تقرير رابطة الكتاب السوريين – تحت التأسيس – بيانات ومقالات
«رابطة» الحرية
عبده وازن
كان لا بدّ من تأسيس «رابطة الكتاب السوريين الأحرار» التي أعلنت أخيراً في المنفى وضمت أسماء كثيرة تقيم في الداخل. هذه الرابطة كان من المنتظر أن تعلن سابقاً، قبل عقود، أيام كان علي عقلة عرسان يهيمن على اتحاد الكتاب السوريين وعلى اتحادات أخرى وفي مقدّمها اتحاد الكتاب اللبنانيين بـ«تفويض» مباشر من حزب البعث الحاكم بغية ترسيخ مقولة «الصمود والتصدي» وصون وحدة المسار من أي انجراف أو انحراف.
كان لا بدّ من انطلاق هذه الرابطة التي تمثل حاجة ملحّة للكتّاب السوريين، المقيمين والمنفيين، وحافزاً لهم للخروج من ربقة النظام والتخلص من آثار حزب البعث ورموزه والتمرد على الخطاب «التعبوي» الذي أتقن عرسان وفرسانه ترداده طوال عقود. وكم بدا كتّاب الداخل جريئين في انضمامهم إلى هذه الرابطة وفي كسرهم جدار الخوف الذي واجهوه أعواماً طويلة. وهؤلاء لم يبق في مقدورهم أن يظلّوا صامتين حيال ما يحصل من مجازر ومآثم، وكان بعضهم عمد أصلاً إلى الكتابة الجريئة و «السافرة» غير آبه لما قد تؤول إليه من توقيف أو تحقيق وسجن وتعذيب…
لا تزال الرابطة في خطوتها الأولى، وقد تواجه عوائق جمّة وصعوبات، نظراً إلى افتقارها إلى «المكان» وإلى اللقاء خارج المواقع الإلكترونية والتحاور والتناقش… لكنها بادرة مهمة تعيد إلى الكتّاب السوريين «اتحادهم» الذي سيطر عليه الحزب الواحد وتعيدهم إلى الاتحاد الذي يحتاج إليهم بعدما بلغ شأوه ذلاً وانحطاطاً وتآمراً.
ولم يكن إقبال الكتّاب السوريين على الانضمام إلى هذه الرابطة إلا دليلاً على إيمان هؤلاء بضرورتها الآن، فهي يمكنها أن تصبح حيزاً حراً لهم يلتقون فيه ويتحاورون، موحّدين جهودهم في حركة جماعية، ومواجهين حال الشتات، في الخارج والداخل.
كان الكتّاب السوريون يحتاجون الى مثل هذه الرابطة الحرة، بعدما فقد اتحاد الكتّاب شرعيته الأدبية قبل أعوام وأضحى جهازاً تتحكم به أيدٍ خفية وتفرض على أعضائه توقيع البيانات، من غير نقاش أو اعتراض. وقد تمادى هذا الاتحاد في اعتماد فعل التخوين وعزل الكتّاب غير «المدعومين»، ممارساً سلطة موازية للسلطة الرسمية. و قد تغاضى عن المظالم التي تعرّض لها كتّاب كثر ومنها السجن والتعذيب والمنع من السفر… ومع أن أسماء مهمة انضوت تحت لواء هذا الاتحاد، فهي ظلّت مهمّشة ومستبعدة، لا أثر لها ولا وجود. ولم يكن التحاقها بهذا الاتحاد إلا ضمانة تحمي بها نفسها، وملجأ موقتاً يتيح لها القليل من الطمأنينة الأمنية. ولئن شرّع الاتحاد أبواب النشر أمام الكتّاب وبخاصة الشباب منهم، فهو مارس الرقابة بشدة على الأعمال التي تثير حفيظته «الوطنية» والحزبية، فمنع ما منع ورفض ما رفض، من دون حجّة أو مبرر. فالقرار يصدر من فوق، ولا نقاش ولا اعتراض.
لا تزال رابطة الكتّاب السوريين الأحرار في مستهل انطلاقتها، ولا يمكن الآن مطالبتها بما يفوق قدرتها. وأمامها أيام طويلة، لن تخلو من التحديات والصعوبات، لترسّخ نفسها وتصحّح العلاقة بين الكاتب والجماعة التي يُفترض به أن ينتمي إليها، وهذه العلاقة كان أفسدها «اتحاد» علي عقلة عرسان وجعلها علاقة اتباعية وقسرية أو إلزامية. ويكفي هذه الرابطة أن تكون بمثابة مرجع ولو أدبي، يمكن الكتّاب أن يعودوا إليه، ويستعينوا به، لإيصال أصواتهم ورفع احتجاجاتهم واعتراضاتهم. إنها رابطة جماعية، في المعنى الحقيقي للجماعة، الجماعة التي لا يسيطر عليها فرد ولا يذوب فيها الفرد لمصلحة الحزب. الكاتب في هذه الرابطة كاتب، ليس موظفاً ولا رقماً حزبياً ولا مناضلاً رسمياً…
وحسناً فعلت الهيئة التأسيسية للرابطة في فتحها باب الانضواء إليها أمام الكتّاب الفلسطينيين المقيمين في سورية، فهؤلاء يحتاجون فعلاً إلى التخلص من أسر الاتحاد الراهن الذي كثيراً ما منّنهم بمنحه إياهم هذه «الهبة» شرط أن يلتـزموا سـياسته ويعملوا بما تمليه عليهم السلطة العليا.
الحياة
«رابطة الكُتّاب السوريين» وقائع ولادة ممكنة
حلم قديم تجسّد في الدوّامة
تفاوتت المواقف من الهيئة التي تبلورت بتفاعل بين كتّاب من الخارج والداخل. بعضهم يراها بديلاً عن المؤسسة الرسمية، وآخرون محاولة لركوب الموجة
خليل صويلح
دمشق | يستعير مؤسّسو «رابطة الكُتّاب السوريين» التي أُعلن عنها أخيراً، الاسم القديم لأوّل تجمّع أدبي سوري في الخمسينيات. وبذلك، يزيحون جانباً واجهة «اتحاد الكتاب العرب» الذي حلّ مكان الرابطة، بكل ما تحمله هذه المنظمة النقابية من مزايا وآثام. إعلان الرابطة الجديدة أثار ردود فعل متضاربة لجهة توقيتها ومقاصدها، بصرف النظر عن أهمية «ديباجة» البيان التأسيسي في تأصيل «إطار ديموقراطي ومستقل لعموم الكُتّاب السوريين». ذلك أنّ معظم الأسماء التي ضمّتها القائمة المنشورة على موقع الرابطة هم أعضاء في اتحاد الكتاب العرب. وكان الأجدر أن يعلن هؤلاء انسحابهم من عضوية الاتحاد، ثم الانتساب إلى الرابطة كي لا يطالهم وصف «شهود زور» الوارد في البيان التأسيسي، ولو طلب ذلك التخلّي عن المكاسب المالية التي يمنحها الاتحاد (الرسمي) لأعضائه… سؤال يطرحه الروائي عمر قدور الذي يفكّر في الانسحاب من «الرابطة» الوليدة بعد إعلان انتسابه إليها، بسبب «غياب الشفافية وأسس العمل الجديّة».
ويضيف: «لا أصدّق كاتباً يضع قدماً هنا وقدماً هناك، هذه انتهازية». وهو بذلك يلتقي مع موقف الشاعرة السورية المقيمة في باريس عائشة أرناؤوط التي انسحبت من عضوية الاتحاد في رسالة وجهتها إلى الرابطة، تعبيراً عن إيمانها بالثورة السورية، وانتقالها من «مؤسسات الخضوع إلى مؤسسات الحرية بعد نصف قرن من حكم الطغاة، والتلذذ بالخنوع لتعليمات الآلة القمعية التي تمثّل خيانة كبرى للدماء الطاهرة» على حدّ قولها.
الروائية سلوى النعيمي تعلّق على ازدواجية مواقف بعض الكتّاب، قائلة: «هؤلاء من الجامعين المانعين الصالحين لكل زمان ومكان». من جهته، يبدي الشاعر شوقي بغدادي حماسة لتأسيس الرابطة «كبديل لعبودية طويلة، طاولت الكاتب السوري في حريته وتهديد أمنه الشخصي بسبب قصيدة مارقة أو رأي فكري»، متناسياً آثام الفترة التي عاشها كعضو في المكتب التنفيذي خلال حقبة علي عقلة عرسان السيّئة الصيت. ويخشى الشاعر علي سفر أن يكون ارتباط برنامج الرابطة بالحراك الدائر في الشارع السوري اليوم، هو انخراط في «حالة إقصائية مشابهة لما يقوم به اتحاد الكتّاب، خصوصاً بإعلانها مناهضة النظام من جهة، وصعوبة إعلان موقف صريح منه بالنسبة إلى كتّاب كُثر في الداخل من جهةٍ ثانية، ما يحوّل هذه المبادرة مغامرةً ضبابية، أو انها تسعى إلى نزع الشرعية عن منظمة الاتحاد أكثر من تكريسها للاستقلالية».
ويختزل الشاعر عادل محمود موقفه من مختلف أنواع المؤسسات بأنها تفتقد النزاهة. أما الشاعر إبراهيم الجرادي الذي خاض انتخابات اتحاد الكتاب في دورته الحالية، وحاز مقعداً في المكتب التنفيذي بصفته مستقلاً، فله رأي آخر. يشير إلى أن «من حق الكتّاب السوريين أن يحققوا ما حرموا منه بسبب السياسة الثقافية الخاطئة، وسيطرة قيم ماضوية في مفاصل عمل الاتحاد. لكن إعلان الرابطة في هذا التوقيت يبدو فعلاً طائشاً، بمحاولة هدم بنيان ثقافي ومهني، أسهم في تكريسه عشرات الكتّاب (الأحرار)». ويوضح: «الادعاء بأن كلّ من ينضوي في عضوية الاتحاد هو كاتب خانع، وكل من هو خارجه بطل إبداعي، يفتقر إلى الصواب (…). الأولى بالرابطة الحرص على أن تكون مستقلة في توجهاتها، وألا تسخّر الإبداع لغايات سياسية، وروح استحواذية، كما هي حال الاتحاد، ولو من موقعٍ مغاير».
ويرى آخرون أن تأسيس رابطة للكتّاب السوريين ضرورة لخلخلة البنى الثقافية الرسمية المتهالكة والمغلقة على مصالح أفرادها، شرط ألا تكون وحدها من يحمل دمغة «الجودة»… هذه الرابطة في جانب من حماسة كاتبي بيانها التأسيسي تظهر كأنها «مقاولة رابحة» بركوبها موجة الثورة السورية. وهذا ما سيفجّر انشقاقات في الوسط الثقافي في التمييز بين «أدباء الداخل» و«أدباء الخارج»، ما دامت الرابطة لن تتمكن من إثبات وجودها الفاعل، أقلّه في هذه الظروف، إضافة إلى نبرة «الاجتثاث» التي تتسرب في بيان الرابطة. قد يطول هذا السجال، وربما ستطوى هذه الصفحة قريباً تحت ثقل بيانات أخرى محمولة على رافعة الثورة من جهة، والأجندات الغامضة من جهةٍ أخرى. يتساءل أحدهم: «وماذا بخصوص «رابطة أدباء الشام» التي أعلنتها قبلاً جماعة الإخوان المسلمين؟». ويجيب: «أليس في هذه الدعوات بداية معركة فكرية تستدرج المثقف السوري إلى متاهاتها، في التوقيت الخاطئ؟».
syrianswa.com
من أجل أن يستعيد المثقف دوره الطليعي
تخلّى المثقفون عن إصدار البيانات ولجأوا إلى الفايسبوك
انقسم المثقفون السوريّون منذ انطلاق الاحتجاحات، وتبادلوا بيانات بلغت حدّ التخوين… ثم اكتفوا للتعبير عن رأيهم بمواقع التواصل الاجتماعي. اليوم يعمل بعضهم على إيجاد حضن
حقيقي للديموقراطية
أنس زرزر
دمشق | مع اندلاع الانتفاضة، تبادل المثقفون السوريون عدداً من البيانات التي عبّرت عن إدانتهم لتعامل النظام مع التظاهرات السلمية. وسبّبت تلك البيانات المتلاحقة حالة من الانقسام، ووصلت الخلافات الناتجة منها إلى حدّ التخوين المتبادل، لكنّها سرعان ما توقفت عن الصدور، ليكتفي أكثر المثقفين بالتعبير عن آرائهم المتناقضة عبر مقالات، أو تعليقات على المواقع الاجتماعيّة.
ومع بداية 2012، أعلن حوالى 110 كتاب ومفكر في الخارج أساساً، والداخل أيضاً، عن تأليف «رابطة الكتاب السوريين». هذه المبادرة ثمرة مباحثات استمرت أشهراً وضمّت شعراء ونقاداً وكتّاباً ومفكّرين من بينهم: نوري الجراح، وحسام الدين محمد، وخلدون الشمعة، وصادق جلال العظم، وياسين الحاج صالح…
الكاتب القصصي والدرامي الشاب الفارس الذهبي كان وما زال ينظر إلى «اتحاد الكتاب العرب» في سوريا بصفته وسيلةً لمصادرة آراء الكتاب: «هذا ما يجعلني أتوجّس أيضاً من إنشاء روابط أو تجمعات مماثلة، تنتهج السياسة نفسها التي كان يفرضها اتحاد الكتاب في سوريا، لكن في الاتجاه المختلف. لذلك أتمنى على القائمين على هذه الرابطة الوليدة أن يوفروا الشروط الحقيقية لحرية الإبداع والرأي، بمعنى أن تحقق الديموقراطية الحقيقية التي ما زلنا نبحث عنها». وتمنى الذهبي أن تضم الرابطة عدداً من الكتاب الموالين للنظام مثلاً، وأن تتاح لهم الفرصة الحقيقية للتعبير عن آرائهم بطريقة حرة. لا يمانع الكاتب السوري الانتساب إلى الرابطة الوليدة «لكننّي سأنتظر قليلاً ريثما تتبلور أفكارها على أرض الواقع. وجلّ ما أخشاه هو وقوعها في مطبّ التسييس، لأن مجمل أهدافها لا يبتعد عن الأحداث الجارية، ولا يمتلك حتى اللحظة استراتيجية واضحة وبعيدة المدى».
الكاتب المسرحي والدرامي عدنان العودة يرى أن الانتفاضة السورية التي دفع الشعب آلاف الشهداء وقوداً لها «هي ضد كل ما هو مؤطر وجاهز، لأنها ليست ثورة على النظام بالمعنى السياسي، بل هي رغبة في تحطيم كل ما هو ثابت ومؤطر مسبقاً، لأن المتظاهرين في الشوارع يريدون الإصلاحات والديموقراطيّة، لا استبدال المؤسسات السابقة بأخرى جديدة تماثلها في الممارسات». واعتبر إنشاء رابطة للكتاب السوريين رد فعل على «اتحاد الكتاب العرب» في هذه الظروف وهذا التوقيت، معبّراً عن خشيته من أن تكون «استبدالاً للوجوه والمؤسسات بأخرى مشابهة، لكن بمنظومة مختلفة، لأن غالبية المؤسسين والمنتسبين إلى هذه الرابطة بعيدون عن الحراك في الشارع، وأيضاً لأن عدداً كبيراً منهم يقيم خارج الأراضي السورية منذ عقود».
■ البيان التأسيسي
البيان التأسيسي
ديباجة
رابطة ثقافيّة حرّة، عضويتها متاحة لكلّ الكتاب السوريين من مختلف التيارات الأدبية والفكرية، الراغبين في أن يكونوا أعضاء فيها. والرابطة مفتوحة لكتاب عرب وغير عرب مساندين للشعب السوري كأعضاء شرف.
الكتاب الفلسطينيون ممّن يقيمون في سوريا يتمتعون بالعضوية الكاملة في الرابطة، وينطبق عليهم ما ينطبق على إخوتهم من الكتاب السوريين.
***
إنّ اعتراف الرابطة بالتعددية الثقافية التي ينهض عليها المجتمع السوري يحتّم علينا إزالة الأسباب، التي غيبت لأجيال المكونات الثقافية المختلفة، وفتح المجال أمام هذه المكونات للتعبير عن ذواتها المبدعة بلغاتها الخاصة، وفي المقدمة منها اللغتان الكردية والآشورية السريانية.
