الحرية لرزان زيتونة، الحرية لمخطوفي دوماصفحات الناسياسين الحاج صالح

تفنيد ملف «المكتب الحقوقي» التابع لـ «جيش الإسلام» عن جريمة التغييب القسري لسميرة ورزان ووائل وناظم/ ياسين الحاج صالح

 

 

تسنى لي قبل نحو شهر الحصول على ملف أعده «المكتب الحقوقي» في «جيش الإسلام» حول ما سمّاه «قضية اختطاف كادر مركز توثيق الانتهاكات في سورية». على صفحتي الشخصية على فيسبوك ذكرتُ في ذلك الوقت، يوم 8/11/2016، أني حصلتُ على الملف، وسأعلّق عليه حين ينشره الجماعة. كنتُ أفترضُ، وقتها، أنهم سينشرونه للعموم ما داموا تجشموا عناء كتابته، وكان في تداول بعض دوائرهم ومن حولهم. عشرة أيام انقضت والجماعة لم ينشروا ملفهم، فكان أن نشرتُه بنفسي على صفحتي على فيسبوك أيضاً.

وها قد اقترب نحو شهر من تسرب الملف غير المؤرّخ، والجماعة لم يبادروا إلى نشره أو يعلّقوا على نشرِنا له.

سأوردُ في سياق هذا التفنيد المطوّل لملف المكتب الحقوقي لجيش الإسلام (أسميه «الملف» من الآن فصاعداً) ما يُحتمَلُ أن يكون شرحاً معقولاً لهذا الموقف المستغرب. المُلاحظ، على أية حال، أن نشر الملف لم يكد يثير اهتمام أحد. إذْ يبدو أن المنحازين إلى جيش الإسلام والمحابين له لم يجدوا فيه شيئاً موثوقاً يستندون إليه لتعزيز موقفهم. بالمقابل، لا يبدو أن أحداً ممن يرجّحون ارتكاب جيش الإسلام للجريمة أو تسهيله لها قد وجد في الملف شيئاً يدعوه إلى مراجعة موقفه، دع عنك تغييره.

في هذا الرد المفصّل قدر المستطاع أعودُ إلى بسط القضية، وإيراد ما لدينا من قرائن ترجّح بقوة مسؤولية جيش الإسلام، والرد على مراوغات كاتبي الملف الركيكة، والمشابهة فعلاً لأسلوب كتَبَة الدولة الأسدية.

ويهمني أن أوضّح، منذ البداية، أنه يُحفزني اليوم إلى كتابة هذا الرد ما كان حفزني طول الوقت منذ خطف سميرة زوجتي، وأصدقائي رزان ووائل وناظم، أعني الدفاع عن العدالة، ومخاطبة عموم السوريين، في دوما والغوطة الشرقية قبل الجميع، كي يساعدوا فيما يستطيعون على نصرة امرأتين ورجلين خطفوا قبل ثلاث سنوات من دوما، وغُيّبت آثارهم، ولم تعرض على أهاليهم في أي وقت مساعدة من قبل سلطة الأمر الواقع في دوما، جيش الإسلام، ولا تلقوا يوماً تعبيراً عن تضامن.

أعتذرُ من القراء والمهتمين عن أني سأكتب هذا التفنيد بضمير المتكلم. هذا لأني متابع للقضية من اليوم الأول، ولأن أكثر ما نُشِرَ بشأنها كتبته شخصياً أو شاركت في كتابته، وكذلك من باب تحمل المسؤولية الشخصية الكاملة عما سيرد هنا، مثلما سبق أن تحملت كامل المسؤولية عما قلتُه في هذا الشأن، وعن اتهامي لقيادة جيش الإسلام بارتكاب الجريمة. وهذه مسؤولية أكرر هنا تحملي لها، معنوياً وقانونياً وسياسياً.

بخصوص شخصنة المشكلة

أجدُ نفسي مضطراً في البداية لقول شيء بخصوص ما كرره الملف من أن اتهامي لجيش الإسلام تحركه «خلافات فكرية وسياسية».

قبل كل شيء، لستُ من يستخدم قضية زوجته وأصدقائه للطعن في أيٍّ كان. معيبٌ وغير أخلاقي أن يظن أحد في جيش الإسلام أو غيره أني أتهم هذا التشكيل بشيء لأني لا أحب تفكيره وسياسته. يحاول الجماعة طمس حقيقة أن لنا قضية عامة عادلة بتحويلها إلى نوازع شخصية مغرضة من طرفي. هذا اعتداء إضافي يضاف إلى الاعتداء الأصلي، اختطاف وتغييب أربعة ثائرين مشهود لهم. وهو بدوره يشبه مسلك الدولة الأسدية في الرد على أي اعتراض عليها بأنه ارتباط بجهات أجنبية، أو مؤامرة تحاك في الظلام من قبل أعداء النظام الصامد.

تطورَ لدي رأيٌ غير إيجابي بجيش الإسلام وسياسته، مبنيٌ على المعاينة الشخصية للواقع في دوما والغوطة الشرقية في عام 2013، لكن لم أكد أقل شيئاً عن الجماعة قبل خطفهم سميرة ورزان ووائل وناظم. كتبتُ أشياء كثيرة عن الجريمة، وعن المجرمين المحتملين، وهي منشورة في منابر عامة محترمة، تقول ما تراه بوضوح ولا تغمغم، وتورد المعلومات الموثوقة المتاحة، وتتجنب القيل والقال والروايات غير الموثوقة. وكانت فرصة الرد متاحة لجيش الإسلام طوال هذه السنوات الثلاثة، لكنهم إما فضلوا المزايدة، مثل إسلام علوش، الذي طلبتُ منه العون في اليوم الثاني لاختطاف الأربعة، أو آثروا التسفيه والشتم مثل حشدٍ من مناصري جيش الإسلام، أو الرد المتهرب في مجالس يُسألون فيها عن الجريمة، أو الصمت العام.

وفي منشورات عديدة، منها ما تسلّمته جماعة جيش الإسلام باليد، قلتُ إني وأهالي المخطوفتين والمخطوفَين وأصدقاءنا، كنا في غنى عن هذه المعركة، وكم كنا نود لو تجنبناها. لسنا متنطعين ولا عديمي إحساس لنستخدم قضية أحبابنا في معارك إيديولوجية أو سياسية صغيرة. لدينا قضية كبيرة، ولنا في الانخراط فيها سجلٌ معلوم، ومن لديه ضدنا شيء يطعن فيه بصدقيتنا أو أمانتنا فليعرضه للعموم. ولا يستطيع، لا المكتب الحقوقي لجيش الإسلام ولا غيره، المزايدة علينا في هذا الشأن. كانت الكرامة تقتضي منهم تجنب أسلوب التشكيك الشخصي اللائق بالأسديين.

المسألة فيما يخصنا هي مسألة دفاع عن النفس وعن أحبابنا، وعن قضيتنا العامة. ليس جيش الإسلام الذي لم نسمع به قبل عام 2013 في مركز العالم لننشغل بالكيد له، ولدينا ألف قضية نهتم بها غيره، لولا أن الجماعة اهتموا بنا وخطفوا أحبابنا بعد شهرين ونيف من ترفيع أنفسهم من لواء إلى جيش. أما وقد فعلوا، فقد فرضوا هم المعركة علينا، ولا أظنهم ينكرون حقنا في الدفاع عن النفس. الثورة السورية هي كلها دفاعٌ عن النفس.

ولو كان الأمر أمر تفضيل، لكان تفضيلي هو أن تكون الدولة الأسدية هي من اختطفت امرأتي وأصدقائي، هذا لأنها عدونا القديم، ولأن بيننا وبينها ما هو أكبر من «خلافات فكرية وسياسية»، دم أهلنا ودمار بلدنا. وكذلك من أجل أن نعاني تمزقاً نفسياً ووجدانياً أقل. الشيء الذي لا يبدو أن جيش الإسلام يدركه أن اختطافهم لأحبابنا لم يكن جريمة بحق المخطوفتين والمخطوفَين فقط، ولا بحق الثورة فقط، ولكنه وضعنا نحن، أهالي الأربعة، وأنا بينهم بوجه خاص، في موقع من جرى تحطيم معناهم ذاته على يد قوى نبتت على جذع الثورة التي عملنا نحن من أجلها قبل هؤلاء النوابت. اختطفت امرأتي على يد محسوبين علينا، قدمنا إلى منطقة تَحَكُّمِهِم بأقدامنا، وأودعتُ سميرة هناك حين غادرتُ غير مشتبه بخطر يترصدها مع رزان، صديقتنا القديمة وشريكتنا في الثورة. لو كان النظام هو المرتكب لما كنت مُمزَق النفس بين الثورة ضد الدولة الأسدية والعمل على بلورة قضيتها من جهة، وبين اختطاف وتغييب امرأتي طوال ثلاث سنوات، ومعها أصدقائي في سياق سير الثورة بالذات من جهة ثانية. هذا شيء لا يبدو أن الجهة المشتبه بها تدركه للأسف. ويبدو أن مزيج ضيق الأفق والغرور والتعصّب يحول بينهم وبين الإحساس بغيرهم، أو الشعور بأي التزام تجاه غيرهم.

أسلوب أسدي: كلهم سيئون، نحن وحدنا الجيدون!

يُهدِر الملف كلاماً كثيراً لتوجيه الشكوك في كل اتجاه بعيداً عنه، ويسوق كلاماً كثيراً يندرج في باب مديح النفس وتعظيمها بينما ينال من كل الآخرين ويشكك بهم، وفقا للنهج الأسدي المألوف. ويرد الملف على وقائع غير معلومة، وقد تكون مختلقة، لم نستخدمها يوماً، ويتجاهل بالمقابل وقائع ومعطيات واضحة، ويؤول كلاماً منشوراً لي تأويلاً يناسب غرضه، ويعرض في المجمل سلوكاً دفاعياً وتبريرياً مفتقراً إلى الإقناع، وخالٍ من الحس بالعدالة. وسأبسطُ هذه القضايا بسطاً وافياً فيما آمل أدناه، وأرجو من المهتمين الذي قرأوا الملف أو سيقرؤونه أن يسائلوني عن أي نقطة أو تفصيل يشعرون بلزوم مزيد من الوضوح بشأنهما.

لم يكن يلزم تسويد الصفحات عن كثرة الفصائل في دوما، وقرب مكاتب بعضها من مكتب توثيق الانتهاكات الذي كانت تقيم فيه سميرة ورزان ووائل وناظم. فحتى لو كان هذا صحيحاً، ولا نستطيع التقرير بشأن صحته حتى يصدر عن جهة مستقلة موثوقة تقريرٌ شافٍ في شأنه، فلا يحتاج اختطاف امرأتين ورجلين عزّل في ليلة شتوية باردة إلى كفاءات استثنائية، ويكفي بضعة مسلحين ملثمين لارتكاب الجريمة. وليس صحيحاً ما ورد في ملف جيش الإسلام من أن أحداً لم يسمع في الجوار بما جرى، فقد سمع الجيران بالفعل أصوات المخطوفين، لكنهم لم يتجاسروا على التدخل في مواجهة مسلحين ملثمين كان واضحاً أنهم قدموا بنية ارتكاب جريمة.

ومن المعيب أن يضطر المرء إلى الرد على قول تقرير جيش الإسلام أنه ليس لهم مقر عسكري أو مؤسسة أمنية داخل دوما، فمن المعلوم أن لهم مؤسسة أمنية اسمها «التوبة»، وهي تدير ثلاثة سجون معلومة على الأقل، التوبة والباطون والكهف، ويقدّر سكان محليون في دوما بالذات أن لها سجوناً سرية أيضاً. وكنت شخصياً في دوما وقت استدعي إلى جهاز «التوبة» أحد أصدقائي الذي اختطف لاحقاً وغُيِّب من قبل الأسديين.

لكن ينطبق على هذه النقطة وكثيرات غيرها في ملف جيش الإسلام أنها شهادة المشتبه به لنفسه، وهي شهادة مغرضة حتماً، ما لم يُتَح لجهات حقوقية مستقلة تفحص الواقع على الأرض وقول كلمتها في شأن كل تفصيل ورد في الملف.

ويقحم كاتبو الملف سجل خصوماتهم وعداواتهم في التقرير بغرض التشويش وذر الرماد في العيون. من ذلك مثلاً القول «كان لواء شهداء دوما وعصابة داعش على سبيل المثال تعملان على ثرى الغوطة -في ذلك الوقت- رغم ذلك لم يتهمهما أحد بجريمة الخطف». معلومٌ أن جيش الإسلام دخل في حرب تصفية مع لواء شهداء دوما، وقتل قادة له منهم أبو علي خبية. كما اعتقل قائد التشكيل أبو صبحي طه منذ سنتين، وردَّ كل الوساطات لإطلاقه من قادة عسكريين ووجهاء ونشطاء مدنيين داخل وخارج الغوطة. وهو ما يكفي للتشكك في أي كلام يمكن أن يقوله جيش الإسلام عن التشكيل المذكور. لكن الاقتباس يوحي بأننا نبحث عمن نتهمه جزافاً، وأننا اتهمنا جيش الإسلام لمجرد أنه كان هناك في دوما وقت الخطف. هذا مفتقر إلى الحد الأدنى من الجدية والنزاهة. لقد رجّحنا ارتكاب جيش الإسلام استناداً إلى قرائن قوية أوردناها من قبل، وسنوردها أدناه، وليس لدينا قرائن ضد غيره.

ويخلط كاتبو الملف عمداً بين الأزمنة حين يتكلمون على منظمات حقوقية ومدنية تعمل في الغوطة الشرقية دون تضييق، مثل «تمكين» و«كوميليكس» و«كوسوف»، و«مدارس كراميش» التي تديرها السيدة ميمونة العمّار. جميع هذه المؤسسات ظهرت بعد الخطف. والسيدة ميمونة تعرضت لأكثر من إزعاج واستدعاء أمني من قبل جماعة جيش الإسلام، بسبب أنشطة تحاول إبهاج الأطفال، وكان آخر استدعاء قبل شهور وبذرائع مُزايدة وسفيهة حول الاختلاط بين الجنسين. ولا ينكر أصدقاؤنا القائمون على مركز توثيق الانتهاكات أن المركز يعمل اليوم بالحد الأدنى، ولا يوثق شيئاً من انتهاكات الفصائل المحلية، وخاصة مراكز التعذيب التابعة لجيش الإسلام، أو المكاتب الأمنية وغيرها… بل يقولون صراحة إن وجود المركز يفيد جيش الإسلام وأمثاله أكثر من عدم وجوده. ومعلوم أن المركز لم يستطع أن يصدر تقريراً واحداً حول سجون جيش الإسلام وحول عمليات الإعدام الذي قام بها، وحول اغتيالاته، وحروبه، وحول تجارته.

من المعيب أيضاً أن يُنسَب إلى جيش الإسلام الفضل في إدخال رزان إلى دوما، فيما كان من أدخلها شخص تعرفه وتثق به، كان يحمل وقتها بطاقة أمنية من النظام، وإن يكن مرتبطاً بجيش الإسلام الذي لم تكن لدى رزان وقتها (نيسان 2013)، ولا لدى سميرة أو لديّ أنا، أسباب قوية للتحفظ عليه. ولم يكن المجيء من العاصمة إلى الغوطة تلك العملية المعقدة في ذلك الوقت على كل حال.

لقد وصلتُ إلى دوما قبل رزان بنحو ثلاثة أسابيع، وتلقيت مساعدة من شابين ثائرين، قتل الأسديون أحدهما، الشهيد عمران حواصلي، تحت التعذيب في تشرين الأول 2013، وبعدي وبعد رزان بأسابيع إضافية، وصلَت دونما صعوبة زوجتي سميرة، وكانت مطلوبة للمخابرات الأسدية. هذا التمنين لا يليق بجهة وصفت نفسها في الملف الذي يجري الرد عليه هنا بأنها «فصيل ثوري من أهم الفصائل العاملة على الأرض السورية».

وليس صحيحاً بالمثل أن جيش الإسلام ساعدني على الخروج من الغوطة. كنتُ واحداً ضمن مجموعة، وتلقيتُ مع المجموعة مساعدة من «كتائب الصدّيق» في دوما، وهي كانت مستقلة وقتها، وليست جزءاً من «لواء الإسلام» أو غيره (انضمت إليه في أواخر أيلول 2013، أي وقت إعلانه جيشاً، وبعد أكثر من شهرين ونصف من خروجي من دوما). ثم إن المساعدة لم تكن شخصية، وكنتُ واحداً بين آخرين من دوما ومن غيرها، بعضهم شبان منشقون، طلبنا العون في محطات الطريق المتتابعة من جهات متنوعة، وحصل بالفعل أن قضينا 4 أيام في مقر لجيش الإسلام، والصورة التي اعتنى المكتب الحقوقي لجيش الإسلام بنشرها لي في ملفه أُخِذَت في ذلك المقر. وفوق التمنين غير الكريم، هي صورة شخص كان يتحرك ضمن مجموعة، ولم يتلق مساعدة بصفة شخصية قط.

وما كنت لأرفض المساعدة من جيش الإسلام لو عُرِضَت عليّ وأنا في دوما، أو في أي محطة من محطات الطريق الذي قطعته إلى الرقة (وليس إلى تركيا، كما قال الملف). بل كنت بالفعل سأتقبل المساعدة شاكراً ممتناً. لسنا نحن، لا رزان ولا سميرة ولا أنا، من نحكم في شروط الثورة على أي منظمات أو تشكيلات مقاتلة بناء على اعتبارات إيديولوجية فقط. نحكم وفقاً للسجل الفعلي. وكمتابع لمسارات الثورة السورية ومصائرها خلال ما يقترب اليوم من ست سنوات، لا أقول إن جيش الإسلام نشأ تشكيلاً شريراً إجرامياً منذ لحظة ميلاده الأولى. لكن تطلُّعَ قيادة جيش الإسلام إلى احتكار السلطة والنفوذ، وإرادتها الاستئثار لنفسها بما هو حق عام لأهالي الغوطة الشرقية والسوريين، أفضيا بها إلى مسالك إجرامية، تسببت بآلام كثيرة لمجتمع دوما والغوطة الشرقية، ولنا طبعاً، وللثورة السورية. وستؤول به بالذات وبمسانديه إلى محن كبيرة. وأخشى أن في سجل هذا التشكيل سلفاً الكثير الكثير مما يؤاخذ عليه من وجهة نظر الثورة السورية، ومن وجهة نظر المجتمع المحلي في دوما بالذات، وفي نظر التاريخ.

هذا شيء لا يمكن ولا يليق التغطية عليه بتكرار القول خمس مرات أو ست إني أتهم جيش الإسلام لغاية في نفسي، أو لأن لي «مشكلة أساساً مع جيش الإسلام نهجاً وسياسةً وسلوكاً، وأن الأمر يتجاوز قضية الخطف». لا يقنع هذا الكلام كريماً، ولا يُشرِّف رمي كلام بلا أساس كهذا جيش الإسلام ومكتبه الحقوقي. يسعني الرد بسهولة بأنه بالعكس تماماً، لقد اختطفت امرأتي وأصدقائي من تشكيل سلفي لا يرضى إلا بأن يخضع له الجميع، ولا يطيق وجود امرأتين سافرتين، آخر امرأتين سافرتين في الغوطة الشرقية، تعملان فوق ذلك باستقلالية، وأن مشكلة جيش الإسلام معنا هي «مشكلة فكرية وسياسية»، وأنه عالج هذه المشكلة باختطاف وتغييب من طالهم منا. لو قلتُ ذلك لكان أوجه من أن يقوله تشكيل لم يعرف عنه يوماً تسامح أو تقبل لاختلاف أو احترام لعموم السكان ولخياراتهم الفكرية والسياسية المستقلة. وهو ما يؤكده أن نساء الغوطة اللاتي كن سافرات من قبل، مضطرات اليوم لارتداء الجلابيب والإيشاربات.

كنتُ في دوما منذ نحو أسبوع فقط في 10 نيسان 2013 حين خرج من مجلس الشورى المشايخُ من غير السلفيين والمحسوبين على جيش الإسلام، وأصدروا بياناً عن التفرد والاستيلاء على المنابر ورفض التعاون مع الغير. وهو ما كان يظهر بوضوح متزايد في الشهور التي قضيتها هناك، حيث كان «لواء الإسلام» وقتها هو التشكيل الذي يتلقى دعماً وموارد خارجية أكثر من غيره، ويحظى منتسبوه بالكفاية، في حين كانت تشكيلات أخرى تعاني مما يقارب الجوع ونقص الذخيرة. واستناداً إلى هذه الخبرة قلتُ إن جيش الإسلام لا يعمل مع أحد، وإنما يريد من الغير العمل عنده. وما لا بد أنكم شاهدتموه من جدال زاعق كان المرحوم زهران طرفاً فيه، وكان حول ملايين الدولارات التي قدمها «داعمون»، وذهبت حصراً إلى جيب جيش الإسلام، يؤكد هذا الاستفراد ورفض الشراكة.

اتهام جبهة النصرة

وليس أميناً ما يبنيه حقوقيو جيش الإسلام الذين حبّروا الملف موضوع النقاش على الكلام التالي، المنقول عن صفحتي على فيسبوك: «أطالب قيادة جيش الإسلام أن تقول بكلام علني إن جبهة النصرة هي التي خطفت سميرة ورزان ووائل وناظم. هذا كي تتحمل تلك القيادة المسؤولية علناً عما تقوله من وراء الستار، وكي نرى ما يمكننا فعله لمساءلة جبهة النصرة عن الجريمة».

ما يبنيه الملف على ما سبق هو التالي: «ليس من حقه -وإن كان من ذوي المخطوفين- أن يطالب أيّ جهة باتهام جهة أخرى. ما لم يملك الحاج صالح أدلّة موضوعية كافية لتوجيه اتهام لجهة ما». ثم يستنتج الملف أن هذا «يفصح عن نيّته الحقيقية [نيّتي] بتوظيف قضية الاختطاف لأهداف سياسية». لكن لو تحلّوا بقليل من الأمانة لأوردوا كامل ما قلته في البوست نفسه، وهو بالكاد 350 كلمة. كان المرحوم زهران هنا في اسطنبول في نيسان وأيار 2015، وكان من ضمن ما ألمح إليه أمام بعض مقابليه أن جبهة النصرة هي الجهة الخاطفة. وهو ما كرره محمد علوش على مسامع مازن دوريش في جنيف قبل شهور. فإما أن الجماعة يراوغون ويشوشون على ما جنت أيديهم، أو إن كانوا صادقين فيما يقولونه عن جبهة النصرة، فليقولوه جهاراً: لسنا نحن من ارتكب جريمة الخطف والتغييب، وإنما جبهة النصرة هي التي فعلت! وليضعوا بين أيدينا ما لديهم من معلومات كي نتصرف. لدينا ضد جيش الإسلام قرائن قوية، سأظهر أدناه أن ملف المكتب الحقوقي تجنبها تماماً، وليس لدينا قرائن باتجاه جبهة النصرة. فإن كان لنا أن نصدق أنها هي الجانية، فإننا نريد قرائن معادلة على الأقل لما لدينا عن جيش الإسلام، وسيكون من دواعي سرورنا توجيه الاتهام إلى تشكيل القاعدة السلفي الجهادي. من هذا الباب، طلبت في البوست الذي اقتطع منه الملف مطالبتي لجيش الإسلام بالقول علناً إن جبهة النصرة هي الجانية، أن يتحمل جيش الإسلام المسؤولية علانية عما يقول متكلموه، بدلاً من قول ما يقولون من وراء الكواليس. الشجاعة الأدبية تقضي بذلك، والبراءة المزعومة من الجريمة تقضي بذلك، والصفة العامة لقضية خطف سميرة ورزان ووائل وناظم توجب ذلك. لسنا حيال حدث صغير عارض، نحن أمام جريمة تغييب قسري مستمرة منذ ثلاث سنوات، ولدينا ترجيحات قوية بخصوص الجناة المحتملين، فإما تقدم لنا معلومات وقرائن تدفعنا إلى مراجعة ترجيحاتنا، وإلا فإن الأمر لا يعدو كونه تهرباً واغتياباً على الطريقة الأسدية المأثورة.

بالمناسبة، محمد علوش في جنيف لم ينسَ أن يربطنا بالصهيونية والإمبريالية، وفقاً للمأثور الأسدي ذاته. كبير المفاوضين هذا سبق أن حرض شخصياً على رزان، وبكلام سفيه في منتدى إلكتروني دوماني قبل خطفها بأسابيع.

والملف الذي بين أيدينا بالذات يلمح بطريقته الخاصة إلى جبهة النصرة. فهو يشير إلى بيان وقعته «الفصائل» ومن بينها النصرة، تعلن تبرؤها فيه من حوادث اختطاف الدكتور أحمد البقاعي، و«السيدة رزان زيتونة ورفاقها» (…)، ويُشهِدُ الموقعون الله أنه ليس لهم معرفة أو اطلاع على من فعل ذلك. ثم ظهر، يقول الملف، أن النصرة «غير صادقة» فيما أقسمت عليه، إذ تبين أن الدكتور البقاعي كان مخطوفاً لديها. ومن باب خشية أصحاب الملف من أن يقدح ذلك في جميع الموقعين، فإنهم يؤكدون على «المسؤولية الشخصية لكل جهة»، وعلى أن «ضعف المصداقية لدى أحد الأطراف [ليس] بقادح في مصداقة بقية الأطراف الموقعة». كان يمكن لذلك أن يكون صحيحاً بالفعل لولا أن الملف الذي بين أيدينا قد قدح في صدقية جميع الأطراف الموقعة، ومنها بالمناسبة داعش ولواء شهداء دوما ولواء أسود الغوطة وفيلق الرحمن وغيرها، وهي موضع تشكيك في الملف، وتفجرت حروب بين بعضها وبين جيش الإسلام وقع بمحصلتها مئات الضحايا. فإن كان الجميع موضع تشكيك، ومنهم من أشهدَ الله على أنه لا يعرف شيئاً، ثم تبين كذبه، فلماذا يكون التشكيل المثابر على التشكيك بجميع الموقّعين على الوثيقة، جيش الإسلام، صادقاً، مع ما هو معلوم من أن لديه سجوناً يجري التعذيب فيها، ومن أنه دخل في حرب أهلية محلية في منطقة محاصرة أوقعت مئات الضحايا، وتأكد بأدلة قطعية، منها الاعتراف، أنه مسؤول عن بعض وقائع الاغتيال على الأقل في الغوطة الشرقية؟

أما استناد جيش الإسلام إلى شهادة الأستاذ ماجد حمادي، شقيق ناظم، من أن الخاطفين وصفوا المخطوفين بعبارة «أعداء الله»، والترجيح بناء على ذلك بأن الخاطفين من جبهة النصرة، فهو مثير للسخرية في أقل تقدير. فعدا أن جيش الإسلام وجبهة النصرة «إخوة منهج» على المستوى الفكري، فإنه يمكن لأي كان أن ينتحل عبارات كهذه بغرض التمويه. حين كنتُ في دوما في ربيع وصيف 2013، وقعَت بين يدي ورقة صادرة عن مجلس شورى جيش الإسلام تحرم عبارات من متداول كلام الناس اليومي، مثل «يسعد الله» أو «عيني على ربك»، وتفرض غيرها، وكلها من النوع الرائج بين السلفيين والسلفيين الجهاديين. فهل وقف الأمر على عبارة «يا أعداء الله»!

 

ليس هذا لتبرئة جبهة النصرة، ولكن لدينا قرائن ضد جيش الإسلام أقوى بمئة مرة من عبارة يحتمل أن تكون منحولة. والواقع أن تفضيلي الثاني، بعد النظام، هو أن تكون الجهة الجانية هي جبهة النصرة، وليس جيش الإسلام. فذاك التشكيل السلفي الجهادي القاعدي، النصرة، لم يعلن يوماً أنه من الثورة أو أنه معني بسورية، وارتكابه الجريمة تالياً يضعنا في صراع وجداني مع أنفسنا بقدرٍ أقل بكثير مما لو كان المرتكب فصيلاً ينسب نفسه إلى الثورة، ويتكون كلياً من مقاتلين سوريين، مثل جيش الإسلام، وجئنا بأقدامنا إلى معقله.

اتهام أبو علي خبية

يورد ملف جيش الإسلام واقعة «تهديد بالقتل من قبل أحد قادة جيش الأمة (المعروف سابقاً بلواء شهداء دوما)، المدعو أبو علي خبية»، موجه ضد رزان بسبب «اعتراض رزان وتوثيقها لبعض الانتهاكات التي قام بها لواء شهداء دوما تجاه المدنيين في دوما حينها». كاتب هذه السطور كان على اتصال مستمر برزان قبل جريمة الاختطاف، وهي لم تذكر يوماً تعرضها لتهديد بالقتل من قبل أبو علي خبية، الذي نعلم أن جيش الإسلام أعدمه جهاراً في وقت لاحق في ساحة الغنم في دوما في أيلول 2015، واستعرض جثته في بلدات الغوطة بتشفٍ حقود، ولم يذكر أي من العاملين في مركز توثيق الانتهاكات أو أي دومانيين ممن أتصلُ بهم واقعةً كهذه.

والغريب أننا نعرف واقعة مماثلة تماماً، لكن بطلها ليس أبو علي خبية، بل حسين الشاذلي، الذي سيجيئ الكلام عليه بعد قليل. واللافت جداً أن ملف جيش الإسلام الذي يتكلم بالفعل على حسين الشاذلي يتجاهل المعلومات التي وفرها القضاء المحلي في الغوطة الشرقية عن دوره المحتمل في الجريمة، هذا بينما يتطرق إلى شيء آخر تماماً، كما سأفصل بعد قليل.

والكلام على اللجنة التي رأسها أبو صبحي طه، المعتقل حالياً ومنذ نحو عامين عند جيش الإسلام، لا يستقيم، بخاصة بعد ما تكشف بعد اعتقال الرجل من معلومات للقضاء في الغوطة الشرقية، سأتكلم عليها أدناه. وإلى حين يفرج عن أبي صبحي، وهو من أكثر رجال دوما والغوطة الشرقية جدارة بالاحترام، وإلى حين يستطيع أسير جيش الإسلام التكلم بحرية عما إذا كان هذا كلامه ولا يزال عليه، إلى ذلك الوقت لا قيمة يعتد بها لكلام قديم نسب إليه بُعيد جريمة الخطف.

أما كلام ملف جيش الإسلام على تحقيق قامت به «لجنة تحقيق تابعة للاستخبارات العسكرية للجيش»، فليس مما «ينشال من أرضه». لم يحقق أحدٌ من طرف جيش الإسلام في الجريمة وقت ارتكابها، ولم يتفحص أحد من طرفهم المكتب/البيت الذي خطف منه الأربعة، ولم يتصل أحد منهم بأي من أهالي المرأتين والرجلين ويعرض عليهم خدمة أو يطلب منهم معلومات تساعد في القضية. وحتى لو صدق الملف فيما يقوله عن لجنة تحقيق استخباراته العسكرية، وليس هناك سبب وجيه لأن نصدق ذلك، فلا يمكن لهذه اللجنة أن تكون شاهد حق على نفسها أكثر مما يمكن للاستخبارات العسكرية الأسدية أن تكون شاهد حق على جرائم الدولة الأسدية. ونفترض على كل حال أن ما أشار إليه الملف من «بعض النقاط» التي توصلت إليها لجنة التحقيق تلك، مضمنةٌ في هذا الملف ذاته الذي يجري الرد عليه هنا.

خلط بين القرينة والدليل

لا يكتفي المكتب الحقوقي لجيش الإسلام بتجنب ما أوردنا من وقائع قوية، ولكنه يعود إلى التشكيك بالداعي، في عبارات من نوع: «نستهجن منه عدم موضوعيته»، و«ندين إقحامه لهذا الخلاف الفكري في القضية الجنائية»، و«ادعاءات كيدية وافتراءات». وينسبون إليَّ مراراً وتكراراً كلاماً على «أدلة»، بينما كان ما تحدثتُ عليه طوال الوقت «قرائن» قوية. والملف ككل يعمل على تحويل قضية خطف امرأتين ورجلين إلى تشكيك في زوج إحدى المرأتين وصديق الثلاثة الأخرين، ومساس بصدقيته.

