تفاصيل الحياة في إمارة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً)/ سردار ملا درويش
خرجت إدلب من يد النظام السوري بعد سيطرة المعارضة على مركز المحافظة في مارس الماضي. فتحكم المدينة وريفها حالياً فصائل مختلفة ذات توجه إسلامي، أبرزها فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) وأحرار الشام وجيش الإسلام وجيش الفتح ولواء الحق. الأطراف المسيطرة متوافقة في ما بينها، كما يروي خليل، شاب من “معرة مصرين” بريف إدلب، ويضيف: “يسود بينها الاتفاق والتعاون في السلطة”.
وتبقى جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الفصائل الأقوى والأكثر سيطرة على حياة الناس في تلك المناطق، بحسب شريحة واسعة من المواطنين في تلك المناطق.
أمينة، ربة منزل، لم يختلف في نظرها الحكم الحالي عن حكم النظام. بينما سوسن، وهي صيدلانية، مقتنعة بحكم الفصائل الإسلامية المسيطرة. لكن لدى أم أحمد رؤية أخرى، فتقول بلهجتها الإدلبية لرصيف22: “ما بعرف مين بيحكم أو مين مستلم هالبلد. ولا اضطريت للتعامل معهون. ما عاد عرفنا راسنا من رجلينا”.
يتولى المدينة جهاز أمني مسؤول عن تنظيم أمور المدينة، كما يروي شادي عوسجي (33 عاماً)، وهو مدرس جامعي، والجهاز الأمني هو مجموعة فصائل تشكل ما يسمى الأمنية، أو القوى التنفيذية التي تدير الواقع والحياة. ويقول: “منصب الحاكم الشرعي يتولاه بالتناوب بين الفصائل ويتم اختياره من الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة. يحكم المدينة حالياً شرعيٌ تابع لحركة أحرار الشام”.
الأمن والقضاء: “الله يرحم أيام سيّدي”
و”سيّدي” كلمة كانت تقال لكل مسؤول عسكري.
“لا يوجد أمن بمعنى الكلمة، عناصر الأمن لا يظهرون إلا في التفجيرات”، تقول ليلى، وهي مدرّسة، بطريقة هزلّية. وتضيف: “هم سيئون، فبدل أن يحببوا الناس بالإسلام أساؤوا إليه”. وتعيد ذلك لحجم الفساد والمحسوبيات وتقول: “لو كان لشخص حاجة لدى مسؤول وكان الأخير ابن منطقته تسير أموره بشكل سريع، بينما لو كان من عوام الناس تطبق عليه جميع القوانين، بالمختصر الله يرحم أيام سيّدي”.
القضاء يتم “بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، يشير عمر، وهو طالب جامعي ومصور في إدلب. ويقول إن القانون الشرعي يتبع للمحكمة الشرعية. تركزت العقوبات بحسب المستطلعين في الحبس والاستتابة وإقامة الحد، بينما تعددت رؤاهم حول تباين حكم الجماعات المسيطرة. لكنهم اتفقوا على أن “جبهة فتح الشام (النصرة)، تضبط الأوضاع بفاعلية أكثر من أحرار الشام، فالأخيرة تمنح هامش حرية أكثر مقابل تشدّد الأولى”.
عمر منسجم مع الحكم الشرعي، ويرى أنه غير قمعي، بل يمنح أحقية المحاسبة لمن يخالف اللباس الشرعي، أو يقوم بالتصوير بدون إذن. وبنظر أمين، شاب جامعي: “هناك حرية للنقد من دون خوف لكن يوجد اختلاف فكري مع العديد من الفصائل”. أما بالنسبة إلى أم خليل: “جميع الفصائل سواسية لا يختلف بعضها عن بعض، الكل يبحث عن مصلحته من دون تأمين الحياة الجيدة للمواطن”.
أميرة، صحافية، ترى الأمور من منظار المقارنة بين النظام والواقع الحالي. فلا تُخفي تضامنها مع جبهة النصرة، باعتبار أن الأخيرة تخوض معارك قوية على الجبهات، بينما يعيب النصرة عدم الإدارة المدنية الجيدة، كما تشير. وتتفق معها سوسن (42 عاماً) على أن الفصائل الإسلامية تمنح هامش الحرية ولا تقمع. في مقابل الرؤيتين، لا ترى أحلام أن هناك أي تغيير ملموس، وتضيف: “اعتقدنا أننا تحررنا، لكن الظلم والمعاملة السيئة والقسوة باقية”.
الواقع المعيشي
لتشريع وجودها، على القوة العسكرية أن تشكل حاضنة لها، وهي مضطرة لتأمين الاحتياجات الأساسية اليومية للناس. يؤكد شادي أن القوة العسكرية لا تتدخل في حياة الناس وتداولات البيع والشراء. ويضيف: “في الأسواق نجد الخضار والفاكهة، لكن غالبيتها تُنتج في أراضي المحافظة”. المواد الأخرى بحسب سوسن مثل الأدوية الطبية والإغاثات، تأتي عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
يتفق جميع المستطلعين على أن هناك غلاء أسعار مرتبط بسعر صرف العملة الأجنبية.
أحلام، التي تعاني من إعاقة جسدية، تعيش مع ثلاث عوائل في منزلٍ واحد، بعد أن فقدوا ثلاثة شباب. وحالياً رب الأسرة مصاب نتيجة قصف سوق كان موجوداً فيه. وتعتمد العوائل على المعونات، كما تعمل أحلام متطوعة لتستطيع الحصول على بعض الإعانات “أحياناً القوى العسكرية تحاسبنا على قوتنا اليومي، يأتون لأماكن الإغاثة ويحرموننا بحجة أن هناك أناساً أهم”.
الظروف الصعبة والفوضى والظلم لم تخفِ مشاعر أحلام التي اعتقلت على يد النظام لأشهر في السابق. تقول “ليت إدلب لم تتحرر كي نرى هذه النتيجة”.
تتعدد وسائل تأمين العيش من خلال العمل في الوظائف في المنظمات والمؤسسات. تقول أم خليل، ربة منزل وهي تضحك بألم: “نأكل اللحمة في الأسبوع مرة واحدة، نفطر في الصباح بيضةً واحدة لكل شخص والعشا لغيناه من حياتنا”.
الاستهداف العشوائي من الطيران للأسواق الشعبية بحسب أغلب المستطلعين، شكل هاجساً يمنع الناس من الذهاب إلى الأسواق، فباتوا يعتمدون على المحال في الأحياء.
الواقع التعليمي
المواد التعليمية التي تُدرس، ما زالت تلك الصادرة عن وزارتي التربية والتعليم، التابعتين للنظام السوري، مع حذف بعض المواد مثل “القومية العربية”، وكل ما يتعلق بالنظام السوري وحزب البعث. إعادة تنقيح الكتب بحسب مدير تربية إدلب تم من قبل هيئة علم والحكومة السورية المؤقتة.
يقبض الموظفون حتى اليوم رواتبهم من النظام السوري، ويسافرون إلى محافظة تحت سيطرة النظام مثل حماة لاستلام الرواتب. ترفض سوسن ذلك فهي مقتنعة بضرورة فك الارتباط مع النظام بكل شيء. فتطالب الموظفين بعدم استلام رواتبهم من النظام وعدم تدريس مواده. لكن ليلى تقول إن الراتب الذي تقبضه من النظام يساعدها في تدبير معيشة أسرتها، كما تعتقد أن خروج إدلب عن سيطرة النظام كان يجب أن يجعل منها نموذجاً لسيطرة المعتدلين، وتقول: “لكن حَكَمها متشددون تدخلوا بمفاصل حياة الناس”.
خلال فترة الهدنة، كان التعليم أفضل حالاً بحسب بعض المستطلعين، فوجود الفصائل المتشددة وتدخلها بدون معرفة، بحسب ليلى، في تغيير بعض المواد التدريسية شكلا نموذجاً سلبياً.
الفصائل الموجودة باتت المسؤولة عن جامعة إدلب، يقول سعيد وهو طالب جامعي: “لقد استحدثوا نظاماً جديداً كبديل للجامعات بإشراف إدارة إدلب العليا”. الإدارة بحسب شادي منتخبة من قبل الفصائل الإسلامية، لكن المناهج والتعليم والتدريس يقوم بها الكادر التدريسي. ويضيف: “هناك مادة أصول الإيمان إجبارية لجميع سنوات الدراسة، فلا يتخرج الطالب دون اجتيازها، وهناك مواد تشريعية تم ضمها لكلية الحقوق”.
لا اختلاط في الصفوف بحسب شادي، بل قاعات مخصصة للذكور وقاعات للإناث. وقد ترك العديد من الطلاب الجامعة بعد أن باتت الدراسة فيها مقابل بدل مادي، فرضته هيئة التربية التابعة للحكومة السورية المؤقتة.
الدراسة والتعليم والدوام بحسب المستطلعين مرتبطة بظروف الهدنة، فعندما يتوقف القصف يستمر الدوام، وعند وجوده لا يخرج الطلبة من منازلهم.
نشاطات مدنية
تقتصر النشاطات في المحافظة على عمل المنظمات المدنية، التي تعمل تحت حكم السلطات الإسلامية، بالإضافة لوجود مؤسسات قامت السلطات بإنشائها. وهي تقوم بتجهيز برامج ومسابقات في الأماكن العامة، كما تقول سوسن. وتضيف أنه يتم توزيع جوائز نقدية وهدايا للحضور مع إقامة دورات تعليمية ودورات شرعية في تحفيظ القرآن والأحكام الشرعية، بإشراف لجان الدعوى والإرشاد. ويقول عوسجي إن نشاطات المنظمات المدنية تقتصر على الفعاليات والندوات والدورات التدريبية، بالإضافة للأعراس والحفلات.
الحياة الصحيحة بالنسبة لسوسن تتماشى مع الإسلام الصحيح. بينما يرى خليل أن القانون الشرعي خفف من الرشوة والفساد، مع إصرار أحلام على أن القوى العسكرية تبحث عن نفسها ومصالحها دون الاهتمام بشؤون الناس.
تختتم ليلى بيأس: “شو فائدة الأسئلة والكتابة والحكي، إذا رح تروح ع ورق ومحد سائل فينا”.
(غالبية الأسماء مستعارة بناء على رغبة أصحابها ولضرورات أمنية)
رصيف 22