صفحات الناس

تنافر المعارضين السوريين يفضحه “المعاليق”/ ملاذ الزعبي

 

 

لم تتوقف ولادة صفحات سورية ساخرة على موقع “فايسبوك” منذ اندلاع الثورة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. كانت سخرية الصفحات موجهة، في المقام الأول، ضد خطاب النظام وقنواته الإعلامية وجيش محلليه وأبواقه والمدافعين عنه على الشاشات. فبرز منها الثورة الصينية ضد طاغية الصين و Brother, plz برازر, دعشوك و”سيادتو” والشيخ أبو ماجد الغامقي.

في مرحلة أخرى بدأت تظهر صفحات فايسبوكية أسسها معارضون، لكنها وجهت سهام نقدها وسخريتها لشخصيات تنتمي إلى المعارضة السورية، بما يشمل سياسيين وناشطين ومثقفين وإعلاميين، وحتى فايسبوكيين. من هذه الصفحات “دبوس ثقافي” و”شوفوني”. بعد تراجع نشاط الصفحتين السابقتين، خرجت إلى النور صفحة معاليق الثورة السورية لتحاول ملء الفراغ. ومعاليق جمع معلاق (أو معلاء كما يلفظ بالأصل باللهجة الحلبية)، كلمة سورية محكية وهي تعني الشخص ثقيل الدم كثير الكلام.

تأسست الصفحة في بدايات شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، وحصدت حتى الآن نحو 33 ألف معجباً. ورأى القائمون على الصفحة في شعارها أن “مصيبة الثورة السورية تكمن في كمية المعاليق المحسوبة عليها”. وكما في سابقاتها، انتقدت الصفحة عشرات المعارضين السوريين، قياديون في ائتلاف المعارضة السورية وهيئة التنسيق، ممثلون وكتاب وإعلاميون وناشطون، إضافة طبعاً لرموز النظام السوري وحلفائه الإقليميين وأبرز وجوهه الإعلامية.

لكن الصفحة أثارت من الجدل ما لم تثره مثيلاتها السابقات، خصوصاً وأن منشوراتها كانت تهاجم بضراوة كل الأصوات الناقدة لمظاهر سلبية في الثورة. فظهر جلياً أن المشرفين على الصفحة لا يقبلون أي نقد للثورة، حتى لو كان صادراً عن أبنائها، وهم في ذلك لم يميزوا بين نقد صادر عن جهة متعاطفة مع الثورة، حريصة عليها، ونقد مغرض أو مزدوج المعايير صادر عن جهة وقفت ضد الثورة منذ حراكها السلمي ولم تجد أي غضاضة في جرائم النظام السوري المتلاحقة. هو نقد يتراوح بين الصادر عن معارضة ذات موقف جلي ومتماسك من نظام الأسد، وآخر قد تتماهى معه في أحداث مفصلية كاستخدامه للسلاح الكيماوي.

ما يؤخذ على الصفحة أيضاً عدم انتقادها لأي من الفصائل العسكرية المنتمية للمعارضة وقياداتها إلا فيما ندر، سواء كانت فصائل الجيش الحر أو الحركات الإسلامية كـ”أحرار الشام” و”جيش الإسلام”، أو تلك الأكثر تطرفاً كـ”جبهة النصرة”. وكأن المعاليق هم فقط أصحاب الكلمة والرأي دون الأخذ بالاعتبار انتهاكات قد تمارسها جهة عسكرية محسوبة على الثورة. وينفي أحد مشرفي الصفحة أبو عمر ذلك، ويقدم في حديث لـ”المدن” تبريراً يبدو غير مقنع: “الوضع العسكري للفصائل معقد جداً ولا أحد يمتلك معلومات دقيقة عنه ولهذا فضلنا الابتعاد عن الخوض بالتفاصيل من دون أدلة واضحة”.

من المآخذ على الصفحة أيضاً، أن الكثير من منشوراتها قائمة على الشخصنة والنقد المجحف، بدلاً من السخرية الذكية التي تسعى إلى تفكيك خطاب ومفردات الشخص الذي تتناوله. ثمة كذلك ذكورية مفرطة. أحد المنشورات على سبيل المثال، ينتقد نورة الأمير-نائبة رئيس ائتلاف المعارضة السورية، من خلال نشر صورة لها وهي تدخن. وكأن إمساكها بسيجارة هو جريمة لا تغتفر، أو على الأقل فعل شائن يجب ألا يمر مرور الكرام. أما انتقاد المستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري بشار الأسد لونا الشبل أو الكاتبة هالة دياب التي دعت بريطانيا إلى عدم استقبال لاجئين سوريين، فأتى عبر الشتم والقدح لا غير.

في أواخر شهر أيار الماضي مثلاً، تعاملت “معاليق الثورة السورية” باستخفاف وطائفية مع خبر تفجير سيارات مفخخة في أحياء ذات غالبية علوية في مدينة حمص. كما سبق لها أن نشرت صورة مسيئة للشيخ صالح العلي، أبرز الوجوه العلوية التي شاركت في الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي في عشرينيات القرن الفائت. وهو الحدث التاريخي الوحيد ربما الذي يحظى بإجماع بين معظم السوريين. يشدد أبو عمر في تبريره لذلك أن “من أهم وسائل معالجة الخطأ هي بالاعتراف به ومعالجته”، ويوضح: “عندما ترى الحقيقة أمام عينيك ثم يأتي شخص ويحاول تحويرها بعبارات رنانة غير واقعية، سيزداد حقدك وغضبك لأنك ترى أنك تقتل مرتين، مرة بطريقة طائفية من حاقدين بغيضين ومرة ثانية يمكن أن تكون أشد إيلاماً ممن يدعون بأنهم يمثلونك سياسياً عبر تغطية الحقائق”، مشيراً إلى تنوع الخلفيات المناطقية والطائفية للقائمين على الصفحة.

تواصل الجدل بخصوص الصفحة مع استمرار نقدها اللاذع، وبلغ إحدى ذرواته الشهر الماضي، إذ أعلن المخرج السوري المقيم في ماليزيا جمال داود، وهو مؤسس صفحة سيادتو الساخرة، مقاطعة افتراضية لكل المتفاعلين مع الصفحة، وبرّر ذلك في حديث لـ”المدن” بكمّ الشتائم والإساءات التي تحويها عشرات التعليقات على المنشورات. وهو ما يعني، بوجهة نظره، قبول المتفاعلين مع الصفحة بهذه الشتائم. واتهم داود القائمين على الصفحة بالإبقاء بشكل متعمد على الشتائم بهدف “الحصول على أكبر قدر من التفاعل”، مشيراً إلى أن تأسيس صفحة عامة يجب أن يترافق مع “قدر من المسؤولية”.

يرد أبو عمر بالتأكيد على محاولة المشرفين “السيطرة قدر الامكان على تعليقات المتابعين” وحظر من يستخدم عبارات بذيئة، معتبراً أن “كل الصفحات تعاني من هذه المشكلة”.

ذهب كاتب ومعارض سوري لاتهام القائمين على “معاليق الثورة السورية” بأنهم من جبهة النصرة. اتهام ينهل من عقلية النظام السوري التي لم تر في الثائرين عليه والمختلفين عنه سوى إرهابيين أو داعمين للإرهاب. حتى أن إعلامياً سورياً مقيماً في الإمارات اتهم الصفحة بالتحريض على جريمة قتل حصلت في السويد بحق ناشطة سورية تبين بعد أيام أنها بخير وعلى قيد الحياة.

دفع هذا الجدل قناة أورينت الفضائية لتخصيص إحدى حلقات برنامج “هنا سورية” لمناقشة صفحة “معاليق الثورة السورية” عبر استضافة أربعة إعلاميين هم ماهر شرف الدين وصهيب الزبن وغسان ياسين وإياد شربجي. الأخيران سبق أن تناولتهما الصفحة في أكثر من مناسبة. كان واضحاً أن الزبن من المنافحين عنها، وفيما بدا ياسين وشرف الدين أكثر توازناً بموقفهما تجاهها. ظهر شربجي أكثر تشنجاً وتعالياً وحساسية ورفضاً لمجرد وجود الصفحة بين جدران الموقع الأزرق، وهو كغيره، حملها مسؤولية ودوراً أكبر مما قد تحمله.

قد تكون سوية السخرية السورية في فايسبوك تراجعت خطوة إلى الوراء مع “معاليق الثورة السورية”، لكن عقلية المنع والإقصاء التي يتعامل بها كتاب وصحافيون مع الصفحة، تشير إلى أن مستوى قبول الآخر بين المعارضين السوريين قد تراجع عشر خطوات.

المدن

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى