صفحات الناس

تقسيم سوريا: حمص نموذجاً/ سلمان عربي

 

دخلت قوات النظام السوري منتصرة حمص القديمة. وفعلت كما الأبطال المحررين: استباحتها. حصار الأحياء القديمة، طيلة سنتين، كان قد عزل المكون السني في حمص، ووضع سكان المدينة التاريخية ضمن غيتو مغلق، منع عليهم اختراقه، إلا بالتهجير.

الإتفاقية المعقودة مع النظام، تكرس فهماً عميقاً لطبيعة الحرب الجديدة في سورية. فهي ترتكز على تحاشي المعارك بين المتقاتلين، وتوجيه كامل العنف ضد المدنيين. التمهيد لها، استغرق وقتاً طويلاً، تبادل فيه الطرفان، كل بحسب قوته وامكانياته، توليد أكبر أذى ممكن للمدنيين. قوات النظام استخدمت كل ترسانتها العسكرية الروسية، لتدمير المنطقة برمتها. أرادت بذلك محو الأحياء المحاصرة من خريطة حمص الجديدة، التي يراد لها أن تكون ذات مكون طائفي واحد. مستخدمة في ذلك البراميل المتفجرة، وسلاح الجو، والمدفعية، والاقتحامات الأرضية، والتجويع الممنهج. في حين ردت كتائب المعارضة، حين أمكنها، بتفخيخ السيارات وتفجيرها في أحياء العلويين.

الإتفاق المنجز بضغط إيراني، أنهى الغيتو لصالح الترانسفير. وهو بهذا ينقل الحرب إلى مستوى جديد، يتعلق برسم حدود واضحة داخلية للتقسيم القادم. بحيث تقتصر حصة النظام على ما بدأ يتواتر طرحه في الإعلام عن “سورية المفيدة”، بحيث تشمل الساحل وحمص ودمشق. مما يجعل من ترك الباب مفتوحاً لمقاتلي حمص القديمة باتجاه ريفها الشمالي، يعني إخراجهم من دائرة اهتمامه، بدل الاستنزاف في قتلهم. يبدو ذلك كمحتوى للخطة الإيرانية، التي لا ترى ضرراً في تقاسم سورية “الضارة” مع مجموعات جهادية آخرى.

المقاطع المصورة المنشورة، لما حدث في الأيام الماضية، يمكن تصنيفها إلى لحظتين: الباصات الخضراء وهي تنقل المقاتلين، نحو الشمال، في استعادة مثيرة لما فعلته اسرائيل، حين رحلت المغضوب عليهم من حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور في لبنان في العام 1992. ولحظة دخول قوات النظام إلى المنطقة التي كانت محرمة عليهم، وقيامهم باستباحتها. شمل ذلك نهب كل الممتلكات البسيطة الباقية فيها، بحيث ظهر جيش النظام كمليشيات تعتمد في تمويلها الذاتي على عمليات النهب والسلب. سبق ذلك حدث تأسيسي تمثل في حرق دائرة نفوس حمص، ودائرة العقار. مما يعني بأن وضع اليد على الممتلكات لن يتوقف عند سرقة البيوت، بل سينتقل سريعاً إلى نقل الأصول والملكية وتقاسمها كجوائز وحوافز للمنتصرين.

في طرق الحرب السورية الحالية، شرّع النظام النهب كوسيلة للتمويل الذاتي لمليشياته. كما استخدم وسائل أخرى تضمنت فرض الأتاوات على المساعدات الغذائية والطبية. العديد من كتائب المعارضة سارت على خطى النظام للحصول على موارد مادية تعينها على الاستمرار. في العديد من الحالات ظهرت أدلة دامغة على التعاون بين الأطراف المتحاربة، كما في حرص جبهة النصرة على استمرار تزويد النظام بالنفط، مقابل جزء من الريع.

لا يخفى بأن المجموعات المتقاتلة، والمحتكرة للعنف، تحللت مع الوقت، من أبعادها العقائدية، وصارت ترى في الحرب طريقة عيش وتكسب. لا ينفي ذلك وجود غلالة من التطرف الديني لدى بعض الكتائب الإسلامية، وبعض من وطنية فاشية لدى المليشيات الوارثة للجيش السوري. لكنها في العموم، تتشارك عقلية واحدة، تنزع نحو التطهير للأرض من المكونات غير المتماثلة، والاستفادة القصوى من الموارد المتاحة لدى المدنيين.

عملية التهجير لمقاتلي حمص، والاستيلاء عى ممتلكاتهم، تمثل شكل التعامل الجديد بين النظام والمناطق الثائرة ضمن سوريته المفيدة.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى