المتحدة ألا تكون متواطئة مع هذا الادّعاء. فرحيل رأس الدولة السورية يصب في الصالح العام، وربما يكون قطع الرأس سريعًا في هذا الوقت خير من انتظار الانفجار.
عندما انتفض السوريون في أول الأمر، لم ينادوا فقط بإسقاط «بشار الأسد»، ولكن بإسقاط النظام. فقد عانى الشعب السوري طويلًا من انتهاكات حقوق الإنسان وفشل الدولة. نعم هناك إرهاب في سوريا، لكن لابد من موازنة ذلك، فهي أعراض لمرض مؤقت، وهو الحكم الخاطئ لـ«بشار الأسد» وعملائه والمقربين منه وصغار المجرمين الذين رفعهم للسلطة.
| وور أون ذا روكس