تمرين ذهني
صالح الحاج صالح
• منذ 41 عاماً يخرج ملايين السوريين عدة مرات في كل سنة , يهتفون بحياة الرئيس الأب ثم الابن , يخرجون في مُسيّرات تجوب شوارع المدن والبلدات والقرى , يرفعون صوره , ويحملون لافتات تمجد القائد وتعدد مناقبه وانجازاته , وتتوعد الأعداء بالويل والثبور , وتتدلى لافتات أخرى في الشوارع وعلى الأبنية الحكومية محاطة ومضاءة بمصابيح تحيل ليل المدن السورية إلى نهار تصدح في جنباتها الأغاني الممجدة للرئيس , وفي الأيام العادية ,خارج أيام الاحتفالات والمٌسيّرات, تغرق الأحياء وبعموم سوريا في ظلام دام وبشكل متناوب تماشياً مع سياسة التقنين التي ولدت مع فجر الحركة التصحيحية ولا تزال مستمرة …
• مما تقدم , ماذا لو أجرينا عملية حسابية لمقاربة مقدار المال المصروف من خزينة الدولة ,الذي صرف خلال ال41 عاماً . وبما أنه لا يوجد أحداً في سورية بمقدوره تتبع الفواتير التي صرفت , وأيضاً لا توجد قاعدة بيانات مخصصة بهذا الشأن فكل ما يصرف على المٌسيّرات من صور ولافتات , يصرف من بنود النثريات التي يتحكم بها المدراء وبعض الموظفون ولا يطلب ببيانات تفصليه عنها . لذلك نلجأ إلى الحساب الذهني , ويستطيع أي مواطن سوري أن يجري الحسبة الذهنية التي قد تقترب أو تبتعد في تقدير المال العام الذي خصص وصرف لتك الاحتفالات .
• هل الرقم مليار ليرة سورية عن كل مناسبة , رقم عادل , حيث يشمل تكلفة الصور واللافتات وصرف الكهرباء والبنزين ورواتب الموظفين .
• هل خروج السوريين وسطياً أربع مرات في السنة , للاحتفاء برئيسهم , رقم عادل . فيكون المصروف السنوي لتمجيد الرئيس يساوي ( 4 مليار ليرة سورية ) ؟
• أهو منصف الرقم 4 × 41 = 164 مليار ليرة سورية ثمن لصور الرئيس وعائلته , وثمن العبارات التي تكتب , وأجور الحناجر التي تهتف .
• هل التماثيل والنصب التذكارية واللوحات المخصصة للرئيس وأفراد عائلته ، تزيد تكلفتها أم تقل عن تكلفة الاحتفالات ؟ .
• هل ما صرف على هذه الاحتفالات يقتصر على التكلفة ( 164 مليار ليرة سورية ) ,؟ أم يتضاعف الرقم لأنه لا يجوز التدقيق في فواتير تستمد قدسيتها ونزاهتها من المحتفى به . وبالتالي مثلت هذه الاحتفالات أحد أهم مدارس الفساد التي تخرج منها كم هائل من الموظفين العموميين في سوريا .
• وأخيراّ , ماذا لو صرف هذا الرقم لخلق فرص عمل وتطوير البنى التحتية , بدلاً من صور وهتافات وتماثيل , غايتها ( احتلال الفضاء العام ) بحث كانت هدفًا رئيسياً لشباب الثورة , وسجلت بالمقابل أبشع أشكال الانتقام من قبل السلطة تجاه الشباب الذين تجرؤوا على النيل من ( المقدس ) الذي جرى تكريسه بالمال وبالترويض والتخويف طيلة 41 عاماً , لكنه لم يصمد سوى أيام .
الإمارات العربية المتحدة