تقلبات حزب العمال الكردستاني المريبة
حسين جلبي ()
يحاول حزب العمال الكُردستاني التركي جاهداً الخروج من جلده وإنكار نفسه، لا يريد الاعتراف بأنه لا زال هو هو نفسه وليس أحداً آخر، رغم أنه يُمارس الطقوس ذاتها التي إلفها الناس عنه، لا بل وزاد على ذلك طقساً آخر هو الظهور المسلح في المناطق الكُردية السورية برفقة عناصر النظام السوري، وإطلاق النار على المواطنين الكُرد العُزل.
وقد حاول الحزب إنكار نفسه، عَقب إلقاء القبض على زعيمه السيد أوجلان، فقد غير أسمه وخطابه وأهدافه، وهو ما يفعله اليوم في سوريا أيضاً، لكن التغيير الذي يحاول تسويقه هو موجه للآخرين فقط، فهو يقدم نفسه للكُرد كما هو على حقيقته، نظراً لما يظنه من وجود رصيدٍ له، من الخوف، لمّا يزل في قلوبهم، سيساعده على تحقيق سياساته.
وإنكار الذات هنا عمليةٌ لا تقابل باحترامٍ من المراقبين، ذلك أنها تفتقد الشجاعة، فهي ليست من باب التزهد في قبول الثناء نتيجة خدمات خفية أو أعمال بطولية قام بها الحزب لصالح الكُرد، أو باعتباره فاعل خير ويريد أن يبقى جندياً مجهولاً ينحني الآخرون أمام ذكراه، الحقيقة هي أن الحزب يخجل من نفسه ومن علاقته بالنظام السوري، لذلك تراه ينكُر نفسه، وترى مسلحيه يغطون وجوههم، ليس خوفاً من النظام طبعاً، فهم واجهته وأداته الضاربة في المنطقة الكُردية السورية، كما كان عليه شأنهم في كل مكان تواجدوا فيه، كما أنهم معروفون من قبلهِ، بل خوفاً من الناس عندما يسقط النظام.
إلا أن من يقوم بعملية غسل ثياب الحزب هو إعلامه المهلهل الذي ينتمي إلى العصر الأسدي، من ذلك مثلاً (وكالة الفرات للأنباء)، هذه الوكالة التي لا تنتمي للأنباء سوى بالأسم، فهي تتخصص، مثلها مثل شقيقاتها السوريات، البعيدات عن المِهنية، كالدنيا وغيرها، في فبركة الأخبار والوثائق، وخاصةً الوثائق (الدامغة) التي تدين حاملها !؟ إذ إن كل من يُلقي القبض عليه من قبل (قوات الحماية الشعبية)، والتي هي في الحقيقة قوات حماية النظام، يحمل حسب الوكالة (جوازات سفر تركية مصدرها تركي، ووثائق غير رسمية مشبوهة) مثلما أوردته (الفرات) عن إلقاء لجان حزب العمال الكُردستاني (القبض على خمسة أشخاص على الحدود التركية السورية أثناء محاولتهم الدخول إلى الأراضي التركية)، وهم الذين تبين أن معظمهم من تنسيقية عامودة.
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا ليس عن وثائق الوكالة المشبوهة، التي تبخرت بعد أن تظاهر الناس ضد الحزب للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، وهو ما تم فعلاً نتيجة إصرار المتظاهرين وصمودهم، رغم (وجود وثائق إدانة دامغة للمعتقلين بحوزتهم)، ورغم استعانة الحزب بقوات النظام، وإطلاق النار على المتظاهرين، وما نتج عنه من جرح متظاهر، السؤال هو: من عين حزب العُمال الكُردستاني وصياً على الناس، يتدخل في شؤونهم الخاصة والعامة، فيُحرم عليهم ما يشاء ويُحلل لهم ما يشاء، ويفرض عليهم الاتاوات الكيفية، وكل ذلك تحت طائلة العقوبات القروسطية؟
وإذا ما شئنا البقاء في موضوع إعلام الحزب العُمالي فلا نستطيع إلا أن نثير قضية سكرتير حزب آزادي الأستاذ مصطفى جمعة، فقد ذكرت الوكالة ذاتها وقتها، بأنه نتيجة عملية مخابراتية قام بها (رأفت الهجان الآبوجي) إخترق خلالها الدولة التركية وتلاعب بمخابراتها، وتمكن من الحصول في النتيجة على وثيقة ذهبية تدين السيد جمعة، وإنه أثناء محاولة السيد جمعة (التسلل) إلى إقليم كُردستان لتنفيذ المخطط المزعوم ضد الحزب، تم إلقاء القبض عليه من قبل (وحدات الحماية الشعبية) ذاتها، وبحوزته وثيقة دامغة تدينه بإعتباره عميلاً للإستخبارات التركية، لكن الوثيقة تبخرت مرةً أُخرى في الأيام التالية عندما ظهر السيد جمعة مع صالح مسلم، رجل الحزب في سوريا وجسره للتواصل مع النظام، وعلى وجوههم ضحكات عريضة، حملتها صور تذكارية بمناسبة التوقيع على إتفاقات مشتركة!؟
يبرر حزب العُمال الكُردستاني سياسته في سوريا بأن نظامها مثل (الخنزير) الساقط، حيث أن (شعرةً) من أي مكانٍ من جسده مكسب، وتحاول وكالة الفرات للأنباء الإيحاء من خلال اسمها بأن ما تقدمه هو بطهارة مياه الفرات ونقائها، لكن الشعرة السوداء التي يتبجح الحزب بها تبقى شعرةً ميتة تصلح فقط لتدوين تاريخه الأسود، ولن تتحول بأي حالٍ من الأحوال إلى حبة قمح حية، يمكنها أن (تملأ الوادي سنابل)، كما أن المياه التي تسري في مفاصل وكالة الفرات للأنباء لا تختلف عن المياه الآسنة التي تجري في قنوات النظام، هذا إن لم تكن جزءاً من صرفها الصحي.
() كاتب كُردي سوري/ ألمانيا
المستقبل