تفاهم بين سوريا وواشنطن يسمح للاسد باستعادة المبادرة
أنطوان الحايك
بدا واضحا أنّ ترتيبا ما قد تم التوصل اليه بين النظام السوري والرئيس بشار الاسد من جهة، والولايات المتحدة والمجتمع الغربي من جهة ثانية. فلا الولايات المتحدة استدعت سفيرها من سوريا للتشاور أو لمزيد من الضغط، ولا سوريا قامت بخطوة مماثلة، فضلا عن انكفاء الاعلام الغربي عن تسليط الضوء على أوضاع الداخل السوري على الرغم مما يشهده من تطورات ميدانية يتحدث عنها القادمون من دمشق بكثرة، بحيث يؤكد هؤلاء أنّ القوى الأمنية السورية تنفذ حملة اعتقالات واسعة في ظل خطة أمنية مبرمجة توحي وكأن الرئيس السوري بشار الاسد سمح للمتمردين بالخروج من معاقلهم، والتمادي بممارساتهم، وبالتالي اكتشاف مكامن القوة والضعف لديهم تمهيدا للانقضاض عليهم من دون اقامة أي اعتبارات.
وفي هذا السياق، يكشف دبلوماسي اوروبي أنّ ما تشهده سوريا راهنا يشبه إلى حد بعيد عملية إعادة التموضع السياسي والامني في ظل التحولات الاقليمية والعربية اللافتة من جهة، واعادة التموضع الاميركي من جهة ثانية، فالاوضاع في العالمين العربي والاسلامي تفرض تعاطيا سوريا جديدا مواكبا للحراك الاميركي في المنطقة، وهو حراك يستند بشكل أساسي إلى إعادة ترتيب أوضاع المنطقة بما يحفظ مصالح واشنطن السياسية والنفطية بعد انسحابها العسكري المزمع من المنطقة.
يضيف الدبلوماسي محذرا من أيّ خطأ في القراءة السياسية، فواشنطن ما زالت تعتبر أنّ النظام السوري حاجة إقليمية ماسة لا يمكن الاستعاضة عنها بأيّ مرجعية ثانية، خصوصا أنّ هذا النظام يقدم عن قصد أو عن غير قصد خدمات للاميركيين ليس أولها أنّ دمشق تملك ملفات كافية ووافية عن الارهاب والارهابيين لاسيما الحركات الاصولية العربية المتطرفة التي كانت تتلقى تدريباتها في سوريا في العقود الاخيرة الماضية، فضلا عن التزامها بقواعد اشتباك محددة على جبهة الجولان مع اسرائيل، ناهيك عن انها تشكل ضابط الايقاع الملتزم في اكثر من ملف اقليمي ودولي على غرار ضبط الاصولية السنية في العراق او امكانية تماهيها مع الملفات الايرانية التي تهم الولايات المتحدة والمجتمع الغربي، ملاحظا دور دمشق في تمرير التفاهم الفلسطيني – الفلسطيني إلى جانب مصر التي استضافت حفل التوقيع في وقت لعبت فيه دمشق الدور الجامع الاساسي.
من جهة ثانية يلاحظ الدبلوماسي انكفاء الضغط الاعلامي عن سوريا، كما يؤكد ان واشنطن على علم ودراية بتصرفات قوات الامن السورية تجاه المعارضين، بحيث تقوم الاخيرة بممارسة لعبة التوازنات السياسية والاصلاحية والامنية ببراعة كاملة تريح المجتمع الغربي وتدفعه إلى المزيد من التنازلات على المستوى السوري، وذلك على اعتبار أنّ الاوضاع في سوريا لا بد لها من تضع نقطة النهاية في غضون الايام او الاسابيع القليلة المقبلة، اي قبيل موعد زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما إلى المنطقة حيث من المتوقع ان يطلق مبادرة سلام جديدة لا بد لسوريا من ان تكون حاضرة لتلقفها وعدم عرقلتها اقله في مراحلها الاولى، لاسيما انها تشكل مادة ربح وفير بالنسبة لادارة اوباما التي تحاول جاهدة رفع مستوى تعاطيها مع ملفات المنطقة عشية ولادة الشرق الاوسط الجديد بحسب تعبيره.