دواعي التأسيس:
بموازاة ثورة شعبنا السوري من أجل الحرية والكرامة والنهوض الوطني، نعتزم، نحن، مثقفون سوريون متنوعو المنابت والمشارب، تأسيس رابطة للكتاب السوريين الأحرار، تعبر عن مشاركتنا في الثورة السورية، داخل الوطن وخارجه، ووقوفنا إلى جانب شعبنا الثائر، وعن شعورنا بالحاجة إلى إطار ديموقراطي ومستقل لعموم الكتاب السوريين، يعبّر عن الواقع الجديد لسوريا التي تولد الآن في شوارع الحرية.
***
عبر تأسيس الرابطة اليوم، سنعمل على أن تستعيد الثقافة دورها التغييري والنقدي الريادي والمحرر، ويستعيد المثقفون استقلالهم وقدرتهم على المبادرة والتجديد الفكري والجمالي والأخلاقي، وأن نضع أنفسنا في صف شعبنا للدفاع عن حريات مواطنينا وحقوقهم ووحدتهم.
لقد عملت الثقافة طوال عقود جارية في بلاط النظام، وعمل غير قليل من المثقفين كأبواق وشهود زور.
***
نتطلّع إلى أن تكون رابطة الكتاب السوريين حاضنا لتفاعل التيارات الأدبية والفكرية المختلفة التي تزخر بها الحياة السورية، وإلى أن تكون إطاراً عملياً لنقد وتفكيك ثقافة اللون الواحد التي كرسها استئثار حزب البعث الحاكم بالسلطات المادية والرمزية وسلوكه الشمولي الإقصائي الذي تجسد في «اتحاد الكتاب العرب» على مدار عقود من حكم التعسف الأمني.
***
من شأن هذه الرابطة أن تشكّل إطاراً حراً ومنصة متقدمة للشعراء والكتاب والمفكرين والأدباء السوريين الأحرار المشاركين في صنع سورية الجديدة، والذين يفتشون عن إطار عملي للتفاعل فيما بينهم، بما يساعد على تسريع عملية الانتقال من نظام الاستبداد والقمع والإقصاء إلى نظام ديمقراطي مدني تعدّدي حرّ، أساسه المواطنة، يتيح أوسع الفرص للطاقات الإبداعية، الأدبية والفكرية.
***
نتطلّع بثقة كبيرة إلى أن تقوم الرابطة الوليدة بتجسير الفجوة المختلقة التي حاول نظام الحزب الواحد أن يقيمها بين أهل القلم، داخل الجغرافيا السورية وخارجها، فالبطش والقمع وتكميم الأفواه طال الجميع دون تفريق. لقد عزلت تلك السياسات المثقفين السوريين بعضهم عن بعض، ولجمت عناصر القوة في الثقافة، وبالتالي شلت المكانة الثقافية والأدبية لسوريا في العالم، ما أدّى إلى إضعاف معنى سوريا في أعين السوريين قبل غيرهم، وإفراغها من الفكر المبتكِر الجسور والمخيلة الطليقة والنقد السياسي والاجتماعي الخلاق والروح الحرة المتوثبة نتطلّع، أيضاً إلى المساهمة في إصلاح سلم القيم العام لمصلحة المعرفة والعمل والابتكار، ضدّاً لسلم القيم الحالي الذي يعلي من السلطة والمال والامتياز.
***
وبالتالي فإنّ الإنجاز المنتظر لهذا الإطار يتمثل في إعادة بناء ما تهدم من الذات الثقافية السورية في إطار حركة الثقافة العربية، وبالتفاعل مع ما أنجزته وتنجزه اليوم الثورات العربية، وما يتيحه مجال عالمي، يزداد تداخلا واتساعا من فرص وما يطرحه من تحديات.
***
وقفت وراء فكرة تأسيس الرابطة مجموعة صغيرة من الكتاب والشعراء السوريين تنادوا إلى هذا العمل من الداخل والخارج، لشعورهم بالحاجة الملحة لقيام إطار يوحد جهود عموم الكتاب السوريين المبذولة لنصرة شعبهم، والعمل على استعادة الدور الطليعي للثقافة والمثقف في حياة المجتمع. قامت المجموعة بالاتصال، في حدود الممكن، بالكتاب السوريين داخل البلاد وخارجها، وعملت، بداية، بطريقة ثنائية ما كفل نجاح الفكرة وانطلاقها بالاقل من المعوقات.
***
إنّ الإعلان عن الرابطة، يفتح الباب أمام جملة من التساؤلات حول صفة هذا الكيان، ودوره وبنيته التنظيمية، لكن الإجابة عن كل هذه المتطلبات وغيرها لن تكون ممكنة من الآن، لأن التركيز خلال المرحلة الراهنة للرابطة وأعضائها سيكون على النشاطات التي تدعم التحول الكبير الذي تشهده بلادنا العزيزة سوريا من الوضع الديكتاتوري إلى الوضع الديمقراطي المنشود. السؤال حقيقة سيكون منصبا على الدور المرحلي الذي يمكن لهذه الرابطة أن تلعبه في دعم هذا التحول وتعميقه، وهو في الأساس دور ضميري وأخلاقي ينتظر من الكاتب أن يلعبه في هذه اللحظة التاريخية من حياة شعبنا وبلادنا.
رابطة الكتاب السوريين
قائمة الأعضاء الحاليين
http://syrianswa.com/members
«بديل ديموقراطي عن اتحاد الكتاب»
أدى نوري الجرّاح دوراً في إطلاق فكرة الرابطة، وينسّق أعمالها في انتظار الانتخابات التأسيسيّة نهاية الشهر. سألناه عن التمويل، والتوقيت، والخلفيّات الإيديولوجيّة…
حسين بن حمزة
بعد عشرة أشهر على الاحتجاجات المطالبة بتغيير النظام في سوريا، أعلن بعض المثقفين السوريين عن تأسيس «رابطة الكتاب السوريين»، لتكون تعبيراً ثقافياً جماعياً داخل الحراك الشعبي المحكوم بالسياسة والأمن. كثيرون لم يفاجئهم أن يكون الشاعر نوري الجراح (الصورة) دينامو المشروع الذي بدأ باتصالات مع بعض الكتاب في الخارج والداخل، وانتهت إلى إصدار بيان تأسيسي حدّد الإطار العام لعمل الرابطة ونشاطها في «تكتيل صوت ثقافي قوي ينطق باسم الشعب السوري وحريّته»، بحسب تعبير الجراح. صاحب «مجاراة الصوت» الذي دعا مرةً إلى إنشاء رابطة للمثقّفين العرب في المهاجر والمنافي، يُدير ظهره للشعر قليلاً ليجاريَ الحراك الذي يجري في بلدهم. لماذا الآن؟ نسأله في حديث هاتفي معه في لندن، فيقول إنّ «الدعوة إلى تأسيس رابطة تضمّ مثقفين هي استجابة طبيعية للوضع المتفجّر في سوريا.
ما يحدث اليوم يحتاج إلى ضمير أخلاقي ونقدي، سواء تجاه السلطة التي نطالب مع الشعب بتغييرها، أو المعارضة التي علينا كمثقفين تصويب مواقفها. لسنا ضد «المجلس الوطني»، لكن لا يمكن تركه ممثلاً وحيداً عن السوريين، ولا يجوز أن يبقى الكتّاب أنفسهم مجرد أصوات فردية مشتتة».
ويشير الجراح إلى أن السياسيين براغماتيون مقارنة بالمثقفين الأكثر جذرية في مواقفهم. يُبدي تشاؤمه من وصول الإسلاميين إلى الحكم في تونس ومصر وليبيا، ويتخوف من حدوث ذلك في سوريا. «لا أريد أن يحكم الإسلاميون بلدي، لكني سأعارض ذلك ضمن قواعد ديموقراطية طبعاً». كيف جرى اختيار الأعضاء المؤسسين للرابطة؟ «نحن لسنا مؤسسين، بل متداعون إلى التأسيس»، يردّ بسرعة، موضحاً أنّه لم يكن يوماً راغباً في صفة أو منصب. «كلّ شيء موقّت وقيد التأسيس حالياً في انتظار إجراء الانتخابات في نهاية هذا الشهر، حيث سيجري تأليف أربع لجان، ثم يُنتخب منسّق عام ورئيس للرابطة». ستجري الانتخابات على موقع الرابطة بسبب صعوبة جمع المنتسبين الحاليين في مكان واحد. الصيغة المقترحة تثير سؤالاً عن التمويل. يسارع الجرّاح إلى التوضيح بأن الرابطة أشبه بـ«تنسيقية أدبية أو ثقافية ضمن التنسيقيات الأخرى للثورة»، ويشير إلى أنّه أنشأ الموقع الإلكتروني من جيبه الخاص، وأنّ اشتراكاً شهرياً سيفرض على الأعضاء بعد الانتخابات. «ستعقد جمعية عمومية في دمشق حين تدقّ الساعة، وسنعلن عن كل شيء. سنقبل مساعدات من جهات مدنية أو شخصيات وطنية، ولن نقبلها من حكومات أو جهات سياسية».
لكن ماذا عن شروط العضوية، هل الانحياز إلى الحراك الشعبي كافٍ لقبول أي كاتب؟ «لا طبعاً. هذا معيار أخلاقي ينبغي أن يكون مقروناً بالحضور الثقافي أو بحد أدنى من المؤلفات». ماذا يردّ على أمثال نزيه أبو عفش من المثقفين الذين عبّروا عن خوفهم من الأجندات المشبوهة لمن يدّعي تمثيل المعارضة؟ «الرابطة مع التغيير، لكنّها لن تخوّن أحداً. لن نكرر ممارسات «البعث» في سوريا». وماذا عن أعضاء اتحاد الكتاب الحالي؟ «نحن نشجّع المناصرين للتغيير على الاستقالة. الشاعرة عائشة أرناؤوط أصدرت بياناً باستقالتها. حالياً نعتبر مجرد الانتساب إلى الرابطة استقالة من الجهة الأخرى». هل ستتماهى الرابطة مع «المجلس الوطني» في حال طلب التدخل العسكري؟ «سنكون ضد التدخل العسكري الخارجي، لكن لن نعارض إيجاد طريقة مناسبة لحماية المدنيين. على أي حال، بعد الانتخابات سيكون هناك توضيح لكلّ شيء».
لكن ما المسافة الفاصلة بين تمنيات الشاعر، ومنطق السياسة وآليات الأمر الواقع؟ يكرّر «المنسّق الموقّت» للرابطة بأنّها ستكون «جمعية مستقلة حتى عن سلطة الثورة»، وستعيد الاعتبار إلى «مكونات الثقافة السورية المؤلّفة من عرب وأكراد وأرمن وآشوريين…». بالنسبة إليه، الرابطة كانت ضرورية في كل الأحوال… فهي «بديل ديموقراطي» من «اتحاد الكتاب» الذي لطالما كان «عصا غليظة تقمع الكتاب».
صادق جلال العظم: الاستقلاليّة أوّلاً وأخيراً
ريتا فرج
«تهدف الرابطة في الدرجة الأولى إلى التخلّص من الاتحادات والنقابات الصفراء»، يقول صادق جلال العظم لـ«الأخبار». المفكّر السوري الذي كان من بين الساعين إلى تأسيس «رابطة الكتاب السوريين»، يعدّها «اتحاداً مستقلاً يريد تخطّي حقبة الاتحادات المرتبطة بالأنظمة». ويأمل صاحب «ذهنيّة التحريم» أن تمهّد هذه الخطوة لتشجيع المهندسين والمحامين على تأليف «اتحادات حرة تمثلهم في سوريا الديموقراطية».
وعن كيفية دعم «الثورة السورية» كما ذكر البيان التأسيسي، يرى العظم أنّ ذلك يتأسس «عبر مشاركة بعض أعضائها في الحراك الميداني، وعبر ترسيخ القواعد الثقافية للانتقال من النظام الشمولي إلى النظام الديموقراطي التعددي». ورأى أنّ الإمكانيات المتاحة أمام «رابطة الكتّاب السوريين» تتبلور في المراهنة الجدية على التغيير. وعن عدم تحديد الرابطة لموقفها من العلمانية، أكّد صاحب «نقد الفكر الديني» أنّ «الرابطة لا تسعى إلى تبنّي مواقف جاهزة كتلك المواقف التي كانت تطرحها عادة النقابات والاتحادات الأدبية، كالموقف من محاربة الإمبريالية. والهدف من وراء ذلك الخروج من الشعارات الفضفاضة التي لم تجدِ. وهذا لا يعني أنّنا ضدّ العلمانية، بل على العكس، فإنّ غالبية أعضاء الرابطة تتبنى مواقف تقدميّة بشأن هذه القضية الجوهرية بالنسبة إلى كثيرين. وبرأيي، فإنّ المأسسة المدنية للمجتمع السوري ستقود تلقائياً إلى العلمانية».
ولكن لماذا استُبعد أدونيس؟ يؤكّد العظم أنّه لا أحد يستبعد الشاعر السوري، وأنّ مجال الانتساب إلى الرابطة مفتوح لكل الكتّاب السوريين. لكنّه يستدرك: «أعتقد أنّ بعض الجهات في باريس اتصلت به، ولم يتجاوب معها ربما. وبرأيي، فإنّ المواقف التي اتخذها أدونيس من الثورة السورية تتّصف بالغموض وعدم الوضوح، وقد تكون أسهمت في عدم وجوده بين أعضاء الرابطة».
أهمّ القضايا التي تطرق إليها بيان الرابطة التأسيسي، بحسب العظم، تتعلّق باستقلاليتها، ويشير إلى أنّ الرابطة «ليس لها جهات مموّلة، والتمويل يعتمد على الجهد الفردي واشتراكات الأعضاء».
الشاعر السوري نوري الجراح: رابطة الكتاب السوريين أول وليد ديمقراطي للثورة
هكذا وصف الشاعر السوري نوري الجراح “رابطة الكتاب السوريين” التي تأسست حديثا ردا على “اتحاد الكتاب العرب” المنظمة الرسمية لكتاب سوريا. حول الرابطة وأهدافها أجرت دويتشه فيله الحوار التالي مع الجراح أحد أبرز مؤسسيها.
دويتشه فيله: ما نوع الدعم الذي من الممكن أن تقدموه ككتاب سوريين للثورة في سوريا؟
نوري الجراح: هذا الدعم له أكثر من مستوى. فعمل الرابطة، في صيغتها المؤقتة، يقوم على مجموعة من اللجان واحدة منها اللجنة الحقوقية. وهو ما فرضته الضرورة الملحة، لأن سوريا بأسرها اليوم حالة حقوقية، بمعنى أن هناك تنكيل وتعذيب وقتل شمل من جملة من شمل الكتاب والصحفيين والمدونين المساندين للثورة. بعض هؤلاء خرج من الاعتقال والبعض الآخر مازال موجودا في السجن. وإحدى مهمات اللجنة الحقوقية توثيق حالات الاعتقال والاضطهاد وتسمية المعتقلين وإسماع صوتهم وصوت ذويهم والضغط على النظام السوري لإطلاق سراحهم.
هل هناك لجان أخرى؟
هناك لجنة إعلامية ستناط بها مهام شتى كجمع تراث الثورة السورية وأدبياتها، بما في ذلك البيانات واليوميات والشعارات والأشعار والفيديوهات وشتى النصوص التي عبرت عن الشارع السوري في انتفاضته العارمة ضد النظام الاستبدادي. وستستعمل هذه الوثائق مستقبلا في المحاكم، محلية كانت أو دولية، لتجريم القتلة ومحاسبتهم على الجرائم التي ارتكبوها بحق شعبنا. وستكون للجنة الإعلامية أدوار أخرى منها صياغة ونشر بيانات الكُتاب ومواقفهم وآرائهم في إطار المساندة الشاملة لثورة شعبهم، وإيصال أصواتهم التي ستشكل قوة ضميرية وأخلاقية هائلة موجهة ليس فقط ضد السلطة الغاشمة وحدها، ولكن أيضا، ضد كل محاولة انحراف عن أهداف الثورة أيا كان مصدرها بما في ذلك المجلس الوطني السوري المعارض نفسه.