يعيد الملف ويكرر أن الاتهامات الموجهة إلى جيش الإسلام «لم تقم على أدلة». لكن عدا عن أن سلطة الأمر الواقع هي التي يفترض أن تجمع الأدلة على جريمة وقعت في كنفها، وهي مرة أخرى لم تحقق في الجريمة وقت ارتكابها، ولم تتصل بأي من أهالي المخطوفتين والمخطوفَين، ولم تطلب معلومات من أي كان، ولم تعرض معلومات أو تعاوناً مع أي كان، عدا ذلك، فإننا لم نتكلم في أي وقت على «أدلة». الأدلة توفرها جهة قضائية مفوضة، تتمتع بالاستقلالية والولاية الكاملة، وتتعاون معها في التحقيق وفي كشف أسرار الجريمة الجهات المحلية. وهذا لم يُتَح بصورة كافية، والقدر القليل الذي أتيح منه وجّه الاتهام دون لبس إلى جيش الإسلام كما سيأتي. ما تكلمنا عليه نحن هو قرائن قوية، متواترة، تكفي لترجيح مسؤولية قيادة جيش الإسلام عن الجريمة، دون أن يكون لدينا، بالمقابل، قرائن بالقوة نفسها أو تقاربها ضد أية أطراف أخرى.

ويُسوِّد الملف سطوراً طويلة بخصوص قولي «أن جيش الإسلام هو من يسيطر على الغوطة الشرقية». ومرة أخرى يعود الجماعة إلى توكيد القول إن «هذه الفرضية –على افتراض صحّتها- لا يمكن الاعتماد عليها كدليل للتجريم». واضح أن المكتب الحقوقي لا يميز ما يفترض بأي طالب قانون في السنة الجامعية الأولى أن يميزه من فرق بين الدليل والقرينة. وليس إلا اقتحاماً لأبواب مفتوحة تحبير سطور مثل هذه: «هذه الفرضية لو كانت كافية للاتهام، لتم اتهام أقوى دول العالم وأكثرها تنظيماً وأماناً بحوادث حدثت على أراضيها من قبَل أشخاص استطاعوا اختراقها وتنفيذ أعمال إجرامية على أراضيها». ليس فقط لم أتكلم في هذا السياق، سياق الكلام على سلطة الأمر الواقع في دوما، أو أي سياق غيره، على «دليل»، بل لم أتكلم في هذا السياق المحدد حتى على قرينة. ما قلته هو أن سلطة الأمر الواقع لم تحقق في الجريمة وقت ارتكابها أو في أي وقت، ولم أعتبر ذلك بحد ذاته قرينة، لكنه واقعةٌ يُستأنس بها.

لب القضية: حسين الشاذلي وسمير الكعكة

تقدمت الإشارة إلى أن ملف جيش الإسلام يذكر حسين الشاذلي، الشخص الذي أثبت القضاء المحلي في الغوطة الشرقية أنه أملى على تابع له اسمه «الممو» تهديداً بالموت لرزان في أواخر أيلول 2013، وهناك تسجيل صوتي لـ «الممو» يتضمن هذا الاعتراف. وكنتُ قد نشرت هذه المعلومات ومنها صورة التهديد.

ملف جيش الإسلام يتكلم فعلاً على تهديد بالموت لرزان، وعلى حسين الشاذلي، لكنه يفعل ذلك بطريقة غريبة جداً: فهو ينسب التهديد بالموت لأبي علي خبية، رغم أن الشاذلي اعترف أمام القضاء المحلي أنه وراء كتابته! هذا بينما ينسب الملف إلى الشاذلي شيئاً آخر: «التعرض والإساءة كلامياً للناشطة رزان زيتونة بحجة عدم ارتدائها اللباس الشرعي»، ويفتعل الملف أن ذلك اعتبر من قبلنا «دليل اتهام للجيش بجريمة الخطف». غير صحيح على الإطلاق! لم نتطرق إلى حادثة التعرض والإساءة الكلامية المزعومة هذه، لا كدليل ولا كقرينة، في أي وقت، لأننا أصلاً لم نسمع بها قبل هذا الملف، ولم يروها يوماً أحد من زملائنا وأصدقائنا في دوما والغوطة الشرقية.

فكيف حصل أن تجاهل ملف من نحو 6000 كلمة ما أوردناه مراراً من أن حسين الشاذلي وراء كتابة تهديد بالقتل لرزان؟ هذا بينما وجد كتاب التقرير لديهم من الوقت والاهتمام ما يدفعهم لإيراد واقعة لم نذكرها قط، ولا كنا سمعنا بها؟ هل يحاولون بناء جدار من طبقتين من الأكاذيب في وجه الحقيقة؟ جدار أول ينسب تهديد رزان بالقتل إلى رجل قتلوه هم جهاراً في ساحة الغنم في دوما، وجدار آخر ينسب للجاني الفعلي واقعة تشبيحية مزعجة (التعرض لرزان بسبب زيها)، لكنه يسكت تماماً على معلومات متاحة وثيقة الصلة بجريمة الخطف والتغييب التي يفترض أنها الموضوع الوحيد للملف، معلومات لا يمكن أن لا يكونوا اطلعوا عليها، مع ما هو واضح من متابعتهم لما قلته عن القضية في مقالات، وعلى صفحتي على فيسبوك؟ الأمر ببساطة في تقديري أنهم وجدوا أنفسهم في وضع حرجٍ لا مخرج منه، فاختاروا المرواغة وخلط الأوراق.

وغريبٌ بالقدر نفسه أن يختلق ملف جيش الإسلام أن حسين الشاذلي أوقفَ ثلاثة أشهر بسبب الواقعة، لا يبدو أن أحداً في الدنيا كلها لديه علم بذلك غير المكتب الحقوقي التابع لجيش الإسلام. نعلم بالمقابل، ولا بد أن «حقوقيي» جيش الإسلام يعلمون، أن الشاذلي أوقف فعلاً قبل نهاية عام 2014، ولكن على ذمة قضية خطف رزان وسميرة ووائل وناظم، وأنه اعترف بأن سمير الكعكة، أبو عبد الرحمن، هو من أمره بكتابة التهديد (لدينا تسجيل بصوته يتضمن الاعتراف) أمام المحقق أبو تمام، الذي كان مكلفاً بالتحقيق من قبل القضاء المحلي في الغوطة الشرقية بالقضية. وهذه معلومة مشاع في دوما، اعترف بها الكعكة نفسه أمام بعض أهل البلد، وإن حاول التقليل من شأنها بالقول إنه طلب من الشاذلي فقط «تطفيش» رزان. وعدا اعتراف الشاذلي، واعتراف الكعكة، أبلغتُ شخصياً بالأمر في سياق غريب بعض الشيء: فقد اتصل بي شخص من دوما، صديق للشاذلي، كان يتوسط كي أتدخل عند أحد أهالي المخطوفين الأربعة كي نسقط حقنا الشخصي في الادعاء على الشاذلي، وبرر الرجل طلبه الغريب بأن الشاذلي «لم يتصرف من رأسه» (هذا تعبيره)، بل هو مأمور من قبل الشيخ سمير الكعكة!

من هو الكعكة؟ هو شرعي جيش الإسلام، الرجل الذي أشار إليه المرحوم زهران في الدقيقة 12 من فيديو استعراض عسكري نشره جيش الإسلام في أيار 2015 باسم «الأخ القائد الشيخ أبو عبد الرحمن». في الفيديو، كان «الأخ القائد الشيخ» يرتدي لباساً عسكرياً. ولتكوين فكرة عن النزعة الاستئصالية المتعصبة لهذا الشيخ العسكري، يرجى النظر في الفيديو القصير التالي.

بالمناسبة، الكعكة يستخدم في هذا الفيديو تعبير «أعداء الله» الذي استند إليه الملف لإبعاد التهمة عن جيش الإسلام!

لا يقف الأمر عند هذا الحد. بينما كان الشاذلي موقوفاً من قبل القضاء المحلي زاره المرحوم زهران علوش شخصياً، وطلب من أبي تمام، المحقق في القضية (الرجل مستعدٌ للشهادة) أن ينفرد بالشاذلي، وهو ما رفضه المحقق مُحقاً. غضب قائد جيش الإسلام السابق، وأرغى وأزبد، وتوعد بأن يفرج عن الموقوف غصباً عن الجميع. وهو ما جرى فعلاً بعد أيام قليلة، وقبل أن يكمل الشاذلي 25 يوماً من التوقيف، وفي اليوم التالي بالذات كان يجول في مقرات جيش الإسلام. لا يحتاج الأمر إلى تعليق. هذا سلوك تشبيحي لائق بعصابة مجرمين.

أكثر من ذلك، توعد المرحوم زهران وقتها بأن يجمد القيادة العسكرية الموحدة التي يرأسها، وأن ينسحب من عضويته في القضاء الموحد. هذا الوعيد أبلغ للقاضي الأول، أبو سليمان طفور. هذا كله بسبب توقيف الشاذلي، الذي يريد لنا الملف أن نقتنع بأنه شخص لا على التعيين، حدث أن تعرض مرة لرزان بسبب زيها!

لكن من هو الشاذلي، هذا الذي يقول ملف مكتب جيش الإسلام الحقوقي إنه لا علاقة له بجيش الإسلام؟ الرجل كان حلاقاً قبل الثورة، ولا مشاحة في عمل يعيش منه المرء. لكن صفة الرجل في دوما منذ عام 2014 على الأقل هي «ضابط أمن الغوطة الشرقية»! وما كان للسيد «ضابط الأمن» أن يوقع باسمه الشخصي على الوثيقة التي تنفي فيها «الفصائل» مسؤوليتها عن خطف الدكتور البقاعي و«رزان ورفاقها» (الوثيقة متاحة في الملف موضع التفنيد)، إلى جانب داعش وجبهة النصرة ولواء شهداء دوما وأسود الغوطة…، وهي تشكيلات اجتهد الملف في التشكيك فيها، أقول ما كان يمكن للشاذلي أن يوقع باسمه وبصفة «ضابط أمن الغوطة الشرقية» لولا أنه مدعوم من تشكيل قوي. وليس لنا أن نذهب بعيداً كي نستنتج من يحتمل أن يكون هذا التشكيل، ما دام المرحوم زهران قد زاره في نظارة التوقيف. هل كان من المحتمل أن يزوره المرحوم لو كان لا يتبع «لجيش الإسلام وليس من عناصره»، على ما يزعم الملف الذي بين أيدينا. وما يقوله الملف نفسه من أن «المدعو حسين الشاذلي (أبو عبد الله) قد وقع على البيان الصادر عن فصائل الغوطة (….) بصفته ضابط أمن الغوطة وبشكل مستقل عن ممثل جيش الإسلام»، يثير الريبة أكثر مما يطمئن. فعدا أن عبارة «ضابط أمن» بحد ذاتها وقحة بحق ضحايا ضباط الأمن الأسديين الذين اختصوا بتعذيب السوريين، فمن يا ترى يكون حلاق سابق حتى يكون أمن الغوطة بيده، وحتى يوقع باسمه إلى جانب داعش والنصرة وجيش الإسلام…؟ بدل أن يكون الرجل ثائراً يعمل على كسر اليد التي تعذِّب مواطنيه، فضل أن يكون هو الجلاد، واليد التي تمسك بالكبل وتعذب. هذا يفتح باباً لنقاشٍ مؤلم عن مصائر كفاح السوريين وثورتهم حين يصعد على أكتافه حالمون بأن يكونوا هم الجلادين وهم ضباط الأمن، بدل أن يكون حلمهم التخلص من الجلد والجلادين جميعاً. لكن ليس هنا مقام هذا النقاش.

على كل حال، السيد «ضابط الأمن» يشاركُ اليوم في حملات مداهمة جيش الإسلام لخصومه علانيةً.

ومما يرجِّحُ أن جماعة جيش الإسلام يشعرون أن قضية الشاذلي هي كعب أخيل في قضيتهم، أنهم خصصوا لها نحو صفحتين كاملتين، قالوا فيهما أشياء متناقضة، بينما كان يكفي أن يقولوا إنه لا علاقة لنا بالرجل، وإن كان مجرماً فليُسأل هو، وإنهم مستعدون لتقديمه لأي قضاء مستقل، ليتحمل هو مسؤولية جريمته. لكنهم لفّوا وداروا، وقالت ما بين سطورهم أشياء مناقضة لما قالته سطورهم، وتحديداً أن القضية تشغل بالهم كثيراً، كثيراً جداً.

لدينا إذن الوقائع التالية التي لا جدال فيها. بأمر من «الأخ الشيخ القائد» سمير الكعكة، «الولي الفقيه» لجيش الإسلام، كتب «ضابط أمن الغوطة الشرقية»، الحلاق السابق حسين الشاذلي، تهديداً بالموت لرزان زيتونة، المناضلة والناشطة الحقوقية المعروفة سورياً ودولياً، وحين أوقف بعد الواقعة بنحو عامين في سياق التحقيق معه في شأنها، زاره زهران علوش في سجنه وتوعد بالإفراج عنه، ونفذ ما توعد به. والرجل اليوم في طليعة مجموعات المداهمة لجيش الإسلام. أما القاضي الذي أشرف على توقيفه، أبو سليمان طفور، فقد تعرض لأكثر من محاولة اغتيال نجا منها لحسن الحظ، وأمكن توقيف الشخص الذي قام بالمحاولة الأخيرة، عبد المحسن بدر الدين، واعترف في التحقيق معه بأنه يعمل في مجموعة اغتيال من جيش الإسلام، وبفتوى من «الشرعي الأول» سمير الكعكة.

وفي الواقعة ما يؤكد شكوكاً واسعة الانتشار في دوما والغوطة الشرقية بأن جيش الإسلام وراء موجة اغتيالات في الغوطة شملت من بين من شملت الشيخ أبو أحمد عيون (أحد الموقعين على البيان الذي يدين التفرد السلفي والاستيلاء على المنابر، في 10 نيسان 2013)، والمناضل أبو عدنان فليطاني. وكان «العراب» قد كشف جانباً من هذا السجل الإجرامي، لكن المشكلة أنه تصرف كبطل منفرد في فيلم (ولقبه يدل على ذلك، مثلما يدل لقب «ضابط الأمن»، الشاذلي، على نوعيه تخيله لنفسه وأحلام يقظته) بدل أن يحاول تمثيل قضية عامة، فكان في ميسور جماعة جيش الإسلام التشويش على ما ينسبه إليهم من جرائم اغتيال بشعة. هنا بعض فيديوهات العراب، وهي تلقي ضوءً ساطعاً على العلاقة بين المال والاغتيال والسلطة والفتوى في تكوين جيش الإسلام.

الوقائع السابقة قرائن قوية بقدرٍ كافٍ، ويمكن أن تبني عليها هيئة تحقيق مستقلة مسار تحقيق ومقاضاة جدياً. فإذا تكفل المكتب الحقوقي لجيش الإسلام وقيادة جيش الإسلام بالتعاون مع هذا المسار، أمكن لنا البدء بالإجراءات خلال وقت قصير، والانطلاق من التحقيق مع السيدين الشاذلي وكعكة. ويقيني أنه لن يمضي وقت طويل قبل أن نكوّن فكرة كافية عن الجريمة، وربما نهتدي إلى سميرة ورزان ووائل وناظم. وهذا هو المراد، أولاً وأخيراً.

للأسف ملف جيش الإسلام لا يتجنب فقط هذه البداية الوجيهة، وإنما هو يتكتم تماماً على هذه المعطيات. هذا يشير إلى أن علاقة «المكتب الحقوقي» بالحقوق تشبه علاقة الأجهزة الأمنية الأسدية بالأمن الوطني.

قرينة إضافية: الكمبيوترات

يتكلم الملف على ما ذكرتُه في إحدى مقالاتي من أننا نعلم علم اليقين من هو الشخص الذي دخل على كمبيوترات سميرة ورزان، وأنه تابع لهم، وأن زهران علوش شخصياً أبلغ بالأمر، فكان أن أغلق التابع صفحته على فيسبوك وانتهى الأمر عند هذا الحد. يرد الملف بالطريقة اللطيفة التالية: «وهنا لا بد لنا من الإشارة إلى أن قيادة الجيش قد بحثت في هذه الحيثية واستفسرت عنها، ولم يتبيّن لها أي شيء يؤكد ما ذهب إليه الحاج صالح في اتهامه، وبقيت أقواله ضمن إطار الادعاءات». طريفٌ جداً! الجهة المتهمة بارتكاب الجريمة بحثت في إحدى القرائن المتاحة على ارتكابها الجريمة، وتبين لها أنها بريئة! كأننا نكلف الدولة الأسدية بالتحقيق في جرائمها، أو نطلب من بوتين التحقيق في قصف طيرانه لمشافي حلب الميدانية!

لكن الكوميديا تكتمل حين يقترح المكتب الحقوقي بكل جدية التالي: «ونحن نحبذ لو تم تزويد قيادة الجيش بما وصفه الحاج صالح أنه تأكيدات وأدلة يقينية». أضعُ جانباً أني تكلمت على معلومات وعلى قرائن، وليس على أدلة، وأنه في الواقع تم تزويد «قيادة الجيش»، المرحوم زهران شخصياً، بتلك المعلومات، وهو ما ذكرتُه فعلاً في المقالة التي يقتبس منها المكتب الحقوقي بالذات، وأتساءل: بأي صفة وبأي حق وبأي شرعية تنتحل الجهة المتهمة التي في سجلها انتهاكات كبرى صفة قضائية حتى تطالبني أو تطالب أياً كان بمعلومات أو وثائق؟ حين تُطلَقُ عملية قضائية للتحقيق في الجريمة، وهو ما آمله وأعمل من أجله، يقول كل منا ما لديه، ويتاح وقتها لجيش الإسلام ومكتبه الحقوقي الدفاع نفسهما.

وقد تقدم القول إنه حين بدأت عملية تحقيق، جرت عرقلتُها من قبل جيش الإسلام دون غيره كما تقدم (تهريب الشاذلي وترهيب المحقق أبو تمام)، والمحقق اليوم خارج سورية لأنه لم يكن آمنا على حياته في الغوطة الشرقية.

ما لم نقله: امرأة شاهدت، وأقمار صورت!

يبقى أني لم أتطرق في أي وقت إلى «أن هناك امرأة شاهدت السيدة رزان في سجن تابع لجيش الإسلام». لقد علمتُ بذلك، وهو قد يكون صحيحاً أو غير صحيح، لكني لم آخذ إلا بما هو موثوق من شهادات يمكن الدفاع عنها أمام هيئة قضائية مستقلة. وليست المشكلة أن «هذه المرأة غير معروفة ولم يذكر أحد اسمها»، فأنا أعرفُ اسمها، لكن لست متأكداً من صحة ما نُسِبَ إليها، ولا من أنها مستعدة لتقديم شهادة موثوقة في القضية.

ولم أذكر قط أيضاً ما تطوع ملف المكتب الحقوقي لذكره من أنه «تم تصوير السيارة التي تمت بواسطتها عملية الخطف بالأقمار الصناعية». ولم يسبق لي أن سمعت بالواقعة.

واستطاع المكتب الحقوقي أن يتكلم على أدلة براءة جيش الإسلام، استناداً إلى اعتبارات عامة منها «تاريخ الجيش وشهادة أصحاب الاتهامات». وعدا أن الاعتبارات العامة لا تصلح قرينة إثبات أو نفي، دع عنك أن تكون دليلاً، فإن في تاريخ الجيش القصير سجوناً يجري فيها التعذيب، وفيه اغتيالات، وفيه مساهمة كبيرة في تحطيم المجتمع الدوماني المحاصر. وهي تكفي لعدم استبعاد تورطه في جريمة خطف الأربعة. أما اعتبار كلامي عن أنه لم يخيل لرزان وسميرة ووائل وناظم «أنهم سيتعرضون إلى اعتداء كهذا، ولم يجر إخطارهم في أي وقت من طرف جهة عامة أو ما يعادلها في المنطقة بأنهم يرتكبون مخالفة أو ينتهكون قاعدة معلومة مقررة» كشهادة لمصلحة جيش الإسلام، فهو غاية في الانتهازية وانعدام الاستقامة. لا أستشهد بنفسي كدليل على الحق، لكن على من يقتبس كلاماً لي ليبرئ نفسه أن يكون مستقيماً ويقتبس كلاماً قلته مراراً وتكراراً أتهم فيه جيش الإسلام بارتكاب الجريمة.

قرب ختام ملفهم، يتساءل كَتَبَة جيش الإسلام: «هل يعقل وبعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات على حادثة الخطف، عدم رشوح أي دليل أو معلومة عن حادثة الاختطاف؟!». ويبنون على ذلك أنه لا بد أن الجهة الجانية تتميز بقدر كبير من «الاحترافية والدقة والتنظيم لإخفاء مثل هذه الجريمة طوال هذه المدة». وبناء عليه يرجحون «وجهة النظرة القائمة على اتهام النظام الأسدي بالجريمة». كم أرجو أن تكون «وجهة النظر» هذه هي الصحيحة، لولا أنها تقفز على «رشوح قرائن ومعلومات وفيرة عن حادثة الاختطاف» فعلاً، وكل ما رشح يوجه أصابع الاتهام نحو جيش الإسلام حصراً. وأضيفُ أن النجاح في التكتم النسبي على جريمة ممكنٌ حين تكون الجهة الجانية هي نفسها الجهة المسيطرة في المنطقة، والتي يفترض بها التحقيق فيما يقع من جرائم وتقديم الأدلة بشأنها واعتقال الجناة. والحال أن الجهة المسيطرة في دوما لم تكتف بعدم التحقيق وعدم توفير الأدلة، ولا بمحاولة اغتيال لأسباب يحتمل أنها تتصل بالقضية (القاضي أبو سليمان طفور)، بل هي أعاقت التحقيق الذي اضطرت لبعض الوقت على الموافقة عليه، وهرّبت المتهم به الرئيس، وتكتمت في ملفها الذي بين أيدينا على هذه الوقائع، وعلى أن شرعيهم ذي اللباس العسكري هو المحرض على تهديد رزان بالموت.

هذا فضلاً عن أنه يمكن لمتضلعين في «فن الاغتيال» دو ترك أي أثر، على ما نسب «العراب» إلى قيادة جيش الإسلام، أن يحوزوا الاحترافية اللازمة لخطف أربعة ناشطين سلميين عزّل وإخفائهم.

وأعود إلى القول إنه ليس صحيحاً بعد هذا كله «عدم رشوح أي دليل أو معلومة عن حادثة الاختطاف»، فما سبق قوله عن كمبيوتري سميرة ورزان، وعن «ضابط الأمن» وعن «الأخ الشيخ القائد»، وعن زيارة زهران للشاذلي الموقوف وتهريبه له، هذه معلومات قوية، تعرفها جيداً جداً قيادة جيش الإسلام، وإن فضّلَ مكتبه الحقوقي تجاهلها جميعاً.

تبقى إشارة مثيرة للفضول يوردها المكتب الحقوقي لجيش الإسلام عن أبي عمار خبية، الملقب بـ«اليهودي»، الرجل الذي يقول الملف إنه «اغتيل في ظروف غامضة، ولا يعلم أحد من اغتاله إلى الآن!». حسناً، جرت في الغوطة اغتيالات كثيرة، كان بطل أكثرها هو جيش الإسلام. ويمكن للمرء أن يخمن بأن «اليهودي» كان ضالعاً في عملية الخطف، وهو ما توفرت لدينا بعض مؤشرات عليه فعلاً، وأن من اخترقوا لواء شهداء دوما بالشاذلي كانوا اخترقوه بـ«اليهودي» أيضاً، وربما اشتروا الرجلين بمال وفير قبضوه من «الداعمين». وللتغطية على هذا الاحتمال الذي يحتاج تأكيده إلى التحقيق من طرف جهة مستقلة، يومئ الملف الذي بين أيدينا إلى صلات جمعت «اليهودي»، أبو عمار خبية، بقريب له مبايع لداعش!

ختاماً، يستشهد جيش الإسلام بنفسه، بقائده السابق زهران علوش، وبالناطق السابق باسمه إسلام علوش، وبإدانته لجريمة الاختطاف بعد عام وأيام من ارتكابها، ليبرهن على عدم ارتكابه للجريمة. وفقا للمبدأ نفسه تكون الدولة الأسدية بريئة من عشرات الألوف في جيل سبق، ومن مئات الألوف منذ ما يقترب من ست سنوات. ويؤسفني وصف ما قاله المكتب الحقوقي من تعاون جيش الإسلام مع لجنة التحقيق بأنه كذب صفيق. المحقق، أبو تمام، نجا بنفسه خارج البلد، والقاضي، أبو سليمان طفور، تعرض لمحاولة اغتيال اعترف مرتكبها بأنه من جيش الإسلام.

أما الإشارة إلى أن جيش الإسلام وقع على البيان المشترك للفصائل الذي تتبرأ فيه من الجريمة وغيرها، فقد سبق القول إن جيش الإسلام شكك في كل الفصائل الأخرى المشاركة له في التوقيع (اللهم عدا «ضابط أمن الغوطة الشرقية»، حسين الشاذلي)، وأنه يقر هو ذاته بأن أحد الفصائل، جبهة النصرة، كذب فيما أشهد الله على براءته منه وعدم علمه به.

ويزعم المكتب الحقوقي لجيش الإسلام خلاصة لملفه: «أن كل ما صدر من اتهامات بحق جيش الإسلام كانت مجرد ادعاءات يعوزها الدليل، وتعتريها مشوبة مغالطة الواقع، وتفتقد للأدلة الدامغة والمعتبرة قانوناً في الاتهام، وخاصة في اتهام فصيل ثوري من أهم الفصائل العاملة على الأرض السورية».

هذه مزايدة من صنف الأسدي المألوف. هذا حتى لو لم نقل شيئاً عن أن الفصيل الثوري المزعوم مشتبه بارتكابه واحدة من أكبر الجرائم في مسار الثورة السورية بحق ثائرين، ويكاد ينفرد، إلى جانب داعش، باستهداف الثائرين على النظام لفرض سيطرته المطلقة.

أعود في ختام هذا التفنيد المطول لملف المكتب الحقوقي لجيش الإسلام إلى سطور وردت في الملف، جاءت على طريقة «كاد المريب أن يقول خذوني»، يسوقها كَتَبَة الملف بين «أدلة نفي التهمة وإثبات براءة جيش الإسلام من جريمة خطف ناشطي دوما». تتكلم هذه السطور على «حادثة التهديد بالقتل من قِبَل المدعو «أبو علي خبية» أحد قادة جيش الأمة المعروف سابقاً بـ«لواء شهداء دوما»(…). والعجيب، أن يتم الاعتماد على حادثة الشاذلي رغم كونه ليس من عناصر الجيش ولم يُهدّد بالقتل، ويتم تجاهل حادثة خبيّة ولا يبنى عليها أي اتهام بحقه وحق من يتبع له».

أتوقفُ مجدداً عند هذه السطور لأن كَتَبَة الملف شعروا بالحاجة إلى تكرار ما سبق أن قالوه من جهة، ولأنهم يخلطون على نحو متعمد وبكل سوء نية الوقائع ببعضها. رزان تلقت تهديداً بالقتل فعلاً، لكن من حسين الشاذلي وليس من أبو علي خبية الذي قتله جيش الإسلام بعد جريمة خطف الأربعة بنحو عام وتسعة أشهر. ولا أدري لماذا ينشغل بال جيش الإسلام بنفي التهمة عن الشاذلي بينما هو يؤكد أن الشاذلي «ليس من عناصر الجيش»، قبل أن يضيف كاذباً إنه لم يهدد رزان بالقتل. هذا مستوى من الأمانة منحدر جداً بكل أسف، وليست إلا قلة إحساس كاملة أن يضاف بعد ذلك إننا نتجاهل «حادثة خبية»، ولا نبني عليها اتهاماً بحقه. قتلتم الرجل، وتريدون منا اتهامه! ونسبتم إليه واقعة تعرفون أننا نعرف أن صاحبكم هو من قام بها! أي دين لكم، وأي أمانة! وهل تظنون أن فتاوى الكعكة تجعل الإثم والعدوان بِراً وتقوى؟

بالمناسبة، يتكلم العراب وبدر الدين الذي حاول اغتيال القاضي طفور على فتاوى أصدرها مشايخ جيش الإسلام بحق من صدرت الأوامر باغتيالهم. هذا يقيم رابطاً وثيقاً بين السلطة والفتوى والقتل، يشين أصحابه إلى أقصى حد، ويطرح أسئلة فكرية وأخلاقية خطيرة على المجموعات الإسلامية. ومنها ذلك التماثل الكبير بين الشرعيين و«الهيئات الشرعية» وبين أجهزة القتل الأسدية: الشرعيون يحكمون على دين الناس ويحتكرون التكفير، والمخابرات تحكم على وطنية الناس وتحتكر التخوين.

مخاطبات سابقة لجيش الإسلام وهيئات عامة

أعرض في هذه الفقرة مخاطباتنا السابقة لجيش الإسلام، وقد تجاهلوها جميعاً، وأقترح تفسيراً لردهم اليوم في هذا الملف.

بعد يوم واحد من الجريمة اتصلتُ شخصياً على سكايب بالسيد إسلام علوش، طالباً منه، بعد السلام، المساعدة. الرجل لم يردَّ على سلامي. وقال، كاذباً للأسف، إنه ليس لهم مقرات أمنية في دوما. سألته لماذا لم يردَّ على سلامي، ولماذا هو ناشفٌ معي، فردَّ مزايداً بأنهم معنيون بـ«تحرير المدن من الطغاة»!

كان حدسي الأول بخصوص المسؤولية عن الجريمة متجهاً نحو جيش الإسلام بحكم ما سمعت من رزان (إطلاق نار أمام المكتب من قبل من لم تشكَّ رزان في أنهم من جيش الإسلام، وهذا وقتَ وجد على باب مكتب مركز توثيق الانتهاكات التهديد بالقتل الذي تبين لاحقاً أنه مكتوب بخط يد حسين الشاذلي)، ولتقديري بأن أحداً لن يتجاسر على التعرض غيرهم، أو دون رضاهم، للاجئين في دوما، معقل جيش الإسلام. وكنت ذكرت شكوكي هذه على صفحتي على فيسبوك، فكان أن بادر السيد علوش إلى الاتصال بي عبر سكايب مستنكراً. وفي نهاية الاتصال طرح عليَّ السؤال التالي: هل أنت متأكد من أنهم لم يتركوا دوما بإرادتهم؟ كانت الدنيا كلها تعلم وقتها أن سميرة ورزان ووائل وناظم اختطفوا. أنهيتُ الكلام مع الرجل بسؤاله إن كان يظن أني يمكن أن أتكلم على خطف زوجتي من باب التسلية! وأخذ يترجح لدي أكثر وأكثر أن للجماعة ضلعاً في الجريمة. وهو ما تراكمت القرائن بشأنه شيئاً فشيئاً. وأكرر هنا القول إنه ليس لدينا حتى اليوم قرائن مقابلة بحق أي تشكيلات أو قوى أخرى.

وفي آب 2014، بعد ثمانية شهر من الجريمة، سُئِلَ المرحوم زهران علوش في مؤتمر صحفي عن «خطف رزان زيتونة»، فقال إنهم شكلوا لجنة تحقيق، وأنها توصلت إلى «أطراف خيوط» تشير إلى «اتجاهات خارجية». هذا قبل أن يسهب متهرباً في مونولوج حول «نساء المسلمين» في سجون النظام، وينصح سائليه بأن يهتموا بهن عموماً.

هذا منذ عامين ونصف تقريباً، ولم يظهر شيء من أطراف الخيوط ولا من الاتجاهات الخارجية، ونسي ملف المكتب الحقوقي أن يقول شيئاً عما قاله المرحوم.

وحين زار اسطنبول في ربيع 2015، وفي سياق حملة علاقات عامة قام بها، تكلم المرحوم على ملف ضخم أعده جيشه عن الجريمة، وأعطى الانطباع بأن الملف سيُنشَر قريباً، وألمح لمستمعيه أن جبهة النصرة هي الجهة الجانية. ولا ندري إن كان الملف الضخم هو هذا الشيء المراوغ الركيك الذي خرج به المكتب الحقوقي لجيش الإسلام بعد أكثر من عام ونصف على كلام المرحوم. ولم يجر إبلاغنا وقتها ولا اليوم بأي قرائن تدفع باتجاه الارتياب بمسؤولية جبهة النصرة عن الجريمة.

وأثناء وجوده في اسطنبول، تقدمنا بدعوة للتحكيم إلى كل من يهمهم العدل، قلنا فيها إننا نتهم جيش الإسلام بخطف أحبابنا، وإن جيش الإسلام ينفي مسؤوليته، فلنتشارع إلى محكمين مستقلين نرضى عنهم. وتمت مواجهة دعوتنا هذه بصمتٍ مطبق.

وبعد اغتيال المرحوم زهران قبيل نهاية عام 2015، سلمنا في يوم 16 كانون الثاني من هذا العام 2016 رسالة باليد إلى السيد محمد مصطفى، أبو معن، مسؤول المكتب السياسي في جيش الإسلام، نطلب فيه من قائد جيش الإسلام الجديد، السيد أبو همام البويضاني، المساعدة في القضية. وقتها أقرَّ الرجل بالمسؤولية السياسة لجماعته، ووعد برد مكتوبٍ مثلما طلبنا. وانتظرنا أربعين يوماً كاملة قبل أن ننشر الرسالة التي لم يصلنا الرد الموعود عليها، لا وقتها ولا في أي وقت.

وفي آذار من هذا العام، وجهنا مرة آخرى نداءاً جديداً من أجل العدل، نطلب العون في تحرير أحبابنا وجلاء مصيرهم، ولم نتلق للمرة الثالثة أي رد.

وبمناسبة مرور عامين ونصف على الجريمة، خاطبنا الائتلاف، والمجلس الإسلامي السوري والهيئة العليا للمفاوضات حول القضية. لم يتكرم المجلس الإسلامي السوري بأي رد. ويؤسفني القول إن الائتلاف لم يرد إلا بعد أن تعرضت له ولرئيسه بكلام غاضب بعد مرور 80 يوماً على تسليمهم الرسالة. وحين رد رئيس الائتلاف متأخراً أكثر من خمسة أشهر كان رده بالفعل مثل قلّته، ونصحنا، نحن أهالي المختطفين الأربعة، بالاتصال بأنفسنا بجيش الإسلام! أما الهيئة العليا للمفاوضات، فقد علمنا أنها أثارت الموضوع مع السيد محمد علوش الذي لم نكن نعرف عنه قبل تنصيبه كبير مفاوضين غير أنه محرض صغير على رزان قبل جريمة الخطف بأسابيع. علمنا بالأمر من مقابلة نشرت مع السيد جورج صبرا دون أن تكلف الهيئة أو السيد صبرا خاطرهما بإعلامنا بالأمر الذي ما فاتحا علوش في شأنه إلا لأننا كتبنا لهم. ولم يكن مطلوبنا أصلاً مفاتحة شخص لا وزن له. كان المأمول أن تستخدم الهيئة علاقاتها لإثارة القضية والضغط على الجناة، وأن تدرك على الأقل أن محرضاً صغيراً لا يمكن أن يكون مفاوضاً كبيراً.

ما أريد قوله هو أننا لم نقصّر أبداً في مخاطبة جهات متنوعة، أولها جيش الإسلام نفسه، وأننا لم نتلقَ دعماً أو حتى تضامناً. وهذا يشهد شهادة مشينة بحق الأطراف المذكورة وغيرها، سنبذل جهدنا ألا تُنسى.

لماذا لم يعمم جيش الإسلام ملفه؟

قبل أن أختم هذا الرد الذي آمل أنه يرد على ملف المكتب الحقوقي لجيش الإسلام، ويضع بين يدي شركائنا في سورية وغيرها معطيات موثوقة يستندون إليها في مواجهة جيش الخطف والاغتيال، أريد في هذه الفقرة الختامية أن أخمن سبب عدم نشر الجماعة لملفهم على العموم.

تقديري أن السبب في الجوهر هو أن الملف ليس موجهاً أصلاً إلى العموم، وليس العموم ممن يعتني كَتَبَة الملف بمخاطبتهم. المخاطب بالملف ليس نحن أهالي المخطوفين، ولا أهالي دوما والغوطة الشرقية، ولا الثائرين السوريين في أي مكان، ولا ما لا يحصى من السوريين الذي حُطِّمَت حياتهم. المخاطب المرجح في تصوري هو غرف أمنية عسكرية مثل الموك وما شابه، وربما الهيئة العليا للمفاوضات. هؤلاء، وليس أي عوام سوريين مثلنا، هم المخاطبون. والأرجح أن الجماعة أوصلوا ملفهم لمن يهمهم أمرهم. نحن وأشباهنا لا يهمهم أمرنا.

ولا أستطيع الامتناع عن ملاحظة أن الملف غير المؤرخ لم يبدأ بالبسملة، خلافاً للحد الأدنى المتوقع من تشكيلٍ سلفي. كاتب هذه الأوراق علماني، لكنه لا يرى في هذا التخلي عن عنصر أساسي من عنصر هوية التشكيل الذي أصدر الملف شيئاً يثير الاحترام، بل هو بالضبط يثير قلة الاحترام. ويرجح هذا الإغفال أن السلطة هي كل شاغل الجماعة، تماماً مثل الدولة الأسدية. ما يعني الجماعة هو خلق قضية مشتركة مع جهات عسكرية وأمنية وسياسية، إقليمية ودولية، هي التي يعتني الملف ومن وراءه بمخاطبتها، وهذا بعد أن نجح كل النجاح تشكيلُ جيش الإسلام في تحطيم القضية المشتركة التي تجمعه بمواطنيه في دوما والغوطة الشرقية، وفي سورية ككل.

ليس هذا جديداً على الجماعة. كان ناطقهم السابق قد قال في أول مقابلة أتيحت لهم مع منبر أميركي، ماكلاتشي، أيار 2015، إن كلامهم السلفي المتشدد هو للاستهلاك الداخلي، أما موقفهم الحقيقي فهو غير ذلك.

هذه تضحية خسيسة بجمهور جيش الإسلام بالذات، دون أن تنطلي بأي شكل على الأميركيين. فات هذا المتذاكي أن الأميركيين إما سيحتقرون من يحتقر جمهوره على هذا النحو المفضوح، أو أنهم سيعتبرونه كاذباً مسلياً. وهو في الحالين يهين ثورة السوريين وتضحياتهم، ويهين تشكيله بالذات. أسوق الواقعة لجمهور جيش الإسلام ولسكان دوما والغوطة الشرقية ولعموم السوريين للقول إن الجماعة معنيون بالسلطة، ولا شيء غير السلطة.

في الختام، لدينا مطلب بسيط وواضح.

تحرير أحبابنا فوراً.

هذا ما تقتضيه العدالة، وهذا هو المخرج الأقل سوءاً للجناة بالذات.

القضية لن تتقادم، ليس فقط لأننا سنبذل كل جهد من أجل ألا تتقادم، وإنما كذلك لأن من طبيعة قضايا الاختفاء القسري ألا تتقادم. لا نستطيع كأهالٍ للمرأتين والرجلين المخطوفين أن نتوقف عن التفكير فيهم والعمل من أجل خلاصهم، والضغط على خاطفيهم. وبعد ثلاث سنوات من الجريمة، نحن لسنا أقل مثابرة أو إصراراً على المضي في هذا الدفاع عن النفس.

وإننا لنرجو المساعدة، ونطلبها، من كل القادرين عليها. وأولاً من أهالي دوما والغوطة الشرقية.

ومن بين السوريين، ليس هناك من لا يستطيع المساعدة بشيء ما، ولو كان قراءة هذا التفنيد وتعميمه، ووضع الحقيقة في متناول عموم السوريين وشركائهم في العالم.

موقع الجمهورية

موقف جيش الإسلام من قضية اختطاف كادر مركز توثيق الانتهاكات في سوريا(VDC)

الفهرس

مقدمة

1- الواقع العسكري الداخلي في الغوطة الشرقية أثناء ارتكاب جرم الخطف: 1-1 وجود عدة فصائل تعمل في الغوطة الشرقية. 1-2 وجود بعض الخلافات بين هذ الفصائل. 1-3 بعض الفصائل المذكورة كان لها سوابق اجرامية وانتهاكات لحقوق الإنسان. 1-4 لم يكن لجيش الإسلام أي مقر عسكري أو مؤسسة أمنية تابعة له داخل دوما. 1-5 حرية ممارسة العمل المدني ووجود هيئات مستقلة في الغوطةالشرقية. 1-6 حالة الفوضى وقلة التنظيم التي كانت تعاني منها المناطق المحررة. 2- سياسة جيش الإسلام وطريقة تعامله مع المنظمات الحقوقية والمدنية في الغوطة. 3- علاقة جيش الإسلام بالمخطوفين وأقاربهم وماقدمه لهم من مساعدات. 4- الجهات المتهمة لجيش الإسلام بجريمة الخطف ودوافعها. 5- الجهات المشتبه بتورطها في حادثة الاختطاف. 6- التحقيقات التي جرت في قضية الاختطاف. 6-1 ملابسات جريمة الخطف: 6-1-1 في الواقعة. 6-1-2 ماأشارت إليه التحقيقات الأولية. 6-1-3 مناقشة دلالات ونتائج التحقيقات الأولية. 6-2 أدلة اتهام جيش الإسلامبجرم الخطف. 6-2-1 قضية الشاذلي. 6-2-2 مناقشة اتهامات ياسين الحاج صالح. 6-2-3الاتهام القائم على فرضية أن جيش الإسلام هو من يسيطر على الغوطة. 6-2-4الادعاء بأن هناك امرأة شاهدت السيدة رزان زيتونة في سجن تابع لجيش الإسلام. 7- أدلة نفي التهمة وإثبات براءة جيش الإسلام من جريمة خطف ناشطي دوما. 8- كيف كان موقف الجيش من حادثة خطف كادر مركز توثيق الانتهاكات. 9- الموقف الرسمي للجيش من حادثة اختطاف رزان زيتونة ورفاقها. 10- المرفقات

 

مقدمة: إن حادثة اختطاف كادر مركز توثيق الانتهاكات والذي تديره الناشطة والمحامية رزان زيتونة من الغوطة الشرقية أثارت موجة من الاحتجاجات لدى المعنيّين بالشأن السوري ولدى العديد من الجهات والمؤسسات الحقوقية. وهذا كان طبيعياً نظراً لبشاعة الجريمة التي طالت مجموعة منأهم الناشطين السوريين،والذين قدموا للثورة السورية الكثير، ولأن الحادثة قد حدثت في الغوطة الشرقية، بما تحمله هذه الأرض من دلالات ثورية وتضحيات بذلت في سبيل العدالة والحرية بأهم تجليّاتها المتمثلة في حرية الكلمة. جيش الإسلام ليس مضطرّاً للدفاع عن نفسه بخصوص جرم أكّد مرارا وتكراراً بأنه ليس له أيّ علاقة به، كما أنه ليس من سياساته وشيمه التعرّض للناشطين والمعارضين المدنيين والثوريين. ولكن، بات من الضرورة بمكان توضيح بعض المسائل من وجهة نظر قانونية، ردّاً على من يدّعي أنه يمتلك أدلّة تدين جيش الإسلام. كما أننا نؤكد إدانتنا لهذه الجريمة واستنكارنا لها، ونشير إلى ما بذلناه من جهد في سبيل كشف ملابسات القضية ومعرفة مصير المخطوفين، ونستغرب الاتهامات غير الموضوعية، والمدفوعة بخلافات فكريةوسياسية، والتي لم تراع الأسس القانونية التي يُعمل بها في الاتهام عادة. ونجد من الواجب علينا بيان موقفنا من هذه القضية، وتفنيد ما أثير من اتهامات بحقنا، منطلقين من واجبنا الأخلاقي والإنساني، لا من مجرّد كوننا استُهدفنا باتهامات باطلة، ونريد دفع التهمة عن أنفسنا.

وعليه، فقد أشرنا في هذا الملف إلى نقاط مفصلية لايمكن إغفالها لكل من يحاول البحث عن فاعل الجريمة، إن كان بحثه جاداً ومبنياً على أسس موضوعية، وهي على النحو التالي:

الفصل الأول

الواقع العسكري الداخلي في الغوطة الشرقية أثناء ارتكاب جرم الخطف

1-1 وجود عدة فصائل تعمل في الغوطة الشرقية ولها مقرات داخل دوما، وهي: جبهة النصرة، أسود الغوطة، أسود الله، شهداء دوما، شباب الهدى، كتائب الفاروق عمر، ثوارالغوطة، كتيبة أمن الثورة، الشرطة العسكرية، مجلس مجاهدي دوما (يترأسه أبو صبحي طه)، داعش، كما كان هناك خلايا نائمة تابعة للنظام الأسدي اكتشف بعضها.

1-2 وجود بعض الخلافات بين هذ الفصائل.

1-3 بعض الفصائل المذكورة كان لها سوابق إجرامية وانتهاكات لحقوق الإنسان: فقد كان لواء شهداء دوما وعصابة داعش على سبيل المثال تعملان على ثرى الغوطة -في ذلك الوقت-، ورغم ذلك لم يتّهمهما أحد بجريمة الخطف.

1-4 لم يكن لجيش الإسلام أي مقر عسكري أو مؤسسة أمنية تابعة له داخل دوما.

1-5 حرية ممارسة العمل المدني ووجود هيئات مستقلة في الغوطةالشرقية: ففيها قضاء موحد يتبع له جميع المواطنين والعسكريين، ويُدار من قبَل إدارة مدنية مستقلة لا تخضع لأيّ فصيل بما في ذلك جيش الإسلام، وفي مدينة دوما مجلس محلّيّ مستقل يدير شؤون المدينة ولا ينتسب رئيسه أو أعضاؤه إلى جيش الإسلام، كما أن علم الثورة يُرفع في الغوطة الشرقية دون مضايقات بخلاف مناطق أخرى داخل سوريا.

1-6 حالة الفوضى وقلة التنظيم التي كانت تعاني منها المناطق المحررة: والتي سمحت لكثير من الاختراقات من قبل النظام الأسدي وغيره، ونتج عنها عمليات خطف طالت العديد من عناصر الفصائل والمؤسسات الثورية.

الفصل الثاني

سياسة جيش الإسلام وطريقة تعامله مع المنظمات الحقوقية والمدنية في الغوطة

إن تاريخ جيش الإسلام وسيرته في المناطق المحررة تؤكد على وقوفه الدائم مع الناشطين الثوريين والمعارضين المدنيين، وتؤكد على حقيقة إفساحه المجال للعمل المدني على كافة الأصعدة والمجالات. وإن المجالس المحلية المدنية والهيئات الأخرى الموجودة في مدينة دوما تتمتّع باستقلالية تامّة، تتفوق به على المناطق المحررة الأخرى، ومما يثبت ذلك: 1. قيام العديد من المعارضين والناشطين الحقوقيين بما فيهم الناشطة رزان زيتونة باختيار مدينة دوما مكاناً لتمارس فيه نشاطها الحقوقي بتوثيق الانتهاكات، وذلك بعلم ومعرفة كافة الفصائل المقاتلة بمافيها جيش الإسلام، مما يثبت المناخ العام القائم على الحرية السائد في دوما. 2. إن مركز توثيق الانتهاكات مازال يعمل داخل الغوطة الشرقية، ومن ذات مكتب الناشطة رزان زيتونة ورفاقها المختطفين، ويديره الآن السيد محمد حجازي أبو حذيفة. 3. هناك العديد من المؤسسات الحقوقية العاملة في الغوطة الشرقية والتي مازالت تمارس عملها دون أي تضييق أو معارضة من قبل الفصائل، ومن هذه المؤسسات على سبيل المثال: · تمكين. ·  كوميليكس: ويديرها رائد سريول. · منظمة كوسوف: منسقها شاب من بلدة المليحة يدعى عمران. · مدارس كراميش: منسقتها الآنسة ميمونة، وهي صديقة للمحامية رزان زيتونة، ودخلت الغوطة الشرقية معها، وتعد من أهم ناشطي الغوطة الشرقيةـ وقد أسست مجموعة من مدارس الأطفال، وتعمل بحرية كاملة دون أية معارضة.

الفصل الثالث

علاقة جيش الإسلام بالمخطوفين وأقاربهم وماقدمه لهم من مساعدات

من يعرف الغوطة الشرقية جيداً يعرف حقيقة تعامل جيش الإسلامبكل قادته ورموزه مع الناشطين الحقوقيين، وكيفية إفساحه المجال لعملهم وتقديم المساعدة اللازمة لهم، وليس من أحدبإمكانه إنكارالحقائق التالية:

  1. جيش الإسلام هو من أدخل الناشطة رزان زيتونة وغيرها من الناشطين الى الغوطة الشرقية: حيث قام أبومحمد عدس الذي كان يترأس مكتب تأمين المنشقين في الجيش بمساعدة الناشطة رزان زيتونة، وإدخالها إلى مدينة دوما عبر طريق العتيبة والمرج، وذلك في نهايةشهر نيسان من عام 2013 م. كما أن جيش الإسلامأبدى استعداده لحمايتها وتأمين عناصر لهذا الغرض. يُذكر أن عدس قضى شهيداً على أيدي عصابة الغدر داعش.
  2. جيش الإسلام هو من قام بمساعدة الكاتب والصحفي السوري ياسين الحاج صالح(زوج المخطوفة سميرة الخليل) بالخروج من الغوطة الشرقية في طريقه إلى تركيا.

مرفق رقم (1):صور للأستاذ ياسين الحاج صالح في مقرات تابعة لجيش الإسلام خلال رحلة خروجه من الغوطة الشرقية.

الفصل الرابع الجهات المتّهِمة لجيش الإسلام بجريمة الخطف ودوافعها

هناك بعض الجهات التي قامت باتهام جيش الإسلام تعريضاً تارة وتصريحاً تارة أخرى، محمِّلةً الجيش مسؤولية الخطف ابتداء من تحميله المسؤولية الأخلاقية لكونه الجهة المسيطرة على الغوطة وفقاً لزعمها، وانتهاءً باتهامه جنائياً بالجرم استناداً لما ادّعت انه أدلة ثابتة على التجريم. هناك جهات معتبرة، مثل: – المختصون في الشأن الحقوقي. – ذوو المخطوفين، فهم بمثابة المدّعي الشخصي، مثل: أسرة المحامية رزان زيتونة، والصحفي ياسين الحاج صالح زوج المخطوفة سميرة الخليل، ومركز توثيق الانتهاكات لكون المخطوفين كانوا يعملون في هذا المركز. هناك جهات لا اعتبار لها: وهي جهات أخرى حاولت وتحاول استخدام القضية للإساءة إلى جيش الإسلام دون هدف آخر. مايعنينا هي الجهات المعتبرة، خصوصاً ذوو المخطوفين، فنحن مؤمنون بضرورة التعاون معهم لكشف ملابسات الحادثة.

وهنا يجب التمييز بين دوافع التحقيق الجنائي القائمة على حادثة الخطف نفسها، وبين دوافع أخرى مبنية على مواقف سياسية واختلافات فكرية استغلت حادثة الخطف.

الأستاذ ياسين الحاج صالح هو من ذوي المخطوفين، لكن اتهاماته التي ساقها كانت نابعة من دوافع سياسية ومبنية على اختلافات فكرية، وسنشير في النقاط التالية إلى النهج الذي سلكه الأستاذ ياسين الحاج صالح في الاتهام:

  • إن المتتبع لتصريحات ومقالات السيد ياسين الحاج صالح بخصوص قضية الخطف يلحظ بسهولة مدى خلطه بين البحث عن الحقيقة ورغبته بانتقاد جيش الإسلام نهجاً وسلوكاً، كما يلحظ أيضاً مدى تحامله على الجيش، وهذا أثّر على موضوعية اتهاماته.
  • كتب الأستاذ ياسين حرفياً على صفحته على فيسبوك في كانون الأول من عام 2013: “لأنه سبق لهذا التشكيل العسكري الذي لا يتعاون مع أحد في الغوطة والمنطقة ويتوقع من الجميع العمل عنده وليس معه أن هدد رزان زيتونة قبل شهرين وأطلق النار أمام بيتها بغرض الترويع والتطفيش “. فإن كان السيد حاج صالح يقصد جيش الإسلام بقوله “هذا التشكيل العسكري “، فإننا لا نعرف ما العلاقة بين ما يزعمه من عدم تعاوننا مع الفصائل (وهو زعم نرى أنه بطلانه أوضح من أن يُردّ عليه) وبين قضية الاختطاف؟! وما الجدوى من إقحام هذه المسألة ضمن سياق الحديث عن قضية الخطف؟! إن هذه المغالطة لتدلّ على كيفية تناول الحاج صالح للقضية، ومحاولته تسيّيسها لإقحام جيش الإسلام وإلباسه تهمة الاختطاف، مدفوعاً برؤيته وموقفه الخاص من الجيش، ولأسباب بعيدة كل البعد عن واقعة الخطف. تناول القضية بهذه الصورة تكرّر من الحاج صالح عدّة مرات وفي أكثر من محفل إعلامي، مما يؤكد أن له مشكلة أساساً مع جيش الإسلام نهجاً وسياسةً وسلوكاً، وأن والأمر يتجاوز قضية الخطف. مرفق رقم (2): صورة المنشور.
  • أورد الكاتب في مقالة أخرى له مقولة تختصر وتثبتكل ماأردنا قوله هنا، حيث قال: “هل يحتمل فعلاً أن سميرة ورزان ووائل وناظم أسرى عند «جبهة النصرة»؟ هذا وارد، والكلام في شأنه متداول، لكن الاحتمال ضعيف جداً في أن تقدم «جبهة النصرة» على الجريمة من دون تنسيق مع زهران وفي إطار صفقة ما بين الفريقين”. فبحسب منطق الحاج صالح، حتى لو ثبت أن الخاطف جهة أخرى غير جيش الإسلام، فإنه سيبقى يتهم جيش الإسلام، لأن المطلوب اتهامه ومن المفيد له ولمصالحه أن يبقى هو المتهم!

وهذا دليل آخر على محاولة استثمار قضية الخطف والاتهام لأهداف أخرى غير التحقيق الجنائي ومعرفة الفاعل. رابط مقالة ياسين الحاج صالح في مجلة الحقيقة “الوضع الحالي لقضية مخطوفي دوما الأربعة” بتاريخ 9/12/2015 م.

  • كما جاء في منشور له على صفحته الشخصية على فيسبوك: “أطالب قيادة جيش الإسلام أن تقول بكلام علني إن جبهة النصرة هي التي خطفت سميرة ورزان ووائل وناظم. هذا كي تتحمل تلك القيادة المسؤولية علناً عما تقوله من وراء الستار، وكي نرى ما يمكننا فعله لمساءلة جبهة النصرة عن الجريمة”.

مرفق رقم (3): صورة المنشور. تيار الغد السوري 13/10/2016

هكذا يعود الأستاذ ياسين الحاج صالح ليفصح عن نيّته الحقيقية بتوظيف قضية الاختطاف لأهداف سياسية، وذلك بطلبه من جيش الإسلام اتهام جبهة النصرة، متناسياً أنه ليس من حقه -وإن كان من ذوي المخطوفين- أن يطالب أيّ جهة باتهام جهة أخرى. ما لم يملك الحاج صالح أدلّة موضوعية كافية لتوجيه اتهام لجهة ما، فإن كل مايحق له هو السؤال عن مصير المخطوفين (ومن ضمنهم زوجته)، دون أن يخلط قضية الاختطاف بقضايا سياسية ودون أن ينصّب نفسه جهة وصيّة تفرض على هذا الفصيل أو ذاك ما ينبغي أن يقوله، مستغلاً قضية الاختطاف.

الفصل الخامس الجهات المشتبه بتورطها في حادثة الاختطاف 5-1 النظام الأسدي: أول المتهمين بلا شك في حادثة اختطاف كادر عمل مركز توثيق الانتهاكات هو النظام الأسدي، وهو المعروف بنهجه وتاريخه الحافل بالجرائم تجاه الشعب السوري عامة وتجاه المعارضين له خاصة، وهو من يمتلك أذرعاً عديدة داخل الغوطة من عملاء وخلايا نائمة. إن إمكانية تورط النظام الأسدي تشير إليهاالقرائن لكل من بحث قضيةالاختطاف، وذلك لعدة اعتبارات:

  • امتلاك النظام الأسدي لإمكانيات وأجهزة استخباراتية قادرة على تنفيذ مثل هذه الجرائم دون ترك أي دليل، وقدرة هذه الأجهزة على اختراق المناطق المحررة. وإن ملابسات جريمة خطف الناشطين تشير إلى احترافية الجهة الخاطفة وإمكانياتها الكبيرة. · ثبت وجود خلايا نائمة تابعة للنظام الأسدي في كل المناطق المحررة، وقد تم القبض على العديد من تلك الخلايا في مدينة دوما ذاتها. · سجل النظام الإجرامي المثقل بعمليات الخطف والاغتيالات: فقد أقدم على العديد من حوادث الاختطاف للثوار والعسكريين من قلب المناطق المحررة في العديد من المحافظات، وذلك بواسطة خلاياه المزروعة في تلك المناطق. ومن أمثلة ذلك، اعتقال رجلين مع زوجتيهما من عائلتي “التلاوي” و”كعكة” من مدينة دوما من خلال خلايا تتبع للنظام الأسدي، حيث إن عائلة “التلاوي” هم أهل زوجة الشيخ زهران علوش (قائد جيش الإسلام السابق). وبعد صفقة تبادل عن طريق منظمة الإغاثة(IHH)، تم الإفراج عنهم وأوصلهم بولاند رئيس المنظمة إلى مدينة دوما بسيارته. · مصلحة النظام الأسدي في عملية الخطف، لكون خطف كادر مركز التوثيق يحقق له مصلحة مزدوجة تتمثل في: – التخلص من المعارضين والناشطين الحقوقيين، حيث إنهم يشكلون تهديداً مباشر له بجمعهم لأدلة جرائمه في الغوطة، وخاصة جريمة استخدام الأسلحة الكيميائية وإبادة الأطفال والنساء والشيوخ، والتي لا بد أن يحاسب عليها وينال عقوبته المناسبة. – إلصاق تهمة الخطف بالفصائل الثورية المسيطرة على الغوطة، للإيحاء للعالم بأن المناطق المحررة لا مكان فيها لنشطاء المجتمع المدني والحقوقي.

5-2 جبهة النصرة: هناك قرائن قد تشير إلى تورط جبهة النصرة بعملية الاختطاف، ويمكن عرضها من خلال النقاط التالية: · شهادة الدكتور أحمد البقاعي: أحمد البقاعي الذي كان مختطفاً لدى جبهة النصرة، أدلى لإحدى وسائل الاعلام بالإفادة التالية: “عند الجهة التي كانت تختطفني تم التحقيق معي بشكل كبير عن رزان ورفاقها، وإني أحمّل الخطف للجهة نفسها”. كما أنه أضاف ما يشير إلى ظنّه بأنها موجودة لديهم. مشاركة البقاعي على إذاعة أورينت. ومعلوم للجميع أن جبهة النصرة هي الجهة التي قامت باختطاف البقاعي وقد حُرّر من سجونها. · كذلك شهادة السيد ماجد محمد الحمادي، حيث قال على حسابه في فيسبوك أنه وأثناء محادثته مع ناظم الحمادي عبر سكايب لحظة وقوع الاختطاف، سمع عبارات تهديد من قبل الخاطفين للمخطوفين، ومنها وصفهم بأعداء الله. ومعلوم من هو الطرف الذي يستعمل هذه المصطلحات. مرفق رقم (4). · أن مقر جبهة النصرة لا يبعد عن مركز التوثيق مكان حدوث جرم الاختطاف سوى 85 متراً، وهذا له ما يعنيه لمن يبحث عن ملابسات الجريمة.

 

5-3 داعش: والقرائن التي تشير إليها على النحو التالي: · معروف للجميع مصلحة عصابة داعش بإسكات صوت المخطوفين الحقوقي، وموقف العصابة من المعارضين المدنيين. · وجود الخلايا التابعة لداعش حينذاك وقيامها بعمليات اغتيال في الغوطة الشرقية. · استخدام عصابة داعش المتكرر لعبارات ومصطلحات من قبيل “عدو الله، مرتد، كافر، وماشابه ذلك”، مما يعيد يجعل شهادة السيد ماجد حمادي تضعها أيضاً ضمن المشتبه بهم.

5-4 جيش الإسلام: وسنستعرض أدلة اتهامه بشكل مفصّل فيما بعد.

5-5 لواء شهداء دوما (جيش الأمة): والقرائن التي تشير إليه على النحو التالي: · سُجلت حادثة تهديد بالقتل من قبل أحد قادة جيش الأمة (المعروف سابقاً بلواء شهداء دوما) المدعو”أبوعلي خبيّة”، وكان سبب التهديد اعتراض رزان وتوثيقها لبعض الانتهاكات التي قام بها لواء شهداء دوما تجاه المدنيّين في مدينة دوما حينها. · سجلّ اللواء المثقل بالانتهاكات وحوادثه المتكررة بالتعرّض للمدنيّين.

5-6 أسود الغوطة: إذا يبعد مقرهم حوالي 124 متراً عن مركز التوثيق.

5-7 أسود الله: إذا يبعد مقرهم حوالي 25 متراً عن مركز التوثيق.

5-8 كتيبة أمن الثورة: لكونها الجهة المعنية بالحفاظ على الأمن بالغوطة، وهي المسؤولة عن سلامة الغوطة أمنياً.

 

الفصل السادس

التحقيقات التي جرت في قضية الاختطاف

هناك من ادعى إهمال جيش الإسلام في إجراء تحقيق في قضية الخطف، وعدّ ذلك بمثابة دليل اتهام للجيش، وجيش الإسلام مع تأكيده على عدم علاقة وظيفته بالقضاء وعلى أن التحقيق ليس من مهامّه كفصيل عسكري،يوضّح ما يلي: 1. قامت هيئات وفعاليات وفصائل عسكرية عاملة في الغوطة الشرقية –بما فيها جيش الإسلام- بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في موضوع اختطاف الناشطين، وكُلّف حينها السيد أحمد طه أبو صبحي بترأس هذه اللجنة (ومعروف للجميع موقف السيد أحمد طه من جيش الإسلام ومدى عدائه له). وفي نتيجة التحقيق، أشار رئيس اللجنة لعدم توصل اللجنة إلى أية نتيجة وعدم ثبوت التهمة بحق أي جهة، وقال على حسابه على فيسبوك ما معناه: لم نتوصل لأيّة معلومة تحدد المكان والجهة الخاطفة.

مرفق رقم (5). 2. رغم كون جيش الإسلام ليس جهة قضائية، إلا أنه قام بتشكيل لجنة تحقيق تتبع للاستخبارات العسكرية في الجيش، وقامت اللجنة بعملها في التحقيق في القضية باذلة مجهوداً كبيراً في ذلك، واستجوبت عدداً كبيراً من الأشخاص، كما أن كل من أحيل لها –وفقاً لاختصاصها العسكري- تم استجوابه والتحقيق معه عن قضية الخطف، بما في ذلك عناصر من داعش وغيرها وخلايا تابعة للنظام.  وقد توصلت اللجنة لبعض النقاط، لكنها لم تكن كافية بالمحصلة لمعرفة مرتكب الجرم بالاستناد إلى أدلة قوية معتبرة قانوناً.

المطلب الأول: ملابسات جريمة الخطف:

6-1-1 في الواقعة:  في يوم 9/12/2013 م قامت مجموعة مسلحة باقتحام “مركز توثيق الانتهاكات في سورية”، والكائن بوسط مدينة دوما بجانب المصرف، وقامت بخطف كل الناشطين الموجودين بالمكتب وهم: · المحامية رزان زيتونة (مديرةالمركز). · المحامي ناظم حمادي. · الناشطة سميرة الخليل (زوجةالمعارض والكاتب ياسين الحاج صالح). · المهندس وائل الحمادة (زوج السيدة رزان زيتونة). كما قامت بسرقة حواسيبهم المحمولة والملفات والوثائق العائدة لمركز توثيق الانتهاكات والتي أعده االناشطون أثناء عملهم. وقد حصلت الجريمة في غفلة من أهل المدينة ودون أن يلحظ أحد من الجوار أيّ حركة أو أصوات تكون مرافقة عادة لهذاالنوع من الحوادث، خاصة أن المخطوفين هم مجموعة وليسوا واحداً.

6-1-2 ما أشارت إليه التحقيقات الأولية: وفقًا للتحقيقات الأولية ولأقوال الجوار لوحظ ما يلي: · قيام الخاطفين إضافة لفعل الخطف بسرقة حواسيب المخطوفين والملفات والوثائق العائدة لمركز توثيق الانتهاكات. · لم يلحظ حينها حركةسيارات أو دراجات نارية ولم تُسمع أصوات تشير لذلك. · لم يسمع أحد من الجوار صوت استغاثة من المخطوفين أو أصواتاً للخاطفين. · تم دخول المكتب بصورة طبيعية دون خلع القفل أو كسر باب المكتب.

6-1-3 مناقشة دلالات ونتائج التحقيقات الأولية: سرقة حواسيب وملفات ووثائق المخطوفين والمعدّة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان تشير بشكل واضح لدافع الجريمة وهو التخلص من الناشطين بصفتهم الحقوقية، والإجهاز على الأدلة والوثائق والتحقيقات التي تثبت تورط بعض الجهات في انتهاكات حقوق الانسان.

  • عدم سماع أصوات سيارات أو آليات عائدة للخاطفين أثناءحادثة الخطف تشير إلى إحدى فرضيتين: § الفرضية الأولى: أن الجهة الخاطفة جهة قريبة جداً من مكتب المخطوفين، ولم تستعمل آليات نقل في الخطف. § الفرضية الثانية: أن الجهة الخاطفة اتبعت أسلوباً احترافياً في تنفيذها لعملية الخطف، بحيث استطاعت تفادي إصدار أي صوت قد يثير الانتباه ويكشف عملية الخطف .
  • عدم سماع أصوت تعود للخاطفين ودخول المكتب دون كسر الباب أو خلعه، قد يفسَّر بـ: § أن الجهة الخاطفة جهة معروفة للمخطوفين وتربطها بها علاقات جيدة، بحيث سُمح لها بالدخول دون أيّة ريبة، وهذا ما ساعدها على تنفيذ عمليتها بهدوء ودون إحداث جلَبة قد تلفت نظر الناس أو الجوار. § أو يعود بنا للفرضية المذكورة آنفاً والتي تشير إلى احترافية الجهة الخاطفة، وامتلاكها لإمكانيّات وأجهزة لاتملكها إلا الدول عادة.

المطلب الثاني: أدلة اتهام جيش الإسلام بجرم الخطف: إنّ كافة الاتهامات الموجهة لجيش الإسلام لم تقم على أدلة، بل أتت بالاستناد لتحليلات قائمة على طبيعة عمل المخطوفين، ووفقاً لمبدأ التحرّي عن صاحب المصلحة من عملية الاختطاف.   كما أنها جاءت على سبيل التحليل والافتراض، وبناءً على أقوال منسوبة لأشخاص مجهولي الهوية، وكانت تفتقد إلى الوثائق والإثباتات المطلوبة، مما أفقدها أي قوة قانونية يمكن البناء عليها بالاتهام، وجعلها تخالف أبسط القواعد القانونية المعمول بها في الإثبات، حيث تنصّ كافة القوانين والشرائع المعمول بها على ضرورة توفر أدلة أوقرائن أو شهودأ واعتراف صادر عن المتهم كوسائل إثبات لإسناد الجرم إلى المتهم، وإلا تحوّلت هذه الاتهامات إلى ادعاءات كيدية وافتراءات.

ومن اليسير تفنيد كل هذه الادعاءات ودحضها، لكونها جاءت بعيدة عن الواقع، ويجافيها المنطق، وهي ضعيفة في بناءالحجة ومفتقرة إلى الأدلة المعتبرة في الاتهام بما يكفي لإثبات وهنها وتفنيد مخرجاتها. وفيما يلي، سنستعرض هذه الأدلة ونناقشها مناقشة قانونية: 6-2-1 قضية الشاذلي ومناقشتها: اعتمدت الجهات المتهمة لجيش الإسلام على حادثة تعرض المدعو حسين الشاذلي للناشطة رزان زيتونة، وعدّته دليل اتهام بحق الجيش، وذلك لكون حسين الشاذلي قام بالتعرض والإساءة كلامياً للناشطة رزان زيتونة بحجة عدم ارتدائها اللباس الشرعي، وقد عُدّذلك بمثابة دليل اتهام للجيش بجريمة الخطف.

  • تناست تلك الجهات أن المدعو الشاذلي-خلافاً للدعاوى الت يتداولها بعضهم-لا يتبع لجيش الإسلام وليس من عناصره، وهذا معروف لجميع من في الغوطة، فقد كان الشاذلي ضابطأ من في لواءشهداءدوما، ثم أصبح ضابط أمن الغوطة التابع للمجلس العسكري، وليس له أي ارتباط بجيش الإسلام. ومما يؤكد ذلك ان المدعو حسين الشاذلي (أبو عبدالله) قد وقع على البيان الصادر عن فصائل الغوطة بخصوص هذه القضية بصفته ضابط أمن الغوطة وبشكل مستقل عن توقيع ممثل جيش الإسلام. · ماقام به الشاذلي وما أطلقه من تهديدات كان دون طلب أو توجيه من أحد، وليس لجيش الإسلام أي علاقة بما فعل.
  • دافع الشاذلي كان لباس الناشطة ولم يكن عملها الحقوقي، وهذا كفيل بإثبات أن ما فعله كان عرضياً، ولا يمكن ربطه بحادثة الخطف، لاختلاف الدافع بين الحادثتين.
  • لو افترضنا أن المدعو الشاذلي عاد بعد فعلته وارتكب فعل الخطف لكونه مستاءً من لباس الناشطة ومظهرها العام، فلا يمكننا تفسير سرقته الحواسيب والملفات الحقوقية.
  • تتناسى الجهات المتهمة للجيش أن الشاذلي قد عوقب لفعلته، وحُكم عليه بالسجن لمدة ثلاثة أشهر مع تعهّده بعدم التعرّض للناشطة بأي شكل من الأشكال، وقد حاكمه القضاء الموحد المستقل (الذي كان يرأسه أبو سليمان طفور وقتها) دون أي اعتراض أو احتجاج على الحكم القضائي من قبَل أي شخصية أو جهة معتبرة في الغوطة. · الشاذلي نفسه نفى علاقته بحادثة الخطف، حيث كان من الموقعين على البيان الذي وقّعت عليه كل فصائل الغوطة بعدم مسؤوليتها عن قضية الناشطة رزان، وكان توقيعه في البند 13 باسم ضابط أمن الغوطة الشرقية. (في البند13من البيان باسم ضابط أمن الغوطة الشرقية أبو عبدالله الشاذلي). هذه الأمور تؤكد أن حادثة الاعتداء اللفظي كانت مجرد حادثة شخصية، ولايمكن ربطها بحادثة الخطف أوالبناء عليها أصلاً، فضلاً عن جعلها دليلاً لإدانة جيش الإسلام بجرم الخطف.

6-2-2 اتهامات ياسين الحاج صالح ومناقشتها: قام الكاتب ياسين الحاج صالح بتوجيه التهمة في خطف زوجته سميرةالخليل ورفاقها إلى جيشالإسلام، تلميحاً أحياناً وتصريحاً أحياناً أخرى، وقد ذكر ذلك في عدة مقالات ومقابلات متلفزة. إنّنا نتفهم مدى لوعته وحزنه على زوجته وأصدقائه، ونتعاطف معه في ذلك، إلا أنّنا نلحظ عليه ونستهجن منه عدم موضوعيّته، وإلقاءه التهم جزافاً دون تروٍّ أو تثبّت، كما أنّنا نتفهّم موقفه تجاهنا وتجاه منهجنا، لكنّنا ندين إقحامه لهذا الخلاف الفكري في القضية الجنائية. وإيمانا منّا بضرورة توضيح القضية وكشف الغموض واللبس فيما طرح من نقاط في اتهامه لنا، ولكونه يعدّ بمثابة المدّعي الشخصي في هذه القضية لكونه زوج إحدى المخطوفات، فلا بد من التعاطي مع ما يدعيه بعين متأنيّة وتفصيلية، للوصول إلى الحقيقة والوقوف على حيثيات القضية بموضوعية تساهم في إظهار الحقائق.

سرد الاتهامات: · ذكر الأستاذ ياسين الحاج صالح أن عنده معلومات قطعية وليست تخمينات تشير إلى الجهة الخاطفة أو منظّمةالخطف، حيث قال حرفياً في مقال له بعنوان  “تسعةأشهر” نُشِر على موقع الجمهورية: “فإننا نعلم علم اليقين من هي الجهة الخاطفة أو مُنظِّمةالخطف، ونعلم عند مَن أجهزة الكمبيوتر الخاصة بالأربعة،ونعرف بالاسم الشخص الذي دخل على كمبيوترات سميرة ورزان ووائل وناظم، ونعلم يقيناً أنه مقرّب من قائد ميليشيا نافذة في دوما والمنطقة، وأنه أغلق صفحته على فيسبوك حين علم أننا علمنا بأمره. وكان قدجرى إبلاغ قائد الميليشيا المعنية شخصياً بالأمر، فكان أن تستّر على تابعه بدل أن يبادر فوراً إلى كشف الحقيقة وتحرير المخطوفين. هذه معلومات قطعية، وليست تخمينات”.

  • صرّح باتهامه لجيش الإسلام، حيث جاء في مقال له تحت عنوان “سميرة” على موقع الحوار المتمدن بتاريخ 21/1/2014م: “كان تحت سيطرة جيش الإسلام بقيادة زهران علوش، المشتبه به الرئيس في اختطافها أو تسهيل الاختطاف”. ويقصد هنا سجن النساء في دوما وفقا لماجاء في المقالة.
  • كما ورد على لسانه في مقال آخر في ذات الموقع بتاريخ 11/6/2016 م وتحت عنوان “سميرة ورزان ووائل وناظم،عامان ونصف من الغياب” قوله: “لكن وقع اختطاف المرأتين والرجل وتغييبهن على يد “جيش الإسلام” الذي كان أخذ يشغل في دوما موقع الدولة الأسدية”.
  • يدّعي الأستاذ حاج صالح أن هناك تقصيراً من جيش الإسلام بعدم إجراءه تحقيقاً بخصوص القضية، وهذاالتقصير –بحسب الحاج صالح- دليل اتهام بحق الجيش، حيث يقول في مقالته (تسعةأشهر) أيضاً: “فإن معلوماتنا الأكيدة أنه لم يجرِ وقت الاختطاف وطوال شهور بعده أيّ تحقيق في جريمةالخطف، ولم يُبدِ التشكيل المومأ إليه، وهو سلطة الأمر الواقع النافذة في دوما، أيّ اهتمام بالواقعة، ولم يجرِ تفحص المكتب الذي اختُطف منه الأربعة، ولم يتم جمع أية أدلة”.

مناقشة الاتهامات: بالعودة لمقالة الحاج صالح الأولى على موقع الجمهورية، نجد أنه يجزم وبعلم يقيني معرفته بمن قام بالخطف، مستنداً في اتهامه على زعمه أن الحواسيب الخاصة بالمخطوفين والمسروقة أثناء عملية الخطف قد أنشئ منها حسابات فيسبوك وسكايب تعود       لعناصر من جيش الإسلام، وأن حسابات المخطوفين على هذه الأجهزة قد تم فتحها من قبَل هؤلاء العناصر. وهنا لابد لنا من الإشارة إلى أن قيادة الجيش قد بحثت في هذه الحيثية واستفسرت عنها، ولم يتبيّن لها أي شيء يؤكد ما ذهب إليه الحاج صالح في اتهامه، وبقيت أقواله ضمن إطار الادعاءات. ونحن نحبّذ لو تم تزويد قيادة الجيش بما وصفه الحاج صالح أنه تأكيدات وأدلة يقينية، فإن لم يكن، فقد كان بإمكانه تقديم هذه الأدلة للجهات التي أنيط بها مهمة التحقيق في القضية، بدلاً من إلقائها على الإعلام خالية من أي مستندات أو دليل مادي ملموسة. إن خلو دعوى الحاج صالح من ذكر أسماء بعينها، ومن عرض الوثائق الرسمية المعتبرة قانوناً والصادرة عن الشركات التي يُدّعى أنها زوّدته بالمعلومات لإثباتها، يُبقي كلامه في حقل الدعاوى المجرّدة، ويجعل من الدعوى مجرد أقوال وافتراضات غير موثقة، ولايرقى بها لتكون دليلاً يمكن الاعتماد عليه في النظر القانوني. أمّا ادعاء الحاج صالح حول تقصير جيش الإسلام في التحقيق، فمن المعروف لكل من في الغوطة أن هذا الكلام مجافٍ للحقيقة، فالفصائل الموجودة في الغوطة كلّفت السيد أحمد طه أبو صبحي بترؤس لجنة للتحقيق في القضية، وقدجرى الإشارة سابقاً إلى اللجنة ومخرجاتها.

6-2-3 الاتهام بدعوى أن جيش الإسلام هو من يسيطر على الغوطة: تم تحميل المسؤولية لجيش الإسلام أخلاقياً وإنسانياً لكونه المسيطر على الغوطة كما تزعم بعض الادّعاءات، وأن كلما يجري في الغوطة يجري بعلم جيش الإسلام ورضاه، وأنه يُعدّ سلطة الأمر الواقع في الغوطة. بل أكثر من ذلك فقد قام ياسين الحاج صالح وجهات أخرى بتوجيه اتهام مباشر للجيش بناء على هذه الفرضية. إن هذه الفرضية –على افتراض صحّتها- لا يمكن الاعتماد عليها كدليل للتجريم من دون أن يتم تدعيمها بأدلة قوية تصلح في الاتهام.

وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض النقاط في هذه الجزئية:

  • إن هذه الفرضية لو كانت كافية للاتهام، لتم اتهام أقوى دول العالم وأكثرها تنظيماً وأماناً بحوادث حدثت على أراضيها من قبَل أشخاص استطاعوا اختراقها وتنفيذ أعمال إجرامية على أراضيها. · إن جيش الإسلام نفسه طالته بعض الجرائم ولم يستطع منعها، وفي بعضها لم يستطع حتى معرفة الفاعل، حيث تعرّض العديد من عناصره لعمليات اغتيال أو محاولات اغتيال أو أسر، ومن ذلك: § اغتيال نبيل عدس، والذي كان يترأس مكتب تأمين المنشقين، وهو الذي ساعد الناشطة رزان زيتونة حين دخولها إلى دوما كما سبق ذكره، وقد قتل على يد داعش. § احتجاز عناصر تابعة لجيش الإسلام لدى جهات داخل الغوطة مثل: أبو علي ميّاسة، وأبو خالد إسلام،وغيرهم. § اغتيال قائد عمليات جيش الإسلام في الغوطة الشرقية أبو الخطاب الديري، وكذلك أبو اغتيال محمد هارون برصاصة في الرأس. § محاولة اغتيال أبو النور طبرنين قائداللواء الثالث في جوبر. § مؤخراً اغتيال أبو ممدوح العسس. § أول محاولة اغتيال عرفتها الغوطة الشرقية هي محاولة اغتيال أبو نعمان دلوان الشرعي في جيش الإسلام، حيث تم إلصاق عبوة ناسفة بسيارته، ولكن تم العثورعليها وتفكيكها قبل انفجارها، مع العلم أنها كانت معدة بطريقة احترافية.
  • من جهة أخرى ليس صحيحاً أن جيش الإسلام وحده من يسيطر على الغوطة. هناك فصائل قوية عديدة وجهات متناحرة مع جيش الإسلام تعمل في دوما ولها مقرات فيها. · من يعرف موقع جريمة الخطف يعرف أن هناك عدداً من مقرّات الفصائل المحيطة بمركز التوثيق، ليس من بينها جيش الإسلام الذي يبعد أقرب مقرّاته حوالي 500 متر عن المكتب: § مقر أسود الله أحد مكوّنات فيلق الرحمن يبعد 25 متراً عن المكتب. § مقر اسودالغوطة يبعدحوالي 124 متراًعن المكتب. § مقر جبهة النصرة يبعد حوالي 85 متراً عن المكتب. مرفق رقم (6): صورة توضيحية لموقع مكتب المخطوفين والمقرات القريبة من المكتب. ولو كان لجيش الإسلام يد في الاختطاف لكانت الفصائل التي لها مقرات مجاورة للمكتب علمت بعملية الاختطاف، ولكان تسرّبت تلك المعلومات في وقت لاحق على الأقل. · وجود داعش وكثرة خلاياها في ذلك الوقت ينقض دعوى السيطرة الكاملة من أساسها.

6-2-4 دعاوى أخرى: أ‌. دعوى أن هناك امرأة شاهدت السيدة رزان زيتونة في سجن تابع لجيش الإسلام: جاءت هذه الدعوى منسوبة إلى مجهول، فهذه المرأة غير معروفة، ولم يذكر أحد اسمها. فهي مجرّد ادعاءات وأقوال تهدف لإلباس التهمة لجيش الإسلام وبأيّ طريقة دون أن يكون لها أيّ وجه قانوني تصلح به للاتهام. هذا فضلاً عن احتمالية توظيف بعض الشخصيات من قبَل بعض الجهات التي تريد الإضرار بجيش الإسلام ولو باتهامه بما هو منه بريء.

ب‌. دعوى أنه قد تم تصوير السيارة التي تمت بواسطتها عمليةالخطف بالأقمار الصناعية: وهي كسابقاتها دعوى لابرهان عليها. لم يُظهر المدّعون أي تصوير يثبت ما يقولون، ولم يثبتوا نسبة التصوير إلى الجهة الرسمية التي يُدّعى أنها زودتهم بالتصوير، فضلاً عن طريقة استنتاجهم من التصوير المزعوم على اتهام جيش الإسلام بالجريمة.

الفصل السابع

أدلة نفي التهمة وإثبات براءة جيش الإسلام من جريمة خطف ناشطي دوما

إثباتاً لانقطاع علاقة جيش الإسلام بحادثة الخطف فإننا نؤكد أن كل ما أثير من اتهامات بحقه يعوزها الدليل الحقيقي الذي يرقى لمرتبة دليل اتهام،ولا يمكننا الاعتماد على أقوال وأشخاص وهميين وادعاءات مجردة في اتهام أي جهة كانت. وطالما أن الأصل هو براءة المتهم مالم تقم أدلة قوية معتبرة قانوناً في الاتهام وفقاً لما استقر عليه العرف والاجتهاد القضائي والمعمول به قانوناً في كل المؤسسات القضائية، فإن الجيش بريء وليس له أيّ علاقة بحادثة الخطف، ولايمكن اتهامه بناءًعلى ادعاءات وافتراءات مفتقدة لأدلّة معتبرة قانوناً.

كما نذكركم بالنقاط التالية، والتي تدحض كل الاتهامات الهشة بحق الجيش : 7-1 تاريخ الجيش وشهادة أصحاب الاتهامات: إن تاريخ جيش الإسلام وسيرته في المناطق المحررة تؤكد وقوفه الدائم مع الناشطين الثوريين والمعارضين المدنيّين،وتؤكد حقيقة إفساحه المجال للعمل المدني على كافة الأصعدة والمجالات. كما أن المجالس المحلية المدنية والهيئات الأخرى تعمل باستقلاليّة تامة، وهو أمر تتفوق به مدينة دوما على كثير من المناطق المحررة الأخرى. وقد كان الناشطون المخطوفون يمارسون نشاطهم الحقوقي في توثيق انتهاكات وجرائم نظام الأسد وغيره بحق المدنيين في الغوطة الشرقية بكامل حريتهم، ولم يثبت تعرض جيش الإسلام لهم أو توجيهه أي تنبيه أو لوم نتيجة عملهم. وهذا مايدحض أي افتراض بمعارضة جيش الإسلام لنشاط المركز الحقوقي، والذي بُنيتعليه تهمة الاختطاف. وهذا الأمر يقرّ به حتى الأستاذ ياسين الحاج صالح أحد أبرز المتهمين لجيش الإسلام، إذ يقول في مقالة له على موقع الحوار المتمدن بتاريخ 28/5/2014م: “ولم يكن يخيل للأربعة أنهم سيتعرضون إلى اعتداء كهذا، ولم يجر إخطارهم في أي وقت من طرف جهة عامة أو ما يعادلها في المنطقة بأنهم يرتكبون مخالفة أو ينتهكون قاعدة معلومة مقررة”.رابط المقال على موقع الحوار المتمدن. أي انه لم يسبق لأي جهة من الجهات العامة في الغوطة أن تذمرت من نشاط السيدة رزان ومن معها بمكتب التوثيق، وبدليل لم يخطرهم أي منها بذلك أو يشير إليهم بارتكاب مخالفة ما. ولو كان هناك من منزعج من نشاط المخطوفين لكان عليه أن يعلمهم ويحذرهم وليس أن يخطفهم مباشرة دون سابق تحذير.

7-2 البيان المشترك: إلى أن يقوم دليل حقيقي على الاتهام، فإن الأصل هو البراءة في جميع المتّهمين. خصوصاً الـ(15) فصيلاً التي وقّعت على البيان المشترك بتاريخ 15/12/2013 م والذي صدر بتاريخ 18/12/2013م، حيث أكدت الفصائل أنه ليس لها أية علاقة بخطف الناشطة رزان زيتونة ورفاقها، وبما حدث من انتهاكات أخرى في الغوطةالشرقية. وقد كان جيش الإسلام أحد هذه الفصائل الموقّعة، وقد صدر البيان بعد عدّة أيام من حادثة الاختطاف.

شبهة ودحضها: أحد الفصائل الموقّعة على البيان (جبهةالنصرة ) لم تكن صادقة فيما وقّعت عليه. حيث أعلنت النصرة بتوقيعها على البيان عدم مسؤوليتها عن اختفاء الدكتور أحمد البقاعي، بينما ظهر عدم صدق ذلك فيما بعد، إذ تم إطلاق سراح الدكتور البقاعي بعد هذا البيان بحوالي شهر من سجن يتبع لجبهة النصرة. محاولة إسقاط البيان بأكمله وتجاهله والتقليل من مصداقية كافة الفصائل الموقّعة بسبب هذا الأمر هي محاولة غير ناجحة، فإن كلّ جهة موقّعة مسؤولةٌ عن مصداقية ما وقعت عليه تبعاً للمسؤولية الشخصية لكل جهة، وليس ضعف المصداقية لدى أحد الأطراف بقادحٍ في مصداقية بقية الأطراف الموقّعة.

مرفق رقم (7):صورة عن البيان المشترك بتاريخ 18/12/2013 م

7-3 السؤال الكبير: يبقى السؤال الكبير الذي غفل عنه الكثيرون هو: · هل يعقل وبعد مرور ما يقارب الثلاث سنوات على حادثة الخطف، عدم رشوح أي دليل أو معلومة عن حادثة الاختطاف؟! · وكيف لجهة-أيّاً كانت-من الفصائل الثورية أن تملك تلك الاحترافية والدقة والتنظيم لإخفاء مثل هذه الجريمة طوال هذه المدة؟! · ألم تكن الخلافات التي حدثت بين بعض الفصائل في وقت لاحق دافعاً لبعضها لتسريب أيّ معلومة تملكها عن حادثة الخطف في سبيل الانتقام ممن اختلفت معه، لو كان شيء من ذلك موجوداً؟! إلا إذا قلنا إن عدم امتلاك أيّ جهة من الجهات العاملة في الغوطة لمعلومات تفيد في معرفة الجهة الخاطفة يشير إلى أن من قام بعملية الاختطاف هي جهة من خارج الغوطة، وتملك من التنظيم والأجهزة ما يسمح لها بالقيام بعملية كهذه دون أن تترك وراءها أدلة تدينها، ولديها من الإمكانيات ما يسمح لها بإخفاء المختطفين بهذه الاحترافية.ولا توجد جهة لها مصلحة وإمكانيات كب رى تقوم بهذاالعمل بهذه الاحترافية أفضل من النظام الأسدي.   7-4 إغفال اتهام الجهات الأخرى رغم توفّر القرائن: لا يوجد تفسير من وجهة نظر جنائية يوضّح سبب التركيز على اتهام جيش الإسلام وإغفال باقي الجهات، رغم ما توفر بحقها من قرائن قد تشير إلى تورطها بجرم الخطف، إلا اذا قلنا إن الاتهام كان مبنياً على اعتبارات سياسية!

ومن القرائن التي تم إغفالها والتي تشير إلى اتهام جهات غير جيش الإسلام، ما يلي:

  • ملابسات الجريمة والتي تثبت أنها تمت باحترافيةكبيرة وباستخدام إمكانيات لا تمتلكهاإلا الدول، وهذا يقوّي وجهة النظرة القائمة على اتهام النظام الأسدي بالجريمة.
  • وجودالعديد من الفصائل غير جيش الإسلام مقراتها بالقرب من مكتب المخطوفين وفقاً لما بيّناه في الفصلين الخامس والسادس. فإن أخذنا بعينا لاعتبار ملابسات الجريمة وعدم سماع أصوات سيارات وقت الحادثة، فمن البديهي التفكير بالجهات التي تمتلك مقرات قريبة من مكتب المخطوفين.
  • حادثة التهديد بالقتل من قبَل المدعو “أبو علي خبية”أحد قادة جيش الأمة المعروف سابقاً بـ “لواءشهداءدوما” وفقاً لما تم ذكره في الفصل الخامس. والعجيب، أن يتم الاعتماد على حادثةالشاذلي رغم كونه ليس من عناصرالجيش ولم يُهدّد بالقتل، ويتم تجاهل حادثة خبيّة ولا يبنى عليها أي اتهام بحقه وحق من يتبع له. · وجودعناصر تابعة لفصيل “لواء شهداء دوما”كانت تتردد بشكل يومي إلى مكتب المخطوفين. أكثر هؤلاء ترداداً على المكتب هو المدعو أبو عمار خبيّة (الملقب باليهودي). أبو عمّار كان قد خصّص عدداً من عناصره لحماية المكتب، وبعدحادثة الاختطاف بمدة يسيرة تم اغتيال أبي عمار خبيةالملقب باليهودي في ظروف غامضة ولا يعلم أحد من اغتاله حتى الآن! تجدر الإشارة إلى أن المدعو أبو عمار خبيّة كان حينها على علاقة قوية جداً بداعش، وكان المدعو “بشير خبيّةأبوالخير”مبايعاً لداعش، وأسس لهم في مدينة دوما منظمةإغاثية للتغطيةعلى تجنيدالعناصرفي صفوف داعش، وقد بايع داعشَ عددٌ كبير من آل خبيّة ممن انتسبوا لفصيل “لواء شهداءدوما”، وقدتم اكتشاف ذاتياتهم عند داعش عندما تم تطهيرالغوطة من داعش.

الفصل الثامن كيف كان موقف الجيش من حادثة خطف كادر مركز توثيق الانتهاكات

أكّد لجيش الإسلام بكل قياداته ومؤسساته- وفوروقوع حادثة الخطف-على عدم علاقته بجرم الخطف، وأدان هذا الفعل في أكثر من مناسبة:

8-1 بيان بتاريخ  12/12/2013 م: صدر عن نائب قائدجيش الإسلام بتاريخ 12/12/2013 م بيان دعا فيه جميع المكاتب السياسية والعسكرية بالغوطة إلى أن يكونوا على قدر من المسؤولية إزاء الأحداث التي تحصل في الغوطة كحادثة رزان زيتونة وأحمد البقاعي وغيرها.

مرفق رقم (8): صورة عن البيان

8-2 بيان بتاريخ 15/12/2014 م: صدر عن جيش الإسلام بيان يشير لإدانته للفعل وعدم علاقته به، وجاء فيه: “إن مجلس القيادة يؤكد أنه لا علاقة لجيش الإسلام باختفاء الناشطة رزان زيتونة ورفاقها (وائل الحمادة وناظم حمادي وسميرةالخليل)، وقد قامت قيادة جيش الإسلام بواجبها في البحث عن منفذي هذا العمل، وقدمت ولا زالت كلما تستطيع من أجل كشف الحقيقة”.

مرفق رقم (9): بيان رقم (242) تاريخ 15-12-2014 م

8-3 اللقاءات المرئية: أكّد القائد العام السابق لجيش الإسلام الشيخ زهران علوش، وكذلك الناطق الرسمي السابق باسم الجيش النقيب إسلام علوش، وغيرهما عدم علاقة جيش الإسلام بجريمة خطف الناشطين، ونفوا ذلك بشكل واضح في العديد من اللقاءات المرئية التي بُثّت عبر القنوات الفضائية وغيرها.

8-4 تأكيد التعاون مع لجنة التحقيق: أكد جيش الإسلام تعاونه مع اللجنة المشكلة للتحقيق بحادثة الاختطاف. ولم يكن ذلك من منطلق نفي التهمة عنه، بل كان من منطلق خوفه وحرصه على سلامة الناشطين واهتمامه بمصيرهم والمساعدة على تحريرهم. 8-5 التوقيع على البيان المشترك: وقع جيش الإسلام على البيان المشترك للفصائل العاملة في الغوطة الشرقية، وقد سبقت الإشارة إليه سابقاً. وخلاصة القول أن كل ما صدر من اتهامات بحق جيش الإسلام كانت مجرد ادعاءات يعوزها الدليل، وتعتريها مشوبة مغالطة الواقع، وتفتقد للأدلة الدامغة والمعتبرة قانوناً في الاتهام، وخاصة في اتهام فصيل ثوري من أهم الفصائل العاملة على الأرض السورية.

.      الفصل التاسع الموقف الرسمي للجيش من حادثة اختطاف رزان زيتونة ورفاقها

ونحن هنا في جيش الإسلام نؤكد على النقاط التالية : 8-1 لم يصدر أي أمر أو توجيه من قيادة جيش الإسلام بالتعرض لكادر مركز توثيق الانتهاكات (رزان زيتونة، سميرةالخليل، وائل الحمادة، ناظم حمادي ).

8-2 ندين بشدة هذا العمل الجبان ونستنكره

8-3 نؤكد ضرورة الكشف عن مصير المخطوفين ومعرفة ملابسات القضية.

8-4 نشير إلى ما بذلناه من جهد في سبيل معرفة مصير المخطوفين، وتعاوننا مع الجهات التي كانت تباشر عملية التحقيق في قضية الخطف، وإننا لن نبخل عن بذل أي جهد يساعد في كشف ملابسات القضية أو يسمح بمعرفة مصير المخطوفين.

8-5 نطالب كل من يصدر الاتهامات جزافاً بالتروي والتسلح بالمنطق والعقل لكشف ملابسات القضية.

 

| الفصل العاشر

المرفقات                      مرفق رقم (1): صورة لياسين الحاج صالح بأحد مقرات جيش الإسلام

مرفق رقم (2):منشور ياسين الحاج صالح في كانون الأول 2013

مرفق رقم (3): منشور الحاج صالح بتاريخ …..

مرفق رقم (4): العبارات المستخدمة من قبل الخاطفين

مرفق رقم (5): صورة كلام رئيس اللجنة التحقيق أحمد طه على صفحته على فيسبوك عودة للأعلى

مرفق رقم (6): صورة توضح توزع المقرات العسكرية بالنسبة لمكتب رزان زيتونة عودة للأعلى

مرفق رقم (7): صورة عن البيان المشترك لفصائل الغوطة

مرفق رقم (8): صورة عن البيان رقم/ 242/ الصادر عن قيادة جيش الإسلام

مرفق رقم(9): صورة عن البيان الصادر عن نائب قائد جيش الإسلام

انتهى

عن صفحة ياسين الحاج صالح في الفيس بوك

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى