تعويم الأسد.. وتسويق إدارة الأزمة/ هشام منوَّر()
تبدو المحاولات الدولية والإقليمية لما يسمى إعادة تأهيل الأسد أو على الأقل ما تبقى من هياكل نظامه، ممجوجة ومنبوذة ومكررة بالنسبة لأغلب السوريين الذين عانوا من ممارسات هذا النظام ما لم يعانه شعب في العالم، حتى ضد أقسى أنواع الأنظمة الفاشية والاستبدادية.
الجديد في هذه المبادرات التي أضحت تحظى بقبول دولي أكبر مع انضمام شطر كبير من دول الاتحاد الأوروبي إلى التحالف الدولي ضد ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية، أنها تأتي تحت ستار هذا التحالف وضروراته لمواجهة عناصر التنظيم المتغول، لكنها تتخذ من هذه «الضرورات« لا سيما من قبل الدول الأوروبية الأقل مساهمة في التحالف، ذريعة لإعادة التعامل مع النظام وفق آليات تأهيله وتعويمه، واجتراح مبادرات لإدارة ما عاد يعرف في الأدبيات الإعلامية الغربية بالأزمة السورية بعد أن تحولت ثورة الشعب السوري في نظر العاجزين من المجتمع الدولي إلى مجرد «عبء« أو «أزمة«.
القاسم المشترك بين جميع المبادرات المطروحة هو فكرة أن المعارضة «المعتدلة« السورية لم تعد طرفاً فاعلاً في هذه «الأزمة«، وأنها ما فتئت تفقد تأثيرها لصالح جماعات «جهادية« متطرفة تبدأ بداعش والنصرة، ولا تنتهي بجماعة خراسان التي كشف الأميركيون عن وجودها، أول مرة، عندما استهدفوا ما قالوا إنها مواقع لها، وذلك مع انطلاق الغارات الأميركية ضد تنظيم الدولة في سوريا في 23 أيلول/ سبتمبر الماضي.
تحاول هذه المبادرات القول إن البديل لنظام بشار الأسد لم يعد، في ظل ضعف المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض، وتشتتها في الخارج، إلا «التنظيمات الإسلامية المتطرفة«، ما يعني أن إضعاف نظام الأسد والسعي إلى إطاحته يخدم، في نهاية المطاف، هذه التنظيمات، ويمهد لها سبل الوصول إلى السلطة.
مبادرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، «ستيفان دي ميستورا«، على سبيل المثال، تهدف إلى تجميد الصراع ابتداءً من مدينة حلب. وترتكز على ثلاث نقاط رئيسة، أهمها التركيز على محاربة الإرهاب، وكأن الإرهاب في سوريا يمارس من طرف واحد، وأنه سبب الأزمة، وثاني النقاط تخفيض مستوى العنف، وثالثها تخفيف المعاناة الإنسانية، والدفع باتجاه مصالحات محلية، يمكن أن تشكل منطلقاً لحل سياسي للأزمة.
أما المبادرة الثانية التي تدفع بالاتجاه نفسه تقريباً، فهي المبادرة الروسية المدعومة إيرانياً، والتي كشف عن بعض تفاصيلها المستشرق الروسي، فيتالي نعومكن، في مقال نشره موقع المونيتور، والذي يملكه ويديره جمال دانيال، رجل الأعمال الأميركي السوري الأصل، والمقرب من نظام بشار الأسد، مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
يرى «نعومكن« أنه مع تلاشي المعارضة المسلحة المعتدلة على الأرض في سوريا، فإن طرفي الصراع الرئيسيين اليوم هما الجماعات الإسلامية المتشددة ونظام الأسد، «وإن بقاء نظام الأسد من ثم قد يكون السبيل الوحيد للحفاظ على الدولة السورية ومنعها من الانهيار«، أو سيطرة المتشددين الإسلاميين عليها. ولتحقيق هذا الهدف، تسعى المبادرة الروسية إلى عقد مؤتمر سوري، يجمع أطراف الأزمة في موسكو، أولاً، ثم ينتقل الاجتماع إلى دمشق، ويشارك فيه ممثلون عن نظام بشار الأسد، وأطراف من المعارضة السورية، مثل الرئيس السابق لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، معاذ الخطيب، وعباس حبيب ممثلاً عن مجلس العشائر السورية، وقدري جميل المعارض القريب من نظام الأسد، والذي يقيم في موسكو منذ إقالته من منصبه، نائباً لرئيس مجلس الوزراء في سوريا عام 2013، وأعضاء من هيئة
التنسيق التي غالباً ما يشار إليها بالمعارضة الداخلية أعربت عن رغبتها بالانضمام إلى هذه الاجتماعات، التي قد يسبقها تنسيق مواقف بين هذه التيارات في القاهرة، وقد أعرب هؤلاء جميعاً، عن استعدادهم للحضور من دون اشتراط تنحي الرئيس بشار الأسد، وعن دعمهم للحرب على تنظيم الدولة، وإجراء مصالحات بين أطراف الصراع من السوريين. كي تكون التضحية بجرائم النظام ورأسه مقابل المشاركة في طاولة الحوار والتفاوض معه، أبرز ما يحاول المجتمعون في القاهرة وموسكو لاحقاً التوافق عليه، كي يرضى ممثلو النظام الجلوس معهم على مائدة الحوار تحت سقف «الوطن«!
يدرك السوريون ما آل إليه واقع ثورتهم من عسكرة سعى النظام إليها، ومن حسابات سياسية مصلحية تراعي الشق الغربي في مخاوفه من نمو التطرف والإسلاموفوبيا وتنامي ظاهرة المجاهدين الأوروبيين القادمين لإعلاء دولة الخلافة المزعومة التي أعلنها البغدادي في شهر رمضان الماضي، لكنهم يعلمون أن النظام ليس مسؤولاً فقط عن استدامة الاستبداد في بلادهم وقمع الحريات والديمقراطية ومنع تداول السلطة لأكثر من ستة عقود منذ عهد أبيه حافظ الأسد، فهذا الاستبداد هو الذي دفع إلى نشوء الثنائية بينه وبين والإرهاب، مثل ثنائية «الأسد أو نحرق البلد«. لتستمر إدارة «الأزمة« في سوريا بعد أن عجز الكبار في العالم عن إيجاد حل ينهي معاناة السوريين، في ظل دعم قسم من هؤلاء «روسيا وإيران والصين« لنظام جر بلاده إلى الخراب ومنح داعميه تفويضات بإعادة الإعمار.. مقابل استدامة حكمه الشمولي المستبد!
() كاتب وباحث
المستقبل