نحن لا نريد للسياسيين أن يستأثروا بمفردهم بالعمل الوطني في هذه اللحظة الفارقة والخطرة من حياة شعبنا. على الشعراء والكتاب والفلاسفة السوريين أن يكونوا في طليعة النضال للخلاص من الديكتاتورية البشعة التي استباحت شرف السوريين وأجسادهم وأرواحهم وحرياتهم وأعملت فيهم آلات القتل الوحشي. هذه الرابطة تريد أن تقول أن لا مجال بعد اليوم لأي موقف أو منطقة رمادية يقف فيها الشاعر والكاتب والمفكر السوري، إما نحن مع شعبنا، الآن، وعلى الفور ومن دون أي تأخير، في جبهة الحرية أو نحن في جبهة القتلة، لابد من الاختيار. إن مصير الشعب السوري بأسره ومستقبل جميع السوريين ستحدده نتائج هذه المعركة. علينا نحن أهل القلم والفكر أن نكون حاسمين في موقفنا من السلطة القاتلة، نقديين بإزاء السياسيين المعارضين الذين اخذوا على عاتقهم قيادة الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. سنملك بامتياز أن نكون رقابة الضمير عليهم. فلا حياد عن الأهداف التي قررها شعبنا في شوارع الشهادة لأجل الحرية.
يعني تريدون لعب دور المراقب للسياسيين؟
المراقب والناقد والمرجع الأخلاقي والضميري للشعب السوري. والرابطة من الآن ضمت أسماء من أكبر مفكري سوريا وكتابها وشعرائها كالطيب التيزيني وصادق جلال العظم، وسليم بركات، وعلي كنعان، ومحمد شحرور، ورفيق شامي، وخيري الذهبي، وعائشة أرناؤوط، وعبد الرزاق عيد، وياسين الحاج صالح، وشوقي بغدادي ومها حسن، وفؤاد كحل، وبرهان غليون، وفرج بيرقدار، وعبد الباسط سيدا، وخلدون الشمعة وجودت سعيد، وفواز حداد، ومنذر مصري وفاروق مردم بك، وخليل نعيمي، وروزا ياسين حسن، وميشيل كيلو، ومصطفى خليفة، وكثيرين غيرهم ممن طالما كانوا كتابا أحرارا وممن نالهم الاعتقال والاضطهاد والنفي، وكانوا في طليعة الكتاب المناضلين لأجل الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني.
كيف استطعتم جمع كل هذه الأسماء الأدبية والفكرية؟
دم السوريين في الشارع هو الذي ناداهم، وليست كلماتي أنا أو كلمات زملائي الذين بادروا إلى التأسيس. الدم السوري فاض وصار نهرا، وصار لا يمكن التغاضي عن هذا النهر المراق في شوارع سوريا وفي كل بلدة ومدينة من أقصى بلادنا العزيزة إلى أقصاها. هذا الدم هز ضمائرنا، وإذا لم يكن لهذه الضمائر دور اليوم، فمتى سيكون؟
من أين أخذتم الشرعية في تأسيس الرابطة نيابة عن الكتاب السوريين؟
كما عبرنا في أدبيات الرابطة خلال الأيام القليلة الماضية، تعتبر الرابطة نفسها استمرارا لتقاليد الحياة الثقافية السورية التي حاول الاستبداد أن يئدها، كما تعتبر نفسها تعبيرا ضروريا عن الحراك الثوري الراهن في سورية، وهي تستمد شرعيتها من الاستجابة الكبيرة من جانب بعض أبرز الكتاب السوريين في تلبية الانضمام إلى الرابطة. لكننا مع ذلك نطرح هذه المشروعية التي نمثلها كإطار مفهومي يمكن، ويجب مناقشته، في إطار ديمقراطي يختلف عن مشروعية اتحاد الكتاب العرب المستمدة من أجهزة استبدادية غير ديمقراطية.
إذا كان اتحاد الكتاب الرسمي يمول من طرف الدولة، كيف ستمولون أنتم رابطتكم؟
نحن نمول رابطتنا من جيوبنا الخاصة. ولا نريد من أي أحد، وهذا أقوله باسم جميع أعضاء الرابطة، لن نقبل بأي دعم حكومي من أي جهة كانت. ثانيا لن نقبل من أي جهة كانت أي دعم يمكن أن يكون مشروطا، حتى لو كانت هذه الجهة مستقلة. من شروط العضوية في الرابطة دفع الاشتراك. فهي رابطة أهلية وليست رسمية. وبالتالي سنعمل من خلال ما يتوفر لنا من قروش قليلة على تسيير الرابطة وفق أخلاقيات الماضي القريب حيث كانت تبرعات الأعضاء كافلة لنزاهة النادي الأهلي أو المؤسسة الأهلية. وبعد أن تضع هذه المذبحة أوزارها، ونحن على ثقة من أن شعبنا سينتصر في النهاية، سيجري تنظيم عمل الرابطة كجمعية نفع عام أهلية في سوريا الجديدة.
وهل تعتقد أن هذا تمويل كاف؟
لا، لا يكفي، لذلك يمكن أن نقبل مساعدات عينية أو غير عينية من أبناء المجتمع السوري ممن هم ميسورين ويوجدون في أوروبا وفي العالم العربي، هؤلاء سيكونون مطالبين ليس فقط بدعم رابطة الأدباء، لكن بدعم كل الأطر الديمقراطية التي تمهد لإقامة مجتمع مدني في سوريا. وفي هذا السياق، أنا أدعو النساء السوريات أن يحذين حذونا وينهضن إلى تشكيل رابطة حرة للنساء السوريات، وأدعو الصحفيين إلى تشكيل رابطة للصحفيين الأحرار على شاكلة رابطتنا، وكذلك أدعو الفنانين السوريين، ونحن نعرف أن العديد منهم انشقوا عن البنية الثقافية للنظام، وهناك عدد من الأسماء التي نعتز بها لكونها انحازت إلى الثورة.
جاء في بيانكم التأسيسي أن “نظام الحزب الواحد شل المكانة الثقافية والأدبية لسورية”. لكن سوريا كانت لها دائما مكانة أدبية رفيعة بفضل مثقفيها وأدبائها الذين انضم الكثيرمنهم إلى رابطتكم.
هناك فرق بين الحياة الأدبية والفكرية المشلولة والمكبلة والمعوقة عن العمل في داخل سوريا وبين نشاط المفكرين والأدباء الذين يعيشون في المنفى الأوروبي والعربي. نحن موجودون، وبعضنا في مواقع مهمة، ليس بفضل إمكانيات بلدنا أو دعم مؤسساته الثقافية لنا (هي مؤسسات طالما حاربت وجودنا المستقل) ولكن بفضل إمكاناتنا الفكرية والإبداعية الخاصة ونشاطنا الشخصي، وبفضل الإمكانات المتاحة لنا في الأماكن التي نوجد فيها. هؤلاء الكتاب بإمكانياتهم الخاصة أعطوا لبلادهم في العالم حضورا مميزا. لكن عندما تتحرر سوريا من الوضع الأليم الذي كبلها به الاستبداد سترين الطاقات السورية الكبيرة، وسوف تتجاوز بجمالها وخبراتها وقدرتها على الابتكار كل ما عرف عن سوريا المبدعة حتى الآن.
إلى جانب دور الرابطة في دعم “الثورة السورية”، هل لديكم مشروع أدبي وثقافي معين؟
نحن اعتبرنا من البديهيات أن ما ينشر وما يتداول، وما يُعتبر كتابة تستحق الظهور على موقع الرابطة وفي منشوراتها التي سنعمل على إصدارها، هي الكتابة التي حازت على مستوى أدبي مهم. نحن لن ننشر شعرا أو أدبا أو فكرا دون المستوى، لمجرد أنه كتابة مساندة للثورة. طبعا هناك حالة طارئة يمكن أن نقبل فيها بعض النصوص الفائضة بحرارة وألم الوضع الراهن في بلادنا، لكن هذا لا يعني أن يكون هناك إخلال بالمستوى. مشروعنا هو مشروع ديمقراطي أي إحياء البعد الديمقراطي في الثقافة السورية. إحياء قيم التواصل والشعور بالغنى، بسبب الاختلاف وإعادة الاعتبار إلى لغات غيبت كالكردية والآشورية والسريانية وهي جزء لا يتجزأ من تكويننا الثقافي، ومن ثرائنا الإبداعي والروحي.
نريد كذلك أن نلعب دورا في إعادة المجتمع المدني المخطوف والمغيب لعقود إلى أهله في سوريا بعدما غيبته زنازين القهر وسياسات الإقصاء، والغرف السرية التي مارست على السوريين أبشع ما عرفه العرب من قمع وإذلال.. نحن إذن مع الفكر التحرري ضد الفكر الواحدي و مع رؤى الفكر المتعددة. الرابطة ستكون أول وليد ديمقراطي للثورة السورية لأن الدخول إليها والممارسة من داخلها ستكون عبر الانتخاب، هناك انتخابات داخل الرابطة على مرحلتين ستبدأ في 10 من يناير/ كانون الثاني الجاري وستنتهي في الخامس والعشرين منه. هذا ما نريده وهذا ما سنقوم به، وفاء لشوارع الحرية ولنهر الدم المبدع الذي خلق فرصة المستقبل لسوريا التي طالما حلمنا بها.. وسكنت خواطرنا جميعا.
أجرت الحوار: ريم نجمي
مراجعة: أحمد حسو
رابطة حُرة لكُتّاب سوريين أحرار
بول شاوول
الثورة السورية تتقدم، على مدارات مختلفة، بايقاعات متسارعة وعميقة ومعبرة. بدأت بخربشة أطفال على جدران في درعا “فليسقط النظام”. ثم ألهبت كلمات هؤلاء بعد اعتقالهم وتعذيبهم على أيدي القوات الأمنية، الناسَ، فنزلوا إلى الشوارع، ومن “طبشور” الأطفال، وأصابعهم وأجسادهم حاملة آثار الوحشية، انطلقت الشرارة. ومن الشرارة في درعا، إلى اللهيب في حمص وحماه ودير الزور وادلب وريف دمشق، وحلب.. شرارة تطعم شرارة. وشهيد يرث شهيداً. ثم اعلان الثورة “الشعب يريد اسقاط النظام”. انها الحرية التي امتزجت بالهواء. الهواء الذي امتزج بالدماء، والأصوات، والنار. سوريا الحرية تولد في الأرياف والمرتفعات والمدن والشوارع والساحات والسهول والينابيع. تصدى الثوار “لممانعي الإنسانية” بصدورهم وقالوا “ثورة سلمية” شبيهة بشقيقتيها العربية في تونس ومصر (وقبلها في لبنان “ثورة الأرز” 2005″) “سلمية سلمية” كل جسد منذور للموت. كل طفل منذور لأن يقصف في عز طفولته (450 شهيداً من الأطفال) كل كهل يجدد شبابه بالكرامة. كل امرأة تنضم إلى الوطن بصرخة مدوية. لكن كان للنظام أن يهتك الأعراف (وهو هاتكها على مدار ستة عقود) وان يكشر عن أنيابه الهمجية (وقد كشر عنها في لبنان وفلسطين والعراق: وليس في اسرائيل) وأن يستخدم السلاح الذي دفع ثمنه شعبه للقتل، وارتكاب الفظائع والمجازر والتدمير وجعل من المدارس والهنغارات والملاعب سجوناً لعشرات الآلاف. فالجيش الذي يفترض انه “حامي الحمى والديار” ها هو ومع الشبيحة والمخابرات، يحمي النظام.. ويفتك بالثوار.
كان الجيش الحر، ورديفه السياسي “المجلس الوطني” و”التنسيقيات (لطخة عار ان تنقسم المعارضة بل خيانة للثورة ولسوريا وللربيع العربي)، انضم اليه الألوف، دفاعاً عن أهلهم الذين تحصدهم آلة النظام البربرية. فمن بنية سياسية إلى عسكرية وشعبية. ها هم المثقفون السوريون الأحرار، يعلنون خروجهم من “اتحاد الكتاب العرب” ، اتحاد الكتبة والمخبرين والسند الثقافي المزيف الرسمي، الذي ما زال يرئسه أحد المخبرين الأميين حسين جمعة، الذي حاول باسم النظام، الاعتداء على التاريخ الابداعي والنضالي للكاتب المسرحي الكبير سعدالله ونوس وفنانيها، أخيراً رابطة ثقافية حرة، تشكل الخلفية الفكرية والأدبية للثورة. كتاب أحرار، لثورة حرة، ولجيش حر، ولمجلس وطني حر. ولشعب حر. إذ كيف يمكن أن تكتمل عناصر أي ثورة من دون مبدعيها وشعرائها ومسرحييها وفلاسفتها ومفكريها وروائييها وصحافييها. فمقابل مثقفين وفنانين وكتاب انحازوا إلى جلادي السجن الكبير، والقمع التاريخي والوحشية والاستبداد مقابل كتاب أقرب إلى مخبري الطغاة، ها هم كتاب سوريون يولدون في ساحات الحرية، وفي فضاءاتها، وفي أصقاعها. ألم يَردْ في البيان الذي اصدره مؤسسو الرابطة “بموازاة ثورة شعبنا السوري، من أجل الحرية والكرامة والنهوض الوطني، نعتزم نحن المثقفين السوريين، تأسيس “رابطة للكتاب السوريين الأحرار تعبر عن مشاركتنا في الثورة السورية داخل الوطن وخارجه، ووقوفنا إلى جانب شعبنا الثائر، وعن شعورنا بالحاجة إلى إطار ديموقراطي ومستقل لعموم الكتاب السوريين، يعبر عن الواقع الجديد لسوريا التي تولد الآن في شوارع الحرية”.
رابطة مستقلة لكتاب مستقلين، لطالما كان حلماً، تقنصه المخابرات والقمع والقتل، والنفي. كأنما كان من شروط كل كاتب وفنان في بلاد “البعث”، ان يرتهن للسلطة ويتواطأ معها ليمنح “اعترافاً” به. وكأن سلطة المثقف من سلطة النظام، وكأن حرية المثقف ضرب من ضروب العمالة والتآمر على وحدة البلاد واثارة للفوضى، ودعوة الى التخريب. لكن استقلال المثقف لا يمكن ان يتم في حدوده الدنيا من دون الحرية، التي تعني بتعبيرها العملي “الديموقراطية” ولا غير الديموقراطية. وهذا يعني الانحياز الى كرامة الفرد والمجتمع والابداع. فها هو الشارع السوري يُنجب رابطة حرة تشبهه ويشبهها وها هي رابطة تشبه ناسها وأحلامهم، ولا تشبه النظام. أي تشبه حرية الاختيار والتعددية، والاختلاف، في مواجهة ثقافة “الصوت الواحد” التي فرضها هذا النظام الفاشي.
وقد ورد في بيان التأسيس سعي الرابطة “إلى نقد وتفكيك ثقافة اللون الواحد التي كرسها استئثار حزب البعث الحاكم بالسلطات المادية والرمزية وسلوكه الشمولي الاقصائي الذي تجسد في اتحاد الكتاب العرب على مدار عقود من التعسف الأمني. أي اعادة بناء ما تهدم من الذات الثقافية السورية، في اطار حركة الثقافة العربية وبالتفاعل على ما انجزته الثورات العربية. فلا علي عقله عقرسان آخر. ولا حسين جمعة آخر: من الأبد إلى الأبد على غرار “القائد الواحد الخالد من الأبد إلى الأبد”.
التحق الكتاب السوريون من الداخل والخارج، بثورة اهلهم. هل تأخروا في الالتحاق بالركب. لا! هل بكروا؟ لا! انها حسابات ضيقة لا نظن ان المؤسسين اخذوها بالاعتبار. ولطالما سمعنا أصواتاً من الثوار ومن العالم العربي تصرخ “واكُتاباه!” ليلبي الكتاب الدعوة. لم يعد القلم غريباً عن حبره. ولا الحبر من ماء. ولا الأصابع من خشب ولا العيون من زجاج (عيون الكتاب والشعراء والفنانين المرتبطين بالطغاة ضد شعبهم. او هؤلاء الصامتون بتواطئهم في بلاد الشام والعرب ولبنان ومصر…)، ولا العقول مخدرة بمكاسب السلطة. ذهب زمن “مثقف النظام” في سوريا والاتباع في لبنان (يا حزني على شعراء في لبنان يصفقون لقتلة الأطفال والعزل. يا حزني على نهاياتهم المزرية. يا حزني على “أدمغتهم” اليابسة كعقول المخابرات: شاعر ومخبر؟ رهيب! فنان ومخبر؟ رهيب! مسرحي ومخبر؟ رهيب. مفكر ومخبر؟ رهيب! وهل يحق لشاعر انضم إلى القتلة بأن يفكر في كتابة جملة شعرية واحدة! وماذا يتبقى من هذا الشاعر من مشاعر انسانية لكي يكتب جملة واحدة !؟).
انه الزمن الجديد للثقافة اعلنه كتاب من كافة الأصقاع والقارات تأييداً للربيع العربي. وها الزمن الجديد تكرسه سوريا عبر رابطة الكتاب الأحرار. وهنا ليس إلا ان ادعو إلى تفكيك اتحاد الكتاب اللبنانيين الحالي المنحاز إلى الطغاة داخل البلد، والى النظام السوري، فهو ليس أقل خيانة وسوءاً من اتحاد الكتاب العرب” في سوريا! وانشاء اتحاد جديد يضم الحراك الشعبي الحر في لبنان والربيع العربي! نعم! زمن جديد للثقافة، على الرغم من كل ما نتوقعه من عقبات وشدائد واعتراض مخاض، زمن جديد لثقافة حرة خارجة على هيمنة البنى البائدة، والأحزاب التافهة، والقبائل والطوائف ثقافة تشبه شعب الربيع العربي، الحي، المقاوم، الممانع (ما ابشع هذه الكلمة عندما ينطقها المستبدون واذنابهم الاعلاميون والمثقفون! يا للخديعة!) وهل يمكن ان نتوقع تغييراً في الثقافة من دون حرية. ومن ثورة حرة. ومن دون شعب حر، يخلع الطغاة عن كراسيهم بكل ظواهرهم ومخلفاتهم وتواريخهم المنتنة والفاسدة والمتخلفة؟
المستقبل
مع رابطة الكتاب السوريين
معن البياري
خطوةٌ شديدةُ الأهمية، بادر إِليها مثقفون سوريون لتأْسيس “رابطة الكتاب السوريين”، والتي يحسنُ أَنْ يستقبلَها كل كاتبٍ عربي منحاز، حقاً، إِلى قيم الحرية والعدالة والجمال بغبطة، ليس، فقط، لأَنها تعبيرٌ عن رفضٍ مسوَّغٍ للكيان البائس “اتحاد الكتاب العرب” السوري، والملتحق بذيْليَّةٍ مكشوفةٍ بالسلطةِ المستبدَّة هناك، بل، أَيضاً، لأَنَّ من شأْن الرابطة المستجدّة، واندفاعةُ الأَصدقاءِ والزملاءِ فيها على ما نعرفُ من حيويَّةٍ، أَنْ تكون منصَّةً مضافةً لصوتِ الثورة الظافرة، وتشكيلاً ديمقراطيّاً عن الجسمِ الثقافي العريض في سورية، سيكونُ في طليعةِ الفاعلين وقوى التنوير في سوريّة الجديدة، المتحررة من الاختناق الطويل، عندما ستُتاح لكل تنويعاتِ الشعب هناك وشرائِحِه القنوات اللازمة لإِشهار سوريّة حرة وقوية، بعد عقودٍ من الشمولية الكاذبة، والاستبداد المريع، والبعثيّة النفعية، والهيمنة الأَمنية على النقابات والجمعيات والاتحادات والتشكيلات المجتمعية المدنية. ولا حاجة، هنا، للتأشير إِلى المؤَكد والبديهيِّ عن القدراتِ والكفاءاتِ الإِبداعيةِ والفنيةِ والثقافيةِ الخلاقة التي تتوفَّر عليها سورية، البلد الذي لا يمكن إِلا أَنْ يظلَّ دائماً في الموقع الثقافي الأَول في الخريطة الفكرية والإِبداعية العربية.
هي تحيةٌ واجبةٌ هنا تشدُّ أَزر أَصدقائنا وزملائنا ومعارفنا، مؤسسي رابطةِ الكتاب السوريين، وهم المهجوسون دائماً بآمال شعبِهم وآلامه، سيما وقد جاء جهدهم المبارك في لحظةٍ يخوضُ شعبهم فيها واحدةً من أَشجعِ الملاحم الإنسانية في مواجهة قوى الفتك والقتل، وينشدُ ببسالةٍ الحريةَ واستعادتَه سلطتَه من سارقيها. وكلنا، نحن العرب، على ثقةٍ مؤكدةٍ بقدرةِ نخب هذا الشعب، وقواه الحيّة وأَدمغتِه، على أَنْ يُعلمنا الكثير من منجزاتِه الرائقة. ولمّا كان اتحاد الكتاب العرب السوري على تبعيَّتِه وتخشُّبِه المديديْن، وعلى تنكُّرِه لشعبه الجريح، لم يحتمل جمهرة من مثقفي سوريا النبلاء أَنْ يتواطأوا مع هذا الحال، فكانت مبادرتُهم التي أَشهروها الأَسبوع الماضي، بعد أَسابيعَ من العمل والاتصالات في الداخل والمنافي. وكان جميلاً منهم تأْكيدُهم إِجراءاتٍ ديمقراطيةً في بناءِ الرابطة، والمضي فيها لتكتملَ كينونتُها وليتَّسعَ تمثيلُها مختلف الحساسيّات الفكرية والثقافيةِ السوريةِ المتنوعة. والمأْمولُ أَنْ ينجحوا في مسارِهم لتتحقَّقَ للرابطة مكانتُها وشرعيَّتُها البديلةُ عن الاتحاد المتآكلِ والرثّ، وليصيرَ لها موقعُها الفاعل في الإطار العربي الجامع، اتحاد الأُدباء والكتاب العرب.
نتمنى على القيادةِ النافذةِ في رابطةِ الكتاب الأُردنيين أَنْ تشق قناةَ حوارٍ مطلوبةٍ مع الرابطة السورية، لنكون إِسناداً ومعيناً لها، ما يوجِب، ابتداءً، على القيادة المذكورة أَنْ تتخفَّفَ من تعاميها عن التنكيل المريع الذي لا تتوقف السلطةُ في دمشق عن اقترافِه يوميّاً، فتنصتَ، ما أَمكن، إِلى الأَشواق التي يتطلع إِليها أَكثرُ من مائةٍ وعشرين كاتباً سورياً باتوا أَعضاءَ في الرابطةِ الشقيقة. وهؤلاء جهروا بانشغالِهم بقيمة الحرية، ويتوخون المشاركةَ في صنع سوريا الجديدة، ونظُنُّنا، كتاباً ومثقفين أُردنيين، مدعوين، أَكثر من غيرِنا، إِلى أَنْ نكون دفئاً لهم، صدوراً عن المسلَّمةِ الغائبةِ عن مداركِ بعضِنا، وهي أَنَّ سورية جديدة، حرَّة ديمقراطية لا مطرحَ فيها للعسفِ والتجبُّر، أَقدرُ من سورية يتحكَّمُ فيها الطغيان والدجل، في الإِسهام في بناءِ فضاءٍ عربي واسعٍ، يتطلعُ إِلى تحصينِ مقاومةِ الشعوب العربية ضد كلِّ تخلفٍ ورجعية، ويتطلعُ إِلى تحرير فلسطين والجولان، على ما ليس منسياً، ولا ينفردُ بالتذكيرِ به مُشايعيون للنظام السوري، والذي تُشكلُ رابطةُ الكتاب السوريين واجهةً ثقافيةً جديدةً في مناهضتِه، ولذلك، تستحقُّ نُصرتَنا وبهجتَنا بها.
مثقفون سوريون ضد الاستبداد
أمجد ناصر
كل ما حصل في سوريا مختلف عما عرفته بلدان “الربيع العربي”.. كل شيء: عنف النظام، سهولة القتل، تمترس الإعلام الرسمي العنيد والاستفزازي وراء رواية واحدة للأحداث مملّة، مضجرة، ولكنها ترشح دما، انقسام المعارضة إلى معارضات وتشرذمها بلا إحساس عميق بخطورة اللحظة التاريخية وضرورة الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية، كثرة (ووقاحة) الأبواق الدعائية السورية والعربية وترويجها لروايات أكثر ابتذالا من رواية النظام نفسه، صمت معظم الفنانين والمثقفين السوريين (في الداخل) حيال جرائم النظام واستباحته الكاملة لكلّ خط أحمر..
لم نر شيئا كهذا حتى مع “نظام” القذافي الذي يسهل عليه -بسبب تركيبته الشاذة وما شاع عنه من جنون- الإيغال في الدم الليبي بلا تحفظ. الغريب أننا رأينا بعض “ضبط” النفس عند “نظام” القذافي مقارنة بالنظام السوري، رأينا وسائل إعلامية تتحرك حتى في ظل سيطرة العقيد على طرابلس، رأينا محاولات “للتصالح” مع الواقع واعترافا -متأخرا ومراوغا بالتأكيد- بفداحة ما يجري في ليبيا، ولكننا لم نر شيئاً كهذا من قبل نظام الأسد.
لا شيء من ذلك على الإطلاق. وما مقارنتي نظام بشار بنظام معمّر إلا من قبيل المقارنة بما يُعتبر النموذج الأسوأ على الصعيد العربي. أما من كان ينتظر خطاب بشار الأسد الأخير علّه يرى بصيص تغير في موقف النظام السوري، بعد حقل القتل المفتوح، فقد خاب أمله تماماً.
وعلى منتظر كهذا أن لا ينتظر شيئا، مهما قلّ شأنه، من رئيس يبدأ خطابه لشعبه، بعد عشرة أشهر من شلال الدم السوري، بحديث المؤامرة، ولا شيء غير المؤامرة.
لكن مع ذلك تستمر الثورة السورية. هذا الصعود العنيد لشباب الثورة وشيبها غير القابل للتراجع -أيضا- قيد أنملة عن كنس نظام الأسد لم تفتر له همَّة. رغم يُتم الثورة السورية ورغم تخلي العرب والعالم عن أشجع ثورة عربية، وعن أكثر شعب عربي حقا في الثورة..
رغم كلّ ذلك تستمر الثورة، وتستمر المدن والأرياف والبوادي في الخروج القياميّ إلى الرصاص الغزير.. تستمر مواكب الشهداء وتتواصل صيحات الحرية عالية مدوية تهزّ عرش الطغيان الممعن في السلاح والإنكار.
هذا أمر يبدو اليوم أشد وضوحا من أي وقت مضى. ومعه يتضح لكل سوري أن استئصال الورم السرطاني من جسد بلادهم هو مهمة سورية بامتياز. لن تفعل جامعة الدول العربية التي استعاد فيها الاستبداد العربي المترنح توازنه وراح يدافع عن وجوده في دفاعه المستميت عن النظام السوري، أكثر مما فعلت.
لن يفعل مجلس الأمن شيئا ما دام سيف الفيتو الروسي (الاستبداد الشرقي في أكلح صوره) مسلطا عليه، وما دامت الإرادة الدولية التي تردع نظام الأسد عن الفتك في شعبه غائبة، وما دامت البلاغة التركية أشدّ وقعا من الأفعال.
ليس للسوريين -الذين لا بواكي لهم- سوى أنفسهم، إلا إرادتهم، وهم لم يقصّروا في ذلك. أتحدث هنا عن الشعب السوري وليس عن المعارضة السورية التي تتجاذبها الأهواء والانحيازات الضيقة وقصر النظر المريع، والرغبات المثيرة للشفقة في الظهور الإعلامي، والتدافع بالمناكب على قصعة من دم وأنين.
وها نحن نرى الآن ثلة من كتاب سوريا وشعرائها ونقادها ومفكريها يبدؤون في رص الصفوف وتوحيد الكلمة في إطار جديد يدعى “رابطة الكتاب السوريين” يليق بسوريا، والأهم من ذلك، يستجيب لرغبة الثوار السوريين في رؤية دور فاعل لمثقفي بلادهم في مجهود الثورة على الاستبداد.
أكثر من مائة كاتب وشاعر وناقد ومفكر وباحث سوري، من الداخل والخارج، تنادوا إلى الخروج من دائرة الصمت المخزي الذي يلف “اتحاد الكتاب العرب” حيال شلال الدم السوري، والشروع في بناء موقف ثقافي سوري متضافر مع ثورة شعبهم.
نعرف أن الثورات العربية لم يشعل فتيلها المباشر والفوري، مثقفون عرب. لكن المثقفين العرب الذين يريد البعض وضعهم في سلة واحدة، لم يقفوا موقف المتخاذل من قضايا بلادهم.. ليس جميعهم على الأقل.
هناك مثقفون عرب خصوصا في إطار “رابطة الكتاب السوريين”، دفعوا قسطاً -قد يكون الأهم- من أعمارهم في سبيل حرية بلادهم. لا توجد رابطة للكتاب في أيّ بلد عربي آخر تضم هذا العدد من سجناء الرأي والكلمة والضمير ومن المنفيين والفارين من عسف نظامهم كما يتبدى ذلك في “رابطة الكتاب السوريين”. بل لا يوجد بلد عربي، في ظل أسوأ فترات الاستبداد، لديه هذا العدد الهائل من المثقفين المنفيين كما هو الحال في سوريا.
لذلك كان هناك انتظار لخطوة كهذه: أن يتنادى مثقفو سوريا إلى كلمة الحرية.. أن يستجيبوا للشجاعة الاستثنائية التي أبداها المنتفضون على الاستبداد.. أن يجعلوا للثورة إطارا ثقافيا وفكريا يحافظ على وحدة الشعب السوري، ويمنع أيّ انزلاق ممكن إلى اقتتال أهلي أو تنابذ طائفي أو عرقي، وأن يستعيدوا كلمة سوريا التي غيَّبها “اتحاد الكتاب العرب” الذراع “الثقافي” للنظام وراء دعاوى “العروبة” الفاقدة لأيِّ محتوى حقيقي.
مهمٌ كلام الرابطة عن التعدّد الثقافي واللغوي والإثني في سوريا، ومهمٌ كذلك كلامها عن الانفتاح على المثقفين العرب المساندين للثورة، فهذا ردّ لا بدَّ منه على كلام النظام السادر عن عروبة سوريا. فالعروبة التي تقترحها “رابطة الكتاب السوريين” تعني شيئاً آخر غير ما يعنيه نظام البعث في هزيعه الأخير.
فإذا كان “اتحاد الكتاب العرب” (اتحاد النظام) يلغي كلمة سوريا فإن “الرابطة” تثبتها، وإذا كان ذلك الاتحاد يتقنَّع “بالعروبة” فإن “الرابطة” تعطي لتلك “العروبة” معنى آخر.. إنها العروبة الإنسانية، المنفتحة، التي تعانق “الآخر” الشقيق وتناديه يا أخي.. أو بتعبير آخر (من رامبو بتصرّف): يا أنا.
تحدَّث بشار الأسد في خطابه الأخير واستفاض عن عروبة سوريا، ولكنّ هذه ليست فضيلة من النظام.. ليست هبة آل الأسد للسوريين والعرب. فالعربي الذي يشعر في سوريا -أكثر من أيّ بلد عربي آخر- أنه في بلاده، فذلك لأن السوريين هم الذين يمنحونه هذا الشعور وليست أيدولوجية النظام وتدابيره.
لهذا أرى أن فتح عضوية “رابطة الكتاب السوريين” أمام المثقفين العرب -المؤمنين بمبادئها- تعبير عن حقيقة الشعب السوري وإرثه الكبير في هذا الصدد.
ومن هنا، وبهذه الكلمة، أتقدّم بطلب عضوية “رابطة الكتاب السوريين” التي آمل أن يتسع صدرها لكل من يناهض الاستبداد سوريا وعربيا، وأن تكون جديرة بالثمن الذي يدفعه السوريون في سبيل الحرية: دم الشهداء.