صفحات الناس

تنسيقية فيرغسون في إعلام الأسد/ عامر أبو حامد

 

قبل تقبّل الدعابة السمجة التي أطلقها مقدم نشرة الأخبار على قناة “سما” الموالية، يوم الثلاثاء الماضي، علينا أن نعذره لصعوبة لفظ اسم المدينة الأميركية “فيرغسون” على شاشة بعثية. فاللغة الإنكليزية، إضافة الى أنها لغة غريبة ومستعصية على العاملين في الفضاء البعثي الإعلامي، هي أيضاً لغة العدو الأميركي والاحتلال البريطاني اللذين ما زالا مشغولين بالنيل من هيبة الدولة السورية.

لكن الإعلام البعثي يجد نفسه مضطراً لتجاوز إشكالية اللغة، ووضع حدّ للحكومة الأميركية على خلفية أحداث الشغب العرقية في مدينة فيرغسون في ولاية ميزوري الأميركية. فوجّه رسالة إستهزائية عبر نشرة أخبار قناة “سما”، وعلى لسان المقدم العراقي محمد عبد الحميد. ومثلما ابتدع “أعداء سوريا” التنسيقيات في المدن السورية، ودفعوا بها إلى الإعلام، ها هو تلفزيون “سما” يعلن إنشاء تنسيقية فيرغسون بشكل مشابه، ويحذر الحكومة الأميركية من التمادي في انتهاك حقوق الإنسان.

بغض النظر عن هزلية أن يعيب نظام البراميل على الحكومة الأميركية استخدامها العنف، كما فعل سابقاً مع حكومة أردوغان أيام تحركات “جيزي بارك”، فإن الدعابة الحقيقية هي في كيفية تناول الموضوع إخبارياً. فإلى جانب عائق اللغة، ثمّة عائق تقني أيضاً. إذ كيف لمعدّ نشرة الأخبار في “سما” أن يضرب الأميركان في عقر دارهم، وأن يلعب لعبتهم ضدهم، من دون أن يعرف ماذا يجري في فيرغسون؟

الإجابة على السؤال، في ظل غياب شبكة الوكالات العالمية عن غرفة أخبار المحطة الموالية، هو في محرك البحث “غوغل”. وهذا بالتأكيد أمر جيد، إذا ما اعتقد المرء أن الجماعة يستطيعون الدخول ببساطة إلى أخبار “غوغل” وقراءة مقالين بالحد الأدنى عن قضية فيرغسون. إلّا أن عائقاً ثالثاً سيواجه الفريق الإخباري، وهو عائق الذكاء التكنولوجي. فرغم أن القائد الشاب أهدى السوريين مفهوم التكنولوجيا منذ أكثر من عشر سنوات، ما زال بعض الأمور غامضاً، خصوصاً في ما يتعلق بـ”غوغل”. هكذا، قد يخلص فريق أخبار “سما” أخيراً إلى وضع كلمة فيرغسون باللغة العربية كما هي، في “غوغل”، وقراءة النتائج للمشاهد. ومن ثم توجيه رسالة ساخرة لأميركا مشابهة لتلك التي كان الغرب يوجهها لبشار الأسد في بداية مسيرته الإجرامية.

لكن الإجراء هذا ليس ما يمكن استشفافه من مقدمة النشرة، بل أن عبد الحميد، في مقدمته، أوضح أن أحداً لا يعلم شيئاً عن مدينة فيرغسون، لدرجة أننا كنا نظن أن فيرغسون هو مدرب كرة القدم الاسكوتلندي الشهير (النتيجة رقم واحد التي صادفت عبد الحميد في غوغل). لكن، وبحسب عبد الحميد، فإن مبتدئاً في “علوم الانترنت” يمكنه وضع كلمة فيرغسون على غوغل ليعرف ماذا يحصل في أميركا. وهو ما فعله عبد الحميد ليقول لنا أن فيرغسون مدينة أميركية “سقط فيها تمثال الحرية الأميركي في الوحل”!

الأسلوب السابق في الرد على الغرب، ليس جديداً على النظام السوري. فوزير الخارجية وليد المعلم، وممثل سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري، لطالما استخدما حوادث القمع في مناطق متفرقة لتبرير وحشية النظام. لكن، في المستوى الإعلامي، فإن هذا الأسلوب لا يكشف عن غباء مزمن في المنظومة الإعلامية الموالية فحسب، بل عن تدني المستوى المعرفي لمتابعي هذه المحطات.

السخرية من الأميركيين ووسائل إعلامهم تتطلب بالدرجة الأولى أن يكون الساخر مجارياً للذين يسخر منهم، أو على الأقل، أن يداري جهله بالفرق بين مدرب كرة قدم ومدينة أميركية.. وفي نشرة الأخبار!

